أقوال علماء المسلمين وأئمة الدين
? اتفق العلماء الربانيون على تحريم الاحتفال بأعياد الكافرين، فضلا عن تهنئتهم بها، يقول ابن القيم " وَكَمَا أَنَّهُمْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ إِظْهَارُهُ فَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ مُمَالَاتُهُمْ عَلَيْهِ وَلَا مُسَاعَدَتُهُمْ وَلَا الْحُضُورُ مَعَهُمْ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهُ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فِي كُتُبِهِمْ:
فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ [الْحَسَنِ] بْنِ مَنْصُورٍ الطَّبَرِيُّ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ: وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْضُرُوا أَعْيَادَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى مُنْكَرٍ وَزُورٍ، وَإِذَا خَالَطَ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ أَهْلَ الْمُنْكَرِ بِغَيْرِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ كَانُوا كَالرَّاضِينَ بِهِ الْمُؤْثِرِينَ لَهُ، فَنَخْشَى مِنْ نُزُولِ سُخْطِ اللَّهِ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ فَيَعُمُّ الْجَمِيعَ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُخْطِهِ. ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْأَشَجُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72] قَالَ: لَا يُمَالِئُونَ أَهْلَ الشِّرْكِ عَلَى شِرْكِهِمْ وَلَا يُخَالِطُونَهُم ْ، وَنَحْوُهُ عَنِ الضَّحَّاكِ. ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمَلْعُونِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلَ مَا أَصَابَهُمْ» ". وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحِ. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فِي (بَابِ كَرَاهِيَةِ الدُّخُولِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي كَنَائِسِهِمْ، وَالتَّشَبُّهِ بِهِمْ يَوْمَ [نَيْرُوزِهِمْ] وَمَهْرَجَانِهِ مْ) عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " لَا تَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الْأَعَاجِمِ، وَلَا تَدْخُلُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ، فَإِنَّ السُّخْطَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ ".
وَبِالْإِسْنَاد ِ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْوَلِيدِ - أَوْ أَبِي الْوَلِيدِ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَ: " مَنْ مَرَّ بِبِلَادِ الْأَعَاجِمِ فَصَنَعَ نَيْرُوزَهُمْ وَمَهْرَجَانَهُ مْ وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ كَذَلِكَ حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي غَيْرِ " الصَّحِيحِ ": قَالَ لِي ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ سَمِعَ [سُلَيْمَانَ] بْنَ أَبِي زَيْنَبَ [وَعَمْرَو] بْنَ الْحَارِثِ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ سَلَمَةَ، سَمِعَ أَبَاهُ، سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " اجْتَنِبُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ فِي عِيدِهِمْ " ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَذَكَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: " مَنْ مَرَّ بِبِلَادِ الْأَعَاجِمِ فَصَنَعَ نَيْرُوزَهُمْ وَمَهْرَجَانَهُ مْ وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ كَذَلِكَ، حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ: لَا يَجُوزُ شُهُودُ أَعْيَادِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72] قَالَ: الشَّعَانِينُ وَأَعْيَادُهُمْ .
وَقَالَ الْخَلَّالُ فِي " الْجَامِعِ " (بَابٌ فِي كَرَاهِيَةِ خُرُوجِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَعْيَادِ الْمُشْرِكِينَ) وَذَكَرَ عَنْ مُهَنَّا قَالَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ شُهُودِ هَذِهِ الْأَعْيَادِ الَّتِي تَكُونُ عِنْدَنَا بِالشَّامِ مِثْلَ دَيْرِ أَيُّوبَ وَأَشْبَاهِهِ، يَشْهَدُهُ الْمُسْلِمُونَ؟ يَشْهَدُونَ الْأَسْوَاقَ وَيَجْلِبُونَ فِيهِ الضَّحِيَّةَ وَالْبَقَرَ وَالْبُرَّ وَالدَّقِيقَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، يَكُونُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ بِيَعَهُمْ. قَالَ: " إِذَا لَمْ يَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ بِيَعَهُمْ وَإِنَّمَا يَشْهَدُونَ السُّوقَ فَلَا بَأْسَ ".
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ: " سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنِ الرُّكُوبِ فِي السُّفُنِ الَّتِي تَرْكَبُ فِيهَا النَّصَارَى إِلَى أَعْيَادِهِمْ، فَكَرِهَ ذَلِكَ مَخَافَةَ نُزُولِ السُّخْطَةِ عَلَيْهِمْ بِشِرْكِهِمُ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ. قَالَ: وَكَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُهْدِيَ إِلَى النَّصْرَانِيِّ فِي عِيدِهِ مُكَافَأَةً لَهُ، وَرَآهُ مِنْ تَعْظِيمِ عِيدِهِ وَعَوْنًا لَهُ عَلَى كُفْرِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَبِيعُوا مِنَ النَّصَارَى شَيْئًا مِنْ مَصْلَحَةِ عِيدِهِمْ، لَا لَحْمًا وَلَا أَدَمًا وَلَا ثَوْبًا، وَلَا يُعَارُونَ دَابَّةً، وَلَا يُعَانُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عِيدِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ شِرْكِهِمْ وَعَوْنِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَيَنْبَغِي لِلسَّلَاطِينِ أَنْ يَنْهَوُا الْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، لَمْ أَعْلَمْهُ اخْتُلِفَ فِيهِ ". هَذَا لَفْظُهُ فِي " الْوَاضِحَةِ ".
وَفِي كُتُبِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: مَنْ أَهْدَى لَهُمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ بِطِّيخَةً بِقَصْدِ تَعْظِيمِ الْعِيدِ فَقَدْ كَفَرَ. " ا.هـ ([18])
? ونضيف بإيجاز نماذج لأهم أقوال أئمة المذاهب الأربعة:
من الأحناف: قَالَ الطُّورِيُّ في تكملة البحر الرائق: قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ( وَالْإِعْطَاءُ بِاسْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَان ِ لَا يَجُوزُ ) أَيْ الْهَدَايَا بِاسْمِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ حَرَامٌ بَلْ كُفْرٌ وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ رَحِمَهُ اللهُ لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَبَدَ اللَّهَ تَعَالَى خَمْسِينَ سَنَةً ثُمَّ جَاءَ يَوْمَ النَّيْرُوزِ وَأَهْدَى إلَى بَعْضِ الْمُشْرِكِينَ بَيْضَةً -يُرِيدُ تَعْظِيمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ- فَقَدْ كَفَرَ وَحَبِطَ عَمَلُهُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ: إذَا أَهْدَى يَوْمَ النَّيْرُوزِ إلَى مُسْلِمٍ آخَرَ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ تَعْظِيمَ الْيَوْمِ وَلَكِنْ عَلَى مَا اعْتَادَهُ بَعْضُ النَّاسِ لَا يَكْفُرُ وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ خَاصَّةً ، وَيَفْعَلُهُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِكَيْ لَا يَكُونَ تَشْبِيهًا بِأُولَئِكَ الْقَوْمِ , وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم { مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ } ([19])
ومن المالكية: قال الشيخ أحمد الدَّرْدِيرُ في الشرح الكبير على مختصر خليل: قوله" ( وَلَعِبِ نَيْرُوزِ ) أَيْ أَنَّ اللَّعِبَ فِي يَوْمِ النَّيْرُوزِ وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ السَّنَةِ الْقِبْطِيَّةِ مَانِعٌ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالنَّصَارَى، وَيَقَعُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ مِنْ رَعَاعِ النَّاسِ"([20])
ومن الشافعية: قال الشِّرْوَانِيِّ في حاشيته على تحفة المحتاج: يُعَزَّرُ مَنْ وَافَقَ الْكُفَّارَ فِي أَعْيَادِهِمْ وَمَنْ يَمْسِكُ الْحَيَّةَ وَمَنْ يَدْخُلُ النَّارَ وَمَنْ قَالَ لِذِمِّيٍّ يَا حَاجُّ وَمَنْ هَنَّأَهُ بِعِيدِهِ وَمَنْ يُسَمِّي زَائِرَ قُبُورِ الصَّالِحِينَ حَاجًّا([21])
ومن الحنابلة: قال ابن مفلح في الفروع: وَيَحْرُمُ شُهُودُ عِيدٍ لِيَهُودٍ أَوْ نَصَارَى , لقوله تعالى { وَاَلَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } نَقَلَهُ مُهَنَّا ... وَيَحْرُمُ بَيْعُ مَا يَعْمَلُونَ بِهِ كَنِيسَةً أَوْ تِمْثَالًا وَنَحْوُهُ , قَالَ : وَكُلُّ مَا فِيهِ تَخْصِيصٌ لِعِيدِهِمْ وَتَمْيِيزٌ لَهُ فَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّهُ مِنْ التَّشَبُّهِ , وَالتَّشَبُّهُ بِالْكُفَّارِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ "([22])
أخيرا أوشح رسالتي هذه بمقالٍ جامع لشيخ الإسلام طيب الله ثراه: سُئِلَ رحمه الله تعالى: عَمَّنْ يَفْعَلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: مِثْلَ طَعَامِ النَّصَارَى فِي النَّيْرُوزِ . وَيَفْعَلُ سَائِرَ الْمَوَاسِمِ مِثْلَ الْغِطَاسِ , وَالْمِيلَادِ , وَخَمِيسِ الْعَدَسِ , وَسَبْتِ النُّورِ . وَمَنْ يَبِيعُهُمْ شَيْئًا يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى أَعْيَادِهِمْ_ أَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ؟ أَمْ لَا ؟
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ، لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَشَبَّهُوا بِهِمْ فِي شَيْءٍ , مِمَّا يَخْتَصُّ بِأَعْيَادِهِمْ , لَا مِنْ طَعَامٍ , وَلَا لِبَاسٍ وَلَا اغْتِسَالٍ , وَلَا إيقَادِ نِيرَانٍ , وَلَا تَبْطِيلِ عَادَةٍ مِنْ مَعِيشَةٍ أَوْ عِبَادَةٍ , وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَلَا يَحِلُّ فِعْلُ وَلِيمَةٍ , وَلَا الْإِهْدَاءُ , وَلَا الْبَيْعُ بِمَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ لِأَجْلِ ذَلِكَ. وَلَا تَمْكِينُ الصِّبْيَانِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ اللَّعِبِ -الَّذِي فِي الْأَعْيَادِ- وَلَا إظْهَارُ زِينَةٍ . وَبِالْجُمْلَةِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَخُصُّوا أَعْيَادَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ شَعَائِرِهِمْ, بَلْ يَكُونُ يَوْمُ عِيدِهِمْ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ لَا يَخُصُّهُ الْمُسْلِمُونَ بِشَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِهِمْ . وَأَمَّا إذَا أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ قَصْدًا , فَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ . وَأَمَّا تَخْصِيصُهُ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَلَا نِزَاعَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ . بَلْ قَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى كُفْرِ مَنْ يَفْعَلُ هَذِهِ الْأُمُورَ , لِمَا فِيهَا مِنْ تَعْظِيمِ شَعَائِرِ الْكُفْرِ , وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ : مَنْ ذَبَحَ نَطِيحَةً يَوْمَ عِيدِهِمْ فَكَأَنَّمَا ذَبَحَ خِنْزِيرًا . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : مَنْ تَأَسَّى بِبِلَادِ الْأَعَاجِمِ , وَصَنَعَ نَيْرُوزَهَمْ , وَمِهْرَجَانَهم ْ , وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ , وَهُوَ كَذَلِكَ , حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد : عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ قَالَ : "نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْحَرَ إبِلًا بِبُوَانَةَ , فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : إنِّي نَذَرْت أَنْ أَنْحَرَ إبِلًا بِبُوَانَةَ , فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : هَلْ كَانَ فِيهَا مِنْ وَثَنٍ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ ؟ قَالَ : لَا , قَالَ : فَهَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ ؟ قَالَ : لَا . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَوْفِ بِنَذْرِك , فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ , وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ " . فَلَمْ يَأْذَنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِهَذَا الرَّجُلِ أَنْ يُوفِيَ بِنَذْرِهِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْوَفَاءِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا . حَتَّى أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِ الْكُفَّارِ . وَقَالَ : " لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ " . فَإِذَا كَانَ الذَّبْحُ بِمَكَانٍ كَانَ فِيهِ عِيدُهُمْ مَعْصِيَةً . فَكَيْفَ بِمُشَارَكَتِهِ مْ فِي نَفْسِ الْعِيدِ ؟
بَلْ قَدْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ أَمِيرُ الْمُومِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالصَّحَابَةُ وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يُظْهِرُوا أَعْيَادَهُمْ فِي دَارِ الْمُسْلِمِينَ , وَإِنَّمَا يَعْمَلُونَهَا سِرًّا فِي مَسَاكِنِهِمْ . فَكَيْفَ إذَا أَظْهَرَهَا الْمُسْلِمُونَ أَنْفُسُهُمْ ؟ حَتَّى قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه : " لَا تَتَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الْأَعَاجِمِ , وَلَا تَدْخُلُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ , فَإِنَّ السَّخَطَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ " . وَإِذَا كَانَ الدَّاخِلُ لِفُرْجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مَنْهِيًّا عَنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّ السَّخَطَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ . فَكَيْفَ بِمَنْ يَفْعَلُ مَا يُسْخِطُ اللَّهَ بِهِ عَلَيْهِمْ , مِمَّا هِيَ مِنْ شَعَائِرِ دِينِهِمْ ؟ وَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ فِي قوله تعالى : { وَاَلَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } . قَالُوا: أَعْيَادَ الْكُفَّارِ , فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي شُهُودِهَا مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ , فَكَيْفَ بِالْأَفْعَالِ الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصِهَا . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُسْنَدِ , وَالسُّنَنِ : أَنَّهُ قَالَ :" مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" وَفِي لَفْظٍ : "لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا" . وَهُوَ حَدِيثٌ جَيِّدٌ . فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي التَّشَبُّهِ بِهِمْ , وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَادَاتِ , فَكَيْفَ التَّشَبُّهُ بِهِمْ فِيمَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ ؟
وَقَدْ كَرِهَ جُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ - إمَّا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ , أَوْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ - أَكْلَ مَا ذَبَحُوهُ لِأَعْيَادِهِمْ وَقَرَابِينِهِم ْ؛ إدْخَالًا لَهُ فِيمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ, وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ , وَكَذَلِكَ نَهَوْا عَنْ مُعَاوَنَتِهِمْ عَلَى أَعْيَادِهِمْ بِإِهْدَاءٍ أَوْ مُبَايَعَةِ , وَقَالُوا : إنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَبِيعُوا لِلنَّصَارَى شَيْئًا مِنْ مَصْلَحَةِ عِيدِهِمْ , لَا لَحْمًا , وَلَا دَمًا , وَلَا ثَوْبًا , وَلَا يُعَارُونَ دَابَّةً , وَلَا يَعَاوَنُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ دِينِهِمْ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ شِرْكِهِمْ , وَعَوْنِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَيَنْبَغِي لِلسَّلَاطِينِ أَنْ يَنْهَوْا الْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ . لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } . ثُمَّ إنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُعِينَهُمْ عَلَى شُرْبِ الْخُمُورِ بِعَصْرِهَا , أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ . فَكَيْفَ عَلَى مَا هُوَ مِنْ شَعَائِرِ الْكُفْرِ ؟ وَإِذَا كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُعِينَهُمْ هُوَ فَكَيْفَ إذَا كَانَ هُوَ الْفَاعِلَ لِذَلِكَ ؟ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .. ا.هـ([23])والحمد لله رب العالمين
رَقَمه
أبو صهيب أشرف بن محمد السلفي الحنبلي المصري
([1]) النعمة: الفرح والسرور
([2]) البداد: المبارزة
([3]) لكن غلب استعماله فيما يتصل بالفرح والسرور
([4]) البيت ليزيدَ بنِ الحكم الثَّقَفِيّ ، وقيل بل هو لعمرَ بنِ أبي ربيعةَ، وهو من البسيط. قال العُكْبَري: سألت شيخي أبا محمد عبدَ المنعم بنَ صالح التيميَّ النحْوي عن قوله: "يعتاده عيداً" علام نصبه ؟ فقال: هو في موضع الحال، تقديره: يعتاده السكر عائداً، ففي "يعتاده" ضمير السكر دل عليه قوله "صحا". ا.هـ [شرح ديوان المتنبي (1/285) ط دار المعرفة - بيروت]
([5]) أي أصله "أعواد" لكن قلبت الواو ياءً لئلا يلتبس بعود الخشب"
([6]) الصحاح مادة [ع و د]
([7]) أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس t ، وحسنه المنذري وقال الألباني حسن لغيره، انظر صحيح الترغيب والترهيب (1/ 172).
([8]) يدخل في ذلك الذكرى السنوية ونحو ذلك مما اعتاده الناس علاوة على بدعيته أصلا. وكذا عاشوراء عند الشيعة
([9])رواه الأربعة -إلا ابن ماجه- عن عقبة بن عامر t ، وصححه الترمذي ووافقه الألباني، انظر إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (4/ 130)
([10]) أخرجه البخاري.
([11]) أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة ل .
([12]) أخرجه مسلم عن جابر t .
([13]) أخرجه النسائي، وصححه الألباني، انظر صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 822). وصحح إسناده الأرنؤوط، انظر مسند أحمد ط الرسالة (20/ 212)
([14]) بمفهوم الموافقة
([15]) توضيح: نحن مأمورون أن نتوضا بالماء لكن إذا فقدنا الماء فإننا نتوضأ بالتراب هنا الماء مبدل منه والتراب بدل فهل يجوز أن نتوضا أو بالتراب في وجود الماء، بالماء والتراب لغير ضرورة ؟ كذلك لا يجوز أن نحتفل بأعياد الكافرين (مبدل منه) ونحن لنا أعياد (بدل)
([16]) أخرجه مسلم عن أبي هريرة t .
([17]) أخرجه البخاري.
([18]) أحكام أهل الذمة لابن القيم (2/1245) ط رمادي للنشر
([19])البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (8/ 555)
([20])الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (4/ 181)
([21])تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (9/ 181)
([22])الفروع وتصحيح الفروع (8/ 373)
([23])مجموع الفتاوى (25/ 332)