03-12-2014 | مركز التأصيل للدراسات والبحوث
وتزداد استهانة العلمانيين بالعقليات المسلمة حينما يدعون هذا في حين يتبجح بكل صراحة ووضوح مُنشئو العلمانية بأنها ليت إلا حربا على الأديان وتذويبا للمجتمعات في بوتقة اللادينية وإنهاء لأي سلطة لأي رجل دين مهما كانت الديانة، بل تعمل على إنهاء سلطة الإله نفسه على الناس حتى توصلهم إلى عدم الاعتراف بوجوده، فكيف يمكن أن يقال أنها لا تتصادم مع الإسلام ؟.


العلمانية لا تحارب الأديان أو المذاهب، العلمانية هي التي تضمن للمؤمن ممارسة طقوسه الدينية بحرية مطلقة، العلمانية تضمن الحرية أيضا لغير المؤمن، العلمانية لا تحارب الحضارات والأديان بل تحميها من شر من يستخدمها كوسيلة لتضليل الشعوب، العلمانية لا تحارب الأديان وإنما تمنع الأديان من أن تحارب بعضها البعض....، هذه هي بعض ما تريد الأقلام العلمانية العربية ترويجه بعدما ظهر الوجه الحقيقي والقبيح للعلمانيين في عدائهم لكل ما يمت للدين عامة بصلة وللإسلام بصفة خاصة.


وتزداد استهانة العلمانيين بالعقليات المسلمة حينما يدعون هذا في حين يتبجح بكل صراحة ووضوح مُنشئو العلمانية بأنها ليت إلا حربا على الأديان وتذويبا للمجتمعات في بوتقة اللادينية وإنهاء لأي سلطة لأي رجل دين مهما كانت الديانة، بل تعمل على إنهاء سلطة الإله نفسه على الناس حتى توصلهم إلى عدم الاعتراف بوجوده، فكيف يمكن أن يقال أنها لا تتصادم مع الإسلام ؟.


ففي البداية تصادمت مع فكرة الخلق كما قال نيوتن في نظريته إن الحركة الموجودة في الكون تتمُّ طبقًا لقوانين محدَّدة، ولا تتمُّ برعاية الله، ولا تتدخَّل فيها السماء مصادما الآراء التي سادت قبلها كوراثة عن العقيدة التي أنزلت على عيسى عليه السلام بأن كل شيء يحدث في هذا الكون إنما يتمُّ بقدرة الله، فجاءت نظرية دارون لتدمر فكرة وجود الإله نفسه، وتنفي أن هناك مشيئة تسير الكون، بل إن الأمر كله مجرد وجود قوانين حركة صارمة وطبيعية، ولا علاقة لها لا بالخير ولا بالشر، ولا بالإيمان ولا بالكفر.


ثم تطورت الأفكار حتى تبلورت الملامح الأساسية لهذه الفكرة التي اقتربت من كونها معتقدا خاصا عند معتنقيها، والتي اشتملت على أفكار تدور حول فكرة رفض وجود الإله، واعتماد مبادئ الصدفة أو التطور أو الشك، ويعلي من قيمة العقل فقط، وينقل السلطة والتشريع من الإله إلى الشعب، فهل يبقى بعد هذه الفكرة دين؟


وتعتمد هذه المغالطات التي تأتي عن سببين أحدهما – وهو قليل نادر- عن جهل بالحقائق والآخر – وهو الأعم والأغلب – عن معرفة وسوء طوية مبيتة، تعتمد منهجين أولهما محاولة الجمع بينهما من حيث المبادئ، فيحاولون الترويج لمعنى غير حقيقي للعلمانية وهو مقصور على الحث على العلم والاكتشافات والتجارب، والدعوة إلى الحرية، وهي معان لا يختلف الإسلام معها على سبيل الإجمال لا التفصيل، وثانيهما منهج التفرقة بين ميادين العمل فيقولون أن العلمانية تخدم جوانب إنسانية بينما الدين يخدم جوانب إلهية.


وبالتأمل لو كان كلامهم هذا صحيحا فلماذا نشأت العلمانية في الغرب مصادمة للنصرانية؟ ولما قامت الحروب بينهما إذا كانت العلمانية بهذا التسطيح وبهذا التوافق مع الدين، أليس في هذه العداوة بين النصرانية والعلمانية في أوروبا دليلا كافيا على كذب العلمانيين العرب فيما يدعون أن العلمانية ليست ضد الدين؟


وبالفعل يدعو الإسلام إلى نبذ التأخر والأخذ بالعلم ومعرفة الاكتشافات والبحث والتجارب ونعم يدعو أيضا إلى الحرية، لكنه يصل بهذه الاختراعات بالتصور أنها محل الإله عز وجل، ولا يرفع أبدا من قيمة العقل فيعتقده أعظم من أن يخضع للتعاليم الربانية أو يستغني عنها وإحلال المخترعات، بل يُخضع العقل للأمر الإلهي عن رغبة واقتناع بان الحكم لله وحده.


ولا يرى الدين أن قضية التدين قضية شخصية مزاجية، يتدين من يريد وقتما يريد وأينما يريد بينما ينبذ التدين ويخلعه من ربقته في آن ومكان آخر حسبما رغبته، فالعلمانية لا تمانع أن يكون المسلم متدينا إذا دخل مسجده أو ذهب إلى أماكن عبادته كالحج، ولكنها تطلب منه ان يترك كل هذا عند معاملاته وعند مواقفه الحياتية والسياسية وغيرها، فلا حكم إلا للعقل والمصلحة بل تعلن العلمانية الحرب على كل من يريد إدخال مفهوم التدين في المعاملات والعلاقات، فلا معايير إسلامية أو دينية عامة تحكم الحياة بوجه عام ويجب أن ينحى الدين عنها.


وخلاصة القول أن العلمانية قامت من أول يوم لها على محاربة الدين كله وعدم التحاكم إليه، وعلى رفض الخضوع لله عز وجل ويعتقدون أن العقل البشري يمكنه أن يفرز حلولا حياتية يقدمها المشرعون أو القانونيون يرونها أعظم من الشريعة الإلهية ومن الرسل والرسالات لأنها بزعمهم لم تقدم الحلول الناجحة للإنسان.


وبعد هذا يتبجحون علينا بأن العلمانية ليست ضد الدين ويوروجون هذا لينطلي على البسطاء.