هل أرواح الموتى تتزاور؟
قال ابن القيم: إن الأرواح قسمان: إما معذبة، وإما منعمة.
فالمعذبة في شغل بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي.
وأما المنعمة المرسلة غير المحبوسة، فتتلاقى وتتزاور، وتتذاكر ما كان منها في الدنيا، وما يكون من أهل الدنيا، كل روح مع رفيقها الذي على مثل عملها.
قلت (أبو البراء) : ومما يدل على جواز التزاور حديثُ أم هانئ - رضي الله عنها - أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنتزاور إذا متْنَا، ويرى بعضنا بعضًا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تكون النسم طيرًا تعلق بالشجر، حتى إذا كانوا يوم القيامة دخلتْ كل نفس في جسدِها) . أحمد (27387) وحسنه لغيره الألباني في الصحيحة (2/178) وقال: للحديث شاهد قوي من حديث كعب بن مالك مرفوعًا به نحوه أخرجه مالك وغيره بسند صحيح، وصححه لغيره محققو المسند (45/383).
، فيدل بمفهومه لا بمنطوقه على جواز التزاور، ومما يستدل به أيضًا حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه: ((وإن المؤمن يصعدُ بروحِه إلى السماء فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفِهم من أهل الأرض...)) .البزار، وصححه السيوطي، وكذا الألباني في الصحيحة (2628)، وذكر له شواهد موقوفة، لها حكم الرفع، قال القرطبي في التذكرة: وهذه الأخبار، وإن كانت موقوفة، فمثلها لا يقال من جهة الرأي؛ انظر: الآيات البينات في عدم سماع الأموات؛ للألوسي، تحقيق الألباني (77 - 112)، فهو كتاب ماتع ومفيد.
وعنه أيضًا - أي أبو هريرة - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن المؤمنَ إذا قُبِض، أتتْه ملائكة الرحمة بحريرةٍ بيضاء، فتقول: اخرُجِي إلى روحِ الله، فتخرج كأطيبِ ريح مسك، حتى إنهم ليناوله بعضهم بعضًا يشمُّونه، حتى يأتون به باب السماء، فيقولون: ما هذه الريح الطيبة التي جاءت من الأرض؟ ولا يأتون سماء إلا قالوا مثل ذلك، حتى يأتون به أرواح المؤمنين، فلهم أشد فرحًا به من أهل الغائب بغائبهم، فيقولون: ما فعل فلان؟ فيقولون: دعوه حتى يستريح، فإنه كان في غم الدنيا، فيقول: قد مات، أما أتاكم؟ فيقولون: ذُهب به إلى أمه الهاوية، وأما الكافر، فيأتيه ملائكة العذاب بمُسْحٍ، فيقولون: اخرجي إلى غضب الله، فتخرج كأنتنِ ريح جيفة، فتذهب به إلى باب الأرض)) . ابن حبان (3014)، وصححه الألباني في الصحيحة (1309).