جزء مهم من مذكرة التخريج للدكتور إبراهيم اللاحم...أفرد لكبير فائدته، وحسن التذكير به
والمذكرة من الجودة بمكان ، غير أنها كثيرة التصحيف، وفي النية مراجعتها وإصلاح تصحيفاتها، والله المستعان ..فالدعاء الدعاء
قال حفظه الله وسددهثالثاً : بيان فرق المتن :
جرى التدوين العام للسنة وأقوال الصحابة والتابعين في عصر متأخر من الوقت الذي قبلت فيه ، والاعتماد في الغالب على نقلها مشافهة ، فإذا أضيف إلى ذلك أن كثيراً من الرواة يروون النصوص بالمعنى – أمكننا أن ندرك بسهولة السبب في وجود الاختلاف في ألفاظ الرواة في النص الواحد .
ثم إذا عرفنا أهمية هذه النصوص واحتياج الأمة إليها في تشريع – أدركنا أيضاً ضرورة معرفة اختلا ألأفاظ الرواة ، وهو المعبر عنه ببيان فروق المتن ، فمعناه حينئذ : ذكر الاتفاق والاختلاف بين النص الذي أمام الباحث ويقوم بتخريجه وبين ما في المصدر الذي يعزو إليه .
ولما كانت الاختلافات والزيادة والنقص في الروايات كثيرة في بيان فروق المتن تحكمه الضوابط التالية :
أ- وضع ضابط عام فيما ينبغي الاعتناء له من هذه الاختلافات أمر غير ممكن ، والذي يحكم هذا نوع من البحث الذي يدخل فيه تخريج ذلك النص ، فإذا كان الباحث في موضوع فقهي فلا شك أن مجال عنايته الألفاظ النص التي تستنبط عنها الأحكام ، وعلى الأخص ما يتعلق بموضوعه الذي يبحث فيه ، وكمثال على هذا نقد بعض الأئمة للبيهقي عند روايته حديث : (( أيما إهاب دبغ فقد طهر )) فإنه بعد أن روله بإسناده عزاه إلى (( صحيح مسلم )) مع أن الموجود في (( صحيح مسلم )) بلفظ : (( إذا دبغ الإهاب فقد طهر )) وبين اللفظين فرق كبير من جهة حكم فقهي ، مع أن البيهقي يمكن أن يلتمس له عذر فيه صنعه .
ولهذا يقولون لو كان الباحث يخرج نصوص كتاب في(( الغريب )) فإن عليه أن يعتني بهذا الجانب في بيان فروق المتن ، وكذا لو كان يخرج نصاَ جرى مجرى المثل عليه أن يوليه عناية تخدم الغرض الذي من أجله سيق النص وهو جريانه مجرى المثل .
والخلاصة أن هذا الأمر منوط بفقه الباحث في التخريج وبخبرته وكثرة مرانه .
ب – تقدم أن من فقه التخريج أن لا يلتزم الباحث تفصيل بيان فروق المتن وأنه يفعل ذلك بحسب الحاجة ، ولكن ما يتركه الباحث دون تفصيل عليه أن يفعله على طريق الإجنال ، وقد يجمع بين الأمرين : يفصل شيئاً ويجمل ما بقي ، وهذا أيضاً راجع إلى فقه المخرج ودرايته .
وقد استخدم الأئمة والباحثون مصطلحات في بيانهم لفروق المتن والاتفاق والاختلاف بطريقة مجملة ، يختار منها الباحث ما يناسب النص الذي معه ، ومن هذه المصطلحات :
1- بلفظه : يستعملها الباحث إذا كان النص الذي أمامه موافقاً للنص في المصدر الذي يعزو إليه .
2- بنحوه : إذا كان الاختلاف بين النص يسيراً .
3- بمعناه : إذا كان الاختلاف بين النصين واسعاً واتفقا في المعنى مع ملاحظة أن كثيراً من الأئمة يعبر بإحدى الكلمتين ( بنحوه ، بمعناه ) في مقام الأخرى ، ولكن الباحثين في الوقت الحاضر مالوا إلى التدقيق ، ففرقوا بينهما كما سبق ، مع أن في التفريق بينهما عند التطبيق الذي صعوبة قد تواجه الباحث ، والأمر في ذلك واسع(1) .
