يقظان التقي«استهداف أهل السنّة». من يتزعم العالم العربي الإسلامي: السعودية أم إيران؟، المخطط الاستراتيجي للغرب وإسرائيل وإيران للسيطرة على الشرق الأوسط واقتلاع النفوذ السنّي منه.
كتاب جديد للدكتور نبيل خليفة (عن «منشورات بيبلوس للدراسات» 2014).
تحية الإهداء تحمل بعداً رمزياً للعلامة الشيخ عبدالله العلايلي، والشيخ الشهيد صبحي الصالح، أمانة للتاريخ والتفوّق والانفتاح والتسامح.
الدكتور نبيل خليفة باحث معروف، له مساهمات عديدة في الشأن اللبناني والشأن الجيوبوليتيكي وقد نال كتابه الأخير عن ميشال شيحا جائزة أدبية، واليوم دفع للقراء بكتاب سيكون له شأن في الحوارات والجدالات الجارية.
والكتاب غني بالإشارات التي لا تستنفدها الخلاصات السريعة أو المتسرّعة.
وإن الكتاب يحمل عنواناً صادماً فهو في جوهره دعوة إلى الحوار واتقاء الكوارث السياسية قبل وقوعها لا سيما التفسخات الاجتماعية والإنسانية على قاعدة التقسيمات المذهبية والطائفية.
ويخشى أن يجنح بعض القراء إلى فهم العنوان، «استهداف أهل السنّة» وبعض تفاصيل الكتاب كما لو كانت الأمور تعبّر عن نظرية تآمرية لما يجري من أمور على الساحة الإقليمية العربية. وما أسهل أن ينساق الناس في المنطقة إلى الفهم التآمري في ظل أجواء مأزومة وشديدة الحساسية.
ولعل الكتاب لا يعطي القدر الكافي من الاهتمام للقوى الرافضة وهي عريضة للمنطق التقسيمي المؤامراتي ومنطق الفتنة السنّية الشيعية والفتنة بين السنّة والأٌقليات، وهو المنطق الذي يقود جوهر البحث الجيو استراتيجي الذي يؤشر إلى برهان جدي على مقاطعة منطق فرز المنطقة بين أغلبية وأقليات متناحرة لولا المتغير الخارجي.
وإذا جرى استعراض السياسة الدولية فالموضوع المطروح بالنسبة إليها بالدرجة الأولى ليس موضوع السنّة من منطق الشرق الأوسط والأقليات، بل موضوع محاربة الإرهاب.
وهذا الإرهاب سنّي بقدر ما هو شيعي ولا تستطيع لا الأغلبية ولا الأقليات أن تتبرأ منه، إما مباشرة أو غير مباشرة عبر الانحياز الأعمى وغير النقدي لأحد الطرفين.
موضوع الإرهاب يشغل اليوم الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية كما يشغل روسيا ودولاً أخرى وهو همّ مشترك على الرغم من تباعد المواقف السياسية في أمور كثيرة بين الغرب وروسيا.
الولايات المتحدة الأميركية لا يمكن أن يُنكر دورها في الوقوف بوجه الإرهاب «الشيعي»، الذي مارسه المالكي في العراق والإرهاب الطائفي الذي اعتبرته الولايات المتحدة الأميركية سبباً رئيسياً من أسباب ظهور دولة الخلافة الإسلامية (داعش) والإصرار الأميركي على ضرورة إنصاف الطائفة السنّية في العراق، لا بل تشكيل جيش سنّي لمحاربة التطرّف الداعشي بما يتناقض مع أطروحة المؤامرة. ثم إن الموقف الروسي المشتبك مع الإرهاب داخل روسيا وحولها، يمكن أن يشكل إضافة في هذا الاتجاه.
وهذا لا يلغي ولا يصرف عن الارتباك بأوجهه الكثيرة الذي يشوب السياسات الدولية في تجاوز حتى النظريات في العلاقات الدولية وهذا قد يتلاقى مع بعض طروح الكتاب. ثم إن هناك إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل والذي ما زال العالم الغربي والولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص توارب مواقفها معه وتتجنب الاصطدام به على الأقل بشكل سياسي مباشر، على الرغم من التوترات في العلاقات الأميركية الإسرائيلية حول مواضيع محددة.
ومن يتابع التطورات الأخيرة في إسرائيل وتأجيل البت بقانون يهودية الدولة في إسرائيل يدرك أن هذا الأمر ما تم من دون ضغط أميركي أو أوروبي، وما الدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة في آذار المقبل إلا محاولة تجهيز الساحة بالكامل لليمين الإسرائيلي لمواجهة سياسية مقبلة مع أميركا ومع الاتحاد الأوروبي.
ومن ينابيع ما يجري في القدس، المدينة المقدسة للمسلمين والمسيحيين معاً ومقدسة نظرياً لليهود حيث لم يعثّر إلى الآن وخلال 60 سنة من أعمال التنقيب عن أثر يهودي واحد يخدم الأساطير المؤسسة لليهود، وهذا يدفع إلى خلاصة جوهرية في الكتاب أن إسرائيل تدفع المنطقة دفعاً إلى الصراع الديني وفي مواجهة الأغلبية السنّية في الشرق الأوسط وتحاول تصوير نفسها ضحية لها في مستقبل الديموغرافيا التي تحاصرها.
هذا الحراك الإسرائيلي وتحالفاته الإقليمية والغربية يعود به المؤلف إلى منتصف الثمانينات حين كان طالباً للدكتوراه في السوربون في باريس ويتابعه تفصيلياً منذ انتقال الإمام الخميني من ضواحي باريس إلى إيران لتسلّم السلطة وهو يتابع مسألة التحضير للفتنة السنّية الشيعية منذ العام 1994.
ويقرأ في استراتيجية الغرب وإسرائيل لبناء نظام إقليمي تفكيكي جديد فيه مجال واسع لضرب وتفكيك العالم الإسلامي.
ويجزم د. نبيل خليفة «أن دور المسيحيين في الشرق الأوسط دور رئيس ولا ينبغي أن يكونوا حرس حدود للغرب ولا لإسرائيل ومن واجبهم درء الفتنة عن المسلمين، لأن سلام المسلمين هو سلام للمسيحيين...».
في الكتاب فصول عدة تتناول أوجهاً متعددة لما يجري في المنطقة والقوى المتواجهة في الصراع، والمحفزات لدى كل منها، ولماذا تشارك في الصراع وما هي نواياها وأهدافها عبر هذا الصراع ومنه وما هو المجال الجغرافي الذي يسعى كل جانب للسيطرة عليه وعلى سكانه؟
ويشير نبيل خليفة الى أن أهل السنّة اليوم في مواجهة العالم وفي مواجهة مع العالم اليهودي وفي مواجهة مع العالم الشيعي ومع العالم الهندي ومع العالم الصيني.. وما بروز الحركات الإسلاموية المتشددة لا يهدف إلى تطبيق الشرعية، بل مواجهة الغرب وإحداث شرخ سوسيولوجي تاريخي. والفرق بين الإسلامَين السنّي والشيعي أن الإسلام السنّي ينطلق من طرح سياسي ومن ثم يشرعنه دينياً، فيما الإسلام الشيعي ينطلق من طرح ديني ومن ثم يبرره سياسياً.
ويشير خليفة إلى أهمية وثيقة الأزهر وعنوانها الرئيس الإسلام الذي يتوافق مع الديموقراطية والانفتاح والتسامح والتعددية.
أما مصير ما يجري في سوريا اليوم، يعكس مصير بشار الأسد، بل مصير إسرائيل المستقبلي بمعنى قدرة الأنظمة الأقلوية المقاومة والاستمرار في مواجهة القدرات الجيو استراتيجية السنّية. والهدف شرخ أقلوي خال من النفوذ السنّي ومحكوم بالنفوذ الشيعي الإيراني الذي يحظى برضى إسرائيل ودعم غربي روسي.
كتاب مهم جداً يثير جدلاً وناقداً للأكثرية السنّية منذ زمن الخلافة إلى زمن العثمانيين، إلى زمن الأنظمة العربية، الأغلبية التي أخافت الأقليات بالاضطهاد والاستبداد، أما اليوم فالإشكالية من التأثير الأقلوي من جانب الشيعة وميولها السياسية غير العصرية. أما تاريخ لبنان هو تاريخ محكوم بأن يكون ملجأ الأقليات والجبال والحرية، وتاريخ السرية، وبلد كهذا يجب أن تحكمه الأفكار لا الأوهام أو «الحرية التي بقيت بصوتين: صوت الجبل (سويسرا) وصوت البحر (إنكلترا) كما في توصيف أرنولد توينبي الشهير.
هنا مقتطف من مقدمة كتاب الدكتور نبيل خليفة:
[ (1)
في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، وفي صفحة «من حصاد الأسبوع» الفكرية التي كنت أحررها في صحيفة «العمل» اللبنانية، كل أحد، كتبت دراسة مطولة في اربع حلقات تحت عنوان: «صراع سني ـ شيعي مكشوف بين المتوسط والخليج» والملفت فيها العنوان الفرعي للحلقة الرابعة والأخيرة، وفيه: «في ظل الكلام على تغييرات محتملة في خريطة المنطقة: معركة طرابلس المفتوحة تقرر هوية الهلال الخصيب ومصيره كله»!
أعترف أني كنت، ولا زلت، متأثراً جداً، بفريدريتش راتزل، العالم الألماني، في كتابه المرجعي «الجغرافيا السياسية»، وهو بدون منازع أبو الجيوبوليتيك المعاصر، وفيه يعرّف السياسة بأن «السياسة هي التوقّع» «La politique est la prévoyance». فرجل الفكر السياسي مدعو لأن يهتم بالمعطيات والأحداث الموضوعية والموضوعة بين يديه، ولكنه مدعو أيضاً لأن يحسن تحليل واستغلال هذه المعطيات والأحداث لصياغة رؤية مستقبلية يكون له فيها دور المبادر في صناعة وتوجيه التاريخّ!
[(2)
لا أخفي أن وجودي في باريس في النصف الثاني من السبعينيات وبداية الثمانينات (1978 ـ 1980): طالباً للدكتوراه في السوربون (الحضارة العربية ـ الإسلامية) ومساعداً لرئيس تحرير مجلة «المستقبل» (المرحوم نبيل خوري) ومسؤولاً عن المركز العربي للدراسات الدولية، ومذيعاً للأخبار في إذاعة «راديو مونت كارلو»، كلها سمحت لي بالإطلالة على توجهات الثورة الإسلامية الإيرانية الصاعدة آنذاك، خاصة وأن قائد الثورة الإمام الخميني كان يومها مقيماً في ضواحي باريس (في نوفل لي شاتو) (Neauphle-le- Château).
وعندما طار الإمام الخميني من باريس إلى طهران (شباط/فبراير 1979) ليستلم السلطة فيها، كتبت دراسة مطولة نشرها «المستقبل» على عدة صفحات، وهي بعنوان: «ثورة الإمام الخميني على ضوء تاريخ إيران المعاصر والفلسفة السياسية للإسلام»، وترجمت لأهميتها إلى الفرنسية وأشاد بها دكتور جاك فيريي أمام طلاب العلوم السياسية في السوربون، واتصل الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل بسكرتير التحرير في «المستقبل الزميل شكري نصر الله ليطلب منه أعداداً من المجلة التي نشرت الدراسة، لأنه كان يحضر آنذاك لوضع كتاب حول الثورة الإيرانية.
[(3)
في التسعينيات، تابعت التحذير من وقوع الفتنة السنية ـ الشيعية. ففي محاضرة لي أمام بطاركة الشرق الكاثوليك في الربوة (1994) بعنوان: «قراءة حالية لوضع المسيحيين في الشرق»، قلت: «إن استراتيجية الغرب وإسرائيل اليوم في الشرق الأوسط مبنية على نظام إقليمي تفكيكي جديد يستجيب لمصالح الغرب وإسرائيل في المنطقة وفيه مجال واسع لضرب وتفكيك العالم الإسلامي بإدخاله في الفتنة الشيعية ـ السنية»، واضفت منبهاً ومحذراً: «نحن، المسيحيين، كنائس حدودية ولكننا لسنا ولا ينبغي ان نكون حرس حدود لا لإسرائيل ولا للغرب من واجبنا العمل لمنع كل فتنة بين المسلمين لأن سلام المسلمين هو سلام لنا ايضاً. وعلى الآباء (البطاركة) العمل منذ اليوم بوعي وإصرار لإبعاد المسيحيين ليس عن التدخل في هذه الفتنة فقط، لأنهم سيكونون أولى ضحاياها، بل عليهم عمل كل ما باستطاعتهم لمنع وقوعها».
وأتبعت ذلك في العام 1995 بدراسة عنوانها يعبّر عنها، وهو: «جيوبوليتيك العالم الإسلامي واستراتيجية الفتنة»، نشرت في «يوميات» (مجلد 2، 1995).
[(4)
ما ذكرته في بداية هذا التقديم، لا أقصد منه التبجح بذاتي بل لإبراز أهمية التنبه والتوقع، ذلك أن الدهشة بالاستغراب لما يحدث في المنطقة اليوم من عنف وإرهاب على يد «داعش» وسواها، يبين أن شعوب هذه المنطقة: من سياسيين ودينيين ومواطنين، وعلمانيين ومذاهب وأحزاب وجماعات لم يكونوا على دراية بما يواجه المنطقة ويحدث فيها من مخططات واستراتيجيات منذ ما يزيد على ثلث قرن من الزمن. لقد عاشوا في ظل التاريخ ولم يتبينوا وجهه الصحيح، ووجهته المرسومة.
هذا الكتاب الذي رغب إلي العديد من الأصدقاء في العالم العربي وأوروبا أن اضعه بين أيديهم نظراً لأهمية واستباقية الافكار الواردة فيه، وكانوا قد قرأوا بعض دراساتي في الصحف، هو محاولة متواضعة لجلاء الأمور ووضعها في نصابها الصحيح من خلال تحليل جيوبوليتيك يتجاوز الإيديولوجيات والاستيهامات (Fantasmes) والمذهبيات ليكون المدخل الوحيد لصياغة الاستراتيجيات وليطرح بجلاء ووضوح الوجه الصحيح لما يجري في المنطقة والعالم:
أولاً: القوى المتواجهة في الصراع: مَن ضد مَن؟
ثانياً: المحفزات لدى كل منها: لماذا تشارك في الصراع؟
ثالثاً: ما هي نواياها وأهدافها عبر هذا الصراع ومنه؟
رابعاً: ما هو المجال الجغرافي الذي يسعى كل جانب للسيطرة عليه وعلى سكانه.