تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 13 من 13

الموضوع: العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجبا في الأصل

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    المشاركات
    137

    افتراضي العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجبا في الأصل

    بسم الله الرحمن الرحيم قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (20/ 59):..يبين حقيقة الحال في هذا أن الله يقول: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} والحجة على العباد إنما تقوم بشيئين: بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله والقدرة على العمل به، فأما العاجز عن العلم كالمجنون أو العاجز عن العمل فلا أمر عليه ولا نهي، وإذا انقطع العلم ببعض الدين أو حصل العجز عن بعضه كان ذلك في حق العاجز عن العلم أو العمل بقوله كمن انقطع عن العلم بجميع الدين أو عجز عن جميعه كالجنون مثلا، وهذه أوقات الفترات، فإذا حصل من يقوم بالدين من العلماء أو الأمراء أو مجموعهما كان بيانه لما جاء به الرسول شيئا فشيئا بمنزلة بيان الرسول لما بعث به شيئا فشيئا، ومعلوم أن الرسول لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به، ولم تأت الشريعة جملة كما يقال: إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع، فكذلك المجدد لدينه والمحيي لسنته لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به، كما أن الداخل في الإسلام لا يمكن حين دخوله أن يلقن جميع شرائعه ويؤمر بها كلها.وكذلك التائب من الذنوب؛ والمتعلم والمسترشد لا يمكن في أول الأمر أن يؤمر بجميع الدين ويذكر له جميع العلم فإنه لا يطيق ذلك، وإذا لم يطقه لم يكن واجبا عليه في هذه الحال، وإذا لم يكن واجبا لم يكن للعالم والأمير أن يوجبه جميعه ابتداء، بل يعفو عن الأمر والنهي بما لا يمكن علمه وعمله إلى وقت الإمكان؛ كما عفا الرسول عما عفا عنه إلى وقت بيانه، ولا يكون ذلك من باب إقرار المحرمات وترك الأمر بالواجبات لأن الوجوب والتحريم مشروط بإمكان العلم والعمل، وقد فرضنا انتفاء هذا الشرط، فتدبر هذا الأصل فإنه نافع.ومن هنا يتبين سقوط كثير من هذه الأشياء وإن كانت واجبة أو محرمة في الأصل لعدم إمكان البلاغ الذي تقوم به حجة الله في الوجوب أو التحريم، فإن العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجبا في الأصل والله أعلم.قلت: فإخواننا من المسلمين الذين يتعبدون الله تعالى بغير ما شرع؛ كثير منهم معذور لعدم تمكنه من العلم والعمل، فإن كثير من الأحيان والأماكن هي أزمان فترات وأماكن فترات؛ وإن كنا في عصر المعلومات، فشرط الوجوب الذي يسقط إن لم يتوفر هو القدرة على العلم والعمل.هذا والأمر قد تغير كثيرا بوجود كثير من الوسطاء بيننا وبين الوحي المنزل؛ وهم العلماء والرواة والمذاهب وغيرها، وقد يختلف الناس لاختلاف مشاربهم وثقافتهم مع كثير من العوامل التي تنحوا بهم مناحي مختلفة، وعليه؛ فإنه من الغلط الصارخ أن تدعي السنة وتنفيها عن غيرك وتسمه بالبدعة أو الكفر أو الفسق دون إقامة الحجة الرسالية التي يبدع أو يفسق أو يكفر مخالفها.وللكلام بقية والله أعلم.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2014
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    513

    افتراضي رد: العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجبا في الأصل

    أحسنت
    قال بن عمــر
    "مجلس فقـــه خيـــر من عبـــادة ستيــن سنـــة"

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    المشاركات
    137

    افتراضي رد: العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجبا في الأصل

    أحسن الله إليك

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,427

    افتراضي رد: العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجبا في الأصل

    كما قيل : (لا واجب مع عجز ولا محرم مع ضرورة) .

    وننصح بمذاكرة شرح الحديث التاسع من جامع العلوم والحكم لابن رجب ففيه فوائد عديدة .

    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  5. #5

    افتراضي رد: العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجبا في الأصل

    بورك فيكم
    الحمد لله رب العالمين

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,427

    افتراضي رد: العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجبا في الأصل

    آمين
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    317

    افتراضي رد: العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجبا في الأصل

    الحمد لله والصلاة والسلام علي سيدنا رسول الله وبعد
    فهذه فوائد نستخلصها من هذا النقل المُبارك
    (والحجة على العباد إنما تقوم بشيئين: بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله والقدرة على العمل به ) هذا ما تُقام به الحُجة أولاً التمكن من العلم والقُدرة علي العمل .

