جمهور العلماء من الحنفية ، والمالكية ، والشافعية ، وأحمد في إحدى الروايتين عنه ، على جواز جماع المستحاضة ، ونقله ابن المنذر عن ابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، وعطاء ، وقتادة ، وسعيد بن جبير ، وحماد بن أبي سليمان، وجمعٍ من الأئمة .
واستدلوا بعموم قوله - تعالى - : ﴿ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ [البقرة: 222] ، وهذه طاهرة من الحيض ، فجاز جماعها .
كما أن النساء اللاتي كُنَّ يُسْتَحَضْنَ على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمُرْهن النبي - صلى الله عليه وسلم - بترك الجماع ، مع ما تقتضيه الحاجة لبيان ذلك ، والعلماء يقولون : إن ترك الاستفصال وقت البيان ينزلُ منزلة العموم من المقال ، فتبيَّن من ذلك جواز الجماع للمستحاضة .
بينما ذهب الحنابلة ، وابن سيرين ، والشعبي ، والنخعي ، والحكم ، وابن علية من المالكية ، إلى عدم جوازه ، واستدلوا بما روي عن عائشة أنها قالت : (المستحاضة لا يغشاها زوجها) . البيهقي في السنن الكبرى 1563 ، والصحيح أنه من قول الشعبي ، وليس من قول عائشة ، عن عبدالله بن أحمد بن حنبل ، قال : سألت أبي عن وطء المستحاضة ، فقال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن غيلان ، عن عبدالملك بن ميسرة ، عن الشعبي ، عن قمير عن عائشة ، قالت : (المستحاضة لا يغشاها زوجها) ، قال أبي : ورأيتُ في كتاب الأشجعي كما رواه وكيع ، وقد رواه غندر عن شعبة عن عبدالملك بن ميسرة عن الشعبي أنه قال : المستحاضة لا يغشاها زوجها ، قال الشيخ : وقد رواه معاذ بن معاذ عن شعبة ، ففصل قول الشعبي من قول عائشة ، إلى أن قال البيهقي : فعاد الكلام في غشيانها إلى قول الشعبي كما قال أحمد بن حنبل ، وتركناه بما مضى من الدلالة على إباحة وطئها إذا تولى حيضها واغتسلت) انظر : السنن الكبرى 1/478 - 488.
فالراجح جواز جماع المستحاضة ؛ إذ لا دليل صحيح يمنع من جماعها .
وبناءً على ما سبق أن المراة المستحاضة مثلها مثل المرأة الطاهرة تمامًا ، ولا تختلف عنها إلا في كونها يلزمها عند دخول وقت الصلاة أن تغسل أثر الدم وتضع ما يمنع نزوله، ولها أن تتوضأ إن انتقض وضوؤها بناقض من نواقض الوضوء ، ثم لها أن تفعل سائر العبادات من الصلاة، والصيام ، وقراءة القرآن، ومس المصحف ، والطواف بالكعبة .
قال القرطبى :
(قال جمهور العلماء: المستحاضة تصوم ، وتصلِّي ، وتطوف ، وتقرأ ، ويأتيها زوجها) . الجامع لأحكام القرآن 2/86