عقيل بن سالم الشمري
@ageel_alshammri
الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا أجمعين ، وبعد ،،،
فسيظلنا يوم من أعظم الأيام عند الله ، وهو عاشوراء ، وكنت جمعت فيه بعض الوقفات التربوية ، فرأيت من المناسب أن أجمع معها الأحكام الفقهية ، والمسائل الهامة عن هذا اليوم العظيم تحقيقاً لمنزلته عند الله .
وقد يسر الله فجمعت فيه خمسين مسألة فقهية ، وثلاثين مسألة تربوية ، سائلا الله أن يجعلها في ميزان حسناتي وحسنات والدي يرحمه الله ، وأن ينفع بها ، فإلي المسائل :
المسألة الأولى : التسمية
عاشوراء وتاسوعاء : اسمان ممدودان ، وحُكي قصرهما ، والأفصح والأشهر المد .
المسألة الثانية : تعيين عاشوراء وتاسوعاء
عاشورا : هو اليوم العاشر من المحرم .
وتاسوعاء : هو التاسع منه ، وعلى هذا جماهير أهل العلم .
ونسب إلى ابن عباس بأنه يرى أن عاشوراء : هو اليوم التاسع من محرم فقد ثبت في صحيح مسلم أن الحكم بن الأعرج قال : " انتهيت إلى ابن عباس وهو متوسد رداءه فقلت : أخبرني عن يوم عاشوراء ، قال : إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما ، قلت أهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه ؟ قال نعم " .
ولأن العرب تسمى اليوم الخامس من أيام ورد الإبل رِبعاً بكسر الراء وكذا تسمي باقي الأيام على هذه النسبة فيكون التاسع على هذا عِشراً بكسر العين .
ويحتمل أنه ليس مراد ابن عباس رضي الله عنهما أن عاشوراء هي تاسوعاء ، وإنما مراده الإخبار بصيام التاسع والعاشر ، فذكر التاسع لأنه لم يكن معروفاً عندهم ، ولم يذكر العاشر لأنه كان معروفاً عندهم ، بدليل حديثه الصحيح الآخر مرفوعاً : " لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع فمات النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك " .
والصحيح قول الجمهور من أن تاسوعاء : هو التاسع ، وعاشواء : هو اليوم العاشر .
المسألة الثالثة : تأريخ يوم عاشوراء
يوم عاشوراء يوم عظيم لأمة الإسلام التي اتحدت في عقيدتها وعبوديتها لله من غير تحريف المحرفين ، ويأتي تاريخه مما يلي :
1ـ هو اليوم الذي أنجى الله فيه موسى عليه السلام من الغرق :
فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل اليهود عن هذا اليوم الذي يصومونه فقالوا : هذا اليوم الذي نجَّى الله فيه موسى وقومه من فرعون فصامه موسى شكراً فنحن نصومه .
2ـ كان أهل الجاهلية يصومون هذا اليوم :
فقد ثبت في الصحيح من طريق عائشة رضي الله عنها أن أهل الجاهلية كانوا يصومون عاشوراء .
واختلف في سبب صوم وتعظيم أهل الجاهلية له :
فقيل : إن ذلك من بقايا دين إبراهيم عليه السلام ، وعلى هذا يكون مما اتفق عليه الأنبياء عليهم السلام ، ولا مانع من ذلك وإن كان موسى عليه السلام في القرون الأخيرة ويكون سبب ابتداء الصيام ليس في عهد موسى وإنما تجدد لموسى عليه السلام نعمة النجاة من الغرق ، والله أعلم .
وقيل : كما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله (11 / 149) : " ثم وجدت في بعض الأخبار أنهم كانوا أصابهم قحط ثم رفع عنهم فصاموه شكراً " أ.هـ .
وقيل : كما ذكره ابن حجر (6/282) : " ثم رأيت في المجلس الثالث من جالس الباغندي الكبير عن عكرمة أنه سئل عن ذلك فقال : أذنبت قريش ذنبا في الجاهلية فعظم في صدورهم فقيل لهم : صوموا عاشوراء يكفر ذلك ، هذا أو معناه .أ.هـ .