    ( أما العاجز عن العلم كالمجنون أو العاجز عن العمل فلا أمر عليه ولا نهي ) وينتفي وصف قيام الحُجة علي صنفين ذكرهم شيخ الإسلام وهما المجنون في حال العلم والعاجز في حال العمل ، ولا يُقاس علي المجنون كُل جاهل ، فكثير من الناس اليوم جُهال ولكن لا يُعذرون بجهل لأنهم مُتمكنون من العلم والبحث ، وكذلك وصف التكليف يرتفع عن العاجز بحسب عجزه وحسب التكليف إلا التوحيد والصلاة فلا عُذر في الشرك ولا في ترك الصلاة ، والخلاصة ان شيخ الإسلام يستثني المجنون من قيام الحُجة فلا يُعامل مُعاملة العاقل ولا يُعامل العاقل مُعاملة المجنون .
    ( وإذا انقطع العلم ببعض الدين أو حصل العجز عن بعضه كان ذلك في حق العاجز عن العلم أو العمل بقوله كمن انقطع عن العلم بجميع الدين أو عجز عن جميعه كالجنون مثلا ) وهذا يؤيد التعليق السابق وهذا في المجنون فقط أو من في حُكمه كما سيأتي .

    ( وهذه أوقات الفترات ) وهذه من أهم نقاط النقل لأن المقصود من كلام الشيخ في وقت إختفت فيه معالم الشريعة وهو ما يُسمي بأهل الفترة ، وهذا الصنف عذره أئمة الدعوة النجدية بالجهل في الحُكم مع ثبوت إسم الشرك عليه ، وهذا يكون تفصيله في موضوع الأسماء والاحكام إن شاء الله .

    ( فإذا حصل من يقوم بالدين من العلماء أو الأمراء أو مجموعهما كان بيانه لما جاء به الرسول شيئا فشيئا بمنزلة بيان الرسول لما بعث به شيئا فشيئا، ومعلوم أن الرسول لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به، ولم تأت الشريعة جملة كما يقال: إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع، فكذلك المجدد لدينه والمحيي لسنته لا يبلغ إلا ما
    أمكن علمه والعمل به، كما أن الداخل في الإسلام لا يمكن حين دخوله أن يلقن جميع شرائعه ويؤمر بها كلها.وكذلك التائب من الذنوب؛ والمتعلم والمسترشد لا يمكن في أول الأمر أن يؤمر بجميع الدين ويذكر له جميع العلم فإنه لا يطيق ذلك، وإذا لم يطقه لم يكن واجبا عليه في هذه الحال، وإذا لم يكن واجبا لم يكن للعالم والأمير أن يوجبه جميعه ابتداء، بل يعفو عن الأمر والنهي بما لا يمكن علمه وعمله إلى وقت الإمكان؛ كما عفا الرسول عما عفا عنه إلى وقت بيانه، ولا يكون ذلك من باب إقرار المحرمات وترك الأمر بالواجبات لأن الوجوب والتحريم مشروط بإمكان العلم والعمل، وقد فرضنا انتفاء هذا الشرط، فتدبر هذا الأصل فإنه نافع ) كلام شيخ الإسلام رحمه الله في كُل شرائع الدين إلا التوحيد فهو الأصل الذي يُبدأ به مع كُل من دخل الإسلام ولا يُستثني أحد من ذلك فلا يُسحب التوحيد علي ما ذكره شيخ الإسلام ، والصلاة لا تسقُط هي الأُخري فإن لم يحفظ شيئاً يُصلي مع المُسلمين بالذكر فقط سواء في التشهد أو الفاتحة أو غيرها من الأركان ، فالعُلماء أوجبوا الصلاة علي من لتوه دخل الإسلام ولم يحفظ شيئاً ولا يجوز له التخلف عن الصلاة .

    (ومن هنا يتبين سقوط كثير من هذه الأشياء وإن كانت واجبة أو محرمة في الأصل لعدم إمكان البلاغ الذي تقوم به حجة الله في الوجوب أو التحريم، فإن العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجبا في الأصل والله أعلم ) والأشياء التي يقصدها شيخ الإسلام رحمه الله لا يتضمنها التوحيد والصلاة وجميع الواجبات التي لا تسقُط بالعجز الجسدي أو العجز لأمور أُخري كحداثة العهد بالإسلام ، وهذا ما قرره شيوخ الدعوة النجدية رحمهم الله .

    أما عن قيام الحُجة علي العباد فالقُرآن هو حُجة الله من بلغه القُرآن قامت عليه الحُجة سواء فهم او لم يفهم أقبل أو أعرض جهِل أو علِم ، ومن زعم ان الحُجة لم تقُم علي العباد فقد زعم أن النبي لم يُقم الحُجة ، لأن الله تبارك وتعالي جعل قيام الحُجة بالرُسل ( لئلا يكون للناس علي الله حجة بعد الرُسُل ) وبعثة النبي محمد صلي الله عليه وسلم هي قيام للحجة إلي قيام الدين ، وأفضل من تكلم واختصر في ذلك شيوخ التوحيد أصحاب الدعوة النجدية ، ومن هذه الرسائل القيمة رسالة (تكفير المُعين والفرق بين قيام الحُجة وفهم الحُجة ) للشيخ اسحق ابن عبدالرحمن ابن حسن آل الشيخ رحمه الله .

