توزيع الصدقات في المجتمع المسلم
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، والإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس ليكون بعيدا عن اللبس والتناقض وهو غاية كل لغة من لغات العالم ،كما هو الحال في قوله : " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل " (التوبة 60)وفي هذه الآية الكريمة أمران:
الأمر الأول :هذه هي مصارف الصدقات ، والآية الكريمة مبنية على كيفية توزيع الصدقات على مستحقيها ،والمباني هي مصارف الصدقات ، وهي مرتبة من الخاص إلى العام ،ومن الأهم إلى الأقل أهمية ،وقد حاز الفقراء على الأهمية المعنوية وارتبطوا أولا بالصدقات لأن علتهم دائمة ومؤرقة ، ولأنهم بأمس الحاجة إلى الأموال لانعدام مصادر تمويلهم ، ولأنهم كثر ومنتشرون في المجتمع ،ومساعدتهم تقضي على الكثير من الأمراض التي يسببها فقرهم ، فهدف مساعدتهم أسمى من مساعدة غيرهم ، يليهم المساكين ، وهم تقريبا مثلهم ، ومساعدتهم أولى ، يليهم العاملون عليها لأنها مصدر دخلهم ومنها يعيشون ،ثم المؤلفة قلوبهم ، و دخولهم في الإسلام يقويه ويقوي المجتمع ، يليهم العبيد ، فهم أحسن حالا من الفقراء ، وبقاؤهم عبيدا لا يهدم المجتمع ،ثم المدينون ، لأن حالتهم مؤقتة ، وهم قلة ، ثم يأتي الجهاد في سبيل الله لأن مصادر تمويله كثيرة ، وليس بدائم ، وأخيرا يأتي ابن السبيل لأنها حالة قد تكون معدومة وخاصة في وقتنا الحاضر ، ولهذا جاء متأخرا كثيرا عن بقية المصارف ،بسبب ضعف منزلة المعنى مع المبني عليه ، وهكذا نجد أن القرآن الكريم قد بدأ بمعالجة العلة الدائمة التي تؤرق المجتمع وأخر العلة المؤقتة غير الدائمة لأنها لا تؤذي المجتمع ،أي أنه عالج الأوضاع بحسب الأهمية والأولوية ،وهو تشريع سماوي لا تدخُّل للأفراد فيه ، لأن الله عليم خبير حكيم .
الأمر الثاني : استخدم القرآن الكريم حرف الجر "اللام"مع الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم ،لأنها تفيد الملكية والمذكورون يمتلكون مال الصدقات ويتصرفون فيه كما يريدون ،ولكنه قال"في الرقاب "لأن العبيد لا يملكون المال بل يملكه مولاه ،فالمال يصرف في هذا الشأن ،وكذلك الحال "في الغارمين"لأن المدين لا يملك المال ،ومن يملكه هو الدائن ،فالمال يصرف ف
ي شأن المدينين ، وكذلك الحال "في سبيل الله "فالمال يصرف في سبيل الله ،أي في هذا الشأن ،فيكون ثمنا للسلاح والجياد ......إلخ ،و ابن السبيل كذلك حاله فهو لا يعطى من المال أو المؤن أو وسيلة السفر إلا ما يسد حاجته ويوصله إلى بلده ،فكأنه لا يملك المال ولا يستطيع التصرف به كبقية الأفراد المالكين ،وإنما يصرف المال حصرا في هذا الشأن ،ولهذا جاء - سبحانه و - باللام التي تفيد الملكية للمصارف الأولى ،وجاء بفي للمصارف المتأخرة


وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية ، وأن الإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس وأن الإنسان يتحدث بحسب الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل ، وباختصار:الإنسا يتحدث تحت رعاية الأهمية المعنوية وعلامات أمن اللبس ،ويكفي المتكلم أن يقول كلاما مفهوما بعيدا عن اللبس والتناقض .