عليون أم نصيريون؟
إن الاسم الأول للعلويين الذي أطلق عليهم في بداية ظهورهم في العراق في القرن الثالث الهجري، والذي أطلقوه هم أيضا على أنفسهم هو (النميريون) نسبة لقبيلة بني نمير في العراق التي كان منها محمد بن نصير (مولى لهم) (ت 260هـ) مؤسس هذه الطائفة وفيها فشا اعتقاد ابن نصير القائل بألوهية علي بن أبي طالب، وكان جل أتباعه من بني نمير، فنسب القائلون بهذا الاعتقاد إلى بني نمير وصاروا يسمون النميريين. وخير من يعبر عن هذه الفترة شاعر النصيريين العراقي منتجب الدين العاني (ق 4هـ)، فهو لم يذكر اسم النصيرية ولا مرة ابدا في شعره بل استعمل مصطلح النميرية كاسم لهم من مثل قوله:
و اني نميري اليقين و معشري إلى مضر الحمراء في المجد تضرب[1]
ويقصد بكلمة (نميري) ولاءه العقائدي الديني وليس القبلي لان المنتجب ليس من بني نمير
وفي القرن الرابع استطاع احد معتنقي النميرية وهو الحسين بن حمدان الخصيبي الجنبلاني (260 – 345هـ) أن ينشر هذه الدعوة خارج العراق في بلاد الشام (حلب) بعد أن هرب إليها على اثر قتل الحلاج في بغدادحوالي عام 331هـ. كان الخصيبي هو اول من استحدث اسم (النصيرية) نسبة لمحمد بن نصير بدل بني نمير فشاع اسم النصيرية بدل النميرية في الشام قبل أن ينتقل الى العراق، وقد استخدم الخصيبي اسم النصيرية بدل النميرية في اكثر من مكان خاصة في اشعاره فقال:
يقول أنا الذي وحدت جهراً نصيرياً وقد برح الخفاء[2]
وقال أيضا:
وكن من فراخ النور أولاد الطّهارات نصيريّاً فراتياً سليل السّلسليّات[3]
ومع الوقت صار اسم النصيرية اسما رسميا لهم يُسَمّون به أنفسهم ويسميهم به غيرهم، وبقي هذا اسمهم حتى مطلع القرن العشرين واحتلال فرنسا لسوريا.
إن اسم (العلويين) الذي يطلق اليوم على النصيريين هو اسم حديث مصطنع لا وجود له قبل مطلع القرن العشرين، وكان أول من استخدم اسم العلويين هم الفرنسيون بعد احتلالهم لسوريا لتسميتهم عوضا عن اسم (النصيريين) الذي كانوا يعرفون به، وقد جاءت التسمية الفرنسية تلك لهم كنوع من التلميع وتشتيت انتباه الآخرين عن حقيقة أنهم أتباع ابن نصير النميري وليؤمنوا لهم قبولا في المجتمع المسلم بربط اسمهم بشخص علي بن أبي طالب. وقد اعتمد الفرنسيون هذا الاسم فأطلقوه على الدويلة التي أنشأها لهم "غورو" في الساحل الشامي تحت اسم (دولة العلويين) عام 1920، واستمرت في الوجود حتى عام 1936م.
وفي المصادر الدينية النصيرية السرية فان النصيريين لا يسمون طائفتهم باسم (العلويين) أبدا بل يشيرون لأنفسهم بأسماء عديدة مثل:
النصيرية: نسبة لمحمد بن نصير.
والشعيبية: نسبة لأبي شعيب محمد بن نصير. مثل قول المكزون السنجاري:
وَبِالشَعيبِيِّ أُدعى بَينَ شُعبَتِها وَهَذِهِ في هَواها أَشرَفُ الرُتَبِ[4]
والخصيبية: نسبة للخصيبي. مثل قول المنتجب العاني:
واني نميري في الانتساب خصيبي لا اتعدى الصواب[5]
ولهم فيما بينهم أسماء محلية يتداولونها تعبر عن انتماءاتهم العقائدية مثل:
الكلازيون: نسبة لشيخ لهم يسمى (محمد الكلازي الأنطاكي) (ق 17م) وغالبية نصيرية سوريا ينتمون الى الكلازية.
والحيدريون: نسبة لشيخ اسمه علي حيدر وغالبية نصيرية تركيا ينتمون للحيدرية.
والاختلاف بين الطائفتين هو اختلاف حول نوعية اعتقادهم بألوهية علي بن أبي طالب.
وقد تناول الاصول العقدية للنصيرية عمومًا والاختلافات بين فرقهم وطوائفهم في مواضيع قادمة ان شاء الله تعالى.
[1] ديوان المنتجب-ص158
[2] ديوان الخصيبي-ص64-الموسوعة الشعرية العربية-2009
[3] ديوان الخصيبي-ص74
[4] ديوان المكزون السنجاري-ص44-الموسوعة الشعرية العربية-2009
[5] ديوان المنتجب العاني-شرح إبراهيم مرهج-مخطوط-ص158