الحديث الثامن عشر :
وقال النووي أيضا 2 / 84 :
قال المصنف رحمه الله
[وَيُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ قَائِمًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؛
لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: (مابلت) قائما منذ أسلمت .
ولأنه لا يؤمن أن يترشش عليه، ولايكره ذَلِكَ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا لعلة بمنبضيه]
[الشَّرْحُ] أَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ تَعْلِيقًا لَا مُسْنَدًا وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيّ ُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبُولُ قَائِمًا فَقَالَ يَا عُمَرُ:" لَا تَبُلْ قَائِمًا ". فَمَا بُلْت بَعْدُ قَائِمًا .
لَكِنَّ إسْنَادَهُ ضَعِيفٌ .
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أنَّ يَبُولَ الرَّجُلُ قَائِمًا).
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيّ ُ وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَيُغْنِي عَنْ هَذَا :
حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ مَا كَانَ يَبُولُ إلَّا قَاعِدًا). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيّ ُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيّ ُ وَغَيْرُهُمْ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ .
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَتَى سباطة قوم فبال قائما).
فصحيح ؛ روه الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ: أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا ..اهـ
قال مقيده عفا الله عنه: هذا النص منقول من نسخة المكتبة الشاملة ولا يخفى عليكم ما قد يقع فيها من تصحيف أو تحريف أو سقط، وهو ما وقع بعضه هنا،وأعني قوله:"
لعلة بمنبضيه" والصواب:
بمأبضه. قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (3/ 165):"والمأبض بهمزة ساكنة بعد الميم ثم باء موحدة وهو باطن الركبة".
الحديث الذي أورده الشيرازي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا لعلة بمأبضه) غير حديث حذيفة المتفق عليه
الذي فيه "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما"، فحديث حذيفة هذا ليس فيه أن السبب "لعلة بمأبضه"، فالكلام المنقول عن النووي ليس فيه حكمه على الحديث الذي ذكر الشيرازي في "المهذب" وفيه "بمأبضه"، وحكم النووي على هذا الحديث مهم جداً، لبيان التفرقة بينه وبين حديث حذيفة، فلو استكمل كلام النووي بدلاً من النقط، وبقية كلام النووي:"وأما قوله لعلة بمأبضه رواه البيهقي من رواية أبي هريرة لكن قال لا تثبت هذه الزيادة". وقال أيضاً في "شرح صحيح مسلم" (3/ 165):"والثاني أن سببه ما روي في رواية ضعيفة رواها البيهقي وغيره أنه صلى الله عليه وسلم بال قائما لعلة بمأبضه". وقال إيضاً في "الإيجاز في شرح سنن أبي داود" (ص/ 152):" وقد جاء في رواية عن أبي هريرة ضعيفةٍ ذكرها البيهقي أنه بال قائمًا لعلَّةٍ بمأبضه. قال البيهقي: "لا تثبت هذه الزيادة".
فالذي قصدت بيانه هو الحكم على لفظ:"لعلة بمأبضه"، وبذلك يظهر أن وضع النقط دون استكمال كلام النووي، كان الأولى تجنبه. والله أعلم.
ثم إن قول النووي :"وَيُغْنِي عَنْ هَذَا :
حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ مَا كَانَ يَبُولُ إلَّا قَاعِدًا)". يغني عن ماذا؟ الظاهر أنه يعني أحاديث النهي غن البول قائماً التي ذكرها الشيرازي، والذي يغني هو حديث حذيفة، بعد توجيه حديث عائشة على النحو الذي ذكره أهل العلم، مع بيان ضعف أحاديث النهي عن البول قائماً ومن ذلك قول الحافظ ابن حجر في "
فتح الباري" (1/ 330):"والجواب عن حديث عائشة أنه مستند إلى علمها فيحمل على ما وقع منه في البيوت وأما في غير البيوت فلم تطلع هي عليه وقد حفظه حذيفة وهو من كبار الصحابة وقد بينا أن ذلك كان بالمدينة فتضمن الرد على ما نفته من أن ذلك لم يقع بعد نزول القرآن وقد ثبت عن عمر وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قياماً وهو دال على الجواز من غير كراهة إذا أمن الرشاش والله أعلم ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه شيء". وقال الشيخ الألباني في
"الصحيحة" (1/ 393):"واعلم أن قول عائشة إنما هو باعتبار علمها، وإلا فقد ثبت في " الصحيحين "
وغيرهما من حديث حذيفة رضي الله عنه قال:
" أتى النبي صلى الله عليه وسلم سباطة قوم فبال قائما ".
ولذلك فالصواب جواز البول قاعداً وقائماً، والمهم أمن الرشاش، فبأيهماحصل وجب".وقال في "الصحيحة" (1/ 393):"وأما النهي عن البول قائما فلم يصح فيه حديث، مثل حديث " لا تبل قائماً". أحببت أن أضع ما وقفت عليه للنظر فيه؛ فرد علي من أخطأت فيه، وخذ صوابه إن وجد.والله أعلم.