الأقرأ لكتاب الله تعالى العالم بفقه الصلاة؛ كأحكام الإمامة والسهو وغير ذلك، يُقدَّم في الإمامة على مَنْ كان أفقه منه، إِذا لم يكن جيد الْقِرَاءَة؛ ودليل ذلك حديث أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ([1])، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا([2])».
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ([3])».



[1])) ومعنى (أقرؤهم): أي: أكثرهم حفظًا، وأحسنهم قراءة؛ والمقصود أن يكون حافظًا للقرآن حفظًا صحيحًا كما أُنزل القرآن، لا حفظًا خاطئًا؛ فلو وُجِد شخصان أحدهما أكثر حفظًا وأحسن قراءة، فإنه يُقدم، وأما إن كان أكثر حفظًا ولكنه لا يُحسن القراءة، فيُقدم عليه الأحسن قراءة ولو كان أقل حفظًا؛ وهذا هو المقصود بالأحاديث الواردة في تقديم الأكثر حفظًا.
فقد روى أحمد (20685)، والطبراني في ((الكبير)) (55)، وغيرهما، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ رضي الله عنه، قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْلَامِ قَوْمِهِ فَكَانَ فِيمَا أَوْصَانَا: «لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا»، فَكُنْتُ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا فَقَدَّمُونِي.
وعند البخاري (692)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ المُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ العُصْبَةَ - مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ - قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا.
فهؤلاء - مع كثرة حفظهم - كانوا يحسنون قراءة القرآن بلا شك.

[2])) أخرجه مسلم (673).

[3])) أخرجه مسلم (672).