تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 13 من 13

الموضوع: تفسير سورة البقرة من مختصري لتفسير الطبري (متجدد)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي تفسير سورة البقرة من مختصري لتفسير الطبري (متجدد)

    سُورَةُ الْبَقَرَةِ (2) وَآيَاتُهَا سِتُّ وَثَمَانُونَ وَمِائَتَانِ
    {الم}[البقرة:1]
    {الم}
    حُرُوف مُقَطَّعَة لَمْ يَصِلْ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ فَيَجْعَلَهَا كَسَائِرِ الْكَلَامِ الْمُتَّصِلِ الْحُرُوفَ؛ لِأَنَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ أَرَادَ بِلَفْظِهِ الدَّلَالَةَ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهُ عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَةٍ لَا عَلَى مَعْنَى وَاحِدٍ، كَمَا جَازَ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَةٍ مُخْتَلِفَةٍ كَقَوْلِهِمْ لِلْجَمَاعَةِ مِنَ النَّاسِ: أُمَّةٌ، وَلِلْحِينِ مِنَ الزَّمَانِ: أُمَّةٌ، وَلِلرَّجُلِ الْمُتَعَبِّدِ الْمُطِيعِ لِلَّهِ: أُمَّةٌ، وَلِلدِّينِ وَالْمِلَّةِ: أُمَّةٌ. وَكَقَوْلِهِمْ لِلْجَزَاءِ وَالْقِصَاصِ: دِينٌ، وَلِلسُّلْطَانِ وَالطَّاعَةِ: دِينٌ، وَلِلتَّذَلُّلِ : دِينٌ، وَلِلْحِسَابِ: دِينٌ؛ فِي أَشْبَاهٍ لِذَلِكَ كَثِيرَةٍ يَطُولُ الْكِتَابُ بِإِحْصَائِهَا مِمَّا يَكُونُ مِنَ الْكَلَامِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَةٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: «الم» كُلُّ حَرْفٍ مِنْهَا دَالٌّ عَلَى مَعَانٍ شَتَّى، شَامِلٌ جَمِيعَهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَصِفَاتِهِ، وَهُنَّ مَعَ ذَلِكَ فَوَاتِحُ السُّوَرِ..
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدي للمتقين}[البقرة:2]
    {ذلك} هذا ..
    {الكتاب} القرآن كله.. ويَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا بِهِ السُّوَرُ الَّتِي نَزَلَتْ قَبْلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمَّدُ اعْلَمْ أَنَّ مَا تَضَمَّنَتْهُ سُوَرُ الْكِتَابِ الَّتِي قَدْ أَنْزَلْتُهَا إِلَيْكَ هُوَ الْكِتَابُ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ.. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَعْنِي بِهِ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ.. ولَا مُؤْنَةَ فِيهِ عَلَى مُتَأَوِّلِهِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ حِينَئِذٍ إِخْبَارًا عَنْ غَائِبٍ عَلَى صِحَّةٍ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى..
    {لَا رَيْبَ} لَا شَكَّ..
    {فِيهِ} فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ..
    {هُدًى} مِنَ الضَّلَالَةِ.. ونُورٌ ..
    {لِلْمُتَّقِينَ}[البقرة:2] الَّذِينَ اتَّقَوُا اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي رُكُوبِ مَا نَهَاهُمْ عَنْ رُكُوبِهِ، فَتَجَنَّبُوا مَعَاصِيَهُ وَاتَّقَوْهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ فَأَطَاعُوهُ بِأَدَائِهَا.. هُدًى لِأَهْلِ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ الْمُصَدِّقِينَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ وَإِلَى مَنْ قَبْلَهُ مِنْ رُسُلِهِ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى خَاصَّةً، دُونَ مَنْ كَذَّبَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا جَاءَ بِهِ، وَادَّعَى أَنَّهُ مُصَدِّقٌ بِمَنْ قَبْلَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ الرُّسُلِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْكُتُبِ.. وَلَوْ كَانَ نُورًا لِغَيْرِ الْمُتَّقِينَ، وَرَشَادًا لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُتَّقِينَ بِأَنَّهُ لَهُمْ هُدًى، بَلْ كَانَ يَعُمُّ بِهِ جَمِيعَ الْمُنْذَرِينَ؛ وَلَكِنَّهُ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، وَشِفَاءٌ لِمَا فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَقْرٌ فِي آذَانِ الْمُكَذِّيِينَ ، وَعَمًى لِأَبْصَارِ الْجَاحِدِينَ، وَحُجَّةٌ لِلَّهِ بَالِغَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ؛ فَالْمُؤْمِنُ بِهِ مُهْتَدٍ، وَالْكَافِرُ بِهِ مَحْجُوجٌ..
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}[البقرة: 3]
    {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ} مُصَدِّقِيْن، قَوْلًا، وَاعْتِقَادًا، وَعَمَلًا..
    {بِالْغَيْبِ} بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَنَّتِهِ وَنَارِهِ وَلِقَائِهِ، وَآمَنُوا بِالْحَيَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَهَذَا كُلُّهُ غَيْبٌ..