4- مختصراً : إذا كان النص في المصدر الذي يعزو إليه فيه اختصار وحذف بالنسبة للنص الذي أمام الباحث .
5- مطولاً : إذا كان النص في المصدر الذي يعزو إليه فيه طول في السياق بالنسبة للنص الذي أمام الباحث .
6- في أثناء حديث : إذا كان النص الذي أمام الباحث موجوداً في المصدر الذي يعزو إليه في ضمن حديث مطول .
ويحتاج الباحث إلى دقة في استعمال هذا المصطلح ، إا قد يشتبه عليه بمصطلح : مختصراً ، مع أن بينهما فرق ، فالاختصار معناه أن الحديث واحد ووقع اختصار وحذف في السياق ، وأما الآخر فالحديث مختلف ، وقد لا يكون له علاقة لباقية للنص الذي يخرجه الباحث .
7- في أوله أو في آخره زيادة أو قصة : إذا كان الحديث بهذه الصفة في المصدر الذي يعزو إليه الباحث .
8- مفرقاً : إذا كان النص الذي أمام الباحث موجوداً في المصدر الذي يعزو إليه في أماكن متفرقة في الكتاب ، في كل مكان جزء من الحديث وفي مجموعها النص كله .
9- ملفقاً : إذا كان النص الذي أمام الباحث موجوداً في المصدر الذي يعزو إليه وكنه في عدة أحاديث ، وذلك مثلاً إذا كان النص حديثاً فبعضه عن أبي هريرة ، وبعضه عن عائشة ، وبعضه عن جابر ، وقد يكون الجميع عن صحابي واحد وهي أحاديث متفرقة .
وفي كثير من الأحيان يجمع الباحث بين مصطلحين عند الحاجة إلى هذا ، فيقول مثلاً : أخرجه أحمد ... مختصراً في أثناء حديث ، أو بلفظه وفي آخره قصة أو بمعناه مطولاً .
ج- لا يظن الباحث أن مسألة الإجمال في بيان فروق المتن قصد بها الاختصار تخفيفاً على الباحث المخرج ، وإنما ذلك من حق القارئ أيضاً ، فكما ألزم الباحث بالتفصيل عند الحاجة أمر بالإجمال عند عدمها .
ولا شك أن هذا يحتاج إلى خبرة وممارسة طويلة للتخريج ليكون عند البحث فقهاً في هذا الجانب ، ومما يساعد على تكوينه أيضاً القراءة في كتب الأئمة الذين فعلوا هذا في عصر الرواية أو بعده ، وأخص بالذكر (( صحيح الإمام مسلم )) فكله أمثلة تطبيقية ، مع ضرورة قراءة تعبيره عن منهجه المتعلق ببيان فروق المتن ، وذلك في مثدمة صحيحه .
ح- إذا كان الباحث يعزو نصاً إلى أكثر من مصدر فلا ينبغي له أن يفرق بيان فروق المتن بحيث يذكر فرق ما في كل مصدر بعد ذكر المصدر نفسه ، ففي هذا العمل إطالة لا داعي لها ، ويغني عنها أن يؤخر بيان الفروق حتى يفرغ من سرد المصادر .
والسبب في ترجيح هذا ظاهر ، إذ قد يتفق مصدران أو ثلاثة أو أكثر في صفة النص الذي فيها ، فيجملها الباحث بالتعبير عن الجميه بمصطلح واحد ثم يعبر عن الباقي بما يناسبه ، وقد يصطلح للباقي أيضاً مصطلح آخر لا أكثر .
وليس المراد بهذا تقييد الباحث ، فله أن ينفلت منه إما في بعض نصوصه أو في بحثه كله ، بشرط أن يظهر لديه مرجح للتفريق خدم به القارئ وزاده فائدة .
والخلاصة هو أن الأصل جمع مصادر التخريج في نهاية العزو ، وأن الخروج عن هذا الأصل يحتاج إلى مرجح قوي يحسن بالباحث أن يبينه ويشرحه في مقدمة البحث أو الكتاب .
(1) ومن الألفاظ التي استعملها المتقدمون لفظ (( بمثله )) كما في (( صحيح مسلم )) نادرة يراد بها التطابق في اللفظ ، وتارة بمعنى (( بنحوه )) عند المتأخرين .