نقول :
• قد وردت نصوص تعلِّق دخولَ الجنة على عملٍ واحد، وهو التوحيد وترك الشرك؛ مثل : حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له يومًا: ((مَن لقيتَ يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبُه، فبشِّره بالجنة)) . مسلم (31).
، وغيرها من الأحاديث.
• ووردت نصوص تعلِّق دخول الجنة على عمل واحد خلاف التوحيد وترك الشرك ؛ مثلُ: حديث أبي موسى الأشعري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من صلَّى البردين، دخل الجنة)) . البخاري (574)، ومسلم (635).
وحديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة)) . البخاري (1773)، ومسلم (1349).
• ووردت نصوصٌ تعلِّق دخول الجنة على عملين وثلاثةٍ وأكثرَ خلاف التوحيد وترْك الشرك ؛ كما في الحديث عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أرأيتَ إذا صليتُ الصلوات المكتوبات، وصُمتُ رمضان، وأحلَلْتُ الحلالَ، وحرَّمت الحرام، ولم أزِدْ على ذلك شيئًا، أأدخل الجنة؟ قال: ((نعم))، قال: والله، لا أَزيد على ذلك شيئًا) .مسلم (15) .
• ووردت أحاديثُ تُثبت أن ارتكابَ بعض الكبائرِ يمنع من دخول الجنة ؛ مثل: حديث جبير بن مُطعِم أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يدخل الجنةَ قاطعٌ)) . البخاري (5984)، ومسلم (2556).
• ووردت نصوص تثبت أن التوحيدَ يُدخل الجنةَ مع وقوع الكبائر ؛ مثل: حديث أبي ذر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من عبدٍ قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك، إلا دخل الجنة، قلتُ: وإن زنى وإن سرق؟ قال: ((وإن زنى وإن سرق))، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: ((وإن زنى وإن سرق))، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: ((وإن زنى وإن سرَق على رغم أنف أبي ذر))، وكان أبو ذرٍّ إذا حدَّث بهذا، قال: وإن رَغِم أنفُ أبي ذر" . البخاري (5827)، مسلم (94).
فنقول - ولله الفضل والمنة - : قد جمع العلماءُ من أهل السنة والجماعة بين هذه النصوص على النحو التالي :
أولاً : فيما يتعلق بالنطق بكلمة التوحيد :
1- أنه لا يخفى أنه بمجرد النطق بكلمة التوحيدِ ، لا يستلزم دخول الجنة ؛ حتى يقترن بالنطق اعتقادٌ صحيح جازم، ويدلُّ على ذلك قوله -تعالى-: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 145] مع أنهم نطَقوا بها.
2- أن النطق بكلمة التوحيد مع التصديق، يفيد في ثبوت أصل الإيمان وثبوت عدم الخلود في النار، وثبوت دخول الجنة ولو بعد حين.
ثانيًا: أما ما ورد في دخول الجنة بعمل واحدٍ أو اثنين أو أكثر ، فمحمولٌ على أنه قد أتى بالأركانِ والفرائض، وليس ذلك العملُ بمفرده هو الموجب لدخول الجنة، وإن وقَع من منافقٍ أو كافر، أو مرتكب للكبائر، بل المراد أن ذلك العملَ سببٌ مُقتضٍ لدخول الجنة مع تحقُّق الشروط وانتفاء الموانع.
ثالثًا: أما ما ورد عن الكبائر ، فالكبائر تمنع دخول الجنة ابتداءً ما لم تكن هناك حسناتٌ ماحية، أو مصائب مكفِّرة، أو توبة نَصوح، أو شفاعة شافعٍ، أو محضُ عفو الله وعافيته، أو إقامة الحدِّ عليه في الدنيا، وعلى هذا تُحمل أحاديثُ: ((لا يدخل الجنَّةَ قاطعٌ)) ونحوه، ومذهب أهل السنة والجماعة أنها لا تمنعُ دخول الجنة أبدًا ما لم يستحلَّها، وعلى هذا يحمل قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وإن زنى وإن سرق)) . انظر: الجامع في شرح الأربعين النووية؛ للشيخ محمد يسري (2/870 - 874).