    {وَيُقِيمُونَ} يؤُدوهَا بِحُدُودِهَا وَفُرُوضِهَا وَالْوَاجِبِ فِيهَا عَلَى مَا فُرِضَتْ عَلَيْهِ..
    {الصَّلَاةَ} الْمَفْرُوضَةَ من تَمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتِّلَاوَةِ وَالْخُشُوعِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا فِيهَا..
    {وَ} كَانُوا لِجَمِيعِ اللَّازِمِ لَهُمْ..
    {مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} فِي أَمْوَالِهِمْ..
    {يُنْفِقُونَ}[3] مُؤَدِّينَ زَكَاةً..أَوْ نَفَقَةَ مَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ مِنْ أَهْلٍ وَعِيَالٍ وَغَيْرِهِمْ، مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ نَفَقَتُهُ بِالْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ..
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}[البقرة: 4]

    {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} يا محمد -صلى الله عليه وسلم- مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ..
    {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} مِنَ الْمُرْسَلِينَ، لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمْ وَلَا يَجْحَدُونَ مَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ..فهَؤُ لَاءِ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ..وفيه تَعْرِيضٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِذَمِّ الْكُفَّارِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ بِمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ مُصَدِّقُونَ، وَهُمْ بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُكَذِّبُونَ، وَلِمَا جَاءَ بِهِ مِنَ التَّنْزِيلِ جَاحِدُونَ، وَيَدَّعُونَ مَعَ جُحُودِهِمْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ وَأَنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى فَأَكْذَبَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَلِكَ مِنْ قِيلِهِمْ..
    {وَبِالْآخِرَةِ} صِفَةٌ لِلدَّارِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: «وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» [العنكبوت: 64].. وَإِنَّمَا وُصِفَتْ بِذَلِكَ لِمَصِيرِهَا آخِرَةً لِأَوْلَى كَانَتْ قَبْلَهَا.. وَإِنَّمَا صَارَتِ الْآخِرَةُ آخِرَةً لِلْأُولَى، لَتَقَدُّمَ الْأُولَى أَمَامَهَا، فَكَذَلِكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ سُمِّيَتْ آخِرَةً لِتَقَدُّمِ الدَّارِ الْأُولَى أَمَامَهَا، فَصَارَتِ التَّالِيَةُ لَهَا آخِرَةً.. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ سُمِّيَتْ آخِرَةً لِتَأَخُّرِهَا عَنِ الْخَلْقِ، كَمَا سُمِّيَتِ الدُّنْيَا دُنْيَا لِدُنُوِّهَا مِنَ الْخَلْقِ..
    {هم} بِمَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ بِهِ جَاحِدِينَ..
    {يوقنون}[4]بالْبَعْثِ وَالنَّشْرِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالْحِسَابِ وَالْمِيزَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَعَدَّ اللَّهُ لِخَلْقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.. ثُمَّ أَكَّدَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمْرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْعَرَبِ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْمُصَدِّقِينَ بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَبِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ وَإِلَى مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ بِقَوْلِهِ..
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5]

    {أُولَئِكَ} خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ من أَهْل الضَّلَالِ وَالْخَسَارِ..إِ شَارَةً إِلَى الْمُتَّقِينَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ..
    {عَلَى هُدًى} عَلَى نُورٍ وَبُرْهَانٍ وَاسْتِقَامَةٍ وَسَدَادٍ ..
    {مِنْ رَبِّهِمْ} بِتَسْدِيدِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ وَتَوْفِيقِهِ لَهُمْ..
    {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [5] الْمُنْجِحُونَ الْمُدْرِكُونَ مَا طَلَبُوا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِأَعْمَالِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، مِنَ الْفَوْزِ بِالثَّوَابِ، وَالْخُلُودِ فِي الْجِنَانِ، وَالنَّجَاةِ مِمَّا أَعَدَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِأَعْدَائِهِ مِنَ الْعِقَابِ..
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُم ْ أَمْ لَمْ تُنْذِرَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6]
    {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، وَإِنْ قَالُوا إِنَّا قَدْ آمَنَّا بِمَا قَدْ جَاءَنَا مِنْ قَبْلِكَ.. وهم الْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا بِنَوَاحِي الْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. الَّذِينَ قُتِلُوا عَلَى الْكُفْرِ وَمَاتُوا عَلَيْهِ..هَؤُلَ اءِ الَّذِينَ جَحَدُوا نُبُوَّتَكَ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِهَا، وَكَتَمُوا بَيَانَ أَمْرِكَ لِلنَّاسِ بِأَنَّكَ رَسُولِي إِلَى خَلْقِي، وَقَدْ أَخَذْتُ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لَا يَكْتُمُوا ذَلِكَ وَأَنْ يُبَيِّنُوهُ لِلنَّاسِ وَيُخْبِرُوهُمْ أَنَّهُمْ يَجِدُونَ صِفَتَكَ فِي كُتُبِهِمْ، فَإِنَّهُمْ..
