قال أبو يعلى الموصلي في : (مسنده/ رقم : 2747) ( حدثنا أبو خيثمة حدثنا سفيان عن إبراهيم بن ميسرة عن طاووس يبلغ به : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لم ير للمتحابين مثل النكاح ).
[2747] [ضعيف]: أخرجه سعيد بن منصور في سننه [492]، والعقيلي في الضعفاء [134/4]، والمعافي بن عمران كما في روضة المحبين [ص 84]، لابن القيم، وغيرهم من طرق عن ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس به مرسلاً!! .
قلت: قد اختلف في سنده على ابن عيينة كما يأتي بسط ذلك؛ لكن هذا الوجه هو المحفوظ عنه بلا تردد؛ وقد توبع عليه ابن عيينة هكذا مرسلاً: تابعه ابن جريج ومعمر كلاهما عن إبراهيم بن ميسرة عند عبد الرزاق [10377]، ورواية ابن جريج وحدها عند ابن شيبة [15915]، والبيهقي في سننه [13230]، فهؤلاء ثلاثة من الثقات الأثبات رووه عن إبراهيم علي هذا الوجه مرسلا ..
وخالفهم محمد بن مسلم الطائفي!! فرواه عن إبراهيم بن ميسرة فجوَّد إسناده!! فقال: (عن إبراهيم عن طاوس عن ابن عباس به ...) موصولاً!! هكذا أخرجه ابن ماجه [1847]، والحاكم [174/1]، والطبراني في الكبير [11/ رقم 11009]، وفي الأوسط [3/ رقم 3153]، والبيهقي في سننه [13231]، وتمام في فوائده [رقم 816،817،818]، والعقيلي في الضعفاء [134/4]، وابن عساكر في تاريخه [184/54]، و[460/61]، و[71/65]، وأبو زرعة الشامي في الفوائد المعللة [رقم 3]، وابن أبي حاتم في العلل [عقب رقم 2252]، وابن الجوزي في ذم الهوي [2/ رقم /899/ بتخريجنا]، وغيرهم من طرق عن محمد بن مسلم الطائفي به ... مثل لفظ المؤلف؛ لكن وقع عند الحاكم والطبراني في (الأوسط) وأبي زرعة والعقيلي وعنه ابن الجوزي: (لم ير للمتحابين مثل التزويج) بدل (مثل النكاح) وهو رواية لتمام وابن عساكر.
قلت: قال البوصيري في (مصباح الزجاجة): (إسناده صحيح ورجاله ثقات!!) كذا!! كأن البوصيري خُدِعَ بظاهر الإسناد!!
وسبقه الحاكم إلى هذا فقال: (هذا حديث صحيح علي شرط مسلم!! ولم يخرجاه؛ لأن سفيان بن عيينة ومعمر بن راشد أوقفاه عن إبراهيم بن ميسرة علي ابن عباس !!).
قلت: وفي كلامه نظر من وجوه:
1-الأولي: أن الحديث ليس صحيحًا ولا كاد!! بل المحفوظ فيه هو الإرسال كما يأتي، ثم لو لم يخالف محمد بن مسلم الطائفي في وصله!! لما كان حديثه علي الانفراد صحيحًا إلا عند من تساهل!! بل نهاية أمره أن يكون حسنًا فقط!! فكيف والتحقيق بشأن الطائفي: أنه ضعيف الحفظ لم يكن بالضابط أصلاً!! وهو كثير المخالفة للثقات في رواياته، حتي عددتُ له من هذا الطراز شيئًا كثيرًا !!
2-والثانية: أننا لو تسامحنا وجزمنا بتحسين حديث محمد بن مسلم علي الانفراد،-لاسيما هذا الحديث-لم يكن علي شرط مسلم قط!! لأن الطائفي لم يخرج له مسلم في (صحيحه) إلا متابعة كما جزم به الحاكم نفسه! ونقله عنه الحافظ في التهذيب [445/9].
فقول الحافظ ابن النحوي في بدره المنير [7/430] : بعد أن ذكر تصحيح الحاكم للحديث على شرط مسلم ! قال : ( قلت : وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي ، وَفِيه مقَال ، وَمُسلم أخرج لَهُ ؛ فَصَحَّ قَول الْحَاكِم أَنه عَلَى شَرطه !) ليس بشيئ ! وقد عرفتَ ما فيه ؟
3-والثالثة: قول الحاكم: ( لأن سفيان بن عيينة ومعمر بن راشد أوقفاه عن إبراهيم بن ميسرة علي ابن عباس!!) كذا قال! وهذا من أوهامه الكثيرة!! وقد تعقبه الإمام الألباني في (الصحيحة) بقوله : ( (كذا قال! ولعلَّ صوابَ العبارة: أرسلاه عن إبراهيم ابن ميسرة عن ابن عباس) !.
قلتٌ: وقد مضى أن ابن عيينة ومعمر ومعهم ابن جريج ثلاثتهم رووه عن إبراهيم عن طاوس به مرسلاً!! ليس فيه ابن عباس موقوفًا أو مرفوعًا!! فكأن الإمام قد وهَمَ هو الآخر !
نعم : ربما كان كلمة (طاوس) حُرِّفَتْ في مطبوعة المستدرك إلي: (ابن عباس!!) والأول عندي هو الأظهر!!
ثم إن محمد بن مسلم الطائفي مع ما قيل في حفظه - قد خالفه ابن عيينة ومعمر وابن جريج كما مضي؛ فرووه عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس به مرسلاً!! وهذا هو المحفوظ بلا شك، ولو لم يروه هكذا إلا ابن عيينة وحده؛ لكفى في ترجيح -بل تقديم- روايته علي رواية الطائفي أبدًا!! وقد سُئِلَ ابن معين من الطائفي هذا فوثَّقه ثم قال: (وكان ابن عيينة أثبت منه ومن أبيه ومن أهل قريته!!) كما في تاريخ الدوري [76/3]، وهو كما قال، وابن عيينة هو ابن عيينة!! نعم قد اختلف في سنده عليه!! فرواه عنه زهير بن حرب والحميدي وسعيد بن منصور وغيرهم علي الوجه الماضي مرسلاً.
وخالفهم أحمد بن حرب الطائي!! فرواه عن ابن عيينة فقال: عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال: (جاء رجل إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله: عندنا يتيمة قد خطبها رجلان موسر ومعسر، هي تهوى المعسر!! ونحن نهوى الموسر، فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- لم ير للمتحابين مثل النكاح) ! فنقله إلي مسند (جابر بن عبد الله!!) وأسقط منه إبراهيم بن ميسرة!! وأبدل (طاوس) بـ (عمرو بن دينار!!) هكذا أخرجه ابن شاذان في المشيخة الصغري [رقم 06]، وعنه ابن الجوزي في ذم الهوي [2/ رقم 900]، والخطيب في المتفق والمفترق [رقم 480]، من طريق أبي الفوارس أحمد بن علي بن عبد الله محتسب المصيصة عن أبي بشر حيان بن بشر قاضي المصيصة عن أحمد بن حرب الطائي به .....
قلت: قال الإمام في الصحيحة [192/2]: (هذا إسناد رجاله ثقات معرفون من الطائي فصاعدًا، وأما حيان بن بشر فذكره ابن أبي حاتم [248/1]، من رواية عمر بن شبه النميري عنه، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً!!).
قلت: هذا من أوهام الإمام!! بل حيان بن بشر المترجم في (الجرح والتعديل) وكذا في تاريخ بغداد [284/8]، وطبقات أبي الشيخ [128/2]، وغيرها، متقدم الطبقة عن (حيان بن بشر) رواي هذا الحديث عن أحمد بن حرب!! وإنما صاحبنا هو (حيان بن بشر بن مخارق بن شبيب بن بشر قاضي المصيصة، حدث عن أحمد بن حرب الطائي ويوسف بن سعيد بن مسلم المصيصي، روي عنه أبو الفوارس أحمد بن علي المصيصي، وأبو الفضل الشيباني، ومحمد بن أحمد بن جميع الصيداوي!!) هكذا ترجمه الخطيب في المتفق والمفترق [/21/1 رقم 429]، ثم ساق له هذا الحديث، ولم يزد عليى ذلك شيئًا!! فهو مستور الحال!!
ثم قال الإمام الألباني: (وأما أحمد بن علي أبو الفوارس فلم أجد له ترجمة فيما لدي من المراجع، وأغلب الظن أنه في (تاريخ ابن عساكر) ولست أطوله الآن).
قلت: ولم أهتد إليه أنا في تاريخ ابن عساكر!! ولا في غيره!! وما أظنه إلا مثل الراوي عنه في غياب الحال!! وبمثل هذا لا يثبت هذا الإسناد إلي أحمد بن حرب أصلاً!! وقد رأيت الخطيب قد غمز في ثبوته!! فقال عقب روايته: (هذا غريب من حديث عمرو بن دينار عن جابر، ومن حديث ابن عيينة عن عمرو، ولا أعلم رواه إلا أحمد بن حرب من هذا الطريق إن كان محفوظًا عنه!!)
فتأمَّل قوله: (إن كان محفوظًا عنه!!) ثم لو سلَّمنا بصحة الطريق إلي أحمد بن حرب، لكان ذلك من أوهام ابن حرب علي ابن عيينة!! كأنه قد سلك فيه الطريق!! فابن حرب وإن كان صدوقًا إلا أنه لا يحتمل مخالفة الحميدي - وهو أثبت الناس في ابن عيينة- وزهير بن حرب وسعيد بن منصور !! وكلهم رووه عن ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس به مرسلاً كما مضى.
ثم جاء بعض الهلكي وحاول وصله من رواية طاوس عن ابن عباس!! أعني : إبراهيم بن يزيد الخوزي الساقط المعروف في أوساط النقلة بكل سوء!! وترجمته سوداء في (التهذيب) وذيوله!! فتراه يرويه بكل وقاحة عن سليمان الأحول وعمرو بن ديناركلاهما عن طاوس عن ابن عباس به مثل رواية جابر الماضية!! هكذا أخرجه أبو عبد الله ابن منده في الأمالي [ق 1/46]، كما في الصحيحة [196/2]، وكذا أخرجه الطبراني أيضًا في الكبير [11/ رقم 10895]، ولكن بالمرفوع منه فقط! وقد وقع عنده: (عن سليمان الأحول أو عمرو بن دينار!!) هكذا بالشك!! وما قيمة هذا الشك أو الجزم من ذاك الخوزي التالف؟!
ثم وجدت محمد بن مسلم الطائفي قد توبع علي وصله عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس به مثل لفظ المؤلف!! فتابعه:
1- عثمان بن الأسود المكي - الثقة المعروف- عند الدارقطني في الأفراد والغرائب [رقم /2406/ أطرافه]، قال الدارقطني: (تفرد به يزيد بن مروان عن عمر بن هارون عن عثمان بن الأسود المكي ..).قلت: وهذه متابعة كالماء!! وعمر بن هارون حاله كحال إبراهيم الخوزي الماضي آنفًا!! بل كذبه ابن معين بخط عريض!! وهو من رجال : ( التهذيب ) .
2- وتابعه سفيان الثوري علي مثل لفظ المؤلف عند الخليلي في الإرشاد [653/2/المنتخب]، [947/3/المنتخب]، وابن جميع في معجم شيوخه [ص/ 244]، وأبي القاسم المهرواني في الفوائد المنتخبة [رقم/165/تخريج الخطيب البغدادي] من طريق عبد الصمد بن حسان عن الثوري به....
قلت: وقد توبع عليه عبد الصمد: تابعه مؤمل بن إسماعيل عن الثوري به ... عند الخليلي في الموضع الثاني، وقال: (هذا أسنده عبد الصمد ومؤمل بن إسماعيل!! وغيرهما رواه عن سفيان عن إبراهيم عن طاوس مرسلا!!) وقال أبو بكر ابن ثابت الحافظ في ( تخريجه لفوائد المهرواني ) :(لم يروه هكذا موصولاً عن الثوري إلا عبد الصمد بن حسان، وتابعه مؤمل بن إسماعيل، ورواه غيرها عن سفيان مرسلاً ،لم يذكر ابن عباس في سنده، وهو الصواب)
قلتُ : قد أخطأ الإمام في ( الصحيحة ) ونسب هذا الكلام إلى أبي القاسم النهرواني ! ولم يفعل شيئًا ! إنما هذا كلام تلميذه أبي بكر ابن ثابت الحافظ ! وهو الذي انتقى عليه تلك : ( الفوائد المنتخبة ) وخرَّجها له أيضًا . فانتبه يا رعاك الله .
ثم قال الإمام الألباني: (قلت: لم أره- يعني هذا الحديث - عن الثوري مرسلاً، وإنما عن ابن عيينة كما تقدم، فرواية عبد الصمد هذه جيدة!! فإنه صدوق كما قال الذهبي، ولم يرو ما شذَّ به عن الثقات!! بخلاف الطائفي وغيره كما رأيت!! بل تابعه مؤمل بن إسماعيل كما ذكر المهرواني، فهو متابع لا بأس به لعبد الصمد!! فإذا ضُمَّ إلى هذا الموصول: طريق ابن عيينة الأخرى عن عمرو بن دينار، أخذ الحديث قوة!! ؛وارتقى إلي درجة الصحة إن شاء الله !!).
قلت: وهذا كله مدخول!! والصواب مع أبي بكر بن ثابت الحافظ من كون الصواب عن الثوري هو الإرسال!! وهذا يؤيده ويقويه: رواية الجماعة (ابن عيينة، ومعمر، وابن جريج) عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس به مرسلاً!! والموصول عن الثوري غريب جدًا!! وعبد الصمد بن حسان وإن كان شيخًا صدوقًا، بل ثقة معروفًا، فلم يكن من أصحاب الثوري العارفين بحديثه، والمشهورين بالرواية عنه: كالقطان وابن مهدي وأبي عاصم وابن المبارك و الأشجعي وأبي نعيم والفريابي وأضرابهم!! فأين كان هؤلاء عن هذا الحديث الفائدة ؟! بل وجدت الخليلي قد قال في ترجمة عبد الصمد بن حسان من كتابه الإرشاد [947/3/المنتخب]: (... ويتفرد بأحاديث!!) ثم ساق له هذا الحديث!! وعادة الخليلي في (الإرشاد) قريبة من عادة ابن عدي والعقيلي وابن حبان وغيرهم ممن يذكرون في ترجمة الراوي: أفراده ومناكيره وإن كان ثقة مشهورًا!! وقد تتبَّعتُ ذلك في كتاب الخليلي (الإرشاد) بالاستقراء، ومن غَرْبل تراجم رجاله فيه، علم صدْق ما نقول، فلا يكون عبد الصمد بن حسان إلا وقد وهم علي الثوري في وصله هذا الحديث!!
أما متابعة مؤمل بن إسماعيل له علي وصله عن سفيان، فلا عليك إن غَسَلْتَ ََيديك منها بماء وأُشْنَان!! وقد سقط حديثه يوم أن تنسَّك ودفن كتبه!! وسوء ُحفظه مما سارت به الركبان!! وتناقلتْه الأزمان عبر الأزمان!! وقد جمع محدث الزمان: محمد عمرو عبد اللطيف - شفاه الله- جزءًا في أوهام المؤمل قد سماه: (الهجر الجميل لأوهام المؤمل بن إسماعيل) أو: ( المعجم المعلل لشيوخ العدوي مؤمَّل ) -ولا أظنه مطبوعًا- كشَفَ فيه الستار عن علل حديث المؤمل وأوهامه في مروياته، فماذا تكون قيمة روايته عن الثوري هنا؟!
