تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: فيْ رِحَابِ رِحْلَةِ الإسْرَاءِ!

  1. Post فيْ رِحَابِ رِحْلَةِ الإسْرَاءِ!

    قال ابن المقن: "واعلم أن الأئمة - رضي الله عنهم - اعتنوا بالإسراء، وأفردوه بالتأليف، منهم: أبو شامة، وابن المنير في مجلد ضخم، وابن دحية، فلنلخص من كلامهم فوائد:
    الأولى:
    لا بد لك عند مرورك بهذا الحديث بطرقه عندما يتصور فيه وهمك من استحضار قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] وتنفي الجهة والجسمية والتكلم بحرف أو صوت تعالى الله عن ذَلِكَ، وفوض علم ذَلِكَ إلى الرب جل جلاله، أو أوله عَلَى ما يليق به مع التنزيه، فالحجب للمخلوق لا للخالق، وحي ربك قدسه هناك، واجعل العرش قبلتك في المناجاة بعيدًا (2).
    وما أحسن قوله كليم: "لا تفضلوني عَلَى أخي يونس" (1) فإنه نهى عن تفضيل مقيد بالمكان لا مطلقه. وقال مالك: خص به للتنبيه عَلَى التنزيه؛ لأن نبينا رفع إلى العرش، ويونس هبط إلى قاموس البحر، ونسبتهما من جنب الجهة إلى الحق واحدة، وإلا فنبينا أقرب منه.
    الثانية:
    الباء في قوله تعالى: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ}؟ [الإسراء: 1] تفيد المصاحبة.بالإلط ف والعناية والإسعاف، وقد قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "أنت الصاحب في السفر" (1). ولذلك يظهر الفرق بين قوله: لله على أن أحج بفلان أو أحج فلانًا. وانظر إلى هذا مع قوله تعالى: {يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22]، يظهر لك خصوصية للحق دون عموم الخلق.
    الثالثة:
    كان الإسراء ليلًا لوجوه:
    أحدها: أنه وقت الخلوة والاختصاص ومجالسة الملوك، وهو أشرف من مجالستهم نهارًا، فهو وقت تناجي الأحبة، ووقت مجيء الطيف: وهو الخيال، فخص بوصف الكمال.
    ثانيها: أن الله أكرم قومًا من أنبيائه بأنواع الكرامات ليلًا، قَالَ تعالى في قصة إبراهيم: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا} [الأنعام: 6]، فوجودها دال عَلَى وجوب وجود صانعها ومدبرها. وقال تعالى في قصة لوط: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 81]، وقال: {نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر: 34]، وقال في يعقوب: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} [يوسف: 98] أخَّر دعاءه إلى وقت السحر من ليلة الجمعة. وقرب موسى نجيًا ليلًا. وذلك قوله: {قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} [القصص: 29] وواعده أربعين ليلة. وقال لما أمره بالخروج من مصر ببني إسرائيل: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23)} [الدخان: 23].
    ثالثها: أن الله تعالى أكرمه ليلًا بأمور منها انشقاق القمر (2)، وإيمان الجن به (3). ورأى الصحابة آثار نيرانهم عَلَى ما ثبت في "صحيحمسلم" (1). وخرج إلى الغار ليلًا عَلَى مائة من قريش عَلَى بابه ينتظرونه ليقتلوه بزعمهم، قَالَ تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية [الأنفال: 3].
    رابعها: أن الله تعالى قدم ذكره عَلَى النهار في غير ما آية، فقال: {وجَعَلْنَا اْلَّيْلَ وَاَلنَهَارَءَا يَتَيْنِ} [الإسراء: 12]، وقوله: {وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [يس:40] أي: بل له حد محدود إذا ذهب سلطانه جاء سلطان النهار. وليلة النحر تغني عن الوقوف نهارًا عَلَى الصحيح؛ لحديث عروة بن مضرس (2) [الصحيح] (3).
    خامسها: أن الليل كالأصل، ولهذا كان أول الشهور، ومن آياته أن سواده يجمع منتشر ضوء البصر، ويحد كليل النظر، ويستلذ فيه بالسمر، واجتلاء وجه القمر، وفيه تخلو الأحباب بالأحباب، ويتصل الوصل بينهم ما انقطع من الأسباب.
    سادسها: أنه لا ليل إلا ومعه نهار، وقد يكون نهار بلا ليل، وهو يوم القيامة الذي مقداره خمسون ألف سنة.
    سابعها: أنه الليل محل استجابة الدعاء والغفران والعطاء، وإن وردالحديث: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم عرفة أو يوم الجمعة" (1) فذاك بالنسبة إلى الأيام، فليلة القدر خير من ألف شهر، وقد دخل في هذِه الليلة أربعة آلاف جمعة بالحساب الجملي، فتأمل هذا الفضل الخفي.
    ثامنها: أن أكثر أسفاره - صلى الله عليه وسلم - كان ليلًا، ومن ذَلِكَ حديث الوادي، وأمر أمته بسيره، فقَالَ: "عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل" (2).
    تاسعها: لينفي عنه ما ادعته النصارى في عيسى بن مريم لما رفع إلى (السماء) (3) نهارًا، وادعوا فيه البنوة تعالى الله عن ذَلِكَ.
    عاشرها: لأنه وقت الاجتهاد للعبادة منه - صلى الله عليه وسلم -، فقد قام حَتَّى تورمت قدماه (4). وكان قيام الليل في حقه واجبًا، وقال في حقه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)} [المزمل: 1، 2]، فلما كانت عبادته ليلًا أكثر أُكْرِمَ بالإسراء فيه، وأمره بقوله: {وَمِنَ اَلَّيلِ فَتَهَجَّدْ} الآية [الإسراء: 79].
    الحادي عشر: ليكون أجر (المصدق) (5) به أكثر ليدخل فيمن آمن بالغيب دون من عاينه نهارًا، وفيه إبطال للتنويه أن الظلمة شأنها الإهانة والشر، والنور من شأنه الإكرام والخير.
    الرابعة:
    إن قلت: قد قررت سر الإسراء ليلًا، وضد ذَلِكَ إغراق فرعون نهارًا، وإبراز جثته، ولا شك أن ظهور الآيات نهارًا أظهر. قلت: ذا في حقه إهانة، وذاك في حق نبينا كرامة، وشتان ما بينهما.
    الخامسة:
    كان الإسراء في حق نبينا عَلَى وجه المفأجاة، والتكليم في حق موسى عن ميعاد وموافاة، دل عَلَى الأول: "بينا أنا ... إذ فرج سقف بيتي" فحمل عنه ألم الانتظار كما حمل عنه ألم الاعتذار، فشتان ما بين المقامين، وكم بين مُريد ومُراد، وبين من كُلم عَلَى الطور، وبين من دعي إلى أعلى أعالي البيت المعمور، وبين من سخرت له الريح (مسيرة شهر) (1) بمسألته، وبين من ارتقى من الفرش إلى العرش في ساعة زمانية، وأقل مسافته آلاف لمكالمته، وأعار من المستوى إلى الرفوف فذاك لا يحصى أمده ولا يستقصى.
    السادسة:
    ثبت بالتواتر أنه - صلى الله عليه وسلم - عرج به عَلَى دابة يقال له البراق (2)، ووصف خلقها؛ وسمي براقًا لسرعة سيره، تشبيهًا ببرق السحاب، وعرج به عليه إظهارًا لكرامته؛ لكرامة الراكب عَلَى غيره، ولذلك لم ينزل عنه لما جاء في حديث حذيفة: ما زايل ظهر البراق حَتَّىرجع (1)، وإنما لم يذكر في الرجوع للعلم به؛ لقرينة الصعود ويتعلق بالبراق مسائل:
    إحداها: جاء أن البراق استصعب له وما ذاك إلا تيهًا وزهوًا بركوبه، وقول جبريل "أبمحمد تستصعب؟! " تحقيق الحال، وقد أرفض عرقًا من تيه الجمال، وقد قيل: إنه ركبه الأنبياء قبله، أيضًا، وقيل: إن جبريل ركب معه.
    ثانيها: رفعه عَلَى البراق للتأنيس بالمعتاد، وإلا فالرب تعالى قادر عَلَى رفعه في أقل من طرفة عين، فإنه مطلوب مراد.
    ثالثها: كان البراق كشكل البغل؛ لأن الركوب في سِلْمِ وأمن لا في حرب وخوف، ولإسراعها عادة، وركب - صلى الله عليه وسلم - بغلته في الحرب في قصة حنين؛ لتحقيق ثبوته في مواطن الحرب، وإلا فركوبها موضع الأمن والطمأنينة، فالحرب عنده كالسلم، وركوب الملائكة الخيل في الحرب؛ لأنها المعهودة فيها، وما لطف من البغال واستدار أحمد وأحسن بخلاف الخيل، وكانت بغلته بيضاء -أي: شهباء، وكذا كان البراق.
    السابعة:
    قد سلف في الوجه الحادي والعشرين اختلاف الروايات في ترتيب الأنبياء في السماوات، فمنهم من توقف عن الخوض في سر ذَلِكَ، ومنهم من باح به، ثم اختلفوا، فمنهم من قَالَ: إنما اختص مناختص منهم بلقاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - عَلَى عرف الناس إذا تلقوا الغائب مبتدرين له، فلابد غالبًا أن يسبق بعضهم بعضًا، ويصادف بعضهم اللقاء ولا يصادفه بعضهم، وهذِه طريقة ابن بطال (1).
    وذهب غيره من شيوخ الأندلس إلى أن ذَلِكَ تنبيه عَلَى الحالة الخاصة بهؤلاء الأنبياء عليهم السلام، وتمثيل لما سيتفق للرسول - صلى الله عليه وسلم - مما اتفق لهم مما قصه الله عليهم في كتابه، وهذا يرجع إلى فن التعبير، فمن رأى في منامه نبيًا من الأنبياء كان ذَلِكَ دليلًا عَلَى حالة عرفت بذلك الشيء ينال الرائي أو أهل زمانه منها طرقًا.
    قَالَ: فآدم عليه السلام تنبيه عَلَى الهجرة؛ لأن آدم خرج من الجنة بعداوة إبليس له وتحيليه عَلَى ذَلِكَ، فنظيره خروج الرسول - صلى الله عليه وسلم - من مكة بأذى قومه له وللمسلمين، وعيسى ويحيى دليل عَلَى ما سيلقاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أذى اليهود؛ لأنهم قتلوا يحيى، وراموا قتل عيسى فرفعه الله إليه.
    وكذلك فعلت اليهود برسول - صلى الله عليه وسلم -، داروا حول قتله حَتَّى سموا له الشاة، وأكل منها، فأخبرته الكتف بما صنعوا، وأقرت المرأة بذلك، وعفا عنها - صلى الله عليه وسلم -، وقال في مرض موته: "ما زالت أكلة خيبر تعاودني، فهذا أوان قطعت أبهري" (2) ويوسف - عليه السلام - دليل عَلَى ظفره - صلى الله عليه وسلم - بقومه، وإحسانه إليهم. وقد ظفر بطائفة من أهله في غزوة بدر كالعباس عمه، وعقيل ابن عمه، وذلك قبل أن يسلما، فعفا عنهما، وفداهما، وقال يوم فتح مكة لما عفا عن قريش: "أقول كما قَالَ أخي يوسف: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَيَغْفِ رُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 92] (1).
    ونظير ذَلِكَ حال يوسف مع إخوته، وهارون - عليه السلام - دليل عَلَى أن قومه سيحبونه، وينقلب بغضاؤهم ودادا. وكذلك صنع الله لنبيه. وقد كان هارون - عليه السلام - محببًا (إلى) (2) قومه بني إسرائيل، وكانوا يؤثرونه عَلَى موسى.
    قَالَ: وإدريس دليل ما اتفق من كتاب الرسول إلى الآفاق؛ فإن إدريس كان يخط، وهو أول من كتب بالقلم. ونظير حال موسى - عليه السلام - فيما آل إليه أمره من لقاء الجبابرة، وإخراجهم من الأرض المقدسة حال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (في) (3) فتح مكة وقهره للمستهزئين المتكبرين من قريش.
    ونظير حال إبراهيم - عليه السلام - في إسناده ظهره إلى البيت المعمور، حال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حجه البيت، واختتام عمره بذلك، نظير لقاء إبراهيم آخر السموات، ولا بأس بذلك، ولكن يحتاج إلى تنبيهات:
    منها: إجراؤه لذكر التعبير، فإن ذَلِكَ يوهم أن قصة الإسراء كانت منامًا، وقد صححنا أنها يقظة.
    والذي يرفع الإشكال أن الفأل في اليقظة نظير الأحلام. وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يحب الفأل الحسن (4). وهذا القدر كافٍ لئلا نخرج إلى حد السآمة". انتهى بنصه من "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" لابن الملقن.
    أبو عاصم أحمد بن سعيد بلحة.
    حسابي على الفيس:https://www.facebook.com/profile.php?id=100011072146761
    حسابي علي تويتر:
    https://twitter.com/abuasem_said80

  2. #2

    افتراضي رد: فيْ رِحَابِ رِحْلَةِ الإسْرَاءِ!

    بارك الله فيكم
    الحمد لله رب العالمين

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •