قال ابن المنذر: قال بعضهم: (الشبهات تنصرف على وجوه: فمنها شىء يعلمه المرء محرمًا ثم يشك فيه هل حل ذلك أم لا، فما كان من هذا النوع فهو على أصل تحريمه، لا يحل التقدم عليه إلا بيقين، مثل الصيد حرام على المرء أكله قبل ذكاته، وإذا شك فى ذكاته لم يزل عن التحريم إلا بيقين الذكاة، والأصل فيه حديث عدى بن حاتم أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال له: (إذا أرسلت كلبك فخالطه كلب لم تسم عليه فلا تأكل؛ فإنك لا تدرى أيهما قتله)، وهذا أصل لكل محرم أنه على تحريمه حتى يعلم أنه قد صار حلالًا بيقين، ومن ذلك أن يكون للرجل أخ له ولا وارث له غيره، فتبلغه وفاته ولأخيه جارية، فهى محرمه عليه حتى يوقن بوفاته، ويعلم أنها قد حلت له. وكذلك لو أن شاتين ذكية وميتة سلختا فلم يدر أيهما الذكية؛ كانتا محرمتين بقين على أصل التحريم حتى يعلم الذكية من الميتة، ولا يحل أن يأكل منهما واحدة بالتحرى؛ لأنهما كانتا محرمتين بيقين، فلا يجوز الانتقال من يقين التحريم إلى شك الإباحة.
والوجه الثانى: أن يكون الشىء حلالًا فيشك فى تحريمه، فما كان من هذه الوجه فهو على الإباحة حتى نعلم تحريمه بيقين، كالرجل تكون له الزوجة فيشك فى طلاقها، أو يكون له جارية فيشك فى وقوع العتق عليها، فالأصل في هذا حديث عبد الله بن زيد أن من شك بالحدث بعد أن أيقن بالطهارة فهو على يقين طهارته؛ لقوله عليه السلام: (فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) .
والوجه الثالث: أن يُشكل الشىء فلا يدرى أحرام هو أو حلال، ويحتمل الأمرين جميعًا ولا دلالة على أحد المعنيين، فالأحسن التنزه عنه كما فعل النبى (صلى الله عليه وسلم) فى التمرة الساقطة. انظر شرح البخاري لابن بطال (6/ 197).