    {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ} مُعْتَدِلٌ عِنْدَهُمْ أَيُّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ مِنْكَ إِلَيْهِمُ الْإِنْذَارُ أَمْ تَرْكُ الْإِنْذَارِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُؤْمِنُونَ، وَقَدْ خَتَمْتُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ..
    {أَأَنْذَرْتَهُ ْ} يَا مُحَمَّدُ..
    {أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}[6] وَلَا يَرْجِعُونَ إِلَى الْحَقِّ وَلَا يُصَدِّقُونَ بِكَ وَبِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ..
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 7]
    {خَتَمَ} طَّبَعَ..
    {اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} فَلَا يَعْقِلُونَ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَوْعِظَةً وَعَظَهُمْ بِهَا فِيمَا آتَاهُمْ مِنْ عِلْمِ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ كُتُبِهِ، وَفِيمَا حَدَّدَ فِي كِتَابِهِ الَّذِي أَوْحَاهُ وَأَنْزَلَهُ إِلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..
    {وَعَلَى سَمْعِهِمْ} فَلَا يَسْمَعُونَ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيِّ اللَّهِ تَحْذِيرًا وَلَا تَذْكِيرًا وَلَا حُجَّةً أَقَامَهَا عَلَيْهِمْ بِنُبُوَّتِهِ، فَيَتَذَكَّرُوا وَيَحْذَرُوا عِقَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ، مَعَ عِلْمِهِمْ بِصِدْقِهِ وَصِحَّةِ أَمْرِهِ..
    {وَ} أَعْلَمَهُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ..
    {عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} عَنِ الْهُدَى أَنْ يُصِيبُوهُ أَبَدًا بِغَيْرِ مَا كَذَّبُوكَ بِهِ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ رَبِّكَ، حَتَّى يُؤْمِنُوا بِهِ، وَإِنْ آمَنُوا بِكُلِّ مَا كَانَ قَبْلَكَ..
    {وَلَهُمْ} بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِكَ..
    {عَذَابٌ عَظِيمٌ}[7] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، فَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يُغَلَّفَ قَلْبُهُ؛ فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: «كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»[المطففين: 14] فَأَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الذُّنُوبَ، إِذَا تَتَابَعَتْ عَلَى الْقُلُوبِ أَغْلَفَتْهَا، وَإِذَا أَغْلَفَتْهَا أَتَاهَا حِينَئِذٍ الْخَتْمُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالطَّبْعُ، فَلَا يَكُونُ لِلْإِيمَانِ إِلَيْهَا مَسْلَكٌ، وَلَا لِلْكُفْرِ مِنْهَا مُخَلِّصٌ، فَذَلِكَ هُوَ الطَّبْعُ وَالْخَتْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.. نَظِيرُ الطَّبْعِ وَالْخَتْمِ عَلَى مَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ مِنَ الْأَوْعِيَةِ وَالظُّرُوفِ الَّتِي لَا يُوصَلُ إِلَى مَا فِيهَا إِلَّا بِفَضِّ ذَلِكَ عَنْهَا ثُمَّ حِلِّهَا، فَكَذَلِكَ لَا يَصِلُّ الْإِيمَانُ إِلَى قُلُوبِ مِنْ وَصْفِ اللَّهِ أَنَّهُ خَتَمَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، إِلَّا بَعْدَ فَضِّهِ خَاتَمَهُ وَحِلِّهِ رِبَاطَهُ عَنْهَا.. وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الْمُنْكِرِينَ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ إِلَّا بِمَعُونَةِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ خَتَمَ عَلَى قُلُوبِ صِنْفٍ مِنْ كُفَّارِ عِبَادِهِ وَأَسْمَاعِهِمْ ، ثُمَّ لَمْ يُسْقِطِ التَّكْلِيفَ عَنْهُمْ وَلَمْ يَضَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَرَائِضَهُ وَلَمْ يَعْذِرُهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا كَانَ مِنْهُ مِنْ خِلَافِ طَاعَتِهِ بِسَبَبِ مَا فَعَلَ بِهِ مِنَ الْخَتْمِ وَالطَّبْعِ عَلَى قَلْبِهِ وَسَمْعِهِ، بَلْ أَخْبَرَ أَنَّ لِجَمِيعِهِمْ مِنْهُ عَذَابًا عَظِيمًا عَلَى تَرْكِهِمْ طَاعَتَهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ حُدُودِهِ وَفَرَائِضِهِ مَعَ حَتْمِهِ الْقَضَاءَ مَعَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ..
