21-01-2015 | مركز التأصيل للدراسات والبحوث
فاستضاف منتدى "Tribune Libre"، المقام في مدرسة HEM بالرباط محاضرة للكاتب والمحاضر الفرنسي المسلم والمتصوف من جامعة ستراسبورغ إيريك جوفروا [5]، بعنوان "المسار الروحي في الإسلام" وعرض فيها تعريفا لظاهرة التصوف في الدين الإسلامي كمسار متطور وكممارسة تحمل الكثير من الأبعاد والدلالات، ورد فيها عن بعض الأسئلة المقلقة حول دور ومكانة التصوف في الإسلام واستخدم اللفتة الكريمة التي تكررت في القران الكريم "أفلا يتفكرون" للاستدلال على أهمية التصوف في الإسلام حيث اعتبر ان التفكر هو أول خطوات التصوف.


كمثل مالك لثروة لا يقدر قيمتها ورث أغلب المسلمين الإسلام ديانة، تعلموها بصفتها ديانة الأبوين، وربما تعلموا العلوم الشرعية، وربما صاروا أيضا من دعاتها وشيوخها لكنهم لم يقدروا قيمة هذا الدين الحقيقية، ولم ينتبهوا لما في هذا الدين من تلبية لحاجة كل إنسان ولا لجوانب عظمته التي نشأت من كونه العقيدة الخاتمة التي أرسلت للبشرية بعد نضجها وجعلت خاتمة الرسالات التي ستتعامل مع كل العقول البشرية إلى قيام الساعة.
وعلى الرغم من عدم انتباه الكثير من المسلمين لقيمة ما يحملون من دين ومن نقاط قوة فيه إلا أن المستشرقين درسوا الإسلام جيدا فوجدوه متكاملا قويا حيا نشطا ليس فيه نقاط ضعف يمكنهم أن يخترقوه منها، ولكنهم وجدوا نقطة يمكنهم التسلل من خلالها، ألا وهي الصوفية، فكان قرارهم دعم الصوفية كرؤية وحيدة مقبولة للإسلام حيث تساهم معهم في هدم حقيقة الإسلام بفصل الدين عن الحياة.
فيقول المؤرخ والباحث دانيال بايبس [1] "الغرب يسعى إلى مصالحة التصوف الإسلامي ودعمه لكي يستطيع ملء الساحة الدينية والسياسية وفق ضوابط فصل الدين عن الحياة، وإقصائه نهائياً عن قضايا السياسة والاقتصاد، وبالطريقة نفسها التي استُخدمت في تهميش المسيحية في أوروبا والولايات المتحدة" [2].
ولهذا أيد الغرب الصوفية في العالم الإسلامي ودعمها ونفخ في نيرانها لتثبيت أركانها في الدول الإسلامية، فنشرت مجلة «يو إس نيوز آند وورلد ريبورت» الأمريكية تقريرا بعنوان "عقول وقلوب ودولارات"، جاء في أهم فقراته: "يعتقد الإستراتيجيون الأمريكيون بشكل متزايد أن الحركة الصوفية بأفرعها العالمية قد تكون واحداً من أفضل الأسلحة، ولذا فإنهم يدفعون علناً باتجاه تعزيز العلاقة مع الحركة الصوفية، ومن بين البنود المقترحة استخدام المعونة الأمريكية لترميم المزارات الصوفية في الخارج والحفاظ على مخطوطاتها الكلاسيكية التي تعود إلى القرون الوسطى وترجمتها، ودفع الحكومات لتشجيع نهضة صوفية في بلادها" [3].
وكما حرص المستشرقون على دعم الصوفية حرصت قوات الاحتلال لكل قطر إسلامي على دعم الصوفية بكل وسيلة، فحـينما دخلـت الـقـوات الصليـبية الأمريـكـية والبريطـانيـة إلى أفغانستان كـان أول ما قامـوا به أنـهـم فتـحوا المـزارات والأضـرحـة، وسـمحوا للمـوالد أن تقــام وروجـوا لها، فيقـول أحـد شيـوخ الطـرق واسـمه (صوفي محمد) وهو فـي الستـين من عمـره لوكـالة (رويتـرز): (إن حركة طالبان المتعـصبة أغلـقـت المزارات وأوقفت الاحتفالات ومنعتنا مـن حـلقـات الذكـر والإنشـاد طــوال فـتــرة حكـمــها رغــم أنـهـا لم تتـوقف حتـى في وجـود الحـكم الشيوعي والاحتلال الروسي! وأنـا سعـيد جداً بسقوط تلك الحركة المتعصبة، وأمريـكا سمـحت لنـا بمـمارسـة طقـوسنا وإقامة موالدنا، ونحن نشكر لها ذلك وبشدة) [4].
ولا يزال المستشرقون – حتى لو أعلنوا إسلامهم – يدعمون هذا الاتجاه الصوفي، ويحسنون صورته أمام المسلمين، ويروجونه على انه هو الصورة المثلى للإسلام، ومن العجب أنهم يبدءون بث هذه السموم في المغرب حيث تعتبر المغرب معقلا من أهم معاقل الصوفية التي بدلت الصورة التي حافظت الصوفية عليها من الذكر والزهد والمعاني الإسلامية ونقلتها فكريا إلى الأفكار والعقائد الباطلة مثل الحلول والاتحاد ووحدة الوجود والحقيقة المحمدية وغيرها.
فاستضاف منتدى "Tribune Libre"، المقام في مدرسة HEM بالرباط محاضرة للكاتب والمحاضر الفرنسي المسلم والمتصوف من جامعة ستراسبورغ إيريك جوفروا [5]، بعنوان "المسار الروحي في الإسلام" وعرض فيها تعريفا لظاهرة التصوف في الدين الإسلامي كمسار متطور وكممارسة تحمل الكثير من الأبعاد والدلالات، ورد فيها عن بعض الأسئلة المقلقة حول دور ومكانة التصوف في الإسلام واستخدم اللفتة الكريمة التي تكررت في القران الكريم "أفلا يتفكرون" للاستدلال على أهمية التصوف في الإسلام حيث اعتبر ان التفكر هو أول خطوات التصوف.
واعتبر هذا المحاضر أن "سبب تخلف المسلمين وارتكانهم إلى السطحية والجمود، هو التركيز على ظواهر الناس ومراقبة تدينهم عبر وضعه في قوالب قانونية وفقهية"، وهي فكرة خبيثة حيث تطرح جانبا بل وتهاجم أهمية فهم قضية شروط الإيمان والإسلام وأهمية مراعاة الضوابط والأحكام الإسلامية التي تحكم حياة المسلمين داخل سياج الإسلام.
ولم ينس المحاضر من الثناء على كتب الصوفية التي لم تخل من شطحاتهم ومنكراتهم دون أن ينبه إلى بعض ما فيها من غلو وإفراط في جانب وتهاون في جوانب صحيحة، فذكر كتاب إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي المتوفي سنة 505هـ، والكتاب فيه العديد من التحفظات أو المزيد من إنكار أهل العلم على ما جاء في بعضه، ولكنه قدمه كنموذج وحيد للكتب الإسلامية التي قال عنها أنها "تظهر ما في الإسلام من روح قادرة على بعث وإحياء العلوم الدينية عبر الاستفادة من وسطية الإسلام التي تدعوا إلى عقلانية منفتحة تجمع بين الذكر والفكر وبين التأمل في الآفاق وفي النفس كما جاء في الآية الكريمة (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق).
ولم ينس المحاضر الذي جاء يعلم المسلمين دينهم أن للاجتهاد أهمية في الإصلاح خاصة إذا كان مستمدا من روحانية الإنسان الصافية والتي لا يمكن أن تقبل بالإسلام كإيديولوجية دوغمائية، فالإصلاح في نظر المحاضر هو التحول، أي الالتقاء بين كتل مختلفة وحصول تفاعلات تحولها، ويؤكد ويقول "خاصة إذا علمنا أن الحقيقة متعددة الأبعاد ولا تنحصر في زاوية واحدة "، وبهذا يمكن القول بان الاجتهاد المقبول في نظر المحاضر يشمل كل شئ في الإسلام من العقائد والثوابت والعبادات وغيرها، بل يقبل البحث أيضا في وجود دين آخر يمكن ان يقبل به المسلم على انه صواب أيضا لان الحقيقة كما زعم "متعددة الأبعاد"، والمسلمون يقبلون بالاجتهاد ويرحبون به ولا يعتبرون بابه مغلقا في الفروع لا الأصول، وفي الفقه لا في العقيدة.