ولعله سمعه من الثوري مرسلاً فوصله!! بل ربما يكون قد سمعه من غير الثوري رأسًا، ثم رواه عن الثوري توهمًا أنه قد سمع منه!! علي عادة الضعفاء ومضطربي الحديث!! وقد مضي عن الخليلي وأبي بكر الخطيب الحافظ أن عبد الصمد ومؤمل قد خُولفا في وصل الحديث عن الثوري!! خالفهما غيرهما، فرووه عن الثوري مرسلاً ، ورجَّح الخطيب هذا الوجه المرسل عن الثوري كما مضي، فالقول ما قالت حَذَامِ!!
أما قول الإمام الألباني: (فإذا ضُمَّ إلي هذا الموصول: طريق ابن عيينة الأخري الموصولة عن عمرو بن دينار؛ أخذ الحديث قوة، وارتقي إلي درجة الصحة إن شاء الله!!) فهذا ما أراه إلا من تقوية المنكر بالمنكر!! ولا يصح عن ابن عيينة إلا الوجه المرسل كما مضي، وما عدا ذلك عنه فهو غير محفوظ البتة!!
والصواب في هذا الحديث: هو الإرسال، وهذا هو الذي اختاره العقيلي، فإنه قد ذكر رواية محمد بن مسلم الطائفي الموصولة عن إبراهيم بن ميسرة في الضعفاء [134/4]، و أعقبها برواية ابن عيينة المرسلة عن إبراهيم، ثم قال: (وهذا أولى) وهو كما قال.
وللحديث : شاهد من رواية عمر بن الخطاب به مرفوعًا .... أخرجه أبو بمر الإسماعيلي في : ( مسند عمر ) وسنده منكر ! كما بينَّا ذلك في تعليقنا على ( ذم الهوى / لابن الجوزي ) [1/رقم/899].
[تنبيه] قال الطبراني في الأوسط [رقم 3153]، عقب روايته هذا الحديث موصولاً من طريق محمد بن مسلم الطائفي عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس به ...قال: (لم يروه عن طاوس؛ إلا إبراهيمه، ولا يروه [كذا] عن إبراهيم إلا محمد وسفيان الثوري؛ تفرد به مؤمل بن إسماعيل عن الثوري!!) وهذا كلام صحيح مستقيم؛ إلا جَزْمَه بتفرد مؤمل بروايته عن الثوري وحده!! بل تابعه عبد الصمد بن حسان كما مضي ذلك.
لكن أبَى المحدث أبو إسحاق الحويني إلا أن يناقش الطبراني في جميع كلامه!! وتعقبه في كتابه تنبيه الهاجد [رقم 277]، قائلا: (قلت: رضي الله عنك!! ففي هذا النقد مؤاخذات ثلاثة!
:الأولي: أنه لم يتفرد به إبراهيم بن ميسرة!! فقد تابعه سليمان الأحول أو عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس مرفوعًا مثله!! أخرجه ...) .
قلت: بل عفا الله عنك يا أبا إسحاق!! أبمثل هذا يُتَعقَّب علي أبي القاسم اللَّخمي؟! ألم تعلم أن هذه المتابعة لا تثبت إلا إذا تجمَّد الماء وسَطَ جحيم مُسْتعر!! فوالله ما رواه سليمان الأحول أو عمرو بن دينار قط!! كيف وراويه عنهما أو أحدهما: هو إبراهيمه بن يزيد الخوزي ذلك الهالك المشهور!؟ وكيف لمثله أن يُصدَّق في رواية عن مثله؟! فكيف بإمام من أئمة المسلمين؟! وقد مضي الكلام عليى روايته سابقًا، فانظره إن شئت.
ثم قال المحدث الحويني - حفظه الله-: (والثانية: لم يتفرد به الطائفي وسفيان الثوري!! فتابعهما عثمان بن الأسود المكي عن إبراهيمه بن ميسرة مثله... أخرجه...!!).
قلت: لا والله! ما صحَّ هذا عن عثمان بن الأسود قط!! وكيف يصح وفي الطريح إليه حيَّة رقطاء دونها الموت الزؤام؟! أعني: عمر بن هارون البخلي الذي يقول عنه ابن معين: (كذاب خبيث ليس بشيء!!) وأسقطه سائر النقاد فسقط على أم رأسه!! راجع ترجمته في (التهذيب) وذيوله، وقد مضى الكلام على روايته أيضًا.
وكم ينزلق المحدث أبو إسحاق بقدميْه هذه المزالق الوعرة فيما يتعقَّب به جماعة الحفاظ في كتابه (تنبيه الهاجد!!) كأنه لم يكن يبالي بعدم ثبوت الطريق إلي ذلك المتابع الذي يدْرأُ بروايته قولَ من نَفَى ذلك من الأئمة الكبار!! فأنَّى يتمُّ له التعقب؟! ويكف يصح له؟!
وكم جزم حُذَّاق المحدثين: بأن الأئمة قد يطلقون تفرُّد الراوي بالرواية، ومرادهم بذلك: تفرُّده بالسياق لا بأصل الحديث، أو تفرده بزيادة وقعت فيه مثلاً!!
وكم قلنا: بأنهم قد يجزمون بكون فلان لم يروه عنه إلا فلان، ومرادهم أنه لم يصح إلا من طريق هذا عن ذلك فقط؛ لصحة الإسناد إليهما، وهم يعلمون أن ثمَّة جماعة قد روي عنهم متابعة ذلك الراوي، لكنهم يهملون ذكر ذلك؛ لعدم ثبوت تلك المتابعات إلي أصحابها، وكذا لعدم شهرتها عندهم، وربما صحَّتْ المتابعة إلي صاحبها، لكنهم يتنكبون عنها لكون ذلك المتابع ليس بحجة عندهم، فتكون متابعته كعدمها!! وأين هؤلاء المتعقِّبون - إلا من رحم ربي- على هؤلاء الأماجد من جميع ما مضى؟! فكأننا ننفخ في بُوقٍ ليس له منفذ تُصمُّ لصوته الأسماع!! حتى عزمنا على وضْع كتاب نستدرك به على ما استدركه الشيخ المحدث النبيل أبو إسحاق الحويني علي جماعة من الكبار في كتابه: (تنبيه الهاجد) دون مراعاة منه لمراد بعض الأئمة في إطلاقهم التفرد ونحوه!! ولعلنا نُسمِّيه: (إيقاظ العابد بما وقع من النظر في تنبيه الهاجد) نذكر في مقدمته قواعد كلية ، وقوانين ثابتة شمولية؛ لمن يريد التعقب علي سلف الأئمة في مختلف الفنون، ثم نذكر قبل ذلك شروط صلاحية المتعقب لأئمتنا، ومَنْ يقبل قوله ومن يُردُّ!! مع ذِكْر أمثلة لذلك، وفوائد نفيسة، ونُكَت عزيزة، ونصائح وإرشادات، ثم نُعرِّج علي موضوع الكتاب، وذِْكر ترجمة حسنة للمتعقَّب عليه، ثم الولوج إلي مواطن النظر في (تنبيه الهاجد) على ترتيب حسن إن شاء الله، ونحن نجمع العزم لتحقيق ذلك الإيقاظ عاجلاً غير آجل، والله من وراء القصد، وهو أعلم بمن زرع وحصد، والويل لي إنْ لم يتقبله الله مني!!
انتهى بحروفه من : ( رحمات الملأ الأعلى بتخريج مسند أبي يعلى ) [رقم: 2747] .