قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (852) في "نزهة النظر" (193، 194):
((فإِنَّ التَّصانيفَ في اصْطِلاحِ أَهلِ الحَديثِ، قَدْ كَثُرَتْ للأئمةِ في القديمِ والحَديثِ؛ فمِن أوّلِ مَن صَنَّفَ في ذلك:
القاضي أبو محمَّدٍ الرامَهُرْمُزِي [360 هـ] في كتابه: "المحدِّثُ الفاصل [بين الراوي والواعي]"، لكنَّه لم يَستوعب.
والحاكِمُ أبو عبدِ اللهِ النَّيْسَابوريّ ُ [405 هـ]، لكنَّه لم يُهَذِّب، ولم يُرَتّب.
وتلاه أَبو نُعَيْم الأصْبهاني [430 هـ] فعَمِل على كتابهِ مستخْرَجًا وأبقى أشياءَ للمُتَعَقِّب.
ثمَّ جاءَ بعدَهم الخطيبُ أبو بكرٍ البغداديُّ [463 هـ] فصَنَّفَ في قوانينِ الروايةِ كتاباً سَمَّاهُ: "الكفايةَ"، وفي آدابِها كتابًا سَمَّاهُ: "الجامعَ لآدابِ الشَّيْخِ والسَّامِع"، وقَلَّ فَنٌّ مِن فُنونِ الحَديثِ إِلَّا وقد صَنَّفَ فيهِ كتابًا مفْرَدًا؛ فكانَ كما قال الحَافظُ أبو بكرِ بنُ نُقْطَةَ: "كلُّ مَن أَنْصف عَلِم أَنَّ المحدِّثين بعدَ الخَطيبِ عيالٌ على كُتُبِهِ".
ثم جاء بعضُ مَنْ تَأَخَّرَ عنِ الخطيبِ، فأَخذ مِن هذا العلمِ بنصيبٍ؛ فَجَمع القاضي عِياضٌ [544 هـ] كتابًا لطيفًا سَمَّاهُ: "الإِلْماع [في أصول الرواية وتقييد السماع]".
وأبو حفْصٍ المَيَّانِجيُّ [580 هـ] جُزءًا سَمَّاهُ: "ما لا يسعُ المحدِّثَ جَهْلُهُ". وأمثال ذلك من التصانيف التي اشتهرت، وبُسِطَتْ؛ لِيَتَوَفَّر علمها، واخْتُصِرَتْ؛ لِيَتَيَسَّر فهْمها، إِلى أَنْ جاءَ الحافِظُ الفقيهُ تقيُّ الدِّينِ أبو عمرو عثمان بن الصلاح بن عبدِ الرحمنِ الشَّهْرَزُوْرِ ي نزيلُ دِمِشْقَ فجَمَعَ - لَمّا وَلِيَ تدريسَ الحديثِ بالمدرَسَةِ الأشرفيَّةِ - كتابَهُ المَشهورَ، فهذَّب فُنُونَهُ، وأَملاهُ شيئًا بعدَ شيءٍ؛ فلهذا لم يَحْصُل ترتيبُهُ على الوضع المتناسب، واعتنى بتصانيف الخطيب المفرَّقة، فجمَعَ شَتاتَ مقاصِدها، وضَمَّ إِليها مِن غَيْرِها نُخَبَ فوائدها، فاجتَمَعَ في كتابِه ما تفرَّقَ في غيرهِ؛ فلهذا عَكَف الناسُ عليهِ، وساروا بسَيْرِهِ؛ فلا يُحْصَى كم ناظمٍ له ومُخْتَصِرٍ، ومستدرِكٍ عليهِ ومُقْتَصِرٍ، ومعارِضٍ له ومنتَصِرٍ))اهـ.