الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
وبعد
الداعية هو المصباح الذي يضيء للناس طريقهم ، فهم من غيره في ظلمات وجهل ، وفي ذات الوقت الناس غير مبالين بأحواله وهمومه وأحزانه ، يأخذون منه ما ينجون منه من النار ، والمقابل غير معتنين بمأساته .بل شغلهم الشاغل عدم التأخر عليهم إذا طلبوه في ظلماتهم .
فأنت أيها الداعية حملك ثقيل ولا تنتظر أن يشكرك أحد .
الناس لا يحبون كثير الشكاية خاصة - إذا كنت ملاذهم بعد الله تعالى - فكيف تسمعهم شكواك ؟ معذرة ستقول : إني بشر . ولكن المهمة التي عاتقيك تجعل منك أبا للناس فهم يلجئون إليك في أفراحهم وأتراحهم ، أنت تنفث عنهم همومهم ولن يقبلوا العكس .
فلإن نفثت همك لضائقة مالية سبوك في دينك ، وإن كانت شكاية مرض هنت عليهم .
الناس تحب أن تشكو ولا يحبون أن يشكى لهم .خاصة أنت .
إذا أرهـقتك همـوم الحـياة ومسك منها عظيم الضرروذقـت الأمرين حتى بكيت وضج فؤادك حتى انـفجروسدت بوجهك كل الدروب وأوشكت تسقط بين الحفرفيـمم إلـى الله فـي لهـفة وبث الشكاة لـرب البشركان حبيبك صلى الله عليه وسلم ملاذه خلوته مع ربه (( إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي ....)) مع الناس وبينهم ينشر الحب والتفاؤل بل يزرع بينهم الابتسامة ويجعلها دين وصدقة ،
ولكن مع زوجته إذا رأت تغيرا سألته عن حاله فيقول : "هدني الناس "، ولم يظهر أي شكاية . يقول: " وارأساه "
هذا في البيت ولا أحد يعلم عنه شيئا ، بل في مرض الموت يأتي يتهادى بين الرجلين ليصلي جماعة .
شكاية الداعية للعوام منقصة ،وكيف تشكو ؟ أتشكو من يرحم لمن لا يرحم ؟ كن مثل يعقوب عليه السلام إنما أشكو بثي وحزني إلى الله أظهر ذلك وخضوعك وشكايتك له سبحانه ، فلا يعلم السر وأخفى إلا هو .

قال الأحنف بن قيس: شكوت إلى عمي وجعاً في بطني فنهرني ثم قال:
يا ابن أخي : لا تشك إلى أحد ما نزل بك, فإنماالناس رجلان:
صديق تسوؤه
وعدو تسره
يا ابن أخي : لا تشكو إلى مخلوق مثلكلا يقدر على دفع مثله لنفسه
ولكن اشك إلى منابتلاك به,فهو قادرعلى أن يفرّج عليك
يا ابن أخي: إحدى عيني هاتينما أبصرت بهما سهلاً ولا جبلاً
منذ أربعين سنةوما أطلعت ذلك امرأتي ولا أحداً من أهلي.

قال ابن القيم: "الجاهل يشكو الله إلى الناس، وهذا غاية الجهل بالمشكو والمشكو إليه، فإنه لو عرف ربه لما شكى، ولو عرف الناس لما شكى إليهم، رأى بعض السلف رجلاً يشكو إلى رجل فاقته، فقال يا هذا: والله ما زدت على أن شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك".

فإذا أردت أن تنفث همك لا محالة فلا تنفثه إلا لمن تحبه من أهل الخير والعلم والصلاح ، والأولى أن لاتشكو إلا لله تعالى .
لا تنفث همك لمن تدعوه فتسقط من نظره فهذه نكاية لك ، إن لم ينشر سرك عند أول خصومة فسيكون في نفسه شيء.وعندها كلامك ليس بمحط اهتمام .
فاحذر حفاظا على عمامتك وهيبتك أن تكون كثير الشكاية فأنت سمعة دعوة.
حفظ الله الدعوة من دعاة السوء ،وحفظ الله دعاتنا من كل شكوى وكل نجوى .
وصل اللهم على محمد وآله وسلم , وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
عادل الغرياني