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}[البقرة: 8]
    {وَ} لَمَّا جَمَعَ لِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ فِي دَارِ هِجْرَتِهِ وَاسْتَقَرَّ بِهَا قَرَارَهُ وَأَظْهَرَ اللَّهُ بِهَا كَلِمَتَهُ، وَفَشَا فِي دُورِ أَهْلِهَا الْإِسْلَامُ، وَقَهَرَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ مَنْ فِيهَا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ، وَذَلَّ بِهَا مَنْ فِيهَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ أَظْهَرَ أَحْبَارُ يَهُودِهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضَّغَائِنَ وَأَبْدُوا لَهُ الْعَدَاوَةَ وَالشَّنْآنَ حَسَدًا وَبَغْيًا إِلَّا نَفَرًا مِنْهُمْ، هَدَاهُمُ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ فَأَسْلَمُوا، وَطَابَقَهُمْ سِرًّا عَلَى مُعَادَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَبَغْيِهِمُ الْغَوَائِلَ قَوْمٌ مِنْ أَرَاهِطِ الْأَنْصَارِ الَّذِينَ آوَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَصَرُوهُ وَكَانُوا قَدْ عَتَوْا فِي شِرْكِهِمْ وَجَاهِلِيَّتِه ِمْ، وَظَاهَرُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ فِي خِفَاءٍ غَيْرِ جِهَارٍ حَذَارَ الْقَتْلِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَالسِّبَاءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَرُكُونًا إِلَى الْيَهُودِ، لِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ وَسُوءِ الْبَصِيرَةِ بِالْإِسْلَامِ، فَكَانُوا إِذَا لَقُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلَ الْإِيمَانِ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَالُوا لَهُمْ حَذَارًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ: إِنَّا مُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِالْبَعْثِ، وَأَعْطُوهُمْ بِأَلْسِنَتِهِم ْ كَلِمَةَ الْحَقِّ لِيَدْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ حُكْمَ اللَّهِ فِيمَنِ اعْتَقَدَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنَ الشِّرْكِ لَوْ أَظْهَرُوا بِأَلْسِنَتِهِم ْ مَا هُمْ مُعْتَقِدُوهُ مِنْ شِرْكِهِمْ، وَإِذَا لَقُوا إِخْوَانَهُمْ مِنَ الْيَهُودِ وَأَهْلِ الشِّرْكِ وَالتَّكْذِيبِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا جَاءَ بِهِ فَخَلَوْا بِهِمْ، قَالُوا: «إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ » فَإِيَّاهُمْ عَنَى جَلَّ ذِكْرُهُ ..
    {مِنَ النَّاسِ من يقول آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ} يَوْمَ الْقِيَامَةِ.. وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ الْيَوْمَ الْآخِرَ: لِأَنَّهُ آخِرُ يَوْمٍ، لَا يَوْمَ بَعْدَهُ سِوَاهُ.. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ لَا يَكُونُ بَعْدَهُ يَوْمٌ، وَلَا انْقِطَاعَ لِلْآخِرَةِ، وَلَا فَنَاءَ، وَلَا زَوَالَ؟ قِيلَ: إِنَّ الْيَوْمَ عِنْدَ الْعَرَبِ إِنَّمَا سُمِّيَ يَوْمًا بِلَيْلَتِهِ الَّتِي قَبْلَهُ، فَإِذَا لَمْ يَتَقَدَّمِ النَّهَارَ لَيْلٌ لَمْ يُسَمَّ يَوْمًا، فَيَوْمُ الْقِيَامَةِ يَوْمٌ لَا لَيْلَ لَهُ بَعْدَهُ سِوَى اللَّيْلَةِ الَّتِي قَامَتْ فِي صَبِيحَتِهَا الْقِيَامَةُ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ هُوَ آخِرُ الْأَيَّامِ، وَلِذَلِكَ سَمَّاهُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: الْيَوْمَ الْآخِرَ، وَنَعَتَهُ بِالْعَقِيمِ، وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ يَوْمٌ عَقِيمٌ لِأَنَّهُ لَا لَيْلَ بَعْدَهُ..
    {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}[9] وَنَفْيُهُ عَنْهُمْ جَلَّ ذِكْرُهُ اسْمَ الْإِيمَانِ، وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا بِأَلْسِنَتِهِم ْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ تَكْذِيبٌ لَهُمْ فِيمَا أَخْبَرُوا عَنِ اعْتِقَادِهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْإِقْرَارِ بِالْبَعْثِ، وَإِعْلَامٌ مِنْهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الَّذِيَ يُبْدُونَهُ لَهُ بِأَفْوَاهِهِمْ خِلَافَ مَا فِي ضَمَائِرِ قُلُوبِهِمْ، وَضِدُّ مَا فِي عَزَائِمِ نُفُوسِهِمْ.. وَفِي هَذِهِ الْآيَةُ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى بُطُولِ مَا زَعَمَتْهُ الْجَهْمِيَّةُ مِنْ أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ بِالْقَوْلِ دُونَ سَائِرِ الْمَعَانِي غَيْرِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ فِي كِتَابِهِ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ أَنَّهُمْ قَالُوا بِأَلْسِنَتِهِم ْ: «آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ» ثُمَّ نَفَى عَنْهُمْ أَنْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ، إِذْ كَانَ اعْتِقَادُهُمْ غَيْرَ مُصَدِّقٍ قِيلَهُمْ ذَلِكَ..
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}[البقرة: 9]
    {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا} وَخِدَاعُ الْمُنَافِقِ رَبَّهُ وَالْمُؤْمِنِين َ، إِظْهَارُهُ بِلِسَانِهِ مِنَ الْقَوْلِ وَالتَّصْدِيقِ خِلَافَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مِنَ الشَّكِّ وَالتَّكْذِيبِ؛ لِيَدْرَأَ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا أَظْهَرَ بِلِسَانِهِ حُكْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، اللَّازِمَ مَنْ كَانَ بِمِثْلِ حَالِهِ مِنَ التَّكْذِيبِ لَوْ لَمْ يُظْهِرْ بِلِسَانِهِ مَا أَظْهَرَ مِنَ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ، مِنَ الْقَتْلِ وَالسِّبَاءِ، فَذَلِكَ خِدَاعُهُ رَبَّهُ وَأَهْلَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ..
    {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} إِعْلَامًا مِنْهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ بِإِسَاءَتِهِمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ فِي إِسْخَاطِهِمْ رَبَّهُمْ بِكُفْرِهِمْ وَشَكِّهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ غَيْرُ شَاعِرِينَ وَلَا دَارِينَ، وَلَكِنَّهُمْ عَلَى عَمْيَاءَ مِنْ أَمْرِهِمْ مُقِيمُونَ.. إِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: أَوَلَيْسَ الْمُنَافِقُونَ قَدْ خَدَعُوا الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَظْهَرُوا بِأَلْسِنَتِهِم ْ مِنْ قِيلِ الْحَقِّ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَذَرَارِيِّهِم ْ حَتَّى سَلِمَتْ لَهُمْ دُنْيَاهُمْ وَإِنْ كَانُوا قَدْ كَانُوا مَخْدُوعِينَ فِي أَمْرِ آخِرَتِهِمْ؟ قِيلَ: خَطَأٌ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمْ خَدَعُوا الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّا إِذَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْجَبْنَا لَهُمْ حَقِيقَةَ خَدْعَةٍ جَازَتْ لَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: خَادَعَ الْمُنَافِقُونَ رَبَّهُمْ وَالْمُؤْمِنِين ِ، وَلَمْ يَخْدَعُوهُمْ بَلْ خَدَعُوا أَنْفُسَهُمْ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ دُونَ غَيْرِهَا، نَظِيرَ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَاتَلَ آخَرَ فَقَتَلَ نَفْسَهُ وَلَمْ يَقْتُلْ صَاحِبَهُ: قَاتَلَ فُلَانٌ فُلَانًا وَلَمْ يَقْتُلْ إِلَّا نَفْسَهُ، فَتُوجِبُ لَهُ مَقَاتَلَةَ صَاحِبِهِ، وَتَنْفِي عَنْهُ قَتْلَهُ صَاحِبَهُ، وَتُوجِبُ لَهُ قَتْلَ نَفْسِهِ، فَكَذَلِكَ تَقُولُ: خَادَعَ الْمُنَافِقُ رَبَّهُ وَالْمُؤْمِنِين ِ، وَلَمْ يَخْدَعْ إِلَّا نَفْسَهُ، فَتُثْبِتْ مِنْهُ مُخَادَعَةَ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنِين ِ، وَتَنْفِي عَنْهُ أَنْ يَكُونَ خَدَعَ غَيْرَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْخَادِعَ هُوَ الَّذِي قَدْ صَحَّتْ لَهُ الْخَدِيعَةُ وَوَقَعَ مِنْهُ فِعْلُهَا، فَالْمُنَافِقُو نَ لَمْ يَخْدَعُوا غَيْرَ أَنْفُسِهِمْ، لِأَنَّ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ وَأَهْلٍ فَلَمْ يَكُنِ الْمُسْلِمُونَ مَلَكُوهُ عَلَيْهِمْ فِي حَالِ خِدَاعِهِمْ إِيَّاهُ عَنْهُ بِنِفَاقِهِمْ وَلَا قَبْلَهَا فَيَسْتَنْقِذُو هُ بِخِدَاعِهِمْ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا دَافَعُوا عَنْهُ بِكَذِبِهِمْ وَإِظْهَارِهِمْ بِأَلْسِنَتِهِم ْ غَيْرَ الَّذِي فِي ضَمَائِرِهِمْ، وَيْحَكُمُ اللَّهُ لَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَذَرَارِيِّهِم ْ فِي ظَاهِرِ أُمُورِهِمْ بِحُكْمِ مَا انْتَسَبُوا إِلَيْهِ مِنَ الْمِلَّةِ، وَاللَّهُ بِمَا يُخْفُونَ مِنْ أُمُورِهِمْ عَالِمٌ، وَإِنَّمَا الْخَادِعُ مَنْ خَتَلَ غَيْرَهُ عَنْ شَيْئِهِ، وَالْمَخْدُوعُ غَيْرُ عَالِمٍ بِمَوْضِعِ خَدِيعَةِ خَادِعِهِ، فَأَمَّا وَالْمُخَادَعُ عَارِفٌ بِخِدَاعِ صَاحِبِهِ إِيَّاهُ، وَغَيْرُ لَاحِقِهِ مِنْ خِدَاعِهِ إِيَّاهُ مَكْرُوهٌ، بَلْ إِنَّمَا يَتَجَافَى لِلظَّانِّ بِهِ أَنَّهُ لَهُ مُخَادِعٌ اسْتِدْرَاجًا لِيَبْلُغَ غَايَةً يَتَكَامَلُ لَهُ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ لِلْعُقُوبَةِ الَّتِي هُوَ بِهَا مَوْقَعٌ عِنْدَ بُلُوغِهِ إِيَّاهَا، وَالْمُسْتَدْرَ جُ غَيْرُ عَالِمٍ بِحَالِ نَفْسِهِ عِنْدَ مُسْتَدْرِجِهِ، وَلَا عَارِفٍ بِاطِّلَاعِهِ عَلَى ضَمِيرِهِ، وَأَنَّ إِمْهَالَ مُسْتَدْرِجِيهِ إِيَّاهُ تَرْكُهُ مُعَاقَبَتَهُ عَلَى جُرْمِهِ لِيَبْلُغَ الْمُخَاتِلُ الْمُخَادِعُ مِنَ اسْتِحْقَاقِهِ عُقُوبَةَ مُسْتَدْرِجِهِ بِكَثْرَةِ إِسَاءَتِهِ وَطُولِ عِصْيَانِهِ إِيَّاهُ، وَكَثْرَةِ صَفْحِ الْمُسْتَدْرِجِ وَطُولِ عَفْوِهِ عَنْهُ أَقْصَى غَايَةٍ، فَإِنَّمَا هُوَ خَادِعٌ نَفْسَهُ لَا شَكَّ دُونَ مَنْ حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ أَنَّهُ لَهُ مُخَادِعٌ، وَلِذَلِكَ نَفَى اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنِ الْمُنَافِقِ أَنْ يَكُونَ خَدَعَ غَيْرَ نَفْسِهِ..
    {وَمَا يَشْعُرُونَ}[9] وَمَا يَدْرُونَ بِأَنَّ اللَّهَ خَادِعُهُمْ بِإِمْلَائِهِ لَهُمْ وَاسْتِدْرَاجِه ِ إِيَّاهُمُ الَّذِي هُوَ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِبْلَاغٌ إِلَيْهِمْ فِي الْحُجَّةِ وَالْمَعْذِرَةِ ، وَمِنْهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ خَدِيعَةٌ، وَلَهَا فِي الْآجِلِ مَضَرَّةٌ.. فإِنَّهُمْ ضَرُّوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا أَسَرُّوا مِنَ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ.. وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَوْضَحِ الدَّلِيلِ عَلَى تَكْذِيبِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَوْلَ الزَّاعِمِينَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ مِنْ عِبَادِهِ إِلَّا مَنْ كَفَرَ بِهِ عِنَادًا، بَعْدَ عِلْمِهِ بِوَحْدَانِيَّت ِهِ، وَبَعْدَ تَقَرُّرِ صِحَّةِ مَا عَانَدَ رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِهِ وَالْإِقْرَارِ بِكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَخْبَرَ عَنِ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ مِنَ النِّفَاقِ وَخِدَاعِهِمْ إِيَّاهُ وَالْمُؤْمِنِين َ أَنَّهُمْ لَا يَشْعُرُونَ أَنَّهُمْ مُبْطِلُونَ فِيمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْبَاطِلِ مُقِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ بِخِدَاعِهِمْ الَّذِي يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ بِهِ يُخَادِعُونَ رَبَّهُمْ وَأَهْلَ الْإِيمَانِ بِهِ مَخْدُوعُونَ، ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا بِتَكْذِيبِهِمْ بِمَا كَانُوا يُكَذِّبُونَهُ مِنْ نُبُوَّةِ نَبِيِّهِ وَاعْتِقَادِ الْكُفْرِ بِهِ، وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ، وَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ مُصِرُّونَ.
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة: 10]
    {فِي} اعْتِقَادِ..
    {قُلُوبِهِمْ} الَّذِي يَعْتَقِدُونَهُ فِي الدِّينِ وَالتَّصْدِيقِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ..
    {مَرَضٌ} وهُوَ شَكُّهُمْ فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَتَحَيُّرِهِمْ فِيهِ، فَلَا هُمْ بِهِ مُوقِنُونَ إِيقَانَ إِيمَانٍ، وَلَا هُمْ لَهُ مُنْكَرُونَ إِنْكَارَ إِشْرَاكٍ وَلَكِنَّهُمْ كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ «مُذَبْذَبين بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ»..
    {فَزَادَهُمُ اللَّهُ} نَظِير مَا كَانَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الشَّكِّ وَالْحِيرَةِ قَبْلَ الزِّيَادَةِ..