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    المشاركات
    137

    افتراضي رد: العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجبا في الأصل

    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. أصل عظيم: قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب"؛ فأخبر أنه مقتهم إلا هؤلاء البقايا، والمقت هو البغض بل أشد البغض، ومع هذا فقد أخبر في القرآن أنه لم يكن ليعذبهم حتى يبعث إليهم رسولا فقال: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} [الإسراء: 15] وقال: {ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى} [طه: 134] فدل ذلك على أن المقتضي لعذابهم قائم، ولكن شرط العذاب هو بلوغ الرسالة، ولهذا قال: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} [النساء: 165]، وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما أحد أحب إليه العذر من الله؛ من أجل ذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب"، وفي رواية "من أجل ذلك بعث الرسل مبشرين ومنذرين" قال شيخ الإسلام: "لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية ترد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت؟ وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات؛ فيتولد فساد عظيم". هذا الفساد نرى منه اليوم تلك الفوضى العارمة العامة في العالم الإسلامي، متمثلة في التراشق بالكلمات الجارحة والأحكام الظالمة من التكفير والتبديع والتفسيق، بل وصل الأمر إلى التقاتل والتناحر وانتهاك الحرمات، فالبأس بين أبناء أمة الإسلام عظم، ولا سبيل إلى الخلاص منه إلا بالرجوع إلى العلم والرحمة (رحماء بينهم). لابد من بيان موضوع الكلام؛ فإنا نتكلم عن المسلم الذي بدر منه ما هو شرك أو كفر، وهو مخطئ متأول؛ يحسب أن ما بدر منه من قول أو فعل هو من دين الإسلام، وأنه يختلف اختلافا كليا عن الكافر والمشرك الأصلي؛ فهذا الفيصل بيننا وبينه هو الإيمان بالرسول بينما الأول يشترك مع أهل الحق في الإيمان بالرسول والتحاكم إليه؛ ولكن وكما هو شأن جميع المسلمين بيننا وبين الرسول كما هائلا من الوسائط البشرية والكتابية؛ تفرخ منها كثير من الشبهات والبواطيل في صور الحق حيث تستند إلى أدلة وهي ليست كذلك؛ وهذا أمر طبيعي في كل تراث تاريخي، وليس هذا شأن الصحابة الذين ليس بينهم وبين النبي واسطة، فإنه كان حاضرا يحل لهم جميع الإشكالات، ثم لابد من التفريق بين ما هو من أصول الدين الذي جاء به الرسول وما هو من أصول الدين في كلام الناس مما ادخلوه فيه باجتهاد وتأويل سائغ أو غير سائغ؛ لكنه واقع، فالتراث الإسلامي مليء بالأقوال التي تخالف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي معدودة من دين الرسول، وهذا لا يقدح في كون هذا الدين محفوظ إلى يوم القيامة؛ فلابد من وجود قائم به أقامه الله تعالى حرسا لدينه يرد عنه تأويل الجاهلين وانتحال المبطلين؛ الذين عقدوا ألوية الفتنة وأطلقوا أعنة المحنة وقالوا على الله وفي الله بغير علم، فردوا باطلهم وبينوا زيفهم وكشفوا إفكهم ونافحوا عن الله ورسوله، ولولا ذلك لجرى عليه ما جرى على الأديان السالفة، ولكن الله برحمته وعنايته بهذه الأمة يبعث لها عند دروس السنة وظهور البدعة من يجدد لها دينها، ولا يزال يغرس في دينه غرسا يستعملهم فيه علما وعملا. أضف أن الدين نوعان: أمور خبرية اعتقادية وأمور طلبية عملية، فالأول كالعلم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويدخل في ذلك أخبار الأنبياء وأممهم ومراتبهم في الفضائل وأحوال الملائكة وصفاتهم وأعمالهم، ويدخل في ذلك صفة الجنة والنار وما في الأعمال من الثواب والعقاب وأحوال الأولياء والصحابة وفضائلهم ومراتبهم وغير ذلك، وقد يسمى هذا النوع أصول دين، ويسمى الجدال فيه بالعقل كلاما، ويسمى عقائد واعتقادات، ويسمى المسائل العلمية والمسائل الخبرية ويسمى علم المكاشفة. والثاني الأمور العملية الطلبية من أعمال الجوارح والقلب كالواجبات والمحرمات والمستحبات والمكروهات والمباحات، فإن الأمر والنهي قد يكون بالعلم والاعتقاد فهو من جهة كونه علما واعتقادا أو خبرا صادقا أو كاذبا يدخل في القسم الأول، ومن جهة كونه مأمورا به أو منهيا عنه يدخل في القسم الثاني، مثل شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فهذه الشهادة من جهة كونها صادقة مطابقة لمخبرها فهي من القسم الأول (العقائد)، ومن جهة أنها فرض واجب وأن صاحبها بها يصير مؤمنا يستحق الثواب وبعدمها يصير كافرا يحل دمه وماله فهي من القسم الثاني. وهذا المسلم المخطئ صنفان: عالم متمكن من أدوات العلم والاجتهاد، وجاهل مقلد ليس له من قدرة العقل واستعداده ما للأول، وكلاهما هل أخطأ لتفريطه أم استفرغ وسعه وتحرى الصواب جهده، وهنا أصل ينبغي معرفته؛ وهو: هل معرفة كل ما جاء به الرسول ممكن لآحاد الناس أم لا؟ وهل يمكن كل واحد أن يعرف باجتهاده الحق في كل مسألة فيها نزاع؟ وإذا لم يمكنه فاجتهد واستفرغ وسعه فلم يصل إلى الحق؛ بل قال: ما اعتقد أنه هو الحق في نفس الأمر؛ ولم يكن هو الحق في نفس الأمر فهل ستحق أن يعاقب أم لا؟ وكيف يعذر المجتهد الذي يملك أدوات الاجتهاد ولا يعذر الجاهل الذي لا يملكها؟ مع العلم أن زلة المجتهد تزل به أمة وفسادها عظيم؛ بينا زلة الجاهل لا تزل بها إلا نفسه وضررها عليه وحده.. هذه أسئلة لابد من اعتبارها حتى نكون من أهل العدل والإنصاف، فمن قال: إن الله قد نصب على الحق في كل مسألة دليلا يعرف به يتمكن كل من اجتهد واستفرغ وسعه أن يعرف الحق وكل من لم يعرف الحق في مسألة أصولية أو فروعية فإنما هو لتفريطه فيما يجب عليه لا لعجزه، فقد قال بالقول المشهور عن القدرية والمعتزلة. قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (19/ 204): "قال هؤلاء: أما المسائل العلمية فعليها أدلة قطعية تعرف بها فكل من لم يعرفها فإنه لم يستفرغ وسعه في طلب الحق فيأثم، وأما المسائل العملية الشرعية فلهم مذهبان: أحدهما أنها كالعلمية وأنه على كل مسألة دليل قطعي من خالفه فهو آثم وهؤلاء الذين يقولون: المصيب واحد في كل مسألة أصلية وفرعية وكل من سوى المصيب فهو آثم؛ لأنه مخطئ والخطأ والإثم عندهم متلازمان، وهذا قول بشر المريسي وكثير من المعتزلة البغداديين. الثاني: أن المسائل العملية إن كان عليها دليل قطعي فإن من خالفه آثم مخطئ كالعلمية وإن لم يكن عليها دليل قطعي فليس لله فيها حكم في الباطن وحكم الله في حق كل مجتهد ما أداه اجتهاده إليه. وهؤلاء وافقوا الأولين في أن الخطأ والإثم متلازمان وإن كل مخطئ آثم؛ لكن خالفوهم في المسائل الاجتهادية فقالوا: ليس فيها قاطع والظن ليس عليه دليل عند هؤلاء وإنما هو من جنس ميل النفوس إلى شيء دون شيء فجعلوا الاعتقادات الظنية من جنس الإرادات وادعوا أنه ليس في نفس الأمر حكم مطلوب بالاجتهاد والإثم في نفس الأمر أمارة أرجح من أمارة وهذا القول قول أبي الهذيل العلاف ومن اتبعه كالجبائي وابنه وهو أحد قولي الأشعري وأشهرهما وهو اختيار القاضي الباقلاني وأبي حامد الغزالي وأبي بكر ابن العربي؛ ومن اتبعهم..". قلت: والملاحظ أن الأسماء التي ذكرها شيخ الإسلام مثل الغزالي والباقلاني وأبو بكر بن العربي وكثير ممن يقول كثيرا من الخزعبلات والتي هي كفر قطعا لم يكفرهم شيخ الإسلام مع إطلاقه الكفر على المقالة، بل إذا تكلم عنهم أنصفهم؛ فبين غلطهم في أصول الدين واعتذر لهم بأنهم أرادوا الحق لكنهم أخطئوه لغلبة مشربهم من علم الكلام والفلسفة، بل في كثير من المواضع يصفهم بالفضلاء ويسمهم بالتقوى. ولإتمام الفائدة نواصل تتمة كلام شيخ الإسلام في هذا الأصل: ".. والمخالفون لهم كأبي إسحاق الإسفراييني وغيره من الأشعرية وغيرهم يقولون: هذا القول أوله سفسطة وآخره زندقة وهذا قول من يقول: إن كل مجتهد في المسائل الاجتهادية العملية فهو مصيب باطنا وظاهرا؛ إذ لا يتصور عندهم أن يكون مجتهدا مخطئا إلا بمعنى أنه خفي عليه بعض الأمور وذلك الذي خفي عليه ليس هو حكم الله لا في حقه ولا في حق أمثاله، وأما من كان مخطئا وهو المخطئ في المسائل القطعية فهو آثم عندهم". قلت: والنجديون بارك الله فيهم ليسوا معصومين؛ وقد يغلطون في المسائل وقد يغلطون في الدلائل، وقد يغلط من يأخذ عنهم، فمن قال منهم: لا يعذر الجاهل لأنه متمكن من العلم والبحث؛ فقد قال بقول القدرية والمعتزلة ومن شابههم، وهم معذورون إن شاء الله تعالى، ولا يلحقون بالقدرية والمعتزلة والخوارج، والله أعلم ببواطنهم... وللكلام تتمة إن شاء الله تعالى. وصل اللهم وسلم على نبينا محمد.

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,427

    افتراضي رد: العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجبا في الأصل

    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  10. #10

    افتراضي رد: العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجبا في الأصل

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة مشاهدة المشاركة
    بورك فيكم


    *************
    قال الشافعي رحمه الله تعالى :

    ( لو أن رجلاً تصوَّف من أول النهار

    لم يأت عليه الظهر إلا وجدته أحمق .)
    رواه البيهقي في مناقب الشافعي (2 / 208)
    *************
    ======================


    داعية الشرك
    محمد علوي مالكي الصوفي

    http://majles.alukah.net/t132151/



    الحمد لله رب العالمين

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    المشاركات
    137

    افتراضي رد: العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجبا في الأصل

    كلام نفيس لابن القيم رحمه الله تعالى:
    طريق الهجرتين وباب السعادتين (ص 412):
    ... لا بد في هذا المقام من تفصيل به يزول الإشكال، وهو الفرق بين مقلد تمكن من العلم ومعرفة الحق فأعرض عنه، ومقلد لم يتمكن من ذلك بوجه، والقسمان واقعان في الوجود، فالمتمكن المعرض مفرط تارك للواجب عليه لا عذر له عند الله، وأما العاجز عن السؤال والعلم الذي لا يتمكن من العلم بوجه فهم قسمان أيضاً: أحدهما مريد للهدى مؤثر له محب له، غير قادر عليه ولا على طلبه لعدم من يرشده، فهذا حكمه حكم أرباب الفترات، ومن لم تبلغه الدعوة، الثاني: معرض لا إرادة له، ولا يحدث نفسه بغير ما هو عليه، فالأول يقول: يا رب لو أعلم لك ديناً خيراً مما أنا عليه لدنت به وتركت ما أنا عليه ولكن لا أعرف سوى ما أنا عليه ولا أقدر على غيره، فهو غاية جهدي ونهاية معرفتي، والثاني: راض بما هو عليه لا يؤثر غيره عليه ولا تطلب نفسه سواه ولا فرق عنده بين حال عجزه وقدرته، وكلاهما عاجز وهذا لا يجب أن يلحق بالأول لما بينهما من الفرق: فالأَول كمن طلب الدين في الفترة ولم يظفر به فعدل عنه بعد استفراغ الوسع في طلبه عجزاً وجهلاً، والثاني كمن لم يطلبه، بل مات في شركه وإن كان لو طلبه لعجز عنه، ففرق بين عجز الطالب وعجز المعرض.
    فتأمل هذا الموضع، والله يقضى بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله، ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل، فهذا مقطوع به في جملة الخلق، وأما كون زيد بعينه وعمرو بعينه قامت عليه الحجة أم لا، فذلك مما لا يمكن الدخول بين الله وبين عباده فيه، بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر، وأن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول. هذا في الجملة؛ والتعيين موكول إلى علم الله عز وجل وحكمه هذا في أحكام الثواب والعقاب، وأما في أحكام الدنيا فهي جارية مع ظاهر الأمر؛ فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا، لهم حكم أوليائهم، وبهذا التفصيل يزول الإشكال في المسألة. وهو مبنى على أربعة أُصول: أحدها: أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه، كما قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذَّبِينَ حَتَّى نبعث رَسُولاً} [الإسراء: 15] ، وقال تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] ، وقال تعالى: {كُلَّمَا أَلْقِى فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزْنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فكَذَّبْنَا وَقُلنَا مَا نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ} [الملك: 8- 9] ، وقال تعالى: {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 11] ، وقال تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنْكُمْ يَقُصّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُم ْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىَ أَنْفُسِنَا وَغَرّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىَ أَنْفُسِهِمْ أَنّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ} [الأنعام: 130]، وهذا كثير في القرآن، يخبر أنه إنما يعذّب من جاءه الرسول وقامت عليه الحجة، وهو المذنب الذي يعترف بذنبه، وقال تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} [الزخرف: 76] ، والظالم من عرف ما جاءَ به الرسول أو تمكن من معرفته، وأما من لم [يكن عنده من الرسول خبراً أصلاً ولا يمكن من معرفته بوجه] وعجز عن ذلك فكيف يقال إنه ظالم؟ الأصل الثاني: أن العذاب يستحق بسببين، أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم إرادة العلم بها وبموجبها، الثاني: العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها، فالأول كفر إعراض والثاني كفر عناد، وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل. الأصل الثالث: أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص؛ فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان وفى بقعة وناحية دون أُخرى كما أنها تقوم على شخص دون آخر، إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له، فهذا بمنزلة الأصم الذي لا يسمع شيئاً ولا يتمكن من الفهم، وهو أحد الأربعة الذين يدلون على الله بالحجة يوم القيامة كما تقدم في حديث الأسود وأبى هريرة وغيرهما. الأصل الرابع: أن أفعال الله سبحانه وتعالى تابعة لحكمته التي لا يخل بها سبحانه، وأنها مقصودة لغايتها المحمودة وعواقبها الحميدة، وهذا الأصل هو أساس الكلام في هذه الطبقات الذي عليه نبنى مع تلقى أحكامها من نصوص الكتاب والسنة لا من أراء الرجال وعقولهم ولا يدرى عدد الكلام في هذه الطبقات، إلا من عرف ما في كتب الناس ووقف على أقوال الطوائف في هذا الباب والنهى إلى غاية مراتبهم ونهاية إقدامهم، والله الموفق للسداد الهادي إلى الرشاد.

    وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين...

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    المشاركات
    137

    افتراضي

    للرفع

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,427

    افتراضي

    الحمد لله.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •