[center]بسم الله الرحمن الرحيم



20) قال الدكتور في (3/417) : (( سبق أنْ ذكرت أنَّ الحكم في اختلاف الرفع والوقف لا يندرج تحت قاعدة كلية ، فقد تترجح الرواية الموقوفة ، وقد تترجح الرواية المرفوعة ، وذلك حسب المرجحات والقرائن المحيطة بالرواية ، وهذه المرجحات مختلفة متفاوتة ، إذْ قد تترجح رواية الأحفظ أو الأكثر أو الألزم " الأكثر ملازمة لشيخه " ، وما إلى ذلك من المرجحات التي يراها نقاد الحديث وصيارفته ، ... )) أهـ .
وهذا ما رآه المصحِّحون للرواية المرفوعة مما رجحت عندهم عن الرواية الموقوفة ؛ حيث رجَّحوها بقرينة المتابعة وهي الأكثر هنا ، وذلك بمتابعة حفص لعيسى ، وبقرينة الألزم وهي الأكثر ملازمة لشيخه وهو هنا هشام بن حسان ، والأحفظ والأعلم بحديث أبي هريرة وهو هنا محمد بن سيرين .
فأين تباين منهج المصححين من أئمتنا المتأخرين والمعاصرين ومخالفتهم لمنهج المتقدمين ؟.
21) وأختم مذاكرتي لهذا المثال في توجيه الدكتور الفحل لإعلال أئمتنا لهذا الحديث ؛ ثم تحسين الترمذي للحديث :
أ) تبيَّن – إن شاء الله – وبشهادة الدكتور الخليل أنَّ إعلال الإمام أحمد والبخاري لتفرُّد عيسى بن يونس الذي ردَّه الدكتوران بقرينة الأكثر أي : المتابعات وهنا بمتابعة حفص بن غياث لعيسى بن يونس .
ب) فعلى الإنصاف ؛ على الدكتورَيْن إخراج الإمامَيْن أحمد والبخاري من أئمتنا المعلِّلين للحديث حسب صنيعهما .
ج) (( ووجه توهيم هشام بن حسان : أنَّ الحديث محفوظ موقوفاً ، ورفعه وهم ، توهم فيه هشام . قال البخاري في " التاريخ الكبير " 1/95 (251) : " ولم يصح ، وإنما يروى هذا عن عبد الله بن سعيد ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، رفعه ، وخالفه يحيى بن صالح ؛ قال : حدثنا يحيى ، عن عمر بن حكيم بن ثوبان سمع أبا هريرة قال : : " إذا قاء أحدكم فلا يفطر ، فإنَّما يخرج ولا يولج " وهذا نظر عميق من البخاري في إعلال الرواية المرفوعة بالرواية الموقوفة ، وإنَّ الوهم الذي دخل على هشام إنما كان بسبب رواية عبد الله ابن سعيد المتروك " قاله في (1/120-121) ، وفي (3/422-423) ، وفي (4/481-483) .
1) مرتبة هشام بن حسان العامة ثم مرتبته الخاصة الأقوى في روايته عن محمد بن سيرين تردُّ هذا التوهيم ؛ لذلك قال الإمام البخاري ذلك لإعلاله الحديث بتفرُّد عيسى بن يونس وليس بوَهْم هشام بن حسان .
2) لذلك هل يصح أنْ يُوَهَّم هشام بن حسان برواية متروك قد يكون هو أخذها منه ؟ .
الجواب : الإمام البخاري أعلَّ رواية عمرو بن دينار عن ابن عباس فقال : (( عمرو بن دينار لم يسمع عندي من ابن عباس هذا الحديث )) .
ردَّ الدكتور هذا الإعلال فقال في (1/346) : (( فهذا الكلام إمَّا أنْ يكون اعتماداً على رواية عبد الله بن محمد بن ربيعة التي مر ذكرها سلفاً ، فإنَّ الإعلال حينئذ غير صحيح ، ولا وجه له ، ... )) أهـ .
وقبلُ في (1/345) ذكر هذه الرواية : عبد الله بن محمد بن ربيعة ، عن محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن طاوس، عن ابن عباس وقال : (( هذه الرواية منكرة فيها عبد الله بن محمد بن ربيعة ... وقال الألباني في ( إرواء الغليل ) 8/297(2683) : " فلا يلتفت إليه أصلاً ، فكيف إذا خالف " .. )) أهـ .
3) وكذلك رواية عبد الله بن سعيد " المتروك " لا يلتفت إليها أصلاً وإنما إذا قُلِب الأمر وهو أنَّ عبد الله بن سعيد المتروك حفظ عن جده أبي سعيد كيسان المَقْبري الثقة الثبت لما بعد لأن عبد الله وجده مدنيان وافقا هشام بن حسان ومحمد بن سيرين البصريان ، أو قُلِبَ الأمرُ بأنَّ عبد الله بن سعيد توهَّم أو تعمَّد فجعله عن جده أبي هريرة .
4) وكأن الترمذي أشار إلى ردِّ هذا الإعلال عندما قال : (( وقد رُوي هذا الحديثُ من غير وجه عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ولا يصح إسناده )) أهـ .
والترمذي كما تقدَّم ويأتي – إن شاء الله – خالف شيخه البخاري ؛ فحسَّن الحديث .
د) نقل الدكتور في (3/421) قولَ الترمذي : (( حديث أبي هريرة حديث حسن غريب ، لا نعرفه من حديث هشام ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ إلا من حديث عيسى بن يونس . وقال محمد : لا أراه محفوظاً . وقد رُوي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ولا يصح إسنادها )) أهـ .
1) علَّق الدكتور في ( الحاشية " 1 " ) فقال : (( كلام الترمذي عجزه يخالف صدره فهو حكم على الحديث بالحسن ، ثم نقل ما يدل على أن الحديث معلول ، وذكر ما يدل أن الحديث معلول عنده ... )) أهـ .
2 ) قول الترمذي : (( حديث حسن غريب )) هذا صدر القول وفيه حكم للحديث بالحسن لذاته .
3) وبيَّن الغرابة التي فيه فقال : (( لا نعرفه من حديث هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ إلا من حديث عيسى بن يونس . )) أهـ .
4) ثم نقل قول الإمام البخاري : (( لا أراه محفوظاً )) . وهذا ينطبق عليه قول الدكتور : (( ثم نقل ما يدل على أنَّ الحديث معلول )) .
5) وقول الإمام البخاري : (( لا أراه محفوظاً )) لم يأخذ به الإمام الترمذي ، ما الدليل على ذلك ؟
6) الدليل أن الإمام البخاري لم يعرف حديث أبي هريرة هذا إلاَّ من حديث عيسى بن يونس ، أين هذا ؟ .
7) في باب ( ما جاء فيمن استقاء عمداً ) من ( العلل الكبير ) ( رقم 198) ذكر الترمذي حديث عيسى بن يونس ، عن هشان بن حسان هذا ، وقال عقبه : (( سألتُ محمداً عن هذا الحديث فلم يعرفه إلاَّ من حديث عيسى بن يونس ، عن هشام بن حسان ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، وقال : ما أراه محفوظاً ، وقد روى يحيى بن أبي كثير ، عن عمر بن الحكم ، أن أبا هريرة كان لا يرى القيئ يفطر الصائم . )) أهـ .
وهذا النقل لم ينقله الدكتور في المواضع الثلاثة .
8) فقول البخاري : (( ما أراه محفوظاً )) هو القول نفسه الذي نقله الترمذي في جامعه : (( لا أراه محفوظاً )) .
9) قول البخاري : (( ما أراه محفوظاً )) مبنيٌّ على : (( فلم يعرفه إلاَّ من حديث عيسى بن يونس ... )) .
10) الإمام الترمذي أيضاً قال : (( لا نعرفه من حديث هشام ... إلاَّ من حديث عيسى بن يونس )) .
11) الإمام البخاري وتلميذه الترمذي لم يعرفا الحديث إلاَّ من حديث عيسى بن يونس .
12) الإمام البخاري أعلَّه بالرواية الموقوفة المخالفة ، وتلميذه الترمذي مع غرابته – عنده – وعلمه بالرواية الموقوفة المخالفة ؛ فهو لم يعله وإنما حسَّنه ؛ الظاهر لكل ما تقدَّم غير متابعة حفص بن غياث .
13) قول الترمذي : (( وقد رُوي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا يصح إسناده )) .
هل هذا القول الذي عناه الدكتور بقوله : (( وذكر ما يدل أنَّ الحديث معلول عنده )) ؟ .
وعليه قال : (( كلام الترمذي عجزه يخالف صدره ... )) ، وهذا فيه نظرٌ بيِّن لأمرَيْن :
الأول : (( وقد رُوي هذا الحديث .. )) ، أي : الحديث الذي حَكَمَ بحُسْنه ؛ رُوِيَ من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا يصح إسناده )) . وهذا واقع :
فقد رُوي من طريق عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن جده ، عن أبي هريرة مرفوعاً .
ورُوي من طريق عباد بن كثير ، عن أيوب ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة مرفوعاً .
ورُوي من طريق عباد بن كثير ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة .
وقد بيَّن الدكتورُ نفسُه حالَ هذه الأوجه في (4/482-484) .
الآخر : الدكتور جعل هذا القولَ قولَ الإمام البخاري ؛ فقد قال في (4/481-482) : (( فقد قال الإمام البخاري في " التاريخ الكبير " ... وقال أيضاً : " لا أراه محفوظاً ، وقد رُوي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم و لايصح إسناده " ، نقله عنه تلميذه في ( الجامع الكبير) (720) ، )) أهـ .
ومن هذَيْن الأمرَيْن أو أحدهما يكون قول الدكتور : (( وذكر ما يدل أنَّ الحديث معلول عنده )) غير صواب .
هذا تقدير وتوقير الإمام الترمذي عند الدكتور وعند الشيخ محمد عوامة في تعليقه على هذا الحديث في مصنف ابن أبي شيبة ؛ أن يُصَوِّراه في أربعة أسطر أو أقل : يقول كلاماً ؛ عَجْزُه يخالفُ صَدْرَه ؟ .
الحقَّ أقول : إذا وُصِفَ لي قولٌ للدكتور الفحل في أربعة أسطر أو أقل أنَّ ((عَجْزُه يخالفُ صَدْرَه )) ؛ لقلتُ للواصِف : تمهَّلْ وتريَّثْ وقلِّب الكلام مرة بعد مرة ؛ فكيف بأحد جهابذة المسلمين ؟ فكيف بأحد جهابذة أئمة أهل الحديث في عصره وبعد عصره ؟ .
14) هذا حال المثال الذي ذكره الدكتور ليظْهر لنا جليًّا من خلاله تبايُن منهج المتقدمين والمتأخرين ، وبما أنه اكتفى به مثالاً لما يريد ؛ فيكون هذا الحديث أقوى حديث للدلالة على ما يلهج به الدكتور الفحل من تباين منهج المتقدمين والمتأخرين .
وقد يكون ذَكَرَه ليس لأنه أقوى وإنَّما ليُشْرِك مع الإمام محمد ناصر الدين الألباني الشيخَ شعيباً والدكتورَ بشاراً ؛ لأجل ألاّ يكون في الحزب الذي يخصُّ الإمام محمد ناصر الدين الألباني بمخالفة المتقدمين أحكاماً ومنهجاً .
15) وأُذَكِّر الدكتور بترك التهويل الذي يكشفه الواقع وليس هناك مبرر لهذا التهويل غير أن يُثْبتَ صحة رأيه ولو على حساب الحقيقة الماثلة أمامه واقعاً وكان الدكتور الخليل أعقل منه حين اعترف بما لم يُرِد الدكتور أن يعترف به :
أ*) في المواضع الثلاثة كلها كرَّر قوله برفض أنَّ البخاري وغيره قالوا : بأنه غير محفوظ لظنهم أنه تفرَّد به عيسى بن يونس ، عن هشام ، وقد تابع حفصُ بن غياث عيسى بن يونس ، فقال : (( وهذا بعيد جداً ؛ لأنه يستبعد عن الأئمة الحفاظ السابقين الذين حفظوا مئات ألوف من الأسانيد ، أنهم لم يطلعوا على هذه المتابعة ، فأصدروا هذا الحكم ، بل إنَّ العلة عندهم هي وهم هشام ،لا تفرد عيسى بن يونس كما صرَّح به البخاري في تاريخه . )) أهـ .
ب*) على الدكتور أن يذكر أين صرَّح البخاري في تاريخه بوهم هشام لا تفرد عيسى ؟ ويتدبَّر ما معنى قول البخاري : (( وخالفه يحيى بن صالح .. )) .
ج) الإمام أحمد يُعِلُّ الحديث بغلط عيسى ، ونقل ذلك الدكتور نفسه فقال في (3/421-422) : (( ونقل ابن حجر عن مهنأ ، عن أحمد أنه قال : " حدث به عيسى ، وليس هو في كتابه ، غلط فيه ، وليس هو من حديثه " )) . وكذا (4/482) .
ثم نقل قول أبي داود لأحمد : (( حديث هشام ، عن محمد ، عن أبي هريرة ؟ قال : ليس من ذا شيئ )) أي : (( حدث به عيسى ... )) .
لذلك عقبه أشار أبو داود لردِّ هذا الإعلال فقال : (( ورواه أيضاً حفص بن غياث ، عن هشام مثله )) . في بعض نسخ السنن .
د) الإمام البخاري لا يعرف الحديث إلاَّ من حديث عيسى بن يونس ؛ فقد تقدَّم أنَّ الترمذي قال في ( العلل الكبير ) : (( سألتُ محمداً عن هذا الحديث ، فلم يعرفه إلاَّ من حديث عيسى بن يونس عن هشام ... )) أهـ .
على الدكتور الفحل الهدوء ولا يخشى من آثار الصدمة عندما يُعيد قراءة : (( فلم يعرفه إلاَّ من حديث عيسى ... )) .
فقد رضي الدكتور الخليل قولاً بهذه الصدمة ولكن آثارها عمليًّا ما زالت ؛ حيثُ أصرَّ على إعلال الإمام أحمد والبخاري للحديث – وزاد من كيسه إعلال الترمذي – مع أنه ردَّ هو والدكتور الفحل إعلالهم بمتابعة حفص لعيسى .
والدكتور الفحل لم ينقل قول الترمذي هذا ، لماذا ؟ .
وإذا تأمَّل قولَ إمام أهل العلل في عصره وما بعد عصره ابن المديني : (( أما أحاديث هشام عن محمد فصحاح )) أي : إذا وُجِد احتمال الخطأ في رواية هشام بن حسان عن ابن سيرين ؛ فهي ممن دونه وهو هنا في نقد الإمامَيْن أحمد والبخاري : عيسى بن يونس .
فأئمة العلل وجهابذته : أحمد ، وابن المديني ، والبخاري ؛ لا يحمِّلون الوهم - إن وُجد - في رواية هشام بن حسان عن ابن سيرين ؛ هشاماً ، إنما مَن دونه ، والدكتور يحمِّله هشاماً ، لماذا ؟ .
16) قال الدكتور في (1/122) : (( وبناءً على هذا الاختلاف ظهرت أسباب للتباين بين منهجي المتقدمين والمتأخرين ، أو سمات يتسم كل منهج ببعض منها :
1- إنَّ المتأخرين في نقدهم الحديث لا يحيطون بجميع أحوال الراوي ، فالراوي ثقة كان أم غير ثقة له حالات مخصوصة في شيوخه أو في روايته عن أهل بلد معين . بخلاف المتقدمين فهم يراعون أحوال الرواة الثقات في شيوخهم أو في روايتهم عن أهل بلد معين ، أو إذا حدثوا من حفظهم . مقال الشيخ محمد بن عبد الله القناص : 03 )) أهـ .
أ*) تبيَّن حال المثال الذي ضربه الدكتور والذي من خلاله لم يظهر لي ما أراده من تباين منهج المتقدمين والمتأخرين بل بانَ لكل عاقل أنَّ رَمْيَ أئمتنا المتأخرين والمعاصرين بمخالفة منهج المتقدمين غير واقع بل ظهر – بفضل الله عز و جل – أنَّ ترجيح أئمتنا تصحيح هذا الحديث قائم على مرجِّحات هي مرجِّحات معتمدة في منهج المتقدمين ؛ لذلك السمات الآتية هي تهويلٌ من قِبَل قائليها ؛ لأنَّ الدكتور يحيل إلى غيره إلاَّ في حالةٍ واحدةٍ وهي ذكر أسماء من يصنع هذا ثم ذكر الدليل على ذلك ولكن لا يكون مثل مثال الدكتور .
ب) من أئمتنا المتأخرين الحافظ ابن حجر في " تقريب التهذيب " له ردٌّ على كل ما رُمِيَ به المتأخرون من عدم مراعاتهم الحالات الخاصة للراوي ، فتجدُ مثلاً : (( صدوق كان يحفظ ثم كبر فصار كتابه أثبت من حفظه " رقم 5 " )) ، (( ثقة في حديثه عن الزهري بعض الوهم " رقم 350 " )) ، (( صدوق أخطأ في أحاديث من حفظه " رقم 460" )) ، (( صدوق في روايته عن أهل بلده مخلِّط في غيرهم )*) " رقم 473 " )) ، (( ثقة ثبت إلاّ في حديثه عن زائدة " رقم 645 " )) ، (( ثقة من أثبت الناس في سعيد بن جبير " رقم 930 " )) ، (( ضعيف كان يقبل التلقين " رقم 1139 " )) ، (( ثقة ثبت ربما دلس وكان بأخرة يحدّث من كتب غيره " رقم 1487 " )) ، (( رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة " رقم 2049 " )) .
ج) كالعادة بدون مبالاة يقول بعضهم : (( هذا في التنظير المشكلة في التطبيق والعمل )) .
لماذا عندهم المشكلة مع أغلب أئمتنا المتأخرين والمعاصرين في التطبيق والعمل ؟ .
الجواب : لأمرَيْن اثنَيْن :
الأول : الإمام المتأخر أو المعاصر خالف حكمَ إمامٍ متقدِّمٍ في حديثٍ لم يختلف فيه أئمتنا المتقدمون ، لماذا خالف ؟ وهل مخالفته قائمة على قواعد ومرجِّحات وإعلال أئمتنا المتقدمين ؟ .
الجواب عن هذَيْن الأمرَيْن لا يخطر على بالهم ، والمثال الذي ذكره الدكتور قبلُ هو أحد الأدلة على ذلك .
ولا أريد أن أقول : لأنَّه بالإجابة عنهما عملاً لن يوجد هناك ما يدَنْدِنُون به من مخالفة أئمتنا المتأخرين والمعاصرين لمنهج أئمتنا المتقدمين .
الآخر : حُكْم الإمام المتأخر أو المعاصر يخالف قواعد ومنهج المتقدمين ؛ عند مَنْ ؟ عنده هو ؟ وبعضهم يختلف في تفاصيل مسائل مع مَن هو معه في الدندنة بمخالفة المتأخرين و المعاصرين لمنهج المتقدمين . وقد يكون حكم الإمام المتأخر أو المعاصر على رأي الذي معه في الدندنة هو على منهج المتقدمين مثل عدم الإعلال بكل تفرُّد ، أو الإعلال باحتمال التدليس .
د) وإذا رجع الشخص إلى فصل سياق الأحاديث التي انتقدها الدارقطني من ( هدي الساري ) أو مقدمة الفتح ؛ لَوَجَدَ العمل والتطبيق أمامه ؛ فَسَيَجِدُ :
1) (( فلان لا يرضى أن يأخذ من شيوخه ما ليس بسماع )) ( ص349 ) .
2) (( فلان عندهم أتقن أو أحفظ من فلان )) ( ص 350) .
3) (( ان رواية أهل العراق عن فلان فيها وَهْم )) ( ص352) .
4) ((فلان وفلان هما في فلان سواء )) ( ص 356) .
5) (( فلان أعلم الناس بحديث فلان )) (ص 357) .
6) (( فلان أحفظ الناس لحديث فلان )) ( ص360 ) .
7) (( رواه فلان مكاتبة )) (ص 361) .
8) (( قرينة معرفة فلان بحديث أبيه )) (ص 367 ) .
9) (( فلان حجة في المغازي )) (ص 371) .
10) (( فلان لم يسمع من فلان إنما أخذ كتابه ونظر فيه )) ( ص 374 ) .
11) (( فلان أتقن حديث أهل بلد كذا من غيره )) ( ص 375 ) .
12) (( فلان من عادته الإرسال )) ( ص 376 ) .
13) (( النسيان طرأ على فلان )) ( ص 380 ) .
14) (( فلان صاحب حديث فلا استبعاد أن يكون عنده عن فلان وفلان جميعاً )) ( ص 381 ) .
ه) من أئمتنا المعاصرين : كنزنا الإمام محمد ناصر الدين الألباني و هو الهدف الرئيس لأغلب المدندنين بالتفريق :
الإمام محمد ناصر الدين الألباني بيَّن في كثير من مقدمات كتبه عَمَلَه في التصحيح والتضعيف و الإعلال و هو التالي :
1) سعة الاطلاع على الأحاديث والأسانيد في بطون كتب الحديث مطبوعها ومخطوطها ؛ للوقوف على الطرق أو الشواهد التي تساعده على التأكّد من صحة الحديث أو شذوذه و نكارته .
2) معرفة جيدة بعلم علل الحديث حيث يراعي في حكمه شروط الحديث الصحيح :
أ- فلا يصحح الحديث لمجرّد توفّر الثقة في رواة سنده واتصال سنده غير مراعٍ بقية شروط الحديث الصحيح ؛ السلامة من الشذوذ والعلة القادحة .
ب- ولا يحكم على الحديث بالضعف أو الشذوذ لمجرَّد تفرُّد الثقة ولو لم يخالف مَن هو أوثق وأحفظ منه ، أو لتفرُّد ضعيفٍ به عَلِم له متابعاً أو شاهداً .
3) معرفة جيدة بالخلاف بين المحدثين من جهة ، وبين الأصوليين وأهل الرأي والظاهر من جهة أخرى .
4) معرفة جيدة دقيقة لتراجم أغلب الرواة وما قيل فيهم من تعديل و تجريح .
5) معرفة جيدة بنقد الأئمة النقاد ، عارفاً بالمتشددين منهم والمتساهلين ومَن هم وسط ؛ لئلا يقع في الإفراط ولا التفريط .
6) إضافة إلى ذلك صفاتٌ شخصيَّةٌ للإمام : دأبٌ وجلدٌ واجتهادٌ وشوقٌ ورغبةٌ على البحث في مختلف الكتب التي تسوق الأحاديث بأسانيدها ككتب التفسير والسير والتاريخ والرقاق والزهد ، فضلاً عن الكتب الخاصة بالحديث من مخطوطات وغيرها .
7) كل هذا في أكثر من نصف قرنٍ من الزمان .
8) وكان نتيجة ذلك عمليًّا (( التصفية )) :
الأول : قوَّى أحاديث كثيرة غير شديدة الضعف وذلك لمتابعات أو شواهد معتبرة لا شذوذ فيها و لانكارة حسب نقده .
الآخر : ضعَّف أحاديث مع أنَّ ظاهر إسنادها الصحة أو الحسن ، وحكم عليها بالنكارة أو الشذوذ بعد تتبُّعه الطرق والشواهد التي أكَّدت له الشذوذ أو النكارة حسب نقده .
وأحياناً بتلك التقوية وهذا التضعيف – لشخصيته السلفية والعلمية وديانته – يخالف أحد الأئمة المتقدمين ؛ فيُرْمَى بمخالفة منهج المتقدمين .
و) والآن عمليًّا ننظر هل الإمام محمد ناصر الدين الألباني راعى أحوال الرواة الثقات في شيوخهم أو في روايتهم عن أهل بلد معيَّن ، أو إذا حدثوا من حفظهم كما راعى المتقدمون ذلك أم لا ؟ .
1) اخترتُ أن أنقل مراعاة الإمام محمد ناصر الدين الألباني لهذه الأحوال من ورقات نقلتُها من كتاب انتهى من العمل فيه في (27/ رمضان / 1386هـ ) أَلاَ وهو كتاب ( إرواء الغليل ) .
قال الإمام محمد ناصر الدين الألباني في آخر كتابه ( إرواء الغليل ) (8/321) : (( وبهذا ينتهي تخريج " منار السبيل " الذي أسميته : " إرواء الغليل ، في تخريج أحاديث منار السبيل " ، وكان ذلك نهار الأحد ، في السابع والعشرين من رمضان المبارك سنة ست وثمانين وثلاثمائة و ألف من هجرة نبينا محمد صلى الله عليه و وعلى آله وصحبه وسلم ... )) أهـ .
وذلك بعد أن يتأكّد قارئ هذه النقولات التي فيها هذه المراعاة ؛ أطلب منه أن يسأل معي : كم كان عمر الدكتور الفحل والشيخ محمد بن عبد الله القناص عندما سطَّر الإمام محمد ناصر الدين الألباني هذه المراعاة نظريًّا وعمليًّا ؟ .
2) نقولات تكفي – إن شاء الله – في إثبات مراعاة الإمام محمد ناصر الدين الألباني لأحوال الرواة في روايتهم :
أ) (( هشام بن حسان ، ثقة من أثبت الناس في محمد بن سيرين )) (1/215) .

ب) (( وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات غير أبي يحيى القتات ففيه ضعف لكن قال أحمد في رواية الأثرم عنه : " روى إسرائيل عن أبي يحيى القتات أحاديث مناكير جداً كثيرة ، وأما حديث سفيان عنه فمقارب " ففيه إشارة إلى أن حديثه من رواية سفيان – وهو الثوري – حسن لا بأس به ... )) (1/254) .
ج) (( محمد بن عجلان ، ثقة اضطرب في حديث نافع ، واختلطت عليه أحاديث سعيد المقبري ، عن أبي هريرة )) (1/282-283) .
د) ((إسحاق بن إبراهيم الدبري ، روى عن عبد الرزاق أحاديث منكرة )) (2/116) .
ه) (( سفيان الثوري من أثبت الناس في أبي إسحاق السبيعي )) (3/82) .
و) (( قبيصة بن عقبة السُّوائي ، ثقة إلاّ في روايته عن سفيان الثوري )) (3/97) .
ز) (( سفيان بن حسين الواسطي ، ثقة في غير الزهري )) (3/405) .
ح) (( سماك بن حرب ، صدوق ، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة )) (3/410) .
ط) (( محمد بن المنهال ، ثقة حافظ كان أثبت الناس في يزيد بن زريع )) (4/157) .
ي) (( عكرمة بن عمار ، صدوق ، وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب )) (5/46) .
ك) (( يحيى بن سُليم الطائفي ، ثقة في نفسه ضعيف في حفظه وخصوصاً في روايته عن عبيد الله ابن عمر يستثنى من ذلك ماروى الحميدي عنه فإنه صحيح )) (5/309) .
ل) (( هشام بن سليمان ، ثقة في ابن جريج ، في حديثه عن غيره وهم )) (6/140-141) .
م) (( زياد بن عبد الله البكائي ، صدوق ، ثبت في المغازي ، وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين )) (7/9) .
ن) (( سليمان بن سليم الكناني ، ثقة من أعرف الناس بشيخه يحيى بن جابر وحديثه ؛ فإنه كان كاتبه )) (7/42) .
س) (( عبيد الله بن عبيد الله بن عبيد الرحمن الأشجعي ، ثقة مأمون ، أثبت الناس كتاباً في الثوري )) (7/198) .
ع) (( مطر بن طهمان الوراق ، صدوق كثير الخطأ ، وحديثه عن عطاء ضعيف )) (7/297) .
ف) (( يعلى بن عبيد ، ثقة ، فيه ضعف في روايته عن الثوري )) (8/206) .
ولم أنقل شيئاً عن حال المختلطين ، والمدلسين ، وعدم السماع .
[center].............. يتبع