قال العلامة المعلمي فيما ذكر في كتاب اثار العلامة المعلمي

في الحديث أن العاطس إذا حمد الله، يقال له: "يرحمك الله"، فيجيب: "يهديكم الله ويصلح بالكم" ( "صحيح البخاري" (6224)).
وفي حديث تعليم السلام؛ أن يقول: "السلام عليكم"، فيجاب: "وعليكم السلام" ( أخرجه أحمد (12612)).
فما سرّ الإفراد في "يرحمك الله"، والجمع في البواقي؟ مع أن المترحَّم والمسلَّم والمسلَّم عليه قد يكون واحدًا؟
قد كان ظهر لي أن السرّ في جمع "يهديكم الله" الإشارةُ إلى أنه ينبغي أن يَترحمّ على العاطس كلُّ من سمعه, ثم رأيت أن هذا لا يكفي, لأنه على ذلك ينبغي إذا كان المترحِّم واحدًا أن يقال: "يهديك". وكذا في السلام.
ثم تبيَّن لي سحر ليلة الجمعة 29 رمضان سنة 1356 أن السرّ هو أن الترحُّم يقع من الإنس وحاضري الملائكة ومؤمني الجنّ، فلذلك ينبغي أن يجاب بالجمع "يهديكم الله ويصلح بالكم"، وإن كان الإنسان المترحَّم واحدًا؛ لأن معه مَنْ ذُكِر.
فأمّا العاطس، فلا يمكن أن يقال: إذا عطس، عطس معه الحاضرون من الملائكة ومؤمني الجن.
وأمّا السلام، فإن القادم يسلّم على الجالس ومَن معه من الملائكة ومؤمني الجنّ؛ فلذلك ورد بلفظ الجمع.
وكذا جوابه؛ لأن سلامه يكون عنه وعمّن معه من الملائكة ومؤمني الجنّ، فيكون الجواب بالجمع.
ثمّ السلامُ معناه الدعاء بالسلامة، ويلزمه الوعد بسلامة المسلَّم عليه من المسلَّم.
فعلى هذا، إذا سلمتَ على أحدٍ أو رددتَ عليه السلام [ثم آذيته] ، فقد أخلفت وعدك.
وكأنه إلى هذا يشير حديث الأمر بالسلام عند القيام، وفيه: "فليست الأُولى بأَولى من الثانية" (أخرجه أحمد (7852، 9664)، والبخاري في "الأدب المفرد" (986)). أي - والله أعلم -: فإن الإيذاء كما يمكن في الحضور يمكن في الغَيبة، بل لعله في الغَيبة أكثر.
وكأنّ حديث: "أولا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" ("صحيح مسلم" من حديث أبي هريرة (54)) يشير إلى هذا؛ فإن المحبة إنما تتمّ بوعد كل إنسانٍ من المسلمين
صاحبه أن لا يؤذيه، ثم وفائِه بالوعد، فلا يؤذيه ولا يغتابه ولا ينمّ عليه، ولا إليه. والله أعلم