قال ابن عبد البر رحمه الله: ((فَأَوَّلُ الْعِلْمِ حِفْظُ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَفَهُّمُهُ وَكُلُّ مَا يُعِينُ عَلَى فَهْمِهِ فَوَاجِبٌ طَلَبُهُ مَعَهُ، وَلَا أَقُولُ: إِنَّ حِفْظَهُ كُلَّهُ فَرْضٌ وَلَكِنِّي أَقُولُ: إِنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لَازِمٌ عَلَى مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا فَقِيهًا نَاصِبًا نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْفَرْضِ([1])))اهـ.
وقَالَ ابن عبد البر رحمه الله – أيضًا -: «الْقُرْآنُ أَصْلُ الْعِلْمِ؛ فَمَنْ حَفِظَهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ ثُمَّ فَرَغَ إِلَى مَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى فَهْمِهِ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ عَوْنًا كَبِيرًا عَلَى مُرَادِهِ مِنْهُ، وَمِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَنْظُرُ فِي نَاسِخِ الْقُرْآنِ وَمَنْسُوخِهِ وَأَحْكَامِهِ وَيَقِفُ عَلَى اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَاتِّفَاقِهِمْ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَمْرٌ قَرِيبٌ عَلَى مَنْ قَرَّبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي السُّنَنِ الْمَأْثُورَةِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبِهَا يَصِلُ الطَّالِبُ إِلَى مُرَادِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ، وَهِيَ تَفْتَحُ لَهُ أَحْكَامُ الْقُرْآنِ فَتْحًا([2])»اهـ.
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله: ((يَنْبَغِي لِلطَّالِبِ أَنْ يَبْدَأَ بِحِفْظِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ إِذْ كَانَ أَجَلَّ الْعُلُومِ وَأَوْلَاهَا بِالسَّبْقِ وَالتَّقْدِيمِ([3]))).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وَأَمَّا طَلَبُ حِفْظِ الْقُرْآنِ، فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّا تُسَمِّيهِ النَّاسُ عِلْمًا؛ وَهُوَ إمَّا بَاطِلٌ أَوْ قَلِيلُ النَّفْعِ.
وَهُوَ أَيْضًا مُقَدَّمٌ فِي التَّعَلُّمِ فِي حَقِّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَتَعَلَّمَ عِلْمَ الدِّينِ مِنَ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ؛ فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ فِي حَقِّ مِثْلِ هَذَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ أَنْ يَبْدَأَ بِحِفْظِ الْقُرْآنِ؛ فَإِنَّهُ أَصْلُ عُلُومِ الدِّينِ([4])))اهـ.
وقال ابن جماعة رحمه الله: ((يبتدئ [الطالب] أولًا بكتاب الله العزيز؛ فيتقنه حفظًا، ويجتهد على إتقان تفسيره وسائر علومه؛ فإنه أصل العلوم وأُمُّهَا وأَهَمُّها([5]))).
عن الوليد بن مسلم، قَالَ: كُنَّا إِذَا جَالَسْنَا الْأَوْزَاعِيَّ فَرَأَى فِينَا حَدَثًا، قَالَ: يَا غُلَامُ، قَرَأْتَ الْقُرْآنَ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اقْرَأْ: {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء: 11]، وَإِنْ قَالَ: لَا، قَالَ: اذْهَبْ، تَعَلَّمِ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُبَ الْعِلْمَ([6]).
وعن أبي هِشَامٍ الرِّفَاعِيِّ، قَالَ: كَانَ يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ إِذَا جَاءَهُ غُلَامٌ أَمْرَدَ اسْتَقْرَأَهُ، رَأْسَ سَبْعِينَ مِنَ الْأَعْرَافِ، وَرَأْسَ سَبْعِينَ مِنْ يُوسُفَ، وَأَوَّلَ الْحَدِيدِ، فَإِنْ قَرَأَهُ حَدَّثَهُ، وَإِلَّا لَمْ يُحَدِّثْهُ([7]).
[1])) ((جامع بيان العلم وفضله)) (2/ 1129).
[2])) السابق.
[3])) ((الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)) (1/ 106).
[4])) ((مجموع الفتاوى)) (23/ 54).
[5])) ((تذكرة السامع والمتكلم)) (51).
[6])) ((الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)) (1/ 108).
[7])) السابق.