فإن قلت فما الطريق إلى حفظ الخواطر؟ قلت: أسباب عدة أحدها: العلم الجازم باطلاع الرب سبحانه وتعالى ونظره إلى قلبك وعلمه بتفاصيل خواطرك.

الثاني: حياؤك منه. الثالث: إجلالك له أن يرى مثل تلك الخواطر في بيته الذي خلق لمعرفته، الرابع: خوفك منه أن تسقط من عينه بتلك الخواطر، الخامس: إيثارك له أن تساكن قلبك غير محبته،
السادس: خشيتك أن تتولد تلك الخواطر ويستشعر شرارها فتأكل ما في القلب من الإيمان ومحبة الله فتذهب به جملة وأنت لا تشعر. السابع: أن تعلم أن تلك الخواطر بمنزلة الحب الذي يلقى
للطائر ليصاد به؛ فاعلم أن كل خاطر منها فهو حبة في فخ منصوب لصيدك وأنت لا تشعر. الثامن: أن تعلم أن تلك الخواطر الرديئة لا تجتمع هي وخواطر الإيمان ودواعي المحبة والمعرفة والمحبة
فأخرجتها واستوطنت مكانها لكن لو كان للقلب حياة لشعر بألم ذلك..

وتذكر ـ رحمك الله ـ قصة أبينا وأمنا مع الشيطان وكيف دخل الخواطر وزين أكل الشجرة، بل وعلم أن الإنسان يحب الغنى والبقاء، فقال لهما:
{مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ
أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}
وقال في سورة طه {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى * فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ
وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}
فانظر كيف أسمى قبح عمله وأسمى الشجرة التي نهى الله الأبوين عنها وبين عاقبة أكلها فقال: {وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ} شجرة الخلد، وهذا باب كيده
الأعظم الذي يدخل منه على ابن آدم؛ فإنه يجري منه مجرى الدم حتى يصادف نفسه ويخالط ويسألها عما تحبه وتؤثره، فإذا عرفه استعان بها على العبد، ودخل عليه من هذا الباب، وكذلك علم
إخوانه وأولياءه من الإنس.

فاحذره واستعن بالله على دفع وساوسه، ولا تسلم خاطرك له، فتعصي ربك، فتندم
{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} ولا يغرنك تغير المسميات ما دام أن
حقيقتها محرمة، وقد نبأك الله عن كيده مع أبيك وأمك، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فقد أسمى الربا فوائد مادية، والتبرج والسفور تقدماً وحرية، والعلاقات المحرمة صداقة، فلا حول ولا قوة إلا
بالله.