تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: فذرهم وما يفترون

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2013
    المشاركات
    100

    افتراضي فذرهم وما يفترون

    فذرهم وما يفترون
    كان النبي يجد من خصومه وأعداءِ دعوته صنوفاً من الأذى الحسي والمعنوي، وكان ـ لبشريته ـ يغشاه من الغم وضيق الصدر ما يغشاه، ولما يجده من صدود وإعراض وتكذيب؛ أنزل الله تعالى جملةً من الآيات في سوَر مختلفة، وأوقاتٍ متفاوتة ما يسلّي به قلبه ، ومن ذلك: هاتان الآيتان: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُون * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُو ا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ﴾[الأنعام:112- 113].وهاتان الآيتان وإن وردتا في سياق الحديث مع المكذبين والمعاندين، إلا أن هدايتهما لا تتوقف عند هذه الفئة من الناس، فثمة مواقف تتشابه مع هذه الصورة التي ذكرها القرآن، تتكرر بين أتباع الرسل من العلماء والدعاة إلى الله على بصيرة، وبين خصومهم من المغرضين والمنافقين فضلاَ عن الكفار!وهكذا هي سنة الله، فكما جعل للأنبياء أعداءً، فلأتباعهم نصيبٌ من ذلك، والشأن هنا ليس في تقرير هذه الحقيقة ـ فهي واضحة بيّنة ـ، بل الشأن في الإفادة من طريقة القرآن في كيفية التعامل مع هذه الأساليب التي تتكرر في كل وقت وحين!إن مِن عظمة القرآن أنه لم يحدِّد وصفَ العدو على سبيل التعيين، فقد يكون كافراً، وقد يكون منافقاً عليمَ اللسان، وقد يكون منافساً من إخوانه في الدِّين، لكنه انتقل من المنافسة الشريفة إلى المنافسة السخيفة، بدافع الحسد أو الهوى، والذي غالباً ما يظهر بثوب النصح والغيرة تارةً، أو بعدم المداهنة في الدين تارة أخرى!وإن مِن خذلان الله لهذا النوع من الناس أن يجد من يُعينه على هذا الطريق، فإن عَدِم معيناً من الأنس، فلن يَعدَم معيناً من شياطين الجن، يُزين بعضُهم لبعض ما يتنادون له من باطل، فيزخرفونه بالعبارات التي يستميلون بها السذج والسفهاء والأغبياء، الذين لا يفهمون الحقائق ولا يدركون المعاني، بل تغرّهم الألفاظُ البليغة، والعباراتُ المنمّقة، فيعتقدون الحق باطلاً والباطل حقاً! فإذا ما تمّت هذه المرحلة، انتقلوا إلى الرضى بها: ﴿وَلِيَرْضَوْهُ﴾، فتُزيّن أفعالهم في قلوبهم، ثم تقع الترجمةُ العملية لذلك الرضى بسيّئ الأقوال والأفعال التي يقترفونها! فلا يتحاشون مِن كذب أو تمويه، أو تضليل، فإن عجزوا فبوشاية إلى من يَقدِر على أذيتهم!ونحن البشر تَقصُر عقولُنا عن إدراك الحكم العظيمة من وراء هذه الابتلاءات، والتي لو لم يكن منها إلا تمييز الصادق من الكاذب، والعاقلِ من الجاهل، وبيان الحق وتوضيحه لكفى، "فإن الحق يستنير ويتضح، إذا قام الباطل يصارعه ويقاومه"([1])، بالإضافة إلى ما يقع من رفعةٍ لدرجات هؤلاء بسبب ما يقع لهم من أذية، وضيق وهمٍّ.لكن ما المنهج في التعامل مع هذا النوع من الناس؟! تُلَخّصُ الآيةُ هذا كلَّه بكلمتين فقط: ﴿فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُون﴾! لأن انشغال الداعية بالرد على افتراءتهم وكذبهم، أو تهويلهم وتضخيمهم للأخطاء، وتتبُّعِهم للزلات؛ سيعيقه عن مهمته الأصلية، وخصومُه لن يتوقفوا عن تتبع عثراته، وتضخيم أخطائه.والموفّقُ من نظر فيما يقوله الخصوم؛ فإن كان حقّاً صحح خطأه، وإن كان باطلاً أعرض عنه ومضى في طريقه، ولسان حاله يقول:
    عداتي لهم فضلٌ عليّ ومِنّة ** فلا أذهبَ الرحمنُ عنّي الأعاديا
    هُمُ بحثوا عن زلّتي فاجتنبتُها ** وهم نافسوني فاكتسبتُ المعاليا
    نعم، ثمة مواقف ينبغي أن يبادر الإنسانُ فيها عن نفي التهمة الملصقة به، خاصةً إذا ما انتشرت وذاعت، وكان في ترك البيان مفسدةٌ تربو على مفسدة السكوت.والذي يظهر في هذه المسألة، أنه ينبغي التفريق بين تُهَم ملفّقة، أو تهويل مصطنع يتصل بالشخص لذاته، وبين الطعن فيه لذات العقيدة والمنهج الذي ينتسب له، ففي الأولى السكوتُ هو الأصل، وفي الثانية الدفاعُ هو الأصل، يدلُّ لهذا لما قال أبو سفيان ـ قبل أن يُسلِم ـ في غزوة أُحدٍ، بعد انتهاء المعركة ـ: أفي القوم محمد؟ ثلاث مرات، فنهاهم أن يجيبوه، ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثلاثَ مرات، ثم قال: أفي القوم ابن الخطاب؟ ثلاث مرات، ثم رجع إلى أصحابه فقال: أما هؤلاء، فقد قُتِلوا، فما ملك عمر نفسَه، فقال: كذبت والله يا عدو الله! إن الذين عددتَ لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسوءك، قال: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، إنكم ستجدون في القوم مُثلة، لم آمر بها ولم تسؤني، ثم أخذ يرتجز: أُعلُ هبلْ، أُعلُ هبل، قال النبي : «ألا تجيبوا له»، قالوا: يا رسول الله، ما نقول؟ قال: "قولوا: الله أعلى وأجل"، قال: إن لنا العزى ولا عزى لكم، فقال النبي : «ألا تجيبوا له؟»، قالوا: يا رسول الله، ما نقول؟ قال: «قولوا: الله مولانا، ولا مولى لكم»([2])، فلما كان الأمر يتعلق بذوات الثلاثة سكتوا، فلما مُسّ جانبُ الدين أُجيب، والله أعلم.إن الداعية حين يسير في كلامه وصمته على بصيرة، يهتدي بآيات القرآن، ويتأسى بسيرة سيد الدعاة إلى الله ؛ فسيجد ثَلَجَ اليقين، وراحةَ البال، وهو يردد: "اللهم اغفر لهم فإنهم لا يعلمون".

    ([1]) تفسير السعدي: (269).
    ([2]
    ) البخاري ح(3039).



    موقع د. عمر المقبل: almuqbil.com
    للتواصل مع إدارة النشر: entries.almuqbil@gmail.com

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    17,333

    افتراضي رد: فذرهم وما يفترون


    هكذا كل من اتَّبع الحق ودعا إليه سيكون هدفا للمشركين والمنافقين
    يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ وسيسلط المُخذِّلون المُثبِّطون عليه ألسنتهم فيفترون عليهم وينبزونهم ويلمزونهم فـ"لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ"ولن يكتفيَ أهل الشرك ومَن والاهم بالافتراء والكذب بل سيجيشون الجيوش ليستئصلوهم لكن تكون عليهم حسرة وخسارة ....


  3. #3

    افتراضي رد: فذرهم وما يفترون

    بارك الله فيكم
    الحمد لله رب العالمين

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •