قال الإمام ابن الصلاح رحمه الله (643 ه،) في "علوم الحديث":
((مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ مَنْ لَا يُفْرِدُ نَوْعَ الْحَسَنِ، وَيَجْعَلُهُ مُنْدَرِجًا فِي أَنْوَاعِ الصَّحِيحِ؛ لِانْدِرَاجِهِ فِي أَنْوَاعِ مَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ([1])))اهـ.

وأول من وُجد عنه التصريح بأن الحديث ينقسم إلى ثلاثة أقسام هو الإمام الخطابي رحمه الله (388هـ) في "معالم السنن"؛ حيث قال رحمه الله: ((اعلموا أن الحديث عند أهله على ثلاثة أقسام حديث صحيح وحديث حسن وحديث سقيم))اهـ.
وقد صرح العراقي رحمه الله (806 هـ) بأن الخطابي هو أول من صرح بذلك حيث قال العراقي رحمه الله في "التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح" (8): ((لم أر من سبق الخطابي إلى تقسيمه ذلك؛ وإن كان في كلام المتقدمين ذكر الحسن وهو موجود في كلام الشافعي رضي الله عنه والبخاري وجماعة([2])))اهـ.
فالخطابي رحمه الله تعالى هو أول من صرح بذلك ثم تبعه بعد ذلك كثير ممن جاء بعده ممن صنفوا في علوم الحديث؛ كابن الصلاح، وابن كثير، والعراقي، والسيوطي، وغيرهم.
وأما عامة المتقدمين فكان الحديث عندهم قسمين فقط؛ إما صحيح وإما ضعيف:
قال شيخ الإسلام رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (18/ 248، 249): ((وَالتِّرْمِذِي أَوَّلُ مَنْ قَسَّمَ الْأَحَادِيثَ إلَى صَحِيحٍ وَحَسَنٍ وَغَرِيبٍ وَضَعِيفٍ؛ وَلَمْ يُعْرَفْ قَبْلَهُ هَذَا التَّقْسِيمُ عَنْ أَحَدٍ؛ لَكِنْ كَانُوا يُقَسِّمُونَ الْأَحَادِيثَ إلَى صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ كَمَا يُقَسِّمُونَ الرِّجَالَ إلَى ضَعِيفٍ وَغَيْرِ ضَعِيفٍ؛ وَالضَّعِيفُ عِنْدَهُمْ نَوْعَانِ: ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ؛ وَهُوَ الضَّعِيفُ فِي اصْطِلَاحِ التِّرْمِذِيِّ؛ وَالثَّانِي ضَعِيفٌ يُحْتَجُّ بِهِ؛ وَهُوَ الْحَسَنُ فِي اصْطِلَاحِ التِّرْمِذِيِّ)) اهـ.
وقال الإمام الذهبي رحمه الله في "سير أعلام النبلاء" (13/ 214) – في معرض كلامه عن سنن أبي داود -: ((فَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُكُوْتِهِ - وَالحَالَةُ هَذِهِ - عَنِ الحَدِيْثِ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا عِنْدَهُ، وَلَا سِيَمَا إِذَا حَكَمْنَا عَلَى حَدِّ الحَسَنِ بِاصطِلَاحِنَا المولَّد الحَادِث، الَّذِي هُوَ فِي عُرْفِ السَّلَفِ يَعُودُ إِلَى قِسمٍ مِنْ أَقسَامِ الصَّحِيْحِ))اهـ .



[1])) حيث قال الحاكم رحمه الله (405 هـ) في "معرفة علوم الحديث" (235): ((ذكر النوع التاسع عشر من علوم الحديث؛ وهو: الصحيح والسقيم))اهـ، فجعله قسمين فقط.

[2])) قلت: أي: وُجد في كلام المتقدمين ذكر الحسن؛ ولا يلزم منه التقسيم الثلاثي؛ لأنهم جعلوا الحسن قسمًا من الصحيح، وليس قسيمًا له.
وهو مقصود كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (18/ 23)؛ حيث قال: ((وَأَمَّا قِسْمَةُ الْحَدِيثِ إلَى صَحِيحٍ وَحَسَنٍ وَضَعِيفٍ فَهَذَا أَوَّلُ مَنْ عُرِفَ أَنَّهُ قَسَمَهُ هَذِهِ الْقِسْمَةَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ)) اهـ؛ أي: أن الترمذي رحمه الله هو أول من استعمل مصطلح الحسن كمصطلح مستقل وكثُر ذلك في أحكامه على الأحاديث، لا أنه أول من جعل الأحاديث أقسامًا ثلاثة؛ ومما يدل على ذلك قوله رحمه الله في موضع آخر (18/ 248، 249): ((وَالتِّرْمِذِي أَوَّلُ مَنْ قَسَّمَ الْأَحَادِيثَ إلَى صَحِيحٍ وَحَسَنٍ وَغَرِيبٍ وَضَعِيفٍ))اهـ؛ فتبيَّن أنه يقصد أنه أول من استعمل هذه المصطلحات، وليس أول من قسمها كأقسام مستقلة؛ لأن الغريب ليس من أقسام الأحاديث الثلاثة. والله أعلم.