إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار أما بعد صلى الله عليه وسلم
فهذا مختصرنافع إن شاء الله في بيان بعض المخالفات والبدع التي كثيرا ما تقع في شهر الله المحرم عموما، وفي يوم عاشوراء خصوصا وكلها يشملها حديث النبي صلى الله عليه وسلم:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" أي مردود على صاحبه سواء تعلق بالعبادات أم بالمعاملات وقسمته إلى مبحثين خصصت الأول لما يقع في المحرم، والثاني لما يقع في يوم عاشوراء، متناولا النقاط الآتية :
المبحث الأول :المخالفات المتعلقة بشهر الله المحرم. أولاـ تنبيه لطيف في تحلية المحرم بـ:"ال" ثانياـ اتخاذ يوم 1محرم عيدا للهجرة النبوية وما فيه من الأخطاء التاريخية المبحث الثاني: ما يقع في يوم عاشوراء. أولاـ الحزن والنياحة في يوم عاشوراء ثانياـ الاحتفال بيوم عاشوراء ثالثاـ إخراج الزكاة في يوم عاشوراء رابعاـ جعل يومي أول محرم ويوم عاشوراء عيدا سنويا ونسبته للدين ظلما وعدوانا. أسأل الله أن يلهمني الرشد والصواب وأن يجعل ما أكتبه خاصا لوجهه الكريم وسببا لدخول جنات النعيم ،وهذا أوان الشروع في المقصود . المبحث الأول : المخالفات المتعلقة بشهر الله المحرم. أولا: تنبيه لطيف في تحلية المحرم بـ:"ال" شاع عند الناس نطقهم المحرم بغير "الـ" وهو خطأ لأن اسم الشهر "المحرم " وهو الشهر الوحيد المحلى بالألف واللام من بين الأشهر القمرية. وقد نقل السيوطي رحمه الله عن ابن دريد قوله في الجمهرة :" لم يكن المحرَّم معروفا في الجاهلية، وإنما كان يقال له ولصَفر الصِّفَرَيْن، وكان أول الصفرين من أشهر الحرم فكانت العربُ تارة تحرِّمُه وتارة تُقاتل فيه وتحرِّم صفر الثاني مكانه".
قلت (السيوطي): وهذه فائدةٌ لطيفة لم أرها إلا في الجمهرة فكانت العرب تسمي صفر الأول وصفرَ الثاني، وربيعَ الأول وربيعَ الثاني، وجمادى الأولى وجمادى الآخرة، فلما جاء الإسلام وأبطل ما كانوا يفعلونه من النَّسِيء سمَّاه النبي صلى الله عليه وسلمشهرَ الله المحرم كما في الحديث: (أفضلُ الصيام بعدَ رمضان شهرُ اللَّه المحرم) وبذلك عُرفت النكتة في قوله: شهر الله.
ولم يَرد مثلُ ذلك في بقية الأشهر ولا رمضان وقد كنتُ سُئِلت من مدة عن النّكْتة في ذلك ولم تحضرني فيها شيء حتى وقفتُ على كلام ابن دريد هذا فعرفت به النكتة في ذلك"اهـ المزهر في علوم اللغة. وفي الصحاح قال ابنُ دريد: الصَّفَران: شهران في السنة سمي أحدهما في الإسلام المحرَّم"اهـ. ثانيا: اتخاذ يوم أول المحرم عيدا للهجرة النبوية وما فيه من الأخطاء التاريخية. يعتقد كثير من الناس أن أول المحرم يصادف ذكرى هجرة النبيصلى الله عليه وسلموهذا خطأ فالنبيصلى الله عليه وسلمإنما هاجر في شهر صفر ووصل المدينة في شهر ريع الأول وإنما بدءوا بالمحرم لكونه أول أشهر السنة الهجرية .
جاء في الروض الأنف:" قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الاثنين حين اشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول وهو التاريخ فيما قال ابن هشام. قال ابن إسحاق: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ابن ثلاث وخمسين سنة وذلك بعد أن بعثه الله عز وجل بثلاث عشرة سنة فأقام بها بقية شهر ربيع الأول...."اهـ5/36الشاملة . قال الحافظ في الفتح:"وَإِنَّمَا أَخَّرُوهُ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ إِلَى الْمُحَرَّمِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعَزْمِ عَلَى الْهِجْرَةِ كَانَ فِي الْمُحَرَّمِ إِذِ الْبَيْعَةُ([1])وَقَعَتْ فِي أَثْنَاءِ ذِي الْحِجَّةِ؛ وَهِيَ مُقَدِّمَةُ الْهِجْرَةِ، فَكَانَ أَوَّلُ هِلَالٍ اسْتَهَلَّ بَعْدَ الْبَيْعَةِ وَالْعَزْمِ عَلَى الْهِجْرَةِ هِلَالُ الْمُحَرَّمِ، فَنَاسَبَ أَنْ يُجْعَلَ مُبْتَدَأً. وَهَذَا أَقْوَى مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ مُنَاسَبَةِ الِابْتِدَاءِ بِالْمُحَرَّمِ) ([2]) . المبحث الثاني : مخالفات تقع في يوم عاشوراء. أولا:الحزن والنياحة في يوم عاشوراء : شاء المولى تبارك وتعالى أن تجتمع الأحداث في يوم عاشوراء ففيه نجى الله موسى من فرعون ، وفيه كذلك استشهد أحد سَيدَي شباب أهل الجنة، سبط رسول الله وريحانته، الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن أبيه، ولا بأس بإشارة لطيفة لسبب مقتله وذلك أن شيعة الكوفة كانوا قد بعثوا بالكتب والرسائل يبايعون فيها الحسينرضي الله عنه وأنه إن قدم عليه أمروه عليهم، فلما خرج إليهم ودنا من ديارهم، بعث إليه عبيد بن زياد سرية تمنعه مما يريد فخذله أولئك الشيعة، ولم يخرج أحد منهم لمساندته حتى استشهد رضي الله عنه في يوم عاشوراء سنة إحدى وستين ، فقام الشيعة باتخاذ ذلك اليوم مأتما يظهرون فيه الحزن والبكاء والنياحة وشق الجيوب وغيرها من الأفعال التي الإسلام منها براء، ناهيك عما وضعوه من خرافات وأساطير شحنت بها كتبهم .
وها هو الطوسيأحد معظميهم يرويفي أماليهبسنده عن الرضا عليه السَّلام أنه قال:" من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله عز وجل يوم القيامة، يوم فرحه"اهـولم يكتفوا بذلك حتى قالوا بتحريم يوم عاشوراء وأن من صامه فهو عدو للحسين وأهل بيته رضي الله عنهم أجمعين ، فقد روى الكليني بسنده عن جعفر بن عيسى قال: سألت الرضا عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء وما يقول الناس فيه، فقال: عن صوم ابن مرجانة تسألني، ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين عليه السلام وهو يوم يتشاءم به آل محمد صلى الله عليه وسلم ويتشاءم به أهل الإسلام لا يصام ولا يتبرك به ويوم الاثنين يوم نحس قبض الله عز وجل فيه نبيه وما أصيب آل محمد إلا في يوم الاثنين فتشاءمنا به وتبرك به ابن مرجانة وتشاءم به آل محمد صلى الله عليه وسلم، فمن صامهما أو تبرك بهما لقي الله تبارك وتعالى ممسوخ القلب وكان حشره مع الذين سنوا صومهما والتبرك بهما ". الكافي (4/ 146) الاستبصار (2/ 35) البحار (45/ 59). وعلى هذا فإظهار الحزن في ذلك اليوم ليس من الإسلام في شيء، ومصيبة المسلمين بالنبيصلى الله عليه وسلم أعظم مصيبة ومع ذلك لم ينقل عن الصحابة الكرام الذين فدوه بالنفس والمال إحياء ذكرى وفاته عليه السلام بمثل هذه الأفعال،قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وصار الشيطان بسبب قتل الحسين - رضي الله عنه- يحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء، من اللطم والصراخ، والبكاء، والعطش، وإنشاء المراثي، وما يفضي إلى ذلك من سبّ السلف ولعنهم، وإدخال من لا ذنب له مع ذوي الذنوب، حتى يسب السابقون الأولون، وتقرأ أخبار مصرعه التي كثير منها كذب، وكان قصد من سن ذلك، فتح باب الفتنة والفرقة بين الأمة، فإن هذا ليس واجباً ولا مستحباً باتفاق المسلمين، بل إحداث الجزع والنياحة للمصائب القديمة، من أعظم ما حرمه الله ورسوله) . ا. هـ. منهاج السنة النبوية (2/322، 323) .
ثانيا: الاحتفال بيوم عاشوراء: قابل كثير من أهل السنة حزن الشيعة بالفرح والاحتفال والتوسيع على العيال ، فيخصصون لذلك اليوم أكلة خاصة مظهرين السرور والابتهاج، ولا يخفى أن هذا مخالف للسنة غير مأثور عن سلف هذه الأمة، بل هومن البدع المنكرة ، فيوم عاشوراء يعامل كغيره من الأيام ، وإنك لتجد من الناس ـ كما هو في عاداتنا ـ من يخصص جزءا معلوما من الأضحية لعاشوراء، ولو كان هذا خيرا لسبقنا إليه أصحاب محمدj ومما ورد في ذلك حديث "من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته" وهو حديث مكذوب ذكره ابن الجوزي فيالموضوعات (2/203) ، والكناني في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة (2/157) . وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عما يفعله الناس في عاشوراء من الكحل والاغتسال والحناء والمصافحة وطبخ الحبوب وإظهار السرور وعزوا ذلك إلى الشارع فهل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك حديث صحيح أم لا؟ وإذا لم يرد حديث صحيح في شيء من ذلك فهل يكون فعل ذلك بدعة أم لا؟. فأجاب " الحمد لله رب العالمين لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين ولا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولا روي أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئاً لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن التابعين لا صحيحاً ولا ضعيفاً، ولا في كتب الصحيح ولا في السنن ولا في المسانيد، ولا يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة. وإنما حصلت هذه البدع في يوم عاشوراء؛ لأن الكوفة كان فيها طائفتان طائفة رافضة يظهرون موالاة أهل البيت وهم في الباطن إما ملاحدة زنادقة، وإما جهال وأصحاب هوى.وطائفة ناصبة تبغض علياً وأصحابه لما جرى من القتال في الفتنة ما جرى ، فوضعت الآثار في الاحتفال بعاشوراء لما ظهرت العصبية بين الناصبة والرافضة فان هؤلاء اتخذوا يوم عاشوراء مأتماً، فوضع أولئك آثاراً تقتضي التوسع فيه واتخاذه عيداً وكلاهما باطل. فهؤلاء فيهم بدع وضلال وأولئك فيهم بدع وضلال، وإن كانت الشيعة أكثر كذباً وأسوأ حالاً" الفتاوى الكبرى (2/295) ومجموع الفتاوى (25/299-301) ، وانظر: لطائف المعارف لابن رجب (52) ، والمنار المنيف لابن القيم (111-113) والأمر بالاتباع للسيوطي (88-89) . ثالثا:إخراج الزكاة في يوم عاشوراء: لزكاة المال شرطين معلومين هما بلوغ النصاب وحولان الحول الهجري فمن تحققا فيه بادر بإخراج زكاته وتبرئة ذمته ، أما اتخاذ يوم العاشر من المحرم يوما يعشر الرجل فيه ماله فهذا مما لا أصله في الدين وينضم إلى ذلك منع مستحقيها منها وهو ظلم عظيم قال ابن الحاج المالكي في المدخل:".... ثم إنهم يضمون إلى ذلك بدعة، أو محرما، وذلك أنه يجب على بعضهم الزكاة مثلا في شهر صفر، أو ربيع، أو غيرهما من شهور السنة فيؤخرون إعطاء ما وجب عليهم إلى يوم عاشوراء وفيه من التغرير بمال الصدقة ما فيه، فقد يموت في أثناء السنة، أو يفلس فيبقى ذلك في ذمته، وأقبح ما فيه أن صاحب الشرع صلوات الله عليه وسلامه شهد فيه بأنه ظالم بقوله - عليه الصلاة والسلام - «مطل الغني ظلم» ،وفيه بدعة أخرى وهو أن الشارع صلوات الله عليه وسلامه حد للزكاة حولا كاملا وهو اثنا عشر شهرا، وفي فعلهم المذكور زيادة على الحول بحسب ما جاءهم يوم عاشوراء، فقد يكون كثيرا، وقد يكون قليلا، وعند بعض من ذكر نقيض ذلك وهو أن يخرج الزكاة قبل وقتها لأجل يوم عاشوراء"اهـ. فالواجب تعليم الناس أن إخراج الزكاة مرتبط باليوم الذي حال فيه الحول الهجري على المال البالغ للنصاب ولا علاقة له بعاشوراء والله أعلم . رابعاـ جعل يومي أول محرم ويوم عاشوراء عيدا سنويا ونسبته للدين ظلما وعدوانا. للمسلمين عيدان سنويان لا ثالث لهما بنص السنة فقد كان لأهل المدينة يومان يلعبون فيهما، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما هذان اليومان" قالوا: كنا نعلب فيهما في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى، ويوم الفطر" سنن أبي داود كتاب الصلاة. فكل عيد محدث بعدهما فهو مردود والاحتفال به مخالف للهديالنبوي ، فكيف إذا نسب للدين فقيل فيه أعياد دينية . فعلى المسلم ألا يتخذ ما يذكر من هذه المناسبات كأول المحرم ويوم عاشوراء عطلا بل يعاملها كسائر الأيام .
نسأل الله العظيم أن يردنا إلى ديننا ردا جميلا وأن يزين الإيمان في قلوبنا ، وأن يكره إلينا الفسوق والعصيان والبدع وأن يجعلنا من الراشدين . سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

(1)-فتح الباري (7/268 -- الشاملة)