    {مَرَضًا} بِمَا أَحْدَثَ مِنْ حُدُودِهِ وَفَرَائِضِهِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ فَرَضَهَا قَبْلَ الزِّيَادَةِ الَّتِي زَادَهَا الْمُنَافِقِينَ ، مِنَ الشَّكِّ وَالْحِيرَةِ، إِذْ شَكُّوا وَارْتَابُوا فِي الَّذِي أَحْدَثَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا زَادَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ إِلَى إِيمَانِهِمُ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِالَّذِي أَحْدَثَ لَهُمْ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالْحُدُودِ إِذْ آمَنُوا بِهِ، إِلَى إِيمَانِهِمْ بِالسَّالِفِ مِنْ حُدُودِهِ وَفَرَائِضِهِ إِيمَانًا، كَالَّذِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي تَنْزِيلِهِ: «وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ»[التوبة: 125] ..
    {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وَلَهُمْ عَذَابٌ مُؤْلِمٌ.. وَالْأَلَمُ: الْوَجَعُ..
    {بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}[10] وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» [المنافقون: 1] وَالْآيَةُ الْأُخْرَى فِي الْمُجَادَلَةِ: «اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ» [المجادلة: 16].
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة: 11]
    {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} للمنافقين..
    {لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} فلا تعملوا فِيهَا بِمَا نَهَى اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُ، وَتَضْيِيعُوا مَا أَمَرَ اللَّهُ بِحِفْظِهِ، فَذَلِكَ جُمْلَةُ الْإِفْسَادِ.. وكَذَلِكَ صِفَةُ أَهْلِ النِّفَاقِ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بِمَعْصِيَتِهِم ْ فِيهَا رَبَّهُمْ، وَرُكُوبِهِمْ فِيهَا مَا نَهَاهُمْ عَنْ رُكُوبِهِ، وَتَضْيِيعِهِمْ فَرَائِضَهُ، وَشَكِّهِمْ فِي دِينِ اللَّهِ الَّذِي لَا يُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ عَمَلًا إِلَّا بِالتَّصْدِيقِ بِهِ وَالْإِيقَانِ بِحَقِّيَّتِهِ، وَكَذِبِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ بِدَعْوَاهُمْ غَيْرَ مَا هُمْ عَلَيْهِ، مُقِيمُونَ مِنَ الشَّكِّ وَالرِّيَبِ، وَبُمَظَاهَرَتِ هِمْ أَهْلَ التَّكْذِيبِ بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ إِذَا وَجَدُوا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا، فَذَلِكَ إِفْسَادُ الْمُنَافِقِينَ فِي أَرْضِ اللَّهِ..
    {قَالُوا} وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ مُصْلِحُونَ فِيهَا..
    {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}[11] نُرِيدُ الْإِصْلَاحَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ.. وإِذَا رَكِبُوا مَعْصِيَةَ اللَّهِ، فَقِيلَ لَهُمْ: لَا تَفْعَلُوا كَذَا وَكَذَا، قَالُوا: إِنَّمَا نَحْنُ عَلَى الْهُدَى مُصْلِحُونَ.. فَسَوَاءٌ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالْمُسْلِمِين َ كَانَتْ دَعْوَاهُمُ الْإِصْلَاحَ، أَوْ فِي أَدْيَانِهِمْ وَفِيمَا رَكِبُوا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَكَذِبِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا أَظْهَرُوا لَهُمْ مِنَ الْقَوْلِ وَهُمْ لِغَيْرِ مَا أَظْهَرُوا مُسْتَبْطِنُونَ .. فَهُمْ لَا شَكَّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ فِيمَا أَتَوْا مِنْ ذَلِكَ مُصْلِحُونَ، وكَانُوا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ مُحْسِنِينَ.. وَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ مُسِيئُونَ، وَلِأَمْرِ اللَّهِ مُخَالِفُونَ.. فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ مِنْ قِيلِهِمْ، فَقَالَ:..
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ}[البقرة:12]
    {أَلَا إِنَّهُمْ} الْمُخَالِفُونَ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، الْمُتَعَدُّونَ حُدُودَهُ الرَّاكِبُونَ مَعْصِيَتَهُ، التَّارِكُونَ فَرَوْضَهُ..
    {هُمُ الْمُفْسِدُونَ} لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ كَانَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ عَدَاوَةَ الْيَهُودِ وَحَرْبَهُمْ مَعَ الْمُسْلِمِينِ، وَأَلْزَمَهُمُ التَّصْدِيقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَالَّذِي أَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ، فَكَانَ لِقَاؤُهُمُ الْيَهُودَ عَلَى وَجْهِ الْوَلَايَةِ مِنْهُمْ لَهُمْ، وَشَكِّهِمْ فِي نُبُوَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيمَا جَاءَ بِهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَعْظَمُ الْفَسَادِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَهُمْ إِصْلَاحًا وَهُدًى فِي أَدْيَانِهِمْ، أَوْ فِيمَا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْيَهُودِ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِمْ..
    {ولكن لا يشعرون}[12] وَلَا يَدْرُونَ أَنَّهُمْ كَذَلِكَ.. فَلَمْ يُسْقِطِ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ عُقُوبَتَهُ، وَلَا خَفَّفَ عَنْهُمْ أَلِيمَ مَا أَعَدَّ مِنْ عِقَابِهِ لِأَهْلِ مَعْصِيَتِهِ بِحُسْبَانِهِمْ أَنَّهُمْ فِيمَا أَتَوْا مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ مُصْلِحُونَ، بَلْ أَوْجَبَ لَهُمُ الدَّرْكَ الْأَسْفَلَ مِنْ نَارِهِ وَالْأَلِيمَ مِنْ عَذَابِهِ وَالْعَارَ الْعَاجِلَ بِسَبِّ اللَّهِ إِيَّاهُمْ وَشَتْمِهِ لَهُمْ بقوله «أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ» وَذَلِكَ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِمْ أَدَلُّ الدَّلِيلِ عَلَى تَكْذِيبِهِ تَعَالَى قَوْلَ الْقَائِلِينَ: إِنَّ عُقُوبَاتِ اللَّهِ لَا يَسْتَحِقُّهَا إِلَّا الْمُعَانِدُ رَبَّهُ فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ حُقُوقِهِ وَفُرُوضِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ وَثُبُوتِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ بِمَعْرِفَتِهِ بِلُزُومِ ذَلِكَ إِيَّاهُ..
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ}[البقرة: 13]
    {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ وَنَعَتَهُمْ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ «آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ»[البقرة: 8]..
    {آمِنُوا} بِمُحَمَّدٍ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ..
    {كَمَا آمَنَ} به ..
    {النَّاسُ} الَّذِينَ تَعْرِفُونَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَقِينِ وَالتَّصْدِيقِ بِاللَّهِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ..
    {قَالُوا} قال الْمُنَافِقُونَ إِجَابَةً لِقَائِلِ ذَلِكَ لَهُمْ..
    {أَنُؤْمِنُ} بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَالْإِقْرَارِ بِالْبَعْثِ..
    {كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} أَهْلُ الْجَهْلِ، وَنُصَدِّقُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَدَّقَ بِهِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا عُقُولُ لَهُمْ وَلَا أَفْهَامَ..
    {أَلَا إِنَّهُمْ} دُونَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُصَدِّقِينَ بِاللَّهِ وَبِكِتَابِهِ وَبِرَسُولِهِ وَثَوَابِهِ وَعِقَابِهِ..
    {هُمُ السُّفَهَاءُ} الْمُنَافِقون الَّذِينَ تَقَدَّمَ نَعْتُهُ لَهُمْ وَوَصْفُهُ إِيَّاهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ مِنَ الشَّكِّ وَالتَّكْذِيبِ، أَنَّهُمْ هُمُ الْجُهَّالُ فِي أَدْيَانِهِمْ، الضُّعَفَاءُ الْآرَاءِ فِي اعْتِقَادَاتِهِ مْ وَاخْتِيَارَاتِ هِمُ الَّتِي اخْتَارُوهَا لِأَنْفُسِهِمْ مِنَ الشَّكِّ وَالرِّيَبِ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَأَمْرِ رَسُولِهِ وَأَمْرِ نُبُوَّتِهِ، وَفِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَمْرِ الْبَعْثِ، لِإِسَاءَتِهِمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ بِمَا أَتَوْا مِنْ ذَلِكَ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ إِلَيْهَا يُحْسِنُونَ، وَذَلِكَ هُوَ عَيْنُ السَّفَهِ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ إِنَّمَا يُفْسِدُ مِنْ حَيْثِ يَرَى أَنَّهُ يَصْلُحُ وَيُضَيِّعُ مِنْ حَيْثُ يَرَى أَنَّهُ يَحْفَظُ، فَكَذَلِكَ الْمُنَافِقُ يَعْصِي رَبَّهُ مِنْ حَيْثُ يَرَى أَنَّهُ يُطِيعُهُ، وَيَكْفُرُ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَرَى أَنَّهُ يُؤْمِنُ بِهِ، وَيُسِيءُ إِلَى نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ يَحْسِبُ أَنَّهُ يُحْسِنُ إِلَيْهَا، كَمَا وَصَفَهُمْ بِهِ رَبُّنَا جَلَّ ذِكْرُهُ فَقَالَ: «أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ» [البقرة: 12].
    {وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ}[13] وَلَكِنْ لَا يَعْقِلُونَ..وَا لدَّلَالَةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ خَطَأِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعُقُوبَةَ مِنَ اللَّهِ لَا يَسْتَحِقُّهَا إِلَّا الْمُعَانِدُ رَبَّهُ مَعَ عِلْمِهِ بِصِحَّةِ مَا عَانَدَهُ فِيهِ، نَظِيرُ دَلَالَةِ الْآيَاتِ الْأُخَرِ الَّتِي قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا تَأْوِيلَهَا فِي قَوْلِهِ: «وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ»[البقرة: 12] وَنَظَائِرُ ذَلِكَ..
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •