لقاء مع الدكتور محمد صبري عبدالعزيز عرابي
رئيس جمعية تبليغ الإسلام بالإسكندرية

كان اللقاء به مثمرًا بمعنى الكلمة، لن تستطيع الكلمات أن تصف ما شعرنا به بعدما سمعنا كلماته، كلمات معبرة عن صدق النية والهِمَّة العالية، كانت مقابلته والحديث معه خبرة لنا كشباب، وتحفيزًا على البذل لهذا الدين العظيم دون انتظار مقابل.
إنه الدكتور محمد صبري عبدالعزيز عرابي، رئيس جمعية تبليغ الإسلام بالإسكندرية.
مجلة أهلاً: نريد أن نعرف بداية نشأة جمعية تبليغ الإسلام؟
د.صبري: تُعتبَر جمعية تبليغ الإسلام هي امتداد لنشاط "دار تبليغ الإسلام"، التي أُسِّست عام 1929م، وكان مؤسِّسها هو الأستاذ المهندس: محمد توفيق أحمد، كان بداية الأمر يُرسِل رسائل لمن يُريد أن يتعرَّف على الإسلام، وأسلم على يديه ما يزيد عن 4 آلاف شخص، ثم تمَّ تسجيل الجمعية في سنة 1974، وأسَّسها الشيخ سيد حامد، وفي سنة 2004، طلب مني الشيخ أن أتولى الجمعية.
تعمل الجمعية على نشر كلمة التوحيد في العالم أجمع، وهي تخاطب الشعوب مِن مختلف بقاع الأرض بألسنتها المختلفة؛ وذلك عن طريق إرسال كتب مترجمة إلى أكثر من (110) لغة مِن لغات العالم، وهي تُرسِل هذه الكتب بالمجان لمَن يحتاجها ويطلبها مِن أعضاء الجمعية على الإنترنت، إما للمسلمين المقيمين بهذه البلدان، أو المسلمين الجدُد، أو غير المسلمين الذين يودُّون التعرُّف على الإسلام.
مجلة أهلاً: جمعية تبليغ الإسلام هي جمعية تعمل على نشر كلمة التوحيد في العالم، وبما أنها تخاطب الشعوب من مختلف بقاع الأرض، فهل هناك من إنجازات ملموسة في هذا المجال؟
د.صبري: إن كنا لا نَنظر إلى إنجازات؛ لأننا مُكلَّفون كما كُلف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنشر الرسالة دون انتظار النتيجة، إلا أن الإنجازات كانت غير متوقَّعة؛ فلقد قمنا بتوقيف مدٍّ تنصيريٍّ غير عادي في إفريقيا، ونحن دخلنا أغلب هذه البلاد في إفريقيا، فوجدنا هذه الحملات بكثرة، بالإضافة إلى المدِّ الشيعي، وقد لمسْنا هذا الأمر في إعلان الفاتيكان بأنه سينزع الإسلام خلال الألفية الثالثة، وهذه الحركات العنيفة التي نواجهها توضح أن الدين الإسلامي دينٌ فِطريٌّ وعظيم، ويحتاج لرجال لكي يَنشروا هذا الدين ويقوموا بهذه المهام.
مجلة أهلاً: جمعية تبليغ الإسلام أنشأها المهندس محمد توفيق - رحمة الله عليه - نودُّ أن نعرف نبذة يسيرة عنه؟
د. صبري: هذا الرجل أعجوبة مِن الأعجوبات؛ ذهب إلى سويسرا ليحصل على درجات علمية - فقد كان ضمن فريق مصري من هيئة السكة الحديدية - لأنه كان مسؤول ورش السكك الحديدية في مصر، وكان هدفه هو الذهاب لهذا العمل، ولكن قدر الله أن يضع له هدفاً آخَر؛ فقد وجد هذا الرجل أن هناك حملات ضد الإسلام في هذه البلاد، ووجد شخصًا ينعت الإسلام بما ليس فيه، فقام بالرد عليه مِن خلال الجرائد، ثم يشاء الله أن تقوم بينه وبين هذا الرجل مناظرة وينتصر فيها لصالح الإسلام، وهذا الطبيعي في أيِّ مواجهه بين الحق والباطل، ومن هنا وضع الدعوة للإسلام على عاتقه، وتساءل: لماذا لا أكون أنا الرجل الذي يقوم بنشر الإسلام، وبدأت الحميَّة - حميَّة الدِّين - تشتعل؛ حتى فتح الله له هذا الطريق.
مجلة أهلاً: الآن يتعرَّض الدعاة الشباب لصعوبات كثيرة في طريق الدعوة، فما هي الصعوبات التي تعرَّضَت لها جمعية تبليغ الإسلام، وكيف قمتم بمواجهتها؟
د. صبري: أغلب العقبات: القُوى البشرية المخلصة؛ فأنا أعتبر أن مَن يقوم بهذا العمل كأنه مِن الصحابة الأولين الذين تحمَّلوا الكثير مِن أجل نشْر الإسلام.
إن قوى الشرِّ سائدة في العالم، وهناك مجموعة قليلة هم القائمون على أمر الدعوة، ويحملون هَمَّ الدِّين، وشَبهتُهم بالصحابة؛ لأنهم كانوا يَحملون همَّ الدعوة وهم قليل في وسط قوى شرٍّ كثيرة سائدة، فهم قليل، ولكن بحَملهم للدِّين يوفقهم الله - عز وجل - لذلك، فالإخلاص مطلوب أنيُرافِق العمل.
مجلة أهلاً: كثير مِن الشباب الآن مشتَّت، ويرى أنه لكي يكون داعية عليه أن يَمكث سنوات للتعليم، ثم يبدأ في الدعوة، ما رأي حضرتك في ذلك، موضحًا أهمية الدعوة وتبليغ الرسالة؟
د. صبري: الدعوة ليست بحاجة إلى علماء، ولكن العلماء جزء من الدعوة، وليس كل الدعوة، هناك الكثير من الدعاة لم يَحصلوا على أعلى الدرجات في الدراسات الإسلامية، ولا معهم القراءات العشر، ولكن لدَيهم إيمان بالله، وإيمان بأن هذه الرسالة لا بد وأن تَنتشِر؛ فهناك من يرسل ويُساعد في نشر وتوزيع الكتب لمن يريد أن يقرأ عن الإسلام ويتعرف على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهناك مَن يَبذل جهدًا في طريق آخَر، ولكن الشيطان يضع عقبات أمام الطريق؛ ليُعرِض الشبابُ عن الدعوة.
ولنرجع لأصحاب النبي، كان منهم رعاة غنَم حُفاة عراة، ولكن النقطة هي: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 282]؛ أيُّ شاب يمكن أن يكون لَبِنَة في نشر هذا الدين، ويمكن أن يكون لا قيمة له في الدنيا والآخرة.
مجلة أهلاً: تحتاج الدعوة للإسلام إلى مهارات للداعية، وأسلوب يتميَّز به، في رأيكم ما هي أهم الأساليب التي يجب على الداعية أن يستخدمها لكي تصل رسالته؟
د. صبري: أهم شيء الإخلاص، أن يُخلِص الشاب أولاً في عبادة الله حق العبادة، ثم يأتي بعد ذلك نشْرُ الدين، كل شيء يأتي بالزمن؛ فمِن السهل الآن التطلُّع لاكتساب المهارات، وتعلُّم اللغات، وهذا ليس بالأمر الصعب؛ فلدينا الإمكانيات لكَي نكون الأفضل، ورغم أن هذه الوسائل المُتاحة لنا الآن مِن وسائل اتصال وإعلام ومواقع إلكترونية، لم تكن متاحة أيام الصحابة، إلا أنهم قد سبقوا بالإخلاص والهمة العالية.
مجلة أهلاً: على الصعيد العام، ما هو الدور الذي تُقدِّمه جمعية تبليغ الإسلام لتصحيح صورة الإسلام في الغرب؟
د. صبري: جمعية تبليغ الإسلام لها ثلاثة أهداف رئيسية، وهي:
أولاً: الدعوة، والعمل على اتباع منهج النبي - صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: وتثبيت المسلمين في مواجهة حملات التنصير والتشيِيع الشَّرِسة؛ لأنه يوجد مِن المسلمين مَن يرتدُّ - للأسف - لعدم معرفة ما هو الدين الإسلامي الصحيح.
وثالثًا: إعداد الدعوة مِن خلال منهجَين؛ المنهج الأول، وهو تعليم المصريِّين وترحيلهم للخارج، ولكن لم تكن المقاييس أن يكون عالمًا في العقيدة أو الشرع، بل مَن هو ذو همة عالية وإصرار، ولكن كان علينا أن ننتهج منهجًا آخَر، وهو أن نستقبل طلبة مِن بلاد أخرى ونقوم بتعليمهم، ثم يرجعون إلى بلادهم لنشر الدعوة، وقد اخترنا هذا المنهج؛ لأن هناك بلادًا يوجد بها القليل مِن المسلمين مثل أمريكا الجنوبية، والقليل مِن القليل هو المسلم الملتزم؛ لذلك كان علينا أن نختار مِن بني جلدتهم مَن لديه هِمَّة وعزيمة ونعلِّمه الإسلام، ويعود لدعوتهم، ولاقى هذا الأمر نجاحًا في هذه الدول كبيرًا، ولله الحمد.
مجلة أهلاً: هل تقوم الجمعية بأعمال خيرية غير الدعوة؛ كمساعدات للمسلمين؟
د. صبري: ترعى الجمعية الأسر المبعوثة من بلاد أجنبية، هناك 600 أسرة فقيرة في مصر تتولاها الجمعية، كما يوجد أيضًا في شلاتين، وحلايب والصعيد إغاثات طبية ودعوية.
مجلة أهلاً: كيف تنظِّم وقتك بين الدعوة والحياة الأسرية؟
د. صبري: العملية ليست صعبة لو اعتمدت على الله؛ فيمكن أن أوجه العائلة للدعوة إلى الله، وأحيانًا لا أمكث في المنزل، وتقوم عائلتي بمعاتبتي، وأردُّ على ذلك بأن ذلك لكم في سبيل الله، وتكون هذه الكلمات كافية لهم، وأقوم أحيانًا بتكليفهم بمهامَّ؛ كقراءة كتاب وتلخيصه لي؛ لأني أحتاج التعليق عليه، ترجمة بعض الكتب، ومكالمة أخوات للدعوة، وهكذا، فقد كنتُ مِن ضابط في القوات المسلحة لأستاذ في جامعة مصراتة بليبيا، ووكيل وزارة الصناعة في الإسكندرية، وأخيرًا عملي بالدعوة، وهذا مِن أكثر الأعمال التي تماشَوا معه وأحبوه، وهي الدعوة لدين الله.
مجلة أهلاً: كيف ترى دور المرأة في الدعوة؟
د. صبري: المرأة سلاح مهم جدًّا؛ فقد ننظر إلى زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - لنجد أن السيدة عائشة قد روت عن النبي أكثر الأحاديث، ونجد الصحابيات وما قاموا به في طريق الدعوة ونشر الإسلام وتوضيح صورة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن المرأة تحتاج إلى ضوابط تسير عليها، خاصة في العمل الدعوي؛ لأن قيَم مجتمع الصحابة غير مجتمعنا الآن، نحن نحتاج المرأة؛ فيُمكنها دعوة السائحات، وتوزيع الكتب، والتعريف بالإسلام، وغير ذلك تحت الضوابط الشرعية.
مجلة أهلاً: أكثر المواقف المؤثرة في حياتك الدعوية؟
د. صبري: حقًّا كثيرة جدًّا؛ أحد الألمان عندما أسلم بكى بكاءً شديدًا: "أنتم مجرمون، أنتم مجرمون"، فسألوه: لماذا تقول ذلك؟ قال: أبي قد توفِّي وأمي كذلك، ماتوا كفارًا، أين كنتم؟ لماذا لم تدعوهم؟! وآخَر مِن أمريكا قال لي: إن زوجته طلبت الطلاق عندما أسلم، وأمه وأبوه قد نشروا في الجرائد أنه مجنون، وبكى وقال: تركتهم؛ لأني أريد أن أسلم، أثَّرت فيَّ العديد، وسألت نفسي: بماذا ضحيتُ مِن أجل الإسلام؟ بماذا ضحَّيتُ أنا في سبيل الله؟!
مجلة أهلاً: هل أنت مُتفائل؟
د. صبري: أنا متفائل جدًّا؛ لأني أؤمن أن الدين لا بد وأن ينتشر، وهذا الأمر هو محور حياتي الآن، ليس لي آمال إلا همُّ نشر الدين، ومع علمي أن الله قدر أن الدين سيَنتشِر، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ليَبلغن هذا الأمرُ ما بلغ الليلُ والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل؛ عزًّا يُعز الله به الإسلام، وذلاًّ يُذل الله به الكفر))، إلا أني أريد أن أكون لَبِنَةً في هذا الأمر، وهناك بشائر كثيرة أن كل مَن يُعرَض عليه هذا الدين يُسلم، وشباب تركوا أشياء كثيرة مِن أجل الإسلام، وأعتبر وجود حرب شرسة على الإسلام مِن البشائر؛ لأنه سيَنتصِر، وهذه وعود الله لنا.
مجلة أهلاً: وأخيرًا، نريد كلمة منك للأخوات القائمات على هذه المجلة؟
د. صبري: أنتنَّ اخترتنَّ طريق الصحابيات، لا ينقصكنَّ شيء إلا مراقبة النفس، وأن يكون العمل خالصًا لوجه الله تعالى؛ فالشيطان يُحاول أن يقلِّل ثواب العمل، يجب أن تعلمنَ أنكنَّ مأجورات، وأن سعادة الدنيا والآخرة معكنَّ، فأنتن قليل مِن كثير، تمسَّكنَ بحبل الله؛ حتى تنلنَ شرف الدعوة وسعادة الدنيا والآخرة - بإذن الله.
المصدر: مجلة "أهلا" الدعوية، الصادرة عن مبادرة "أهلا" للتعريف بالإسلام
العدد الأول، ديسمبر 2012 م
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/51282/#ixzz3PIkkNbCY