فهذه جملة من المبشرات أزفها لكل مؤمن تقي فهي دليل على رضا الله عن العبد وفيها إشارة إلى حسن العاقبة فأردتها أن تكون سلوة للمؤمنين في زمن حورب فيه الأتقياء ونسب إلى اهل الإيمان كل نقيصة
قال الله تعالى (آلا ان أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمت الله ذلك هو الفوز العظيم ) يونس الاية 64
قال ابن سعدي رحمه الله : وأما البشارة في الدنيا فهي الثناء الحسن والمؤدة في قلوب المؤمنين والرويا الصالحة وما يراه العبد من لطف الله به وتيسيره لا حسن الأعمال والأخلاق وصرف عنه مساوئ الأخلاق أما في الآخرة فأولها البشارة عند قبض روحه كما قال تعالى( ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياءكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعمن نزلاُ من غور رحيم ) وفي القبر ما يبشر به من رضا الله تعالى والنعيم المقيم وفي الآخرة تمام البشرى بدخول جنات النعيم والنجاة من العذاب الأليم ..... والحاصل ان البشرى شاملة لكل خير وثواب رتبه الله في الدنيا والآخرة على الإيمان والتقوى ولهذا أطلق ذلك ولم يقيده . التفسير ص368
الثناء الحسن
عن أبي ذر رضي الله عنه قال :قيل يا رسول الله أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمد أو يحبه الناس عليه ؟ قال : تلك عاجل بشرى المؤمن )) رواه مسلم
قال النووي رحمه الله تعالى : قال العلماء معناه هذه البشرى المعجلة له بالخير وهي دليل على رضا الله تعالى عنه ومحبته له فيحببه إلى الخلق كما سبق في الحديث ثم يوضع له القبول في الأرض هذا كله إذا حمده الناس من غير تعرض منه لحمدهم وإلا فالتعرض مذموم . شرح مسلم باب إذا اثني على الصالح
وقال ابن الجوزي رحمه الله : والمعنى أن الله تعالى إذا تقبل العمل أوقع في القلوب قبول العامل ومدحه فيكون ما أوقع في القلوب مبشر بالقبول كما انه إذا أحب عبدا حببه إلى خلقه وهم شهداء الله في الأرض . كشف المشكل من حديث الصحيحين 1/ص245
المؤدة في قلوب المؤمنين
قال تعالى (( إن الذين امنوا وعملوا الصالحات سيجعل الرحمن لهم ودا )) اي محبة منه لهم وتحبيبا لهم في قلوب العباد
قال ابن سعدي رحمه : هذا من نعمه على عباده الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح أن وعدهم ان يجعل لهم ودا اي محبة وودادا في قلوب أوليائه وأهل السماء والأرض وإذا كان لهم في القلوب ود تيسر لهم كثير من أمورهم وحصل لهم من الخيرات والدعوات والإرشاد والقبول والإمامة ما حصل ولهذا ورد في الحديث الصحيح (( إن الله إذا أحب عبدا ، نادى جبريل اني أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في أهل السماء ان الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض )) وإنما جعل لهم ودا لانهم ودوه فوددهم إلى أوليائه وأحبابه . التفسير
قال هرم بن حيان : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز و جل إلا أقبل الله بقلوب أهل الإيمان إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم .
وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه : ما من عبد يعمل خيرا أو شرا إلا كساه الله عز وجل رداء عمله . تفسير ابن كثير
فود المؤمنين يطلب بالإقبال على الله والإخلاص له وليس بكثرة الفعاليات والمشاريع التي الهدف منها الذكر عند الناس ولعل هذا هو السبب في عدم الحصول على النتيجة المرجوة من بعض هذه الأعمال
الرؤيا الصالحة
الرؤيا الصالحة : وهي من جملة نعم الله على عباده، ومن بشارات المؤمنين، وتنبيهات الغافلين، وتذكيره للمعرضين، وإقامة الحجة على المعاندين.
الرؤيا الصالحة من الله، أي: السالمة من تخليط الشيطان وتشويشه. وذلك لأن الإنسان إذا نام خرجت روحه. وحصل لها بعض التجرد الذي تتهيأ به لكثير من العلوم والمعارف. وتلطفت مع ما يلهمها الله، ويلقيه إليها الملك في منامها. فتتنبه وقد تجلت لها أمور كانت قبل ذلك مجهولة، أو ذكرت أموراً قد غفلت عنها، أو تنبهت لأحوال ينفعها معرفتها، أو العمل بها، أو حَذِرَتْ مضار دينية أو دنيوية لم تكن لها على بال، أو اتعظت ورغبت ورهبت عن أعمال قد تلبست بها، أو هي بصدد ذلك، أو انتبهت لبعض الأعيان الجزئية لإدخالها في الأحكام الشرعية.
فكل هذه الأمور علامة على الرؤيا الصالحة، التي هي جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة. وما كان من النبوة فهو لا يكذب. بهجة قلوب الأبرار

قال صلى الله عليه وسلم ( الرؤيا الحسنة هي البشرى يراها المؤمن أو ترى له ) صحيح الجامع
وقال صلى الله عليه وسلم ( بشرى الدنيا الرؤيا الصالحة ) صحيح الجامع
وقال صلى الله عليه وسلم : ( الرؤيا ثلاثة فبشرى من الله ، وحديث نفس ، وتخويف من الشيطان فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها إن شاء على أحد وإن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم يصلي و أكره الغل و أحب القيد ، القيد ثبات في الدين ) صحيح الجامع
قال النووي رحمه الله : قال العلماء إنما أحب القيد لانه في الرجلين وهو كف عن المعاصي والشرور وأنواع الباطل و أما الغل فموضعه العنق وهو صفة أهل النار قال تعالى : ( إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا ) شرح مسلم
تيسير عمل الخير له
قال صلى الله عليه وسلم ( أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة ) رواه البخاري ومسلم
قال ابن سعدي رحمه الله : فإذا كان العبد يجد أعمال الخير ميسرة له مسهلة عليه ويجد نفسه محفوظا بحفظ الله عن الأعمال التي تضره كان هذا من البشرى التي يستدل بها المؤمن على عاقبة أمره ...... فأعظم علامات الإيمان محبة الخير والرغبة فيه والسرور بفعله و سرور ثان بطمعه الشديد بإتمام نعمته عليه ودوام فضله . بهجة قلوب الأبرار ص 214
ومن البشرى أن يقدر على العبد تقديرا يحبه أو يكرهه ويجعل ذلك التقدير وسيلة إلى إصلاح دينه وسلامته من الشر . نفس المصدر ص215
استماع الموعظة وقبول النصيحة
قال تعالى ( فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ... الآية
قال السلمان : فعلى كل إنسان مهما جل قدره وعظم خطره ان يحرص ويجتهد على استماع الموعظة وقبول النصيحة لانه إذا فعل ذلك فاز بقسطه الأوفر وحظه الأجزل واستحق من الله البشرى في العاجل والثواب الآجل ومن عقلاء خلقه الثناء الحسن والمدح والإكرام والدعاء . إرشاد العباد للاستعداد ليوم المعاد 1/ص 17
الإنابة إلى الله
قال تعالى ( والذين اجتنبوا الطاغوت ان يعبدوها وانابوا الى الله لهم البشرى
والإنابة انابتان : إنابة لربوبيته وهي إنابة المخلوقات كلها يشترك فيها المؤمن والكافر
الثانية : إنابة أوليائه وهي إنابة الإلهية إنابة عبودية ومحبة وهي تتضمن أربعة أمور : محبته والخضوع له والإقبال عليه والإعراض عما سواه فلا يستحق اسم المنيب إلا من اجتمعت فيه هذه الأربع وتفسير السلف يدور حول ذلك . قاله ابن القيم المدارج
قال ابن القيم : إيمان وتقوى وعمل خالص لله على موافقة السنة فأهل هذه الأصول الثلاثة هم أهل البشرى دون من عداهم من سائر الخلق وعليها دارت بشارات القرآن والسنة جميعها وهي تجتمع في أصلين إخلاص في طاعة الله و إحسان إلى خلقه وضدها يجتمع في الذين يراؤن ويمنعون الماعون وترجع إلى خصلة واحدة وهي موافقه الرب تبارك وتعالى في محابه ولا طريق إلى ذلك إلا بتحقيق القدوة ظاهرا وباطنا برسول الله صلى الله عليه وسلم . حادي الارواح ص444