3ـ كان أهل الجاهلية يعظمون الكعبة :
فقد ثبت في الصحيح من طريق عائشة رضي الله عنها أنه يوم تستر فيه الكعبة ، أي : يوضع عليها الستور والكسوة احتفاء بذلك اليوم .
وذكر الواقدي بإسناده عن أبي جعفر الباقر أن الأمر استمر على ذلك في زمانهم ، وقد تغير ذلك بعد فصارت تكسى في يوم النحر ، وصاروا يعمدون إليه في ذي القعدة فيعلقون كسوته إلى نحو نصفه ، ثم صاروا يقطعونها فيصير البيت كهيئة المحرم ، فإذا حل الناس يوم النحر كسوه الكسوة الجديدة .
4ـ هو اليوم الذي أنجى الله فيه نوحاً من الغرق :
فقد جاء في مسند أحمد من طريق أبي هريرة قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود قد صاموا يوم عاشوراء ، فقال : ما هذا من الصوم ؟ قالوا : هذا اليوم الذي نجى الله موسى وبني إسرائيل من الغرق وغرق فيه فرعون ، وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح وموسى شكراً لله تعالى فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أنا أحق بموسى وأحق بصوم هذا اليوم فأمر أصحابه بالصوم ، وفيه جهالة كما ذكره الهيثمي في المجمع .
وهنا تنبيه :
ينفي بعض المستشرقين صيام قريش لعاشوراء ، ويرون ذلك محاولة لإرجاع عقيدة عاشورءا اليهودية الأصل إلى الحنيفية ملة إبراهيم !! .
بينما يقال في ذلك :
ما كان موسى عليه السلام إلا حنيفياً على ملة إبراهيم عليه السلام ، وقد ثبت في السنة صيام قريش لعاشوراء وكسوتهم فيها الكعبة ويبعد أن يكون هذا مما أخذته قريش عن اليهود لأن قريشاً كانت تفعل ذلك في العاشر من محرم ، أي على الأصل ، بينما اليهود حرفت التاريخ الشهري إلى التقويم الشمسي فأصبح عاشوراء في ربيع الأول ، ولو كانت قريشاً أخذته عن اليهود لجعلته في نفس يومهم ، والله أعلم .
المسألة الرابعة : هل يستدل بصيام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء بجواز اتخاذ أيام تخصص للصيام لحدوث أحداث فيها ؟
لا يستدل بذلك لأمور :
1ـ لأن صيام عاشوراء توقفي عن النبي صلى الله عليه وسلم .
2ـ تخصيص أيام سيجعلها أعياداً وهذا منهي عنه في الشريعة .
3ـ يجاب عن عاشوراء وصيام يوم الاثنين الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه صيامه مأمور به في الشريعة وبأن هاتين المناسبتين حدث فيها نعم كثيرة وليس لأنهما عيد .
المسألة الخامسة : هل عاشوراء اسم إسلامي أم جاهلي ؟
قال الحافظ (6/280) : " وزعم ابن دريد أنه اسم إسلامي وأنه لا يعرف في الجاهلية ، ورد ذلك عليه ابن دحية بأن ابن الأعرابي حكي أنه سمع في كلامهم خابوراء " أ.هـ .
وخابوراء :اسم مكان ، ومراد ابن دريد أن (فاعولا)ليس من أوزان العرب في كلامها.
المسألة السادسة : معنى صيغة عاشوراء " فاعولا " :
قال القرطبي رحمه الله : عاشوراء : معدولٌ عن عاشرة للمبالغة والتعظيم ، وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم العقد واليوم مضاف إليها ، فإن قيل يوم عاشوراء فكأنه قيل يوم الليلة العاشرة ، إلا أنهم لما عدلوا به عن الصفة غلبت عليه الاسمية فاستغنوا عن الموصوف فحذفوا الليلة فصار هذا اللفظ علماً على اليوم العاشر .
المسألة السابعة : وزن " فاعولا "
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (6/280) : " وذكر أبو منصور الجواليقي أنه لم يسمع فاعولاء إلا هذا ، وضاروراء ، وساروراء ، ودالولاء ، من الضار والسار والدال " .
وعلى هذا فالصيغة تدل على قلة في استعمل العرب لها ،إلا على وجه التعظيم للشيء .
المسألة الثامنة : النبي صلى الله عليه وسلم صامه قبل الهجرة
ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم صامه في مكة قبل الهجرة ، فلما قدم المدينة وجد اليهود يصومونه .
ويفيد قوله " ما هذا اليوم لذي تصومونه ؟ " أنه لم يكن صيامه قبل الهجرة لأجل نجاة موسى عليه السلام من الغرق وإنما لأمر آخر الله أعلم به ، وهذا يؤيد أن صيام عاشوراء كان من بقايا دين إبراهيم عليه السلام .
المسألة التاسعة : متى كانت اليهود تصوم عاشوراء ؟
ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وجد اليهود يصومون ، ومعلوم أن قدومه كان في ربيع الأول ، فهذا يدل على أن اليهود حين اعتمدوا على التاريخ الشمسي وتركوا ميراث النبوة في التقويم الهلالي صار بهم الحال إلى أن تأخرت الأيام في حقهم حتى أصبح عاشوراء في ربيع الأول حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، ويؤيد ذلك ما جاء عند الطبراني : " أنهم وكانوا يأتون فلانا اليهودي - يعني ليحسب لهم - فلما مات أتوا زيد ابن ثابت فسألوه " قال الحافظ في الفتح (6/284) : وسنده حسن .
والمراد أن الحساب بالتقويم الشمسي لا يعرفه كل أحد لأنه يقتضي الحساب والكتابة ، وظاهر الرواية يفيد أن التقويم الشمسي من تحريف الأحبار ليستأثروا به ويكون بيدهم الأمر دون الناس ، وهذا من العلو في الأرض وابتغاء العلم لغير الله تعالى .
المسألة العاشرة : الرافضة وصيام عاشوراء
هناك فئتان ضالتان في صيام عاشوراء ، وهما :
1ـ الرافضة :
حيث يقيمون المآتم والحزن ويقومون بضرب الخدود وشق الجيوب وضرب أجسادهم ليخرج الدم ، وذلك حزناً على مقتل الحسين بن علي رضي الله عنه ، بينما في حقيقة الأمر أن مقتله كان على يد شيعته الذين أغروه بالخروج وراسلوه ليأتي من المدينة إلى الكوفة وزوروا الأسماء والتواقيع ، فلما خرج ووصل إليهم خذلوه .
وفعلهم في هذا اليوم باطل لوجوه كثيرة ،منها :
- النهي عن ضرب الخدود وشق الجيوب .
- النهي عن الدعاء بالويل والثبور .
- الدم نجس ولا يتعبد لله بإخراجه .
- بشاعة المنظر الذي يدل على فقد الوعي الإنساني في الزمن الذي ارتقى فيه العلم .
- النهي عن البكاء عن الميت .
- ينافي الصبر والاحتساب .
- ليس لفعلهم أصل في السنة ولا الصحابة ولا التابعين ولا السلف الصالح .
2ـ جهلة السنة :
الذين يقيمون الاحتفالات ويوسعون على أهلهم ويظهرون الزينة والفرح ويروون الأحاديث المكذوبة الموضوعة مضادة للرافضة ، وكلا الطائفتين مخالفة للسنة النبوية .
وفعلهم باطل لوجوه :
- أن افتراء الأحاديث على النبي صلى الله عليه وسلم كبيرة من كبائر الذنوب .
- بدعة الرافضة لا ترد ببدعة أخرى ، وإنما ترد بالحجة والبرهان ودعوتهم إلى السنة .
- فاتهم فضل الصيام في ذلك اليوم .
ومع ذلك فالبدع بعضها أعظم من بعض ، وبدعة الرافضة أعظم من بدعة هؤلاء . والذي ورد في السنة النبوية أن يصام عاشوراء لأنه اليوم الذي أنجى الله فيه موسى من الغرق ، وهذه الأمة أولى بالأنبياء لأنهم دعوا إلى توحيد الله .