موسوعة ( شعراء العربية )
شعراء العصر الاموي
بقلم- فالح الحجية

5

الاحوص المكي

هو ابو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح قيس بن عصيمة بن النّعمان بن أمية بن ضبيعة
بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك ابن الأوس.
وكان يقال لبني ضبيعة بن زيدٍ، في الجاهلّية، بنو كسرِ الذّهب.
وقيل في صفته إنّه كان أحمر اللون كأنهّ وحرة دميم الوجه قصير القامة.
ولد على الارجح في سنة \40 هجرية كما انفردت بذكره دائرة المعارف الاسلامية وهي موثوقة ,
الاحوص ذو شرف رفيع فجده عاصم بن ثابت الصحابي الجليل أبلى في سبيل الله بلاء حسناً. وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمن معه: كيف تقاتلون؟ فقام عاصم بن ثابت فأخذ النّبل والقوس وقال:
إذا كان القوم قريباً من مائتي ذراع كان الرَّمي، وإذا دنوا حتّى تنالهم الرّماح كانت المداعة حتى تقصَّفَ فإذا تقصّف وضعناها وأخذنا السّيوف وكانت المجالدة. فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: هكذا نزلت الحربُ فمن قاتل فليقاتل كما يقاتل عاصم.

شهد جده موقعة ( بدرٍ) وقتل عقبة بن أبي معيط حين أمر الرّسول صلى الله عليه وسلم بقتله وشهد موقعة ( أحد) وثبت مع القلّة بجانب الرّسول صلى الله عليه وسلم وبايعه على الموت.وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أسر معاوية بن المغيرة يوم (بدرٍ ) ثمّ منَّ عليه ثمّ أسره فقال:
- أقلني يا رسول الله
- فقال النبي صلى الله عليه وسلم عليه السّلام.:
( إنّ المؤمن لا يلدغُ من جحرٍ مرّتين اضرب عنقه يا عاصم بن ثابت). فضرب عنقه.
واستشهد عاصم يوم الرّجيع في السّنة الثالثة من الهجرة. وقد جاء في السّيرة أنه قدم على الرّسول محمد صلى الله عليه وسلم بعد (أحد) رهط من عضل والقارّة فقالوا:
- يا رسول الله إنّ فينا إسلاماً فابعث معنا نفراً من أصحاب يفقهوننا في الدّين، ويقرئوننا القرآن، ويعلّموننا شرائع الإسلام.
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم نفراً ستة من أصحابه بينهم عاصم بن ثابت فقتل مع اصحابه فلمّا قتل أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم (أحد ) لئن قدرتْ على رأس عاصم لتشربنَّ في قحفهِ الخمر. فمنعته الدَّبرُ. فلمّا حالت الدّبر بينه وبينهم قالوا: دعوه يمسي فتذهب عنه فنأخذ رأسه. فبعث الله الوادي فاحتمل عاصماً فذهب به. راجع كتابي ( شذرات من السيرة النبوية المعطرة )

الاحوص من شعراء العصر الأموي من بني ضبيعة لقب بالأحوص لضيق في عينه شاعر إسلامي أموي هجّاء صافي الديباجة من طبقة جميل بن معمر وكان معاصرا لجرير والفرزدق. من سكان المدينة المنورة وقد حاول في بداية شبابه ان يكون مغنيا فاخذ يتردد على دورالغناء التي شاعت في المدينة ويكرر اسماء المغنيات في شعره الا انه رغب عن ذلك ومال الى قول الشعر فكان شاعرا امويا مدح بني امية وخلفائهم ولم يمدح احدا غيرهم يقول :.

أهوى أميّة ا نْ شطَّتْ وإنْ قربتْ
يوماً وأهدي لها نصحي وأشعاري

ولما تولى الوليد بن عبد الملك الخلافة سنة \ 68 هجرية قصده
ووفد عليه وانشده:

سأطلبُ بالشّامِ الوليدَ فإنّه
هو البحرُ ذو التيارِ لا يغضغضُ

ويقول فيه احدى قصائده المشهورة:

فإنّ بكفّيهِ مفاتيح رحمةٍ
وغيثَ حياً يحيى به النّاس مرهما

الا انه ا بلغه عنه ما ساءه من سيرته فرده إلى المدينة وأمر بجلده فجلد ونفي إلى ( دهلك) وهي جزيرة بين اليمن والحبشة كان بنو أمية ينفون إليها من يسخطون عليه.

بقي بها إلى ما بعد وفاة عمر بن عبد العزيز فأطلقه يزيد بن عبد الملك فقدم عليه في دمشق فانشده:

وإنّي لأستحييكمُ أنْ يقودني إلى
غيركمْ من سائر النّاسِ مطمعُ

وأنْ أجتدي للّنفعِ غيركَ منهمُ
وأنتَ إمامٌ للبريّةِ مقنعُ

اشتهر بالغزل ومن شعره الغزلي هذه الابيات :

أفي كل يوم حبة القلـب تقـرع
وعيني لبين من ذوي الـود تدمـع

أبالجَد أَنـي مبتلـى كل ساعـة
بهم لـه لوعــات حــزن تطلــع

إِذا ذَهَبَـت عَنّـي غَواشٍ لِعَبـرَة
أظـل الأُخـرى بَعدَهــا أَتَوَقــع

فلا النفس من تهمامهـا مُستَريحة
وَلا بالذي يأتي من الدهر تقنع

وَلا أَنا بِالَّلائـي نَسَبـتُ مُـرزؤ
وَلا بـذوي خـلصِ الصَفـا متمتِـع

وأولع بي صرف الزمـان وعطفه
لتقطيع وصل خلـة حيـن تقطَـع

وعاش بدمشق بقية حياته ولما قربت منيته قال هذه الابيات يخاطب صا حبته بشر وهي مغنية من المدينة :

يا بشرُ يا ربَّ محزون بمصرعنا
وشامتٍ جذلٍ ما مسه الحزنُ

يا بشرُ هبِّي فإنّ النّومَ أرَّقه
نأيٌ مثبتٌّ وأرضٌ غيرها الوطنُ

ويقول يخاطبها ايضا :

ما لجديدِ الموتِ يا بشرُ لذّةٌ

وكلّ جديدٍ تستلذُّ طرائفهْ

فلستُ وإنْ عيشٌ تولّى بجازعٍ
ولا أنا ممّا حمَّم الموتُ خائفهْ

ثمّ يسلم الرّوح ويستقبل الموت غير مبالٍ به ولا هياب كما عاش حياته غير محتفلٍ بها فقد توفى بدمشق سنة \105 هجرية – 723 ميلادية ودفن فيها .

اشتهر الاحوص في المدح والهجاء والغزل وكان حماد الراوية يقدمه في النسيب على شعراء زمانه.ويقول متغزلا :

رَامَ قَلْبِي السُّلُوَّ عَنْ أَسْمَاءِ
وَتَعزَّى وَمَا بِهِ مِنْ عَزَاءِ

سُخْنَة ٌ في الشِّتَاءِ بَارِدَة ُ الصَّيْـ
ـفِ سِرَاجٌ في اللَّيْلَة ِ الظَّلْمَاءِ

كَفِّنَانِي إنْ مِتُّ فِي دِرْعِ أَرْوَى
وامْتَحَا لِي مِنْ بئْرِ عُرْوَة َ مَائِي

إنَّني والَّذي تَحُجُّ قُرَيشٌ
َيْتَه ُ سَالِكِينَ نَقْبَ كَدَاءِ

لَمُلِمٌّ بِهَا وإِنْ أُبْتُ مِنْها
صادِراً كالّذي وَرَدْتُ بِدَاءِ

ولها مربعٌ ببرقة ِ خاخٍ
وَمَصيفٌ بالقصرِ قَصْرِ قُباءِ

قلبتْ لي ظهرَ المجنِّ فأمستْ
قدْ أطاعتْ مقالة َ الأعداءِ

ويقول في مدح الوليد بن عبد الملك :

أَمَنْزِلَتَيْ سَلْمَى عَلَى القِدَمِ ?سْلَمَا
فقدْ هجتما للشَّوقِ قلباً متَّيما

وذكَّرتما عصرَ الشَّبابِ الَّذي مضى ٍ
وَجِدَّة َ وَصْلٍ حَبْلُهُ قَدْ تَجَذَّمَا

وَإِنِّي إِذَا حَلَّتْ بِبِيشٍ مُقِيمَة ً
وحلَّ بوجٍّ جالساً أوْ تتهَّما

يَمَانِيَة ٌ شَطَّتْ فأَصبَحَ نَفْعُهَا
رَجَاءً وَظنّا ً بالمَغِيبِ مُرَجَّمَا

أُحِبُّ دُنُوَّ الدَّارِ مِنْهَا وَقَدْ أَبَى
بِهَا صَدْعُ شَعْبِ الدَّارِ إِلاّ تَثَلُّمَا

بكاها وما يدري سوى الظَّنِّ منْ بكى
أَحَيّاً يُبَكِّي أَمْ تُرَاباً وَأَعْظُمَا

فدعها وأخلفْ للخليفة ِ مدحة ً
تزلْ عنكَ يؤسي أوْ تفيدكَ أنعما

فَإِنَّ بِكَفَّيْهِ مَفَاتِيحَ رَحْمَة ٍ
وغيثَ حياً يحيا بهِ النَّاسُ مرهما

إِمَامٌ أَتَاهُ المُلْكُ عَفْواً وَلَمْ يُثِبْ
على ملكهِ مالاً حراماً ولا دما

تَخَيَّرَهُ رَبُّ العِبَادِ لِخَلْقِهِ
وليِّا وكانَ اللهُ بالنَّاسِ أعلما

فَلَمَّا قَضَاهُ اللَّهُ لَمْ يَدْعُ مُسْلِماً
لِبَيْعَتِهِ إِلاَّ أَجَابَ وَسَلَّمَا

ينالُ الغنى والعزّ منْ نالَ ودَّهُ
وَيَرْهَبُ مَوْتاً عَاجِلاً مَنْ تَشَأَّمَا

امير البيـــــــــان العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز

****************************** **