الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده, أما بعد:
فقد سألني بعض الإخوة حول ما نسب إلى شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى في إباحة الدف والطبل بإطلاق, لا سيما وأني أحد طلابه, وقد لازمته بضع عشرة سنة, فأقول وبالله التوفيق:
كان شيخنا رحمه الله تعالى يرى جواز الضرب بالدف في الأعياد والأعراس فقط, وقوفاً على ما جاء الدليل بجوازه, ويرى حرمته فيما عدا ذلك, وأما الطبل فكان الشيخ رحمه الله يرى تحريمه مطلقا, ولم نسمع منه جواز الضرب به قط , وفتاواه في هذا معروفة ومنتشرة, وهي تقرر ما ذكرنا عنه, فإن قال قائل أن هناك من قال أن الشيخ أفتى مرة بإباحة الضرب بالطبل, وقال: إن المثبت مقدم على النافي, فالجواب أن يقال: هذا غير مقبول من وجوه أولها أن محل هذه القاعدة إذا لم تخالف المشهور المعروف عن العالم, وهذه فتاويه في أزمنة مختلفة, وهؤلاء تلاميذه الذين حفظوا أقواله وتناقلوا علمه لا يحفظون عنه إباحة الضرب بالطبل مطلقاً, ومن نقل عنه الإباحة فهو غالط عليه, ولابد من هذا, وتقرير ذلك وهو الوجه الثاني أنه ثبت في الصحيحين في قصة ذي اليدين أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أنسيت أم قصرت؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: "لم أنس ولم تقصر" فقال ذو اليدين: بلى قد نسيت, فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة فقال: "أحق ما يقول؟" فقالوا: نعم, ووجه الشاهد من هذه القصة أن النبي عليه الصلاة والسلام احتاج إلى من يتابع ذا اليدين في نسبته للنسيان, ولم يرض بقوله في هذا المجمع, لأن قوله في هذا المجمع تفرد عنه, ولهذا كان الحفاظ أئمة الحديث لا يقبلون تفرد الراوي عن الإمام المكثر كالزهري والأعمش وقتادة وغيرهم, فإن لهؤلاء الرواة تلاميذ حفاظ كثر, فتفرد البعض عنه مشعر بالوهم عليه, وإلا فأين كبار تلاميذه!؟ وكما يقال هذا في الحديث يقال أيضاً في الفقه, فكم من نقل عن الإمام أحمد رحمه الله رده أصحابه وأئمة مذهبه, كتفرد حنبل عنه بمسائل معروفة, فهذه قواعد المحدثين, وهذه قواعد الفقهاء, كلها متضافرة على إثبات التفرد والنكارة في بعض ما ينقل عن مشاهير المحدثين والفقهاء, ولسنا نعني هنا بالتفرد تفرد الضعيف, بل تفرد الثقة, وصادق اللهجة, لكنه لا يبلغ درجة الحفظ والإتقان, وهذه الأمور وتقريرها واضح جلي عند أهل العلم في هذه الفنون, وبسط أصل المسألة وتقريره يطول جداً, سواءً في حكم الطبل أو في مسائل المصطلح والأصول, وإنما أردنا التنبيه على ما نسب إلى شيخنا العلامة من أقوال لا يعرفها كبار تلاميذه وعامة طلبته الآخذين عنه, والله يتولى الجميع بالتوفيق والسداد, والحمد لله رب العالمين ..
أملاه:
أبو محمد عبد الله بن مانع الروقي