وطالب الباحث المستشرق الفرنسي المسلمين بالا يكونوا دوغمائيين، ولم يكن الإسلام يوما داعيا للدوغمائية ولا يقبل بها، فالدوغمائية تعني التعصب لفكرة معينة من قبل مجموعة دون قبول النقاش فيها أو الإتيان بأي دليل ينقضها لمناقشته، والإسلام ابعد ما يكون عنها، فكم تكررت في القران الكريم الآية الكريمة "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين".
وبالطبع استطال الباحث على الحضور بذكره المصطلحات التي تغمض على الكثيرين، فقال: "احذر من السقوط في الفكر النيتشوي العدمي الذي يكفر بكل شيء، فرغم الاعتراف بنسبية الحقيقة إلا أن الإنسان لا يمكن أن يعيش بإنكار وجود حقيقة، حقيقة بمعناها العام La Réalité. فعبر القرون لم يستطع الإنسان إنكار وجود الله فيه وبالتالي معرفته ولا يدري احد من قال في الإسلام بالفكر النتشوي العدمي الذي ينكر الحقائق، فالإسلام يخالف هذا الفكر جملة وتفصيلا، فما جاء الإسلام إلا ليقر الحقائق ويثبتها لا ان يلغيها ويهدمها ويترك الإنسان حائرا في أفكارهم الغربية العدمية التي أرادوا نشرها بين أبنائنا، فهذه بضاعتهم وليست بضاعتنا.
وفي نهاية محاضرته سمى المحاضر الصوفية باسم جديد ليدلل على قيمتها فسمها بالمشروع التحريري الروحاني للإسلام فقال: "إن المشروع التحريري الروحاني للإسلام قادر على حل كثير من الخلافات وإحداث نهضة عالمية، فهو على سبيل المثال يحقق تجاوزا للثنائية المادية للصراع بين الذكر والأنثى وينتقل بها إلى رحابة التوحيد في عبادة الله وحبه والاستخلاف في أرضه. وبذلك فإن فمنهج الفكر الصوفي هو الاحتواء وليس الإقصاء، الشمولية وليس التجزيئية. وهو ما انتبه إليه الشاعر الألماني جوته فقال "إذا كان هذا هو الإسلام، فنحن جميعا مسلمون".
وبهذا في نهاية كلامه وباستدلاله بكلمات الشاعر الألماني جوته فان الصوفية تفرغ تماما الإسلام من مضمونه لتجعله مجموعة طقوس وطلاسم تنحصر داخل زاوية مهجورة، ويصبح اغلب أصحابها بطون وفروج، وبهذا يتم إخراج الإسلام عقيدة وشريعة من الكون، فقال جوته معقبا "إذا كان هذا هو الإسلام، فنحن جميعا مسلمون"، وصوابها لو كانت الصوفية هي الإسلام فكلنا صوفيون " وهم العلمانيون والملاحدة واللادينيون، فلا فرق بين الصوفية وبين كل هؤلاء.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــ
[1] مؤلف ومؤرخ أمريكي متخصص في نقد الإسلام. بايبس هو مؤسس ومدير منتدى الشرق الأوسط وهو مركز أبحاث، وكذلك مؤسس كامبس وتش التي يصفها الكثير من المثقفين والباحثين بأنها منظمة لمضايقة الباحثين والعلماء الذين ينتقدون إسرائيل.
[2] جريدة (الزمان) ـ العدد (1633) ـ التاريخ (12/10/2003م).
[3] الملحق الأسبوعي للعرب اليوم الأردنية في25/4/2005 وأيضا الطبعة الإلكترونية من مجلة «يو إس نيوز آند وورلد ريبورت» الأمريكية العدد (25/4/2005م)
[4] نقض العرى.. رؤية في البديل الغربي للتيار السلفي. محمد بن عبد الله المقدي، موقع المختصر
[5] أستاذ الفلسفة الإسلامية في جامعة ستراسبورج الفرنسية، أسلم بعد رحلة طويلة تنقل فيها بين العقائد والأديان مثل النصرانية والبوذية