وهانحن نكمل اليوم الحديث عن الدولة في الإسلام ولكن من جانب آخر، وهو الجانب الفكري؛ حيث نتحدث عن مقاصد ووظائف الدولة في الإسلام والمنطلقة من غاياتها وأهدافها.  مُقدِّمةٌ فِكْريةٌ انتهيتُ في دراسة سابقة(1) إلى أن النظام السياسي الإسلامي، يتكون من المعالم الرئيسة الآتية:
1- كليات المبادئ العامة.
2- مؤسسات النظام السياسي الإسلامي ومعالمها.(2)
3- الدولة الإسلامية ومكوناتها.
وقد ناقشتُ في دراستيْن سابقتيْن أيضا نظام الدولة في الإسلام ومعالمه من حيث النشأة، ومركز الفرد في تلك الدولة وغاية وجوده، والقانون، والأركان(3).
وهانحن نكمل اليوم الحديث عن الدولة في الإسلام ولكن من جانب آخر، وهو الجانب الفكري؛ حيث نتحدث عن مقاصد ووظائف الدولة في الإسلام والمنطلقة من غاياتها وأهدافها.
وكلمة (وظيفة) تتعلق لغويًا بعدة معان، مثل: القدر المعين من الشيء، الإلزام أو الفرض، الأساسي والجوهري، التغير والتحول، المقدرة والقوة.
أما عند استخدامها في اصطلاح (وظيفة الدولة)؛ فإنها تعبر عن حقيقة معينة تنبثق منها منظومة من المفاهيم، وتعني باختصار توظيف العقيدة عمليًا في كافة مجالات الحياة عن طريق الشريعة.(4)
وهناك خلط حادث بين مفهوم الوظيفة والأدوات أو الوسائل، حيث إن الحديث عن وظائف ثلاث للدولة الإسلامية، تشريعية وتنفيذية وقضائية، هو حديث غير دقيق؛ فالتشريع والتنفيذ والقضاء هي وسائل لتحقيق وظيفة شاملة هي وظيفة الدولة التي تسعى إلى حماية وتطبيق نظامها القيمي المعين وإنجازه في الواقع.(5)
ولعل ذلك راجع إلى ظهور بعض الكتابات الإسلامية التي جاءت كرد فعل لكتابات أخرى تنكر الجوانب السياسية في الإسلام، وبالتالي فإن هذه الكتابات اتسمت بالطابع الدفاعي وحاولت عرض معالم النظام السياسي الإسلامي من خلال الشكل السياسي المعاصر للنظم السياسية(6) والتي هي بالأساس أشكال آتية من المنظومة الغربية للنظام السياسي، بل أحيانا لم يقتصر الأمر على مجرد استلهام شكل العرض لمخاطبة المعارضين ذوي الهوى الغربي بما يفهمون؛ وإنما تعدى ذلك إلى إيجاد أو على الأدق اختلاق وتلفيق متشابهات في الإسلام لما طرحه الفكر السياسي الغربي!
إننا ونحن نعرض ما نعتبره أبرز مقاصد ووظائف الدولة في الإسلام ندرك جيدا الواقع المعاصر الذي نعيش فيه، وندرك أيضا حالة الضعف التي تعيش فيها الأمة ودولها المتعددة، لكن هذا لا يمنعنا من القيام بدورنا وأداء أمانتنا بتقديم الرؤية الكاملة أو النموذج المثال الذي نطمح إليه، حتى لو حسبه بعضهم نموذجا تاريخيا يستحيل تنفيذه في الواقع المعاصر، ثم نترك لغيرنا من أهل الممارسة السياسية والراغبين في إتباع الحق من حكام دول المسلمين المعاصرة، نترك لهم قراءة حقيقة الواقع المعاصر، ومن ثَمَّ تحقيق منهج الإسلام في التوازن بين المطالب المتعددة، والقيام بالحق الممكن، والتوسل به إلى الحق المطلوب. وظائف الدولة أعمق من واجبات الحاكم:
بداية أحب أن أقرر أن مفهوم الدولة في الفكر الإسلامي قد تبلور منذ نشأتها حول ثوابت، القرآن والسنة، مما جعل هذا المفهوم حي ومتجدد وجعل للدولة علاقة معنوية ترتفع عن التوقيت الزمني لتصبح حقيقة مطلقة لا تتقيد من حيث الزمان، وإن تقيدت من حيث إطار التعامل.
وبناء على ذلك قدم الفكر السياسي الإسلامي المنطلق من القرآن والسنة رؤيا للدولة ومِنْ ثّمَّ وظائفها ومقاصدها على قدر من الثبات والاستمرارية، وهنا تبدو المفارقة في النظرة إلى مفهوم الدولة بين الفكر السياسي الأوروبي والفكر السياسي الإسلامي.
