تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: حكم إهداء ثواب العبادات للميت

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي حكم إهداء ثواب العبادات للميت

    اتفق العلماء على أن جميع العبادات المالية يصل ثوابها إلى الميت، كما اتفقوا على أنَّ بعض العبادات البدنية؛ كالحج والدعاء والاستغفار يصل ثوابها أيضًا إلى الميت.
    قال ابن قدامة رحمه الله: ((أَمَّا الدُّعَاءُ، وَالِاسْتِغْفَا رُ، وَالصَّدَقَةُ، وَأَدَاءُ الْوَاجِبَاتِ، فَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، إذَا كَانَتِ الْوَاجِبَاتُ مِمَّا يَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ))([1]).
    وقال النووي رحمه الله: ((وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الصَّدَقَةَ عَنِ الْمَيِّتِ تَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَيَصِلُهُ ثَوَابُهَا؛ وَهُوَ كَذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ، وَكَذَا أَجْمَعُوا عَلَى وُصُولِ الدُّعَاءِ وَقَضَاءِ الدِّينِ بِالنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي الْجَمِيعِ))اهـ([2]).
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وَالْأَئِمَّةُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ تَصِلُ إِلَى الْمَيِّتِ، وَكَذَلِكَ الْعِبَادَاتُ الْمَالِيَّةُ؛ كَالْعِتْقِ، وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ؛ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْقِرَاءَةِ))([3]).
    وقال شيخ الإسلام أيضًا: ((فَلَا نِزَاعَ بَيْنَ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي وُصُولِ ثَوَابِ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ؛ كَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ، كَمَا يَصِلُ إلَيْهِ أَيْضًا الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَا رُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَالدُّعَاءُ عِنْدَ قَبْرِهِ))اهـ([4]).
    وقال أيضًا رحمه الله: ((أَمَّا الصَّدَقَةُ عَنِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ يَنْفَعُهُ الْحَجُّ عَنْهُ وَالْأُضْحِيَّة ُ عَنْهُ وَالْعِتْقُ عَنْهُ وَالدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَا رُ لَهُ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ))([5]).
    وقال ابن كثير رحمه الله: ((فَأَمَّا الدُّعَاءُ وَالصَّدَقَةُ فَذَاكَ مُجْمَعٌ عَلَى وُصُولِهِمَا وَمَنْصُوصٌ مِنَ الشَّارِعِ عَلَيْهِمَا))([6]).
    وقال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: ((اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّ الْأَمْوَاتَ يَنْتَفِعُونَ مِنْ سَعْيِ الْأَحْيَاءِ بِأَمْرَيْنِ:
    أَحَدُهُمَا: مَا تَسَبَّبَ إِلَيْهِ الْمَيِّتُ فِي حَيَاتِهِ.
    وَالثَّانِي: دُعَاءُ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتِغْفَارُه ُمْ لَهُ، وَالصَّدَقَةُ وَالْحَجُّ، عَلَى نِزَاعٍ فِيمَا يَصِلُ إِلَيْهِ مِنْ ثَوَابِ الْحَجِّ: فَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ إِنَّمَا يَصِلُ إِلَى الْمَيِّتِ ثَوَابُ النَّفَقَةِ، وَالْحَجُّ لِلْحَاجِّ، وَعِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ: ثَوَابُ الْحَجِّ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ))اهـ([7]).
    قلت: فأما أدلة وصول الأعمال المالية:
    فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أَيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِيَ المِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا([8]).
    وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّيَ افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَلَمْ تُوصِ، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَلَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا، قَالَ: «نَعَمْ»([9]).
    وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا، وَلَمْ يُوصِ، فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ»([10]).
    وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، قَالَ: فَقَالَ: «وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: «صُومِي عَنْهَا» قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: «حُجِّي عَنْهَا»([11]).
    وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟»، قَالُوا: لَا، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ: «هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟»، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ»، قَالَ: أَبُو قَتَادَةَ عَلَيَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ([12]).
    وأما أدلة وصول الدعاء والاستغفار:
    فقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10].
    وقال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهَ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُو نَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر: 7].
    وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ} [محمد: 19].
    وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»([13]).
    وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى لَهُمُ النَّجَاشِيَّ، صَاحِبَ الحَبَشَةِ، فِي اليَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ»([14]).
    ويدل – أيضًا - على انتفاع الميت بالدعاء والاستغفار: الأدعية التي وردت بها السُّنَّة في صلاة الجنازة، والدعاء له بعد الدفن، والدعاء لهم عند زيارة قبورهم.
    وأما أدلة وصول ثواب الحج إلى الميت:
    فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، قَالَ: فَقَالَ: «وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: «صُومِي عَنْهَا» قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: «حُجِّي عَنْهَا»([15]).
    وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً؟ اقْضُوا اللَّهَ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ»([16]).
    وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ، أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ([17]).
    فهذه أدلة العبادات التي اتُّفِق على وصول ثوابها للميت.


    [1])) ((المغني)) (2/ 423).

    [2])) ((شرح مسلم)) (7/ 90).

    [3])) ((مجموع الفتاوى)) (24/ 309).

    [4])) ((مجموع الفتاوى)) (24/ 366).

    [5])) ((مجموع الفتاوى)) (24/ 315).

    [6])) ((تفسير ابن كثير)) (7/ 431).

    [7])) ((شرح الطحاوية)) (2/ 664).

    [8])) متفق عليه: أخرجه البخاري (2756)، مسلم (1638).

    [9])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1388)، مسلم (1004).

    [10])) أخرجه مسلم (1630).

    [11])) أخرجه مسلم (1149).

    [12])) أخرجه البخاري (2295).

    [13])) أخرجه مسلم (1631).

    [14])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1327)، مسلم (951).

    [15])) أخرجه مسلم (1149).

    [16])) أخرجه البخاري (1852).

    [17])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1513)، مسلم (1334).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    واختُلِف في الصوم، والصحيح أنَّ ثوابه يصل للميت؛ ودليل ذلك حديث عبد الله بن بريدة المتقدم.
    وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ»([1]).
    كما اختُلف في الصلاة وقراءة القرآن والذِّكْر هل يصل ثوابها إلى الميت أم لا؟
    فذهب الجمهور إلى أن الصلاة وقراءة القرآن والذكر وغيرها من العبادات يصل ثوابها إلى الميت؛ لأنَّ هذه العبادات وإنْ لم يُنص عليها إلا أنها تُقاس على العبادات المنصوص عليها، وهذا المذهب هو مذهب أبي حنيفة وأحمد، ووجه عند المالكية والشافعية.
    ورجح هذا القول جمع مِنَ العلماء المحققين؛ منهم شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم، والعلامة ابن أبي العز الحنفي، والعلامة ابن عثيمين، وغيرهم.
    سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله عَنْ قِرَاءَةِ أَهْلِ الْمَيِّتِ تَصِلُ إلَيْهِ، وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّكْبِيرُ إذَا أَهْدَاهُ إلَى الْمَيِّتِ يَصِلُ إلَيْهِ ثَوَابُهَا أَمْ لَا؟
    فَأَجَابَ:
    يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ قِرَاءَةُ أَهْلِهِ وَتَسْبِيحُهُمْ وَتَكْبِيرُهُمْ وَسَائِرُ ذِكْرِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى إذَا أَهْدَوْهُ إلَى الْمَيِّتِ، وَصَلَ إلَيْهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ([2]).
    وقال ابن القيم رحمه الله: ((وَالْعِبَادَات ُ قِسْمَانِ: مَالِيَّةٌ وَبَدَنِيَّةٌ؛ وَقد نَبَّهَ الشَّارِع بِوصُولِ ثَوَاب الصَّدَقَة عَلَى وُصُول ثَوَاب سَائِر الْعِبَادَات الْمَالِيَّة، وَنَبَّهَ بوصول ثَوَاب الصَّوْم على وُصُول ثَوَاب سَائِر الْعِبَادَات الْبَدَنِيَّة، وَأخْبر بوصول ثَوَاب الْحَج الْمُرَكَّبِ مِنَ الْمَالِيَّة والْبَدَنِيَّةِ ؛ فالأنواع الثَّلَاثَة ثَابِتَة بِالنَّصِّ وَالِاعْتِبَار. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق))اهـ([3]).
    وقال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: ((وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ يُسْقِطُهُ مِنْ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَمِنْ غَيْرِ تَرِكَتِهِ؛ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ، حَيْثُ ضَمِنَ الدِّينَارَيْنِ عَنِ الْمَيِّتِ.
    وَكُلُّ ذَلِكَ جَارٍ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرْعِ؛ وَهُوَ مَحْضُ الْقِيَاسِ؛ فَإِنَّ الثَّوَابَ حَقُّ الْعَامِلِ، فَإِذَا وَهَبَهُ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ هِبَةِ مَالِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَإِبْرَائِهِ لَهُ مِنْهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
    وَقَدْ نَبَّهَ الشَّارِعُ بِوُصُولِ ثَوَابِ الصَّوْمِ عَلَى وُصُولِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ؛ يُوَضِّحُهُ: أَنَّ الصَّوْمَ كَفُّ النَّفْسِ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ بِالنِّيَّةِ، وَقَدْ نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى وُصُولِ ثَوَابِهِ إِلَى الْمَيِّتِ، فَكَيْفَ بِالْقِرَاءَةِ الَّتِي هِيَ عَمَلٌ وَنِيَّةٌ؟))اهـ([4]).
    وذهب بعض أهل العلم إلى أنَّه يُقتصر على ما جاء به النص، ولا يُقاس عليه غيرُه.
    قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: ((قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}: أَيْ كَمَا لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ وِزْرُ غَيْرِهِ، كَذَلِكَ لَا يُحَصِّلُ مِنَ الْأَجْرِ إِلَّا مَا كَسَبَ هُوَ لِنَفْسِهِ؛ وَمِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ اسْتَنْبَطَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَهُ، أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا يَصِلُ إِهْدَاءُ ثَوَابِهَا إِلَى الْمَوْتَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَمَلِهِمْ وَلَا كَسْبِهِمْ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَنْدُبْ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ وَلَا حَثَّهُمْ عَلَيْهِ وَلَا أَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ بِنَصٍّ وَلَا إِيمَاءٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلَوْ كَانَ خَيْرًا لَسَبَقُونَا إِلَيْهِ، وَبَابُ الْقُرُبَاتِ يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى النُّصُوصِ وَلَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِأَنْوَاعِ الْأَقْيِسَةِ وَالْآرَاءِ، فَأَمَّا الدُّعَاءُ وَالصَّدَقَةُ فَذَاكَ مُجْمَعٌ عَلَى وُصُولِهِمَا وَمَنْصُوصٌ مِنَ الشَّارِعِ عَلَيْهِمَا))اهـ([5]).
    وسُئل العلامة ابن باز رحمه الله: هل يجوز أن أختم القرآن الكريم لوالديَّ علمًا أنهما أميان لا يقرءان ولا يكتبان؟ وهل يجوز أن أختم القرآن لشخص يعرف القراءة والكتابة، ولكن أريد إهداءه هذه الختمة؟ وهل يجوز لي أن أختم القرآن لأكثر من شخص؟
    فأجاب رحمه الله: لَمْ يَرِدْ في الكتاب العزيز ولا في السنة المطهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته الكرام ما يدل على شرعية إهداء تلاوة القرآن الكريم للوالدين ولا لغيرهما؛ وإنما شَرَعَ الله قراءة القرآن للانتفاع به والاستفادة منه، وتدبر معانيه والعمل بذلك قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}، وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}، وقال سبحانه: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ}، وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي شفيعًا لأصحابه يوم القيامة»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إنه يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن أصحابهما».
    المقصود أنه أُنْزِل للعمل به وتدبره والتعبد بتلاوته والإكثار من قراءته، لا لإهدائه للأموات أو غيرهم، ولا أعلم في إهدائه للوالدين أو غيرهم أصل يعتمد عليه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».
    وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك، وقالوا: لا مانع من إهداء ثواب القرآن وغيره من الأعمال الصالحات، وقاسوا ذلك على الصدقة والدعاء للأموات وغيرهم، ولكنَّ الصوابَ هو القول الأول؛ للحديث المذكور وما جاء في معناه، ولو كان إهداء التلاوة مشروعًا لفعله السلف الصالح، والعبادة لا يجوز فيها القياس؛ لأنها توقيفية لا تثبت إلا بالنص من كلام الله عز وجل أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ للحديث السابق وما جاء في معناه.
    أما الصدقة عن الأموات وغيرهم والدعاء لهم، والحج عن الغير ممن قد حج عن نفسه، وهكذا العمرة عن الغير ممن قد اعتمر عن نفسه، وهكذا قضاء الصوم عمن مات وعليه صيام، فكل هذه العبادات قد صحت بها الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله ولي التوفيق.اهـ([6]).
    وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: هل يجوز إهداء أجر الصلاة للوالدين قياسًا على الصدقة عنهما؟
    فأجابت اللجنة: لا تجوز الصلاة عن الوالدين ولا غيرهما، ولا إهداء ثواب الصلاة لهما، وما ورد من الصدقة عنهما يقتصر فيه على موضع النص فقط وهو الصدقة؛ لأن القياس لا يجوز في مثل ذلك، ولم يَرِدْ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم ما يدل على جواز إهداء الصلاة إلى الميت.اهـ([7]).
    قلت: والقولان قويان، والذي يترجح لي هو الاقتصار على ما ورد في النص. والله أعلم.

    [1])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1952)، مسلم (1147).

    [2])) ((مجموع الفتاوى)) (24/ 324).
    وقد نبَّه شيخ الإسلام رحمه الله إلى أنه ينبغي ألَّا يُتَّخذ هذا عادة؛ حيث قال رحمه الله ((مجموع الفتاوى)) (24/ 323): ((ومع هذا فلم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعًا وصاموا وحجوا أو قرءوا القرآن يهدون ثواب ذلك لموتاهم المسلمين، ولا لخصوصهم؛ بل كان عادتهم كما تقدم، فلا ينبغي للناس أن يعدلوا عن طريق السلف، فإنه أفضل وأكمل. والله أعلم))اهـ.

    [3])) ((الروح)) (122).

    [4])) ((شرح الطحاوية)) (2/ 668، 669).

    [5])) ((تفسير ابن كثير)) (7/ 431).

    [6])) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (5/ 361، 362).

    [7])) ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (9/ 63).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  3. #3

    افتراضي

    جزاكم الله خير الجزاء

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أفقر الخلق إلى الله مشاهدة المشاركة
    جزاكم الله خير الجزاء
    بارك الله فيكم
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  5. #5
    محب الشيخ العلوان Guest

    افتراضي

    جزاكم الله خير

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محب الشيخ العلوان مشاهدة المشاركة
    جزاكم الله خير
    وجزاكم مثله
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: حكم إهداء ثواب العبادات للميت

    هل يصل إهداء الثواب إلى الميت أم لا؟

    السؤال: هل قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} يدل على أن الثواب لا يصل إلى الميت إذا أهدي له؟


    الإجابة: قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}، المراد -والله أعلم- أن الإنسان لا يستحق من سعي غيره شيئاً، كما لا يحمل من وزر غيره شيئاً؛ وليس المراد أنه لا يصل إليه ثواب سعي غيره؛ لكثرة النصوص الواردة في وصول ثواب سعي الغير إلى غيره وانتفاعه به إذا قصده به، فمن ذلك: 1 - الدعاء: فإن المدعو له ينتفع به بنص القرآن الكريم والسنة وإجماع المسلمين، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات}، وقال تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم}، فالذين سبقوهم بالإيمان هم المهاجرون والأنصار، والذين جاؤوا من بعدهم هم التابعون فمن بعدهم إلى يوم الدين؛ وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أغمض أبا سلمة، وقال: "اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه، وافسح له في قبره، ونور له فيه"، وكان صلى الله عليه وسلم يصلي على أموات المسلمين، ويدعو لهم، ويزور المقابر، ويدعو لأهلها، واتبعته أمته في ذلك حتى صار هذا من الأمور المعلومة بالضرورة من دين الإسلام؛ وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه...". وهذا لا يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" (رواه مسلم)، لأن المراد به عمل الإنسان نفسه، لا عمل غيره له؛ وإنما جعل دعاء الولد الصالح من عمله؛ لأن الولد من كسبه، حيث إنه هو السبب في إيجاده، فكأن دعاءه لوالده دعاء من الوالد نفسه، بخلاف دعاء غير الولد لأخيه، فإنه ليس من عمله -وإن كان ينتفع به-، فالاستثناء الذي في الحديث من انقطاع عمل الميت نفسه لا عمل غيره له، ولهذا لم يقل: "انقطع العمل له"، بل قال: "انقطع عمله"، وبينهما فرق بيّن. 2 - الصدقة عن الميت: ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتلتت نفسها (ماتت فجأة)، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: "نعم"، وروى مسلم نحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والصدقة عبادة مالية محضة. 3 - الصيام عن الميت: ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه"، والولي هو الوارث؛ لقوله تعالى: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم}، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر" (متفق عليه)؛ والصيام عبادة بدنية محضة. 4 - الحج عن غيره: ففي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة؛ أفأحج عنه؟ قال: "نعم"، وذلك في حجة الوداع، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: "نعم، حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء". فإن قيل: هذا من عمل الولد لوالده؛ وعمل الولد من عمل الوالد كما في الحديث السابق: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث..." حيث جعل دعاء الولد لوالده من عمل الوالد؟ فالجواب من وجهين: أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعلل جواز حج الولد عن والده بكونه ولده، ولا أومأ إلى ذلك؛ بل في الحديث ما يبطل التعليل به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شبهه بقضاء الدين الجائز من الولد، وغيره؛ فجعل ذلك هو العلة -أعني كونه قضاء- شيءٌ واجب عن الميت. الثاني: أنه قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على جواز الحج عن الغير، حتى من غير الولد: فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: "لبيك عن شبرمة"، قال: "من شبرمة؟" قال: أخ لي أو قريب لي، قال: "حججت عن نفسك؟" قال: لا، قال: "حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة"، قال في البلوغ: رواه أبو داود وابن ماجه، وقال في الفروع: إسناده جيد احتج به أحمد في رواية صالح، لكنه رجح في كلام آخر أنه موقوف؛ فإن صح المرفوع فذاك؛ وإلا فهو قول صحابي لم يظهر له مخالف؛ فهو حجة، ودليل على أن هذا العمل كان من المعلوم جوازه عندهم؛ ثم إنه قد ثبت حديث عائشة في الصيام: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه"، والولي هو الوارث سواء كان ولداً أم غير ولد؛ وإذا جاز ذلك في الصيام مع كونه عبادة محضة فجوازه بالحج المشوب بالمال أولى، وأحرى. 5 - الأضحية عن الغير: فقد ثبت في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده، وسمى، وكبر ووضع رجله على صفاحهما"، ولأحمد من حديث أبي رافع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين فيذبح أحدهما، ويقول: "اللهم هذا عن أمتي جميعاً من شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ"، ثم يذبح الآخر ويقول: "هذا عن محمد وآل محمد"، قال في مجمع الزوائد: وإسناده حسن، وسكت عنه في التلخيص. والأضحية عبادة بدنية قوامها المال، وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل بيته، وعن أمته جميعاً؛ وما من شك في أن ذلك ينفع المضحى عنهم، وينالهم من ثوابه؛ ولو لم يكن كذلك لم يكن للتضحية عنهم فائدة. 6 - اقتصاص المظلوم من الظالم بالأخذ من صالح أعماله: ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها؛ فإنه ليس ثم دينار، ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته؛ فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه"، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون من المفلس؟" قالوا: المفلس فينا من لا درهم له، ولا متاع، فقال: "إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا؛ فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته؛ فإن فنيت حسناته، قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار". فإذا كانت الحسنات قابلة للمقاصة بأخذ ثوابها من عامل إلى غيره كان ذلك دليلاً على أنها قابلة لنقلها منه إلى غيره بالإهداء. 7 - انتفاعات أخرى بأعمال الغير: كرفع درجات الذرية في الجنة إلى درجات آبائهم، وزيادة أجر الجماعة بكثرة العدد، وصحة صلاة المنفرد بمصافة غيره له، والأمن والنصر بوجود أهل الفضل، كما في صحيح مسلم عن أبي بردة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع رأسه إلى السماء، وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء، فقال: "النجوم أمنة للسماء؛ فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي؛ فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون"، وفيه أيضاً عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان يبعث منهم البعث فيقولون: انظروا هل تجدون فيكم أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيُفتح لهم به؛ ثم يبعث البعث الثاني، فيقولون: هل فيكم من رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيُفتح لهم به، ثم يبعث البعث الثالث، فيقال: انظروا هل ترون فيهم أحداً رأى من رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يكون البعث الرابع، فيقال: انظروا هل ترون فيهم أحداً رأى من رأى أحداً رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فيوجد الرجل، فيفتح لهم به". فإذا تبين أن الرجل ينتفع بغيره وبعمل غيره، فإن من شرط انتفاعه أن يكون من أهله، وهو المسلم؛ فأما الكافر فلا ينتفع بما أهدي إليه من عمل صالح، ولا يجوز أن يهدى إليه، كما لا يجوز أن يدعى له ويستغفر له، قال الله تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم}، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن جده العاص بن وائل السهمي أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة، وأراد ابنه عمرو بن العاص أن يعتق عنه الخمسين الباقية، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إنه لو كان مسلماً فأعتقتم، أو تصدقتم عنه، أو حججتم بلغه ذلك"، وفي رواية: "فلو كان أقر بالتوحيد، فصُمتَ، وتصدقت عنه نفعه ذلك" (رواه أحمد وأبو داود). فإن قيل: هلا تقتصرون على ما جاءت به السنة من إهداء القرب، وهي: الحج، والصوم، والصدقة، والعتق؟ فالجواب: أن ما جاءت به السنة ليس على سبيل الحصر، وإنما غالبه قضايا أعيان سُئل عنها النبي صلى الله عليه وسلم فأجاب به، وأومأ إلى العموم بذكر العلة الصادقة بما سُئل عنه وغيره، وهي قوله: "أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته"، ويدل على العموم أنه قال: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه"، ثم لم يمنع الحج، والصدقة، والعتق، فعلم من ذلك أن شأن العبادات واحد، والأمر فيها واسع. فإن قيل: فهل يجوز إهداء القرب الواجبة؟ فالجواب: أما على القول بأنه لا يصح إهداء القرب إلا إذا نواه المهدي قبل الفعل، بحيث يفعل القربة بنية أنها عن فلان، فإن إهداء القرب الواجبة لا يجوز لتعذر ذلك، إذ من شرط القرب الواجبة أن ينوي بها الفاعل أنها عن نفسه قياماً بما أوجب الله تعالى عليه؛ اللهم إلا أن تكون من فروض الكفايات، فربما يقال: بصحة ذلك، حيث ينوي الفاعل القيام بها عن غيره، لتعلق الطلب بأحدهما لا بعينه. وأما على القول بأنه يصح إهداء القرب بعد الفعل ويكون ذلك إهداء لثوابها بحيث يفعل القربة ويقول: اللهم اجعل ثوابها لفلان، فإنه لا يصح إهداء ثوابها أيضاً على الأرجح؛ وذلك لأن إيجاب الشارع لها إيجاباً عينياً دليل على شدة احتياج العبد لثوابها، وضرورته إليه، ومثل هذا لا ينبغي أن يؤثر العبد بثوابه غيره. فإن قيل: إذا جاز إهداء القرب إلى الغير فهل من المستحسن فعله؟ فالجواب: أن فعله غير مستحسن إلا فيما وردت به السنة، كالأضحية، والواجبات التي تدخلها النيابة؛ كالصوم والحج، وأما غير ذلك فقد قال شيخ الإسلام في الفتاوى ص 322-323ج24 مجموع ابن قاسم: "إن الأمر الذي كان معروفاً بين المسلمين في القرون المفضلة أنهم كانوا يعبدون الله بأنواع العبادات المشروعة فرضها ونفلها، ويدعون للمؤمنين والمؤمنات كما أمر الله بذلك، لأحيائهم وأمواتهم"، قال: "ولم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعاً، وصاموا، وحجوا، أو قرؤوا القرآن الكريم يهدون ذلك لموتاهم المسلمين، ولا لخصوصهم، بل كان عادتهم كما تقدم، فلا ينبغي للناس أن يعدلوا عن طريقة السلف، فإنها أفضل وأكمل".أ.هـ. وأما ما روي أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي أبوين، وكنت أبرهما في حياتهما فكيف البر بعد موتهما؟ فقال: "إن من البر أن تصلي لهما مع صلاتك، وتصوم لهما مع صيامك، وتصدق لهما مع صدقتك" فهو حديث مرسل لا يصح، وقد ذكر الله تعالى مكافأة الوالدين بالدعاء، فقال تعالى: {وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً}، وعن أبي أسيد رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: "نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما" (رواه أبو داود وابن ماجه)، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم من برهما أن يصلي لهما مع صلاته، ويصوم لهما مع صيامه. فأما ما يفعله كثير من العامة اليوم حيث يقرؤون القرآن الكريم في شهر رمضان أو غيره، ثم يؤثرون موتاهم به ويتركون أنفسهم فهو لا ينبغي لما فيه من الخروج عن جادة السلف، وحرمان المرء نفسه من ثواب هذه العبادة، فإن مهدي العبادة ليس له من الأجر سوى ما يحصل من الإحسان إلى الغير. أما ثواب العبادة الخاص فقد أهداه، ومن ثم كان لا ينبغي إهداء القرب للنبي صلى الله عليه وسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم له ثواب القربة التي تفعلها الأمة؛ لأنه الدال عليها والآمر بها، فله مثل أجر الفاعل، ولا ينتج عن إهداء القرب إليه سوى حرمان الفاعل نفسه من ثواب العبادة. وبهذا تعرف فقه السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، حيث لم ينقل عن واحد منهم أنه أهدى شيئاً من القرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع أنهم أشد الناس حباً للنبي صلى الله عليه وسلم وأحرصهم على فعل الخير، وهم أهدى الناس طريقاً وأصوبهم عملاً؛ فلا ينبغي العدول عن طريقتهم في هذا وغيره؛ فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.


    مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين - المجلد الثاني - باب البدعة.


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •