بسم الله الرحمن الرحيم


رِسَالَةُ ( مُصَارَحَةٍ ! ) وَ( بَيَانْ ! ) .. لِطَالِبِ كُلِّيَةِ : ( عُلُوْمِ القُرْآنْ ) !!


الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَـمِيْنَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ الأَمِيْنِ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِيْنَ ، وَبَعْدُ :
ـ فَيَا طَالِبَ كُلِّيَةِ : ( عُلُوْمِ القُرْآنِ ) ؛ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهُ وَبَرَكَاتُهُ .. أَمَّا بَعْدُ :
فَإِنَّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ طَمُوْحٍ ـ فِيْ ( الحَيَاةِ ) ـ لَهُ ( أَهْدَافٌ وَغَايَاتٌ ) ، وَيُحَاوِلُ السَّعْيَّ الحَثِيْثَ لِإدْرَاكِهَا بِشَتَّى ( الوَسَائِلِ وَالطُّرُقَاتِ ) ، مُتَحَدِّيَاً ـ بِذَلِكَ ـ كُلَّ ( الصُّعُوْبَاتِ وَالأَزَمَاتِ ) ـ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ مَدَى شَرْعِيَّةِ هَذِهِ ( الأَهْدَافِ وَالغَايَاتِ ) مِنْ عَدَمِ شَرْعِيَّتِهَا ! ـ .
ـ بِدَايَةً ـ أَخِيْ الحَبِيْبُ ـ ؛ أُرِيْدُ أَنْ أَسُوْقَ لَكَ بَعْضَ ( المُقَدِّمَاتِ ) ، وَأَطْرَحُ عَلَيْكَ بَعْضَ ( السُّؤَالَاتِ ) .
أَنْتَ حِيْنَمَا أَتَيْتَ لِهَذِهِ الكُلِّيَةِ ؛ أَتَيْتَ إِلَيْهَا إِمَّا ( رَاغِبَاً مُرِيْدَاً ) ، وإِمِّا ( مُجْبَرَاً مُكْرَهَاً ) !! ، فَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَتَيْتَ إِلَيْهَا ( مُجْبَرَاً مُكرَهاً ) ـ وَهَذَا مَا لَا أَظُنُّهُ ! ـ ؛ فَلَكَ أَنْ تَخْضَعَ لِلْأَمْرِ الوَاقِعِ ، وَتَتَكَيَّفَ مَعَ الأَمْرِ ، وَتَبْدَأَ بِأَخْذِ الأُمُوْرِ بِجِدِّيَةٍ ـ أَكْثَرَ ـ ، : (( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ))( سورة البقرة / 216 ) ، وَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَتَيْتَ إِلَيْهَا ( رَاغِبَاً مُرِيْدَاً ) ـ وَهَذَا مَا أَظُنُّهُ ـ ؛ فإِسمعْ مِنِّي ـ إِذَاً ـ :
ـ أَخِيْ الحَبِيْبُ : يَا مَنْ شَرَّفَكَ اللهُ ـ تَعَالَى ـ بِالإِسْلَامِ ، وَأَكْرَمَكَ بِأَنْ جَعَلَكَ مِنْ أُمَّةِ خَيْرِ الأَنَامِ ـ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ ، أَظُنُّ أَنَّكَ قَرَأَتَ حَدِيْثَ النَّبِيِّ ـ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ القَائِلِ : ( طَلَبُ العِلْمِ فَرِيْضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ) ! ، وَالمَقْصُوْدُ بِالعِلْمِ ـ هُنَا ـ ؛ هُوَ : ( العِلْمُ الشَّرْعِيِّ ، الَّذِيْ بِهِ نَجَاةُ العَبْدِ فِيْ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) وأُرِيْدُكَ أَنْ تُرَكِّزَ عَلَى لَفْظَةِ : ( فَرِيْضَةٍ ) !.. نَعَمْ ؛ ( فَرِيْضَةٌ ) ! ، أَيْ : ( تَارِكُ هَذِهِ الفَرِيْضَةِ ـ أَوْ المُقَصِّرِ فِيْهَا ـ آثِمٌ شَرْعَاً ) !! ، وَهَا أَنْتَ قَدْ إِِخْــتَرْتَ هَذِهِ ( الفَرِيْضَةِ ) ـ طَالِبَاً لَهَا وَمُرِيْدَاً لَهَا ـ ، بَعْدَ أَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَكَ لِـ ( طَلَبِ العِلْمِ ، وَيَسَّرَهُ لَكَ ، وَوَفَّقَكَ لَهُ ) (( ... وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) ))( سورة هود / 88 ) ؛ فَهَلْ ـ يَا تُرَى ! ـ قَدْ أَدَّيْتَ حَقَّ هَذِهِ الفَرِيْضَةِ ؟! .. وَهَلْ أَخَذْتَ بِمُقَوِّمَاتِه َا ؟! .. ؛ فَـ ( طَلَبُ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ ) لَهُ ( مُقَدِّمَاتٌ ) ، وَلَهُ ( نَتَائِجٌ ) ، وَلَا تَسْتَقِيْمُ لَكَ ( النَّتائِجُ ) إِذَا أَهْمَلْتَ ( المُقَدِّمَاتِ ) ! ، وَمِنْ أَوَّلِ ـ وَأُوْلَى ـ المُقَدِمَاتِ وَأَهَمِّهَا ؛ هُوَ : ( الإِخْلَاصُ ) ! ، وَذَلِكَ بِأَنْ لَا تَنْوِيْ بِطِلَبِكَ لِـ ( العِلْمِ الشَّرْعِيِّ ) إِلَّا وَجْهَ اللهِ ـ تَعَالَى ـ ، لَا ( رِيَاءَاً ) ! ، وَلَا ( سُمْعَةً ) ! ، وَلَا لِـ ( عَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا زَائِلٍ ) ! ، فـَ ( العَمَلُ الحَسَنُ = الشَّرْعِيِّ ، وَالإِخْلَاصُ ) هُمَا شَرْطَا قَبُوْلِ العَمَلِ عِنْدَ اللهِ ـ تَعَالَى ـ ، وَإِذَا تَخَلَّفَ أَحَدُهُما عَـنْ الآخَرِ ؛ لَمْ يُقْبَلُ العَمَلُ ـ أَبَدَاً ! ـ ، ( عَمَلٌ صَالِحٌ بِلَا إِخْلَاصٍ ) = ( مَرْدُوْدٌ ) ! ، ( إِخْلَاصٌ بِلَا عَمَلٍ صَالِحٍ ) = ( مَرْدُوْدٌ ) ! ؛ قَالَ اللهُ ـ تَعَالَى ـ : (( ... فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) ))( سورة الكهف /110 ) ، وَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ ـ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ : ( مَنْ عَمِلَ عَمَلَاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا ؛ فَهُوَ رَدٌ ) ! ، فَإِذا صَلُحَ أَمْرُكَ ، وَإِسْتَقَمْتَ عَلَى أَمْرِ اللهِ ـ تَعَالَى ـ ، وَفَعَلْتَ الوَاجِبَ بِإِخْلَاصٍ ؛ فَلَا بُدَّ ـ حِيْنَهَا ـ مِنْ ظُهُورِ ( النَّتَائِجِ ) ، وَهِيَ : ( أَنْ تُعَمِّرَ ظَاهِرَكَ بإِتِّباعِ السُّنَّةِ ، وَبَاطِنَكَ بِمُرَاقَبَةِ اللهِ ـ تَعَالَى ـ ، وَالخَوْفِ مِنْهُ ، وَلَا تَعْمَلَ إِلَّا صَالِحَاً ، وَلَا تَنْطِقَ إِلَّا بِالخَيْرِ ) ـ وَهَذَا فِي نَفْسِكَ ـ ! ، أَمَّا ( الغَيْرُ ) ؛ فَلَهُم عَلَيْكَ أَنْ : ( تُبَلِّغَهُمْ دِيْنَ اللهِ ـ تَعَالَى ـ وَشَرْعِهِ ) ـ وَهُوَ ( وَاجِبٌ ) ـ ! ، قَالَ اللهُ ـ تَعَالَى ـ : (( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ (125) ))( سورة / النحل / 125 ) ، وَقَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ : ( بَلِّغُوْا عَنِّيْ وَلَوْ آيَة ) ، فَـ ( أُدْعُ ) وَ ( بَلِّغُوْا ) أَمْرَانِ ، وَتَنْفِيْذُهُم َا ( وَاجِبٌ وَفَرْضٌ ) كَمَا أَنَّ طَلَبَكَ لِلْعِلْمِ ( وَاجِبٌ وَفَرْضٌ ) !! ، وَقَدْ قِيْلَ : ( زَكَاةُ العِلْمِ ؛ نَشْرُهُ ) ، فَإِحْذَرْ أَخِيْ ـ ثُمَّ إِحْذَرْ ـ مِنْ ( التَفْرِيْطِ فِيْ كِلَا الفَرْضَيْنِ ) ؛ فَأَنْتَ عَلَى ثَغْرٍ مِنْ ثُغُوْرِ الإِسْلَامِ ! ، وَعَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهِ ، فَإِحْذَرْ أَنْ تَزِلَّ بِكَ القَدَمُ ـ ( تَقْصِيْرَاً أَوْ تَرْكَاً ، تَعَلُّمَاً أَوْ تَعْلِيْمَاً ) ـ ، فَأَنْتَ سَتَكُوْنُ فِيْ المُسْتَقْبَلِ ( مُدَرِّسَاً وَمُرَبِّيَاً ) ـ بِإِذْنِ اللهِ ـ ؛ فَهَلْ يَسْتَقِيْمُ ـ شَرْعَاً وَعَقْلَاً وَعُرْفَاً ـ أَنْ تَصْبُوْ وَتَرْنُوْ لِلْمُسْتَقْبَل ِ مِنْ غَيْرِ إِعْدَادِ نَفْسِكَ الإِعْدَادَ التَامِّ ـ عِلْمِيَّاً وَعَمَلِيَّاً وَأَخَلَاقِيَّا ً ـ ؟! ، هَلْ يَسْتَقِيْمُ أَنْ تَتَطَلَّعَ لِلْمُسْتَقْبَل ِ وَأَنْتَ مُقَصِّرٌ فِيْ عِبَادَاتِكَ ـ المَفْرُوْضَةِ وَالمُسْتَحَبَّ ةِ ـ ؟! ، هَلْ يَجُوْزُ أَنْ تَتَشَوَّقَ لِلْوَظِيْفَةِ وَأَنْتَ لَا تَعْرِفُ قِرَاءَةَ القُرْآنِ بِصُوْرَةٍ صَحِيْحَةٍ ـ أَحْكَامَاً وَتَجْوِيْدَاً ـ ؟! ، كَيْفَ سَتُنِيْرُ دَرْبَ غَيْرِكَ ؟! .
وَأَرْجُوْ أَنْ لَا تَسْتَغْرِبَ ـ أَخِيْ ـ مِنْ هَذَا الكَلَامِ ! ؛ فَقَدْ سَمِعْنَا ـ مِنْ خَبَرِ الثِّقَاةِ ! ـ أَنَّ طُلَّابَاً مِنْ كُلِّيَةِ : ( عُلُوْمِ القُرْآنِ ) لَا يُحْسِنُوْنَ القِرَاءَةَ لِلْقُرْآنِ ! ، وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَسْمَعُ الغِنَاءَ وَالمَعَازِفَ وَالأَلحَانَ ! ، وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُعَاكِسُ النُّسْوَانَ ! ، بَلْ ؛ وَأَنْ مِنْهُمْ مَنْ لَا يُصَلُّوْنَ مَعَ أَهْلِ الإِيْمَانِ ! ، وَلَوْ رَأَيْتَ أَحَدَهُمْ فِيْ شَارِعٍ ؛ لَمَا مَيَّزْتَهُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الفِسْقِ وَالفُجُوْرِ وَالعِصْيَانِ ! ؛ فَمَظْهَرُهُ غَيْرُ لَائِقٍ ـ لَا شَرْعَاً وَلَا عُرْفَاً ـ ، وَاللهُ المُسْتَعَانُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ ! ، وَحِيْنَ تَرَاهُ ؛ تَتَسَائَلُ ـ مُسْتَغْرِبَاً ! ـ : أَهَذَا هُوَ طَالِبُ كُلِّيَةِ : ( عُلُوْمِ القُرْآنِ ) الَّذِيْ يَنْبَغِيْ أَنْ يُشَارَ لَهُ ـ وَإِلَيْهِ ـ بِـ ( البَنَانِ ) ؟! .
فَإِتَّقِ اللهَ ـ تَعَالَى ـ يَا طَالِبَ كُلِّيَةِ : ( عُلُوْمِ القُرْآنِ ) ، وَإِحْسِبْ حِسَابَاً لِـ ( سَكَنَاتِكَ ) ، وَ ( حَرَكَاتِكَ ) ، وَ ( تَطَلُّعَاتِكَ ) ، وَ ( أَهْدَافِكَ وَمَآلَاتِكَ ) ، وَلَا تَنْظُرْ لِأَسْفَلِ قَدَمَيْكَ ، وَلَا تَسْتَصْغِرُ نَفْسَكَ ، وَلَا تُقَـزِّمُ نَفْسَكَ ، فَأَنْتَ ( كَبِيْرٌ بِإِسْلَامِكَ ) ! ، وَ ( عَظِيْمٌ بِإِيْمَانِكَ ) ! ، وَكُنْ جَبَلَاً لَا تَهُزُّهُ ( العَوَاصِفُ ) ! ، وَلَا تُرَوِّعُهُ ( القَوَاصِفُ ) ! ، وَإِشْمَخْ بِرَأْسِكَ ـ عَالِيَاً ـ ؛ وَقُلْ : ( هَوِيَّتِيْ : مُسْلِمٌ مُوَحِّدٌ وَعَلَى مَنْهَجِ السَّلَفِ الصَّالِحِ ) ، ثُمَّ إِشْمَخْ بِرَأْسِكَ ـ عَالِيَاً ـ ؛ وَقُلْ : ( هَدَفِيْ : تَبْلِيْغُ دِيْنُ نَبِيِّيَ مُحَمَّدٍ ـ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ ) ، وَلَا تَسْتَحْيِّيْ مِنْ ( الحَقِّ ) ـ إِعْتِقَادَاً ، وَقَوْلَاً ، وَعَمَلَاً ، وَتَبْلِيْغَاً ـ ؛ فَغَيْرُكَ لَا يَسْتَحْيِّيْ مِنْ ( البَاطِلِ ) ؛ فَلِمَ تَسْتَحْيِّيْ مِنْهُ أَنْتَ ؟! ، فَأَنْتَ ( عَزِيْزٌ ) ، وَصَاحِبُ البَاطِلِ ( ذَلِيْلٌ ) ، وَأَنْتَ ـ وَغَيْرُكَ ـ أَحَقُ بِرَفْعِ الرُّؤوسِ مِنْ غَيْرِكُمْ ؛ فَإِنِّيْ لَكَ ( نَاصِحٌ ) لَا ( قَادِحٌ ) ، وَكَمَا أُحِبُّ الخَيْرَ لِنَفْسِيْ ؛ أُحِبُّهُ لَكَ .
ـ وَفِيْ الخِتَامِ : أَسْأَلُ اللهُ ـ تَعَالَى ـ أَنْ يُوْفِّقَكَ لِـمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ ، وَيَجْعَلَ عَمَلَكَ الصَّالِحَ فِيْ رِضَاهُ . ( آمِيْن ) .
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِيْنَ . أَخُوْكَ ـ النَّاصِحُ ـ :

أبو عبد الرحمن الأثري العراقي
.............
المقال مُنَسَّقٌ ومُرَتَّبٌ ، وجاهزٌ للنشرِ فِي هَذا الرَّابِطِ :


http://www.gulfup.com/?pUaCs0