ويرى الفكر السياسي الإسلامي في تحديده لوظائف الدولة الإسلامية؛ يرى أن تلك الوظائف هي الغايات التي تسعى الدولة إليها والأهداف التي تأمل تحقيقها من وراء حركتها، وأن هذه الأهداف والغايات تحددها القيم الأساسية الإسلامية؛ فالوظائف في مدلولها الإسلامي هي قيماً وممارسة هادفة لتحقيقها.(7)
والمتأمل في كتابات بعض العلماء المتقدمين التي تحدثت عن وظائف الدولة في الإسلام، يظهر له أنها عالجت تلك الوظائف باعتبارها واجبات الإمام أو الخليفة فقط؛ وهو ما يعنى غياب واجبات الرعية عامة، وواجبات العلماء والدعاة خاصة، غيابها عن وظائف الدولة.
وربما يعود ذلك إلى مركزية قيادة الدولة الإسلامية، أو ربما لأن معظم هذه الكتابات كتبت أساساً للخلفاء أو لولاة الأمر تكليفاً منهم للعلماء بتوضيح جوانب وظيفتهم وإرشادهم أو قيام العلماء بواجبهم في نصح وتوجيه الحكام(8)
ولكن الحقيقة، أنه على الرغم من وجود بعض من الاشتراك والتشابك بين واجبات الحاكم ووظائف الدولة في الإسلام؛ فإن الحديث عن وظائف الدولة أعمق من الحديث عن واجبات الحاكم؛ لأن وظائف الدولة هي ترجمة عملية للغاية والأهداف التي تسعى إليها الدولة وتفسر وجودها، وتبرر بقاءها. مقاصد الأمة لا تتحقق إلا من خلال الدولة والمجتمع:
يمكن تعرف الأمة الإسلامية في ضوء دلالات النصوص الشرعية بأنها: جماعات من الناس تجمعهم عقيدة الإسلام بغض النظر عن أي اعتبار؛ ويشهد لهذا قول الله تعالى: (وَإِنَّ هَـذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ( (سورة المؤمنين 52 ).
ولأن الأمة الإسلامية هي الأمة الوسط وهي الأمة الشاهدة على الناس وهي خير أمة، وعليها القيام بأمانتها ودورها في التمكين الكليّ لنفسها في الأرض وتحقيق غايات وجودها العبودية، والاستخلافية، والعقدية(9) -والتي عرضتها في مقال سابق(10)-؛ فعليها أن تقدم نموذجا بشريا رائدا لكيف تكون الأمة وكيف تمارس أدوارها المنوطة بها كأمة مكلفة بمهمة في هذا الكون، فتضطلع بدورها الوسطيّ والشهودي على البشرية؛ بالريادة فيها والأستاذية المُعلّمة لها.
إن إطلاق اسم (الخلافة) على النظام السياسي للدولة في الإسلام والذي يرأسه الخليفة أو الإمام (11) لا يفيد –كما فهم بعضهم- أن المسلمين قد حصروا الاستخلاف في شكل السلطة التنفيذية فقط؛ بل يفيد بأن المسلمين قد فهموا أن استخلاف الأمة عمل سياسي في المقام الأول وليس المقام الأوحد؛ فنصوص الوحي قد ربطت فعل الاستخلاف في الأرض بإقامة السلطان السياسي، كما في قول الله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم} )النور:55)، ثم يأتي بعد هذا المقام الأول مقامات متعددة: إيمانية واجتماعية وحضارية، متعلقة بشمول الإسلام لمناحي الحياة.(12)
والحقيقة أنه لا يمكن للأمة أن تقوم بتحقيق مقاصد وجودها في هذا الكون إلا من خلال أمرين لا ينفكان عن بعضهما البعض، وهما (الدولة) و(المجتمع)، فتقيم الأمة الإسلامية دولة مبنية على مجتمع راشد ونظام سياسي إسلامي، حتى تقوم تلك الدولة بتبني غايات وجود الأمة في هذا الكون، ومن ثّمَّ تصبح غايات الأمة هي غايات الدولة ووظيفتها التي تعمل على تحقيقها. مقاصد الدولة في الإسلام:
تسعى الدولة في الإسلام في حركتها لتحقيق وظائفها في الواقع العملي لتحقيق مقاصد الشريعة، لذلك فإن مقاصد الشريعة في الأخير تشكل أهداف وغايات الدولة، والتي يحددها المنطق الكلي للرسالة الإسلامية والتي تدور حول تحقيق مصالح العباد في الدنيا والآخرة، ولا يتم ذلك إلاّ باتباع ما أنزل الله؛ لذلك نجد أن الفكر الإسلامي في كل اتجاهاته وفي مختلف مراحله جعل تطبيق الشريعة الإسلامية هو الهدف الأول لوظائف الدولة. (13)
يقول الدكتور أحمد الريسوني: " يرى الأستاذ علال الفاسي [في كتابه دفاع عن الشريعة] بحق أن (الإسلام يعتبر الدولة خادمة للناس)، وبناء عليه فمقاصد الدولة لن تكون سوى تحقيق مصالح مواطنيها، الدينية والدنيوية، وتلك هي مقاصد الشريعة، فما جعله الشرع مقصدا لآحاد المكلفين، ومقصدا لجماعة المسلمين، فهو مقصود — ويحب أن يكون مقصودا — للدولة ومؤسساتها وسياساتها، فما الدولة إلا نائبة عن الأفراد وعن المجتمع وخادمة لهما، بمعنى أن الدولة ليس لها مقاصد مستقلة أو مختلفة عن مقاصد الأمة والمجتمع،(14) فإذا قلنا مثلا: إن مقاصد الشريعة، ومقاصدَ العباد في ظل الشريعة، تتلخص أساسا في حفظ الضروريات الخمس: الدين والنفس والنسل والعقل والمال، فإن على الدولة الإسلامية أن تجعل في مقدمة مقاصدها حفظَ هذه الضروريات الخمس وتنميتَها، وأن تجعلها محور جهودها تخطيطا وتنفيذا، وهكذا يقال في سائر مقاصد الشريعة، فهي تلقائيا مقاصدُ الدولة الإسلامية، فمقاصد الشريعة الإسلامية، ومقاصد الأمة الإسلامية، ومقاصد الدولة الإسلامية، شيء واحد متحد، لكن الدولة تختلف وتتميز في باب الوسائل والأولويات؛ فهناك أشكال ووسائل لتحقيق المقاصد تختص بها الدولة وتحتكرها، وهناك مجالات تتولى الدولة الجزء الأعظم منها، لما لها من الوسائل وعناصر القوة التي ليست للأفراد ولا لجماعتهم ومجتمعهم، فإذا أخذنا علي سبيل المثال (تغيير المنكر) في المجتمع الإسلامي، فسنجد أنه من المقاصد الشرعية المنوطة بالأفراد كلا على حدة، وهو منوط أيضا بالمجتمع وجماعاته المختلفة بصفتهم الجماعية، وهو منوط بالدولة وولاتها ومؤسساتها. وكل جهة من هذه الجهات الثلاث لها أولوياتها ووسائلها في تغيير المنكر "(15)
ويرى بعض الباحثين المعاصرين أنه ولابد من تجديد فقه المقاصد حتى يستوعب أمورا جديدة تصلح أن تكون مقاصدا للدولة الإسلامية في ظروف وتكوينات الحياة المعاصرة، ولعل بعضهم وجد ضالته فيما كتبه الدكتور عبد الحميد النجار؛ حيث رأى أن الكليات الخمس يمكن أن يزاد عليها مقصد (حفظ إنسانية الإنسان)؛ إذ إن مقصد حفظ النفس لا يستوعب المعاني الذي يتضمنها هذا المقصد، وكذلك مقصد (حفظ البيئة) إذ لم تكن هناك حاجة إليه وقت تدوين المقاصد الخمسة، وكذلك مقصد (حفظ المجتمع) وهو صورة من صور الاتجاه نحو تحقيق المصالح الجماعية، ويرى (النجار) أيضا أن كل هذه الكليات جميعا إنما يكون حفظها بوسائل يمكن أن تكون ضرورية أو حاجية أو تحسينية.
وقد اعتمد (النجار) تقسيم مقاصد الشريعة بناء على معالجتها لقضايا الإنسان في دوائر حياته؛ فقسمها إلى مقاصد الشريعة في حفظ قيمة الحياة الإنسانية، (وفيه: حفظ الدين، وحفظ إنسانية الإنسان)، وحفظ الذات الإنسانية، (وفيه: حفظ النفس والعقل) وحفظ المجتمع، (وفيه: حفظ النفس والكيان الاجتماعي)، وحفظ المحيط المادي (وفيه: حفظ المال، وحفظ البيئة)، ويرى (النجار) أن هذا التقسيم هو أقرب للتقسيم الاعتباري منه إلى الحقيقي؛ فلا يقال أن كل مقصد من تلك المقاصد خاص بتحقيق المصلحة الكلية التي أدرج فيها دون غيرها، وإنما هو فاعل فيها بما هو أقوى من فعله في غيرها.(16) مقاصد الأمة ومقاصد الدولة.. هل يتعارضان في الواقع المعاصر؟!
إننا إذا نظرنا إلى المسلمين في تاريخهم الطويل قبل سقوط الخلافة – سيان القوة والضعف، الوحدة والفرقة - نجدهم لم يفرقوا في أدائهم للتكليف الإلهي للإنسان بعمارة الأرض بين الأمة والدولة، فقد تلازم الأمران بحيث أصبح من المتعذر أن يعبر المسلمون عن أنفسهم من دون دولة.
وللأسف حاول بعض الأكاديميين المعاصرين أن يهمشوا دور الدولة، من خلال محاولة استبدال (الدولة) بـ(الأمة) متمثلة في المجتمع، وذلك عن طريق وضعهما في موضع تضاد وتعارض!.
والحقيقة أن " الأمَّة هي قاعدة الدولة، فرسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- جاء للنَّاس بالتوحيد وبناء الأمّة وإقامة الدَّعوة بها، فالأمَّة هي قاعدة الدَّولة، وهي الجماعة السياسيَّة المنوط بها -بحكم العقيدة والشريعة والدَّعوة والرسالة- أمانة الخلافة، وبذلك يكون الخليفة أو الرئيس أو صاحب الولاية العامَّة في الأمَّة هو القائم على حراسة الدِّين، وسياسة الأمَّة به في إطار الشريعة، فهو موكل من الأمَّة بهذه الأمانة بموجب عقد البيعة؛ ولذلك كانت البيعة للتعبير عن الأصل في القيادة الشرعيَّة القائمة على الاختيار والرضا لا على الفرض والإرغام، فهي علاقة تعاقديَّة تُشكِّل جوهر الرِّضا؛ ولذلك قال الماوردي: (هي عقد مراضاة واختيار).
أمَّا الهيئة أو المؤسَّسة التي تقوم بهذا العقد، وتسهر على احترام شروطه وتوفير فرص الوفاء من جميع الأطراف له، فإنَّما هي التي عُرِفت في تاريخيا بـ (أهل الحلِّ والعقد)، فإذا اقتضى العقد أن تكون الطاعة والالتزام حقًّا على المحكومين بموجب عقد البيعة أو الإمامة، فثمَّة حدود لتلك الطاعة وشروط لا بد من استيفائها؛ ومنها أن يكون الإمام المختار أهلاً للإمامة، ولا تنتهي واجبات الأمَّة عند التأكُّد من أهليَّته، بل لابد أن تستمر الأمَّة في عمليَّة الرِّقابة على الحاكم، ولها حقُّ المحاسبة والمساءلة والتأكُّد التَّام من التزام ذلك المنتخَب بالشرع، والتزامه القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما دامت الأمَّة هي القاعدة فهي مسؤولة دائمًا عن مراقبة القيادة والاطمئنان إلى سلامة أدائها، وحالة الرضا -رضا الأمَّة- يجب أن تكون مستمرَّة ما دام الحاكم يمارس مسؤوليَّة الحكم، وحالة الرضا هي معيار موضوعي، لا ينبغي أن تتحكم فيه أو في التعبير عنه أو في إظهاره أو إخفائه ظروف أو مصالح، ولا يمسّه تضليل للمحكومين أو استحواذ على رضائهم بأيِّ شكل من الأشكال "(17).
إن للأمة وظائفا ستظل غائبة ما غابت الدولة(18)؛ فالدولة هي التي تحوِّل التشريع الإلهي إلى صيغة تنفيذية على شكل قانون؛ وكل تشريع لا تحميه قوة تنفيذية هو تشريع عاطل مهما كان عادلا ورحيما، ولا يظفر من النفوس إلا بدرجة من الإعجاب لا تدفع إلي اتباعه والنزول علي حكمه، لذلك لابد من قوة للقانون، بإحلاله واحترامه، وحراسة تنفيذه، وكل ذلك بحاجة للدولة، يقول الله تعالى: {ولَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحديد 25)، ولذلك عقب ابن تيمية على اقتران الحديث عن الكتاب والميزان بذكر الحديد في الآية، بقوله: "فَمَنْ عَدَلَ عَنْ الْكِتَابِ قُوِّمَ بِالْحَدِيدِ؛ وَلِهَذَا كَانَ قِوَامُ الدِّينِ بِالْمُصْحَفِ وَالسَّيْفِ"(19)
وعلى الرغم مما ذكرته آنفا مما يدل على قيمة القانون داخل الدولة في الإسلام؛ فلابد أن يكون معلوما أن دولة الإسلام لم تكن مجرد دولة قانون فقط كدول القوانين الوضعية المعاصرة، وإنما كانت دولة شريعة، فالشريعة الإسلامية هي الشعار المميز لما يمكن أن نسميه النموذج الإسلامي للحكم، وقد مثلت للأمة نظاما أخلاقيا وقانونيا وثقافيا ونفسيا عميقا في آن واحد.
والإسلام لم يعرف ما عرفته الدولة الحديثة المعاصرة من تخويل القانون في مفهومه الوضعي التعاقدي دور القيم أو الأخلاق، والتي غدت بدورها مختزلة داخل منظومة الدولة الحديثة في دائرة الالتزامات الذاتية الفردية. |