تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الشفاعة وأنواعها

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي الشفاعة وأنواعها

    الشفاعة لغةً: مأخوذة من الشَّفْع، وهو ضد الوتر، وهي انضمام الشيء إلى الشيء.


    اصطلاحًا: المراد بها السؤالُ لفصلِ القضاء، والتجاوز عن الذنوب، وتخفيف العذاب، وزيادة الثواب لمستحقه.

    اعلم أن من رحمة الله - تعالى - وفضله وجوده على عباده المسلمين أن جعلَ لهم الشفاعة يوم القيامة، فهي ليست شفاعة واحدة، بل هي شفاعات من رب السموات، وهذه الشفاعة من مقتضيات الإيمان باليوم الآخر، وعندما يقرؤها المؤمن يزداد حبًّا لرسوله - صلى الله عليه وسلم.

    واعلم أن من أهل البدع والضلال مَن نفى بعض الشفاعات يوم القيامة، متعلِّقين ببعض الشبهات، منها أن أحاديث الشفاعة أخبار آحاد، وأخبار الآحاد لا يأخذ بها في العقائد.

    وقد تولَّى الرد عليهم العلماء - عليهم رحمة الله تعالى - فقد أحسن الردَّ عليهم الشافعي في كتابه "الرسالة"، وكذا البخاري؛ حيث عقد كتابًا في صحيحه سماه: "كتاب أخبار الآحاد"، وابن حزم الأندلسي في كتابه "الإحكام"، وابن القيم في "الصواعق المرسلة"، والألباني في كتاب: "الحديث حجَّة بنفسه في العقائد والأحكام".

    ولو لم يكن إلا قوله - تعالى -: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7].

    وعموم قوله - تعالى -: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63].

    ومن المعلوم لمن كان عنده أدنَى إنصافٍ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُرسِل رسلَه يعلِّمون الناس العقائد والعبادات وما يحتاجون إليه، وكان في كثيرٍ من الأحيان يُرسِل الواحد والاثنين؛ كما بعث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - إلى اليمن، وكما بعث مصعب بن عمير - رضي الله عنه - إلى المدينة، وغيرهم كثير.

    وبعض أهل البدع تعلَّق بآيات من القرآن فيها نفي الشفاعة؛ مثل قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 254].

    وقوله - تعالى -: ﴿ وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ﴾ [الأنعام: 70]، وغيرها من الآيات التي تنفي الشفاعة والشفيع.

    فنقول لهم: وماذا نقول في الآيات التي تُثبِت الشفاعة والشفيع؛ مثل قوله - تعالى -: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 255]، وقوله - تعالى -: ﴿ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ﴾ [يونس: 3].

    والجواب: أن الآيات التي تَنْفِي الشفاعة والشفيع، تنفي شفاعة معيَّنة، وهي التي تُطلَب من غير الله، وأما الشفاعة والشفيع المثبتان في الآيات، فهما بشروط:


    1- قدرة الشافع على الشفاعة، كما قال - تعالى - في حق الشافع الذي يطلب منه وهو غير قادر على الشفاعة: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [يونس: 18]، وقال - تعالى -: ﴿ وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [الزخرف: 86]؛ فعُلِم من هذا أن طلبَ الشفاعة من الأموات طلبٌ ممَّن لا يَمْلِكُها، فانتبِه.

    2- إسلام المشفوع له، قال - تعالى -: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ [غافر: 18]؛ والمراد بالظالمين هنا: الكافرون.

    قال البيهقي في شعب الإيمان (1/205): فالظالمون ها هنا الكافرون، ويشهد لذلك مفتتح الآية؛ إذ هي في ذكر الكافرين.

    3- الإذن للشافع، كما قال - تعالى -: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 255].


    4- الرضا عن المشفوع له، كما قال - تعالى -: ﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ [الأنبياء: 28]، وقوله - تعالى -: ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [النجم: 26].


    واعلم أن أهل السنة والجماعة وسطٌ بين فريقين ضلُّوا في باب الشفاعة: الفريق الأول: أنكروا الشفاعة بالكلية؛ مثل: الخوارج والمعتزلة؛ فهم ينكرون الشفاعة لأهل الكبائر، وقد شابَهوا اليهود والنصارى.

    الفريق الثاني: غالوا في إثبات الشفاعة حتى طلبوا الشفاعة من الأموات والأولياء والصالحين حتى أثبتوها للجمادات.
    أما أهل السنة والجماعة، فقد أثبتوا الشفاعة، واعتمدوا على ما جاء به الكتاب والسنة؛ كما هو حالهم دائمًا وأبدًا، ولله الحمد والمنة.

    أنواع الشفاعة:


    أولاً: شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -:


    للنبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر من شفاعة، منها خاصة به - صلى الله عليه وسلم - لا يشركه فيها أحد، وهي:


    1- الشفاعة العظمى:


    المقصود بها الشفاعة لبدء الحساب، ففي حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الناس يصيرون يوم القيامة جُثًا، كل أمة تتبع نبيَّها، يقولون: يا فلان، اشفعْ، يا فلان، اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذلك يومَ يبعثُه الله المقام المحمود))[5]، وكما في حديث الباب الذي مرَّ معنا.

    2- الشفاعة في أهل الجنة لدخول الجنة:


    عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا أول الناس يشفعُ في الجنة، وأنا أكثر الأنبياء تبعًا))[6].

    وعنه أيضًا، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((آتِي بابَ الجنة يوم القيامة فأستفتح، فيقول الخازن: مَن أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أُمِرتُ، لا أفتح لأحد قبلك))[7].

    3- شفاعته لعمِّه أبي طالب:


    ففي الصحيحين من حديث عباس بن عبدالمطلب، قال: يا رسول الله، هل نفعت أبا طالب بشيء، فإنه كان يحوطُك ويغضبُ لك؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((نعم، هو في ضَحْضَاح من نارٍ، لولا أنا لكان في الدَّرْك الأسفل من النار))[8].

    وهناك شفاعة عامَّة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ويشترك معه سائر المؤمنين، وهي:


    1- الشفاعة في أهل المعاصي والذنوب ليخرجوا من النار:


    ففي حديث أنس بن مالك الطويل في الشفاعة، وفيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ائتوا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - عبدًا غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، فيأتوني، فأنطلق حتى أستأذن على ربي، فيؤذن لي، فإذا رأيتُ ربي وقعتُ ساجدًا، فيَدَعُنِي ما شاء الله، ثم يقال: ارفعْ رأسَك، وسَلْ تُعْطَه، وقُلْ يُسْمَع، واشَفعْ تشفَّعْ، فأرفعُ رأسي، فأحمده بتحميد يعلِّمنيه، ثم أشفعُ فيَحُدُّ لي حدًّا، فأُدخِلهم الجنة، ثم أعود إليه فإذا رأيتُ ربي مثله، ثم أشفع فيَحُدُّ لي حدًّا، فأُدخِلهم الجنة، ثم أعود الرابعة، فأقول: ما بقي في النار إلا مَن حبسه القرآن، ووجب عليه الخلود))، قال أبو عبدالله: إلا مَن حبسه القرآن؛ يعني: قول الله - تعالى -: ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ [البقرة: 162][9].

    2- الشفاعة في أهل الكبائر:


    وهم مَن يموتون مصرِّين على بعض الكبائر، وعقيدتنا أنهم تحت المشيئة؛ إن شاء الله عذَّبهم، وإن شاء غفر لهم؛ يعني: قد يدخلون النار، ثم يخرجون بالشفاعة، وقد يشفع لهم قبل دخول النار ابتداءً؛ ففي الصحيح من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها، وأُرِيد أن أَختَبِئ دعوتي شفاعةً لأمتي في الآخرة))[10].

    وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي))[11].

    3- الشفاعة في رفع الدرجات في الجنة:

    لقوله - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُم ْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾ [الطور: 21].



    وفي الحديث عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي سلمة، وقد شق بصره، فأغمضه، ثم قال: ((إن الروح إذا قُبِض تبعه البصر))، فضجَّ ناسٌ من أهله، فقال: ((لا تدْعوا على أنفسِكم إلا بخير؛ فإن الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون))، ثم قال: ((اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديِّين، واخلفْه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونوِّر له فيه))[12].



    4- الشفاعة لأهل الأعراف:


    وهم قوم استوتْ حسناتهم وسيئاتهم، فيَقِفُون بين الجنة والنار، يرون أهل الجنة، فيقولون: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ﴾ [الأعراف: 46]، ويرون أهل النار فيقولون: ﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 47]، فيأذن الله بالشفاعة فيهم، فيشفع فيهم النبيون، والصدِّيقون، والشهداء، والصالحون، ومما يدل على الشفاعة فيهم، عموم الشفاعة في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)).


    اعلم أن الشفاعة ليست كلها خاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم.


    فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - في حديث الرؤية الطويل، وفيه -: ((فيقول الله - عز وجل -: شَفَعَت الملائكة، وشَفَع النبيُّون، وشَفَع المؤمنون، ولم يبقَ إلا أرحمُ الراحمين، فيَقبِض قبضةً من النار، فيُخرِج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط قد عادوا حُمَمًا، فيُلقِيهم في نهرٍ في أفواه الجنة يقال له: نهر الحياة، فيَخرُجون كما تخرج الحبَّة في حَمِيل السيل...))[13][14].


    [5] البخاري (4718).
    [6] مسلم (196).
    [7] مسلم (197).
    [8] البخاري (6208)، ومسلم (209)، واللفظ له.
    [9] البخاري (4476)، ومسلم (193).
    [10] البخاري (6304)، ومسلم (198)، وعند البخاري (6305)، ومسلم (200)، من حديث أنس بن مالك، وعند مسلم (201)، من حديث جابر بن عبدالله.
    [11] أبو داود (4741)، والترمذي (2435)، وأحمد (13222)، وصححه الألباني.
    [12] مسلم (920)، وابن ماجه (1454).
    [13] جزء من حديث عند مسلم (183).
    [14] انظر: إتحاف أهل الألباب بمعرفة التوحيد في سؤال وجواب (2/101 - 132)، وكتاب الشفاعة؛ لمقبل بن هادي الوادعي، وماذا يعني انتمائي لأهل السنة والجماعة (175)، وإتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل (15/14 - 19).





    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

    افتراضي رد: الشفاعة وأنواعها

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة مشاهدة المشاركة

    في الصحيح من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها، وأُرِيد أن أَختَبِئ دعوتي شفاعةً لأمتي في الآخرة)).

    وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)).

    هل يمكن ان يستدل بعدم خصوصية هذه الشفاعة بالنبي صلى الله عليه وسلم على ان شفاعته في اهل الذنوب و الكبائر ليست عامة في كل احد . بمعنى ان من هؤلاء من يخرج من النار بشفاعة غيره او برحمة الله عز وجل ؟



  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: الشفاعة وأنواعها

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني مشاهدة المشاركة
    هل يمكن ان يستدل بعدم خصوصية هذه الشفاعة بالنبي صلى الله عليه وسلم على ان شفاعته في اهل الذنوب و الكبائر ليست عامة في كل احد . بمعنى ان من هؤلاء من يخرج من النار بشفاعة غيره او برحمة الله عز وجل ؟
    نعم، وعلك لم تنتبه لهذا:
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة مشاهدة المشاركة

    وهناك شفاعة عامَّة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ويشترك معه سائر المؤمنين، وهي:
    1- الشفاعة في أهل المعاصي والذنوب ليخرجوا من النار:
    ففي حديث أنس بن مالك الطويل في الشفاعة، وفيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ائتوا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - عبدًا غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، فيأتوني، فأنطلق حتى أستأذن على ربي، فيؤذن لي، فإذا رأيتُ ربي وقعتُ ساجدًا، فيَدَعُنِي ما شاء الله، ثم يقال: ارفعْ رأسَك، وسَلْ تُعْطَه، وقُلْ يُسْمَع، واشَفعْ تشفَّعْ، فأرفعُ رأسي، فأحمده بتحميد يعلِّمنيه، ثم أشفعُ فيَحُدُّ لي حدًّا، فأُدخِلهم الجنة، ثم أعود إليه فإذا رأيتُ ربي مثله، ثم أشفع فيَحُدُّ لي حدًّا، فأُدخِلهم الجنة، ثم أعود الرابعة، فأقول: ما بقي في النار إلا مَن حبسه القرآن، ووجب عليه الخلود))، قال أبو عبدالله: إلا مَن حبسه القرآن؛ يعني: قول الله - تعالى -: ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ [البقرة: 162][9].
    2- الشفاعة في أهل الكبائر:
    وهم مَن يموتون مصرِّين على بعض الكبائر، وعقيدتنا أنهم تحت المشيئة؛ إن شاء الله عذَّبهم، وإن شاء غفر لهم؛ يعني: قد يدخلون النار، ثم يخرجون بالشفاعة، وقد يشفع لهم قبل دخول النار ابتداءً؛ ففي الصحيح من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها، وأُرِيد أن أَختَبِئ دعوتي شفاعةً لأمتي في الآخرة))[10].
    وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي))[11].
    3- الشفاعة في رفع الدرجات في الجنة:
    لقوله - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُم ْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾ [الطور: 21].
    وفي الحديث عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي سلمة، وقد شق بصره، فأغمضه، ثم قال: ((إن الروح إذا قُبِض تبعه البصر))، فضجَّ ناسٌ من أهله، فقال: ((لا تدْعوا على أنفسِكم إلا بخير؛ فإن الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون))، ثم قال: ((اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديِّين، واخلفْه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونوِّر له فيه))[12].

    4- الشفاعة لأهل الأعراف:
    وهم قوم استوتْ حسناتهم وسيئاتهم، فيَقِفُون بين الجنة والنار، يرون أهل الجنة، فيقولون: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ﴾ [الأعراف: 46]، ويرون أهل النار فيقولون: ﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 47]، فيأذن الله بالشفاعة فيهم، فيشفع فيهم النبيون، والصدِّيقون، والشهداء، والصالحون، ومما يدل على الشفاعة فيهم، عموم الشفاعة في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)).
    اعلم أن الشفاعة ليست كلها خاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم.
    فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - في حديث الرؤية الطويل، وفيه -: ((فيقول الله - عز وجل -: شَفَعَت الملائكة، وشَفَع النبيُّون، وشَفَع المؤمنون، ولم يبقَ إلا أرحمُ الراحمين، فيَقبِض قبضةً من النار، فيُخرِج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط قد عادوا حُمَمًا، فيُلقِيهم في نهرٍ في أفواه الجنة يقال له: نهر الحياة، فيَخرُجون كما تخرج الحبَّة في حَمِيل السيل...))[13][14].
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •