قال العلامة ابن القيم رحمه الله:
((وَقَدْ أَجْمَعَ الْعَارِفُونَ عَلَى أَنَّ كُلَّ خَيْرٍ فَأَصْلُهُ بِتَوْفِيقِ اللهِ لِلْعَبْدِ، وَكُلَّ شَرٍّ فَأَصْلُهُ خِذْلَانُهُ لِعَبْدِهِ.
وَأَجْمَعُوا أَنَّ التَّوْفِيقَ: أَنْ لَا يَكِلَكَ اللهُ نَفْسَكَ، وَأَنَّ الْخِذْلَانَ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ نَفْسِكَ.
فَإِذَا كَانَ كُلُّ خَيْرٍ فَأَصْلُهُ التَّوْفِيقَ - وَهُوَ بِيَدِ اللهِ لَا بِيَدِ الْعَبْدِ – فَمِفْتَاحُهُ: الدُّعَاءُ وَالِافْتِقَارُ وَصِدْقُ اللَّجَأِ وَالرَّغْبَةُ وَالرَّهْبَةُ إِلَيْهِ، فَمَتَى أَعْطَى الْعَبْدَ هَذَا الْمِفْتَاحَ فَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ لَهُ، وَمَتَى أَضَلَّهُ عَنِ الْمِفْتَاحِ بَقِيَ بَابُ الْخَيْرِ مُرْتَجًا دُونَهُ.
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: "إِنِّي لَا أَحْمِلُ هَمَّ الْإِجَابَةِ؛ وَلَكِنْ هَمَّ الدُّعَاءِ؛ فَإِذَا أُلْهِمْتُ الدُّعَاءَ فَإِنَّ الْإِجَابَةَ مَعَهُ".
وَعَلَى قَدْرِ نِيَّةِ الْعَبْدِ وَهِمَّتِهِ وَمُرَادِهِ وَرَغْبَتِهِ فِي ذَلِكَ يَكُونُ تَوْفِيقُهُ سُبْحَانَهُ وَإِعَانَتُهُ؛ فَالْمَعُونَةُ مِنَ اللهِ تَنْزِلُ عَلَى الْعِبَادِ عَلَى قَدْرِ هِمَمِهِمْ وَثَبَاتِهِمْ وَرَغْبَتِهِمْ وَرَهْبَتِهِمْ؛ وَالْخِذْلَانُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ.
فَاللهُ سُبْحَانَهُ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ وَأَعْلَمُ الْعَالِمِينَ يَضَعُ التَّوْفِيقَ فِي مَوَاضِعِهِ اللَّائِقَةِ بِهِ، وَالْخِذْلَانَ فِي مَوَاضِعِهِ اللَّائِقَةِ بِهِ، وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ وَمَا أُتِي مَنْ أُتِي إِلَّا مِنْ قِبَلِ إِضَاعَةِ الشُّكْرِ وَإِهْمَالِ الِافْتِقَارِ وَالدُّعَاءِ، وَلَا ظَفَرَ مَنْ ظَفَرَ بِمَشِيئَةِ اللهِ وَعَوْنِهِ إِلَّا بِقِيَامِهِ بِالشُّكْرِ وَصِدْقِ الِافْتِقَارِ وَالدُّعَاءِ))اه ـ([1]).
[1])) ((الفوائد)) (141، 142)، طـ دار عالم الفوائد.