قال ابن القيم رحمه الله في طريق الهجرتين ص 48 :
من تصرف بحوله وقوته ألان له الحديد ، ومن ترك لأجله أعطاه فوق المزيد ، ومن أراد مراده الديني أراد ما يريد ، ثم اسم بسرك إلى المطلب الأعلى ، واقصر حبك وتقربك على من سبق فضله وإحسانه إليك كل سبب منك بل هو الذي جاد عليك بالأسباب وهيأ لك وصرف عنك موانعها وأوصلك بها إلى غايتك المحمودة ، فتوكل عليه وحده ، وعامله وحده ، وآثر رضاه وحده ، واجعل حبه ومرضاته هو كعبة قلبك التي لا تزال طائفا بها مستلما لأركانها واقفا بملتزمها ، فيا فوزك ويا سعادتك إن اطلع سبحانه على ذلك من قلبك ، ماذا يفيض عليك من ملابس نعمه وخلع أفضاله ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد سبحانك وبحمدك ، ثم تعبد له باسمهالآخر بأن تجعله وحده غايتك التي لا غاية لك سواه ولا مطلوب لك وراءه ، فكما انتهت إليه الأواخر وكان بعد كل آخر، فكذلك اجعل نهايتك إليه ، فإن إلى ربك المنتهى إليه ؛ انتهت الأسباب والغايات ، فليس وراءه مرمى ينتهي إليه ، وقد تقدم التنبيه على ذلك ، وعلى التعبد باسمه الظاهر ، وأما التعبد باسمه الباطن ، فإذا شهدت إحاطته بالعوالم وقرب العبيد منه وظهور البواطن له وبدو السرائر وأنه لا شيء بينه وبينها ، فعامله بمقتضى هذا الشهود وطهر له سريرتك فإنها عنده علانية ، وأصلح له غيبك فإنه عنده شهادة وزك له باطنك فإنه عنده ظاهر ، فانظر كيف كانت هذه الأسماء الأربعة جماع المعرفة بالله وجماع العبودية له .