حبيبي المبارك الفاضل بوقاسم رفيق بارك الله فيك ، ليس المعْنِّي من الموضوع إيهما يُقدم عند الحوج إلى عمل أحدهما ؛ لكنَّ المعْنِّي من الموضوع إيهما أقرب وإيهما أفضل عند الله ، أن يتقرب العبد بفعل الطاعات أم بترك المنهيات ، وهذا ليس معناه أن المفضول لا يبقى له فضل ، وهذا معلوم من استخدامات صيغة أفعل تفضيل ، فهي تدل على زيادة في الفضل والحُسن .
تأمل هذا الحديث : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ اللَّهَ قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) . البخاري (6502)
أحبك الله الذي أحببتني فيه و بالمناسبة أنت تحتل المرتبة الأولى بلا منازع فيمن أحبهم في هذا المنتدى
من هذا الحديث يظهر لي تلازم فعل الطاعات و ترك المنهيات فلا يعقل التقرب إلى الله بفعل الطاعات و النوافل و الابتعاد عنه بالمنهيات
و بالنسبة لسؤالك أرجح ترك المنهي لأن التارك منقاد لله في تركه فهو مستعد للعمل لانقياده أما من يفعل الطاعة فيمكن وقوعه في المعصية أي أن انقياده ناقص و هذا بالتنظير أما العملي فلا يسلم أحد من المعصية
ثم إن الطاعات درجات و المنهيات مثلها فلو ترك نهيا يسيرا ليس كترك نهي شديد و المسألة تبدو لي ذو شجون فالاعتبارات فيها كثيرة
قول بن رجب ولذلك لا تحتاج إلى نية بخلاف الأعمال
قلت بل لها نية أصلية نواها العبد حال علمه بأنه منهي عنها إضافة أن الشيطان يوسوس كل حين للعبد و العبد يرد وساوسه فنيته لترك المعاصي متجددة
بارك الله فيك ، نقل بعضهم الإجماع على أن التروك لا تحتاج إلى نية ، قال النووي : وأما إزالة النجاسة فالمشهور عندنا أنها لا تفتقر إلى نِـيَّة ؛ لأنها من باب التروك ، والترك لا يَحتاج إلى نِـيّة ، وقد نقلوا الإجماع فيها) . انظر شرحه لمسلم (13/ 54) .
وإنما قصدت كلام ابن رجب هذا : (وحاصل كلامهم يدل على اجتناب المحرمات وإن قلت فهي أفضل من الإكثار من نوافل الطاعات فإن ذلك فرض وهذا نفل) . انظر جامع العلوم والحكم (112) .
نفع الله بكما .
قال الحافظ في الفتح 1 / 14 : ونازع الكرماني في إطلاق الشيخ محيي الدين كون المتروك لا يحتاج إلى نية بأن الترك فعل وهو كف النفس وبأن التروك إذا أريد بها تحصيل الثواب بامتثال أمر الشارع فلا بد فيها من قصد الترك ، وتعقب بأن قوله : الترك فعل مختلف فيه ومن حق المستدل على المانع أن يأتي بأمر متفق عليه ...
وقال في موضع آخر :
وأما التروك فهي وإن كانت فعل كف لكن لايطلق عليها لفظ العمل ..
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : { إن الله تعالى قال : من عادى لي وليّاًفقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافلحتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر فيه ، ويده التي يبطش بها ،ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعـطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه } .
[رواه البخاري:6502] .
جزيت خيرًا
نفع الله بكم .
ظاهر كلام ابن رجب أن التفصيل في تفضيل البعد عن المنهيات على النوافل ، أما الواجبات فلا .
وإليكم كلاما لابن القيم في المسألة ـ فيه كفاية وغُنْية ـ بخلاف ما سبق نقله ، ففي كتابه الفوائد ص 125 ـ 127 :
وسر المسألة أن وجود ما طلب ايجاده أحب اليه من عدم ما طلب اعدامه وعدم ما أحبه أكره اليه من وجود ما يبغضه فمحبته لفعل ما أمر به أعظم من كراهته لفعل ما نهى عنه يوضحه الوجه السابع عشر: أن فعل ما يحبه والاعانة عليه وجزاؤه وما يترتب عليه من المدح والثناء من رحمته وفعل مايكره وجزاؤهما يترتب عليه من الذم والألم والعقاب من غضبه ، ورحمته سابقة على غضبه غالبة له وكل ما كان من صفة الرحمة فهو غالب لما كان من صفة الغضب ، فإنه سبحانه لا يكون إلا رحيما ورحمته من لوازم ذاته كعلمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره وإحسانه فيستحيل أن يكون على خلاف ذلك ، وليس كذلك غضبه فانه ليس من لوازم ذاته ولا يكون غضبانا دائما غضبا لا يتصور انفكاكه بل يقول رسله وأعلم الخلق به يوم القيامة : "إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ". ورحمته وسعت كل شيء وغضبه لم يسع كل شيء ، وهو سبحانه كتب علي نفسه الرحمة ولم يكتب على نفسه الغضب ووسع كل شيء رحمة وعلما ولم يسع كل شيء غضبا وانتقاما فالرحمة وما كان بها ولوازمها وآثارها غالبة على الغضب وما كان منه وآثاره فوجود ما كان بالرحمة أحب اليه من وجود ما كان من لوازم الغضب ولهذا كانت الرحمة أحب اليه من العذاب والعفو أحب اليه من الانتقام فوجود محبوبه أحب اليه من فوات مكروهه ولا سيما اذا كان فى فوات مكروهه فوات ما يحبه من لوازمه فانه يكره فوات تلك اللوازم المحبوبة كما يكره وجود ذلك الملزوم المكروه .
الوجه الثامن عشر : أن أثار ما يكرهه وهو المنهيات أسرع زوالا بما يحبه من زوال آثار ما يحبه بما يكرهه فآثار كراهته سريعة الزوال وقد يزيلها سبحانه بالعفو والتجاوز وتزول لتوبة والاستغفار والأعمال الصالحة والمصائب الكفرة والشفاعة والحسنات يذهبن والسيئات ولو بلغت ذنوب العبد عنان السماء ثم استغفره غفر له ولو لقيه بقراب الأرض خطايا ثم لقيه لا يشرك به شيئا لأتاه بقرابها مغفرة وهو سبحانه يغفر الذنوب وان تعاظمت ولا يبالى فيبطلها ويبطل آثارها بأدنى سعى من العبد وتوبة نصوح وندم علي ما فعل وما ذاك الا لوجود ما يحبه من توبة العبد وطاعته وتوحيده فدل علي أن وجود ذلك أحب اليه وأرضي له يوضحه الوجه التاسع عشر: وهو أنه سبحانه قدر ما يبغضه ويكرهه من المنهيات لما يترتب عليها مما يحبه ويفرح به من المأمورات فأنه سبحانه أفرح بتوبة عبده من الفاقد الواجد والعقيم الوالد والظمآن الوارد وقد ضرب رسول الله لفرحه بتوبة العبد مثلا ليس فى المفروح به أبلغ منه وهذا الفرح إنما كان بفعل المأمور به وهو التوبة فقدر الذنب لما يترتب عليه من هذا الفرح العظيم الذى وجوده أحب اليه من فواته ووجوده بدون لازمه ممتنع فدل على أن وجود ما يحب أحب اليه من فوات ما يكره ، وليس المراد بذلك أن كل فرد من أفراد ما يحب أحب اليه من فوات كل فرد مما يكره حتى تكون ركعتا الضحى أحب اليه من فوات قتل المسلم وانما المراد أن جنس فعل المأمورات أفضل من جنس ترك المحظورات كما إذا فضل الذكر علي الأنثى والانسى على الملك فالمراد الجنس لا عموم الأعيان ، والمقصود أن هذا الفرح الذى لا فرح يشبهه فعل مأمور التوبة يدل على أن هذا المأمور أحب اليه من فوات المحظور الذى تفوت به التوبة وأثرها ومقتضاها ...
جزاكم الله خيرا
وجزاكم خيرا أختنا الفاضلة .
ظني أن كلام ابن القيم يوافق كلام ابن رجب .
أحسن الله إليك .
أحسن الله إليكم أم علي ، فقد وضحتم أكثر بذكر هذا الحديث في قوله : وصليت المكتوبات ، وحرمت الحرام . وهو لم يزد على ذلك مع إتيانه الحلال ، إلا أنه لم يفعل النوافل .
أحسن الله إلى الجميع