الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين .
وبعد،
أخي الداعية الودود وريث منزلة النبوة ، بعد ما طفنا سويا حول زهد الداعية ، سأرحل بك ولكن هذا بعد جهد ومران وممارسة في باب الزهد ، لندخل باب الصفاء " تصفية الأحوال " فالمحب لكي يصل إلى أي درجة من درجات القرب يبدأ بالزهد ، ومرحلة الصفاء هي التي يطلق عليها " طريق العارفين " ؛ لأن همة العارفين تصحيح وتصفية الأحوال.
فليس الكلام عن صفاء السريرة زهدا بل هو منزلة تفوق الزهد جعلنا الله وإياك من المحسنين .
قال الله عز وجل : وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا . قال ابن عباس : الطاعة ، وقال مجاهد : الإسلام ، وقال : وطريق الحق ، وقال قتادة : لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا .
يروى عن النبي فيما يروي عن ربه عز وجل : " لو أن عبادي أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل ،
و أطلعت عليهم الشمس بالنهار ، و لم أسمعهم صوت الرعد " رواه أحمد وحسنه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله ، وضعفه الألباني رحمه الله.
ويروى عنه : " البر لا يبلى ، والذنب لا ينسى ، والديان لا يموت ، افعل ما شئت كما تدين تدان " ضعفه الألباني .
فالصفاء ينبع من استقامة المرء فيصل للزهد فيستقيم على الزهد فيبلغ مرحلة الصفاء ( الإحسان : يعبد الله كأنه يراه ).
فصفات الأصفياء،

قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى : رجال مؤمنون ونساء مؤمنات ، يحفظ الله بهم الأرض ، بواطنهم كظواهرهم بل أجلى ، وسرائرهم كعلانيتهم بل أحلى ، وهممهم عند الثريا بل أعلى ، إن عرفوا تنكروا ، وإن رُئيتلهم كرامة أنكروا ، فالناس في غفلاتهم وهم في قطع فلاتهم ( الفلاة : الصحراء ) ، تحبهم الأرض ، وتفرح بهم أفلاك السماء .

أجدادنا الأصفياء عرفوا فلم يغتروا ، وعلموا بأن الله تعالى لا يغير الخير شرا ولا الشر خيرا إلا إذا غيرت أنت نفسك
قال تعالى : إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فغير نفسك إلى الأفضل وليس الأمر صعبا فعليك فقط أن تمسك بحبل الله تعالى وهناك ستصل قال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا

صلاح أمرك للأخلاق مرجعه فقوم النفس بالأخلاق تستقم.
والنفس من خيرها في خير عافية والنفس من شرها في مرتع وخم

وإياك والغرور
كان أبو علي الروذباري رحمه الله يقول : من الاغترار أن تسيء فيحسن إليك ، فتترك التوبة توهما أنك تسامح في العقوبات .
نق نفسك من الأدران الداخلية تصفو لك الحياة ، فصفاء النفس وحسن المعاملة ينبع من صفاء السريرة .

" ومن أحب تصفية الأحوال عليه الاجتهاد في تصفية الأعمال ".

ينشر عبيرك ، أو يسود وجهك .
يروى عن النبي : لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لخرج عمله للناس كائنا من كان " رواه أحمد. فأعمال السر ينشرها الله إما على فلتات لسانه أو تقسيمات وجهه ، وتلك عاجل بشرى المؤمن

قال ابن الجوزي رحمه الله : إن العبد ليخلو بمعصية الله تعالى فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر ، ومن أصلح سريرته فاح عبير فضله ، وعبقت القلوب بنشر طيبه ، فالله الله في السرائر ، فإنه ما ينفع مع فسادها صلاح ظاهر الزينة والجمال، إن لم تكن أصلا في الشيء فلابد من يوم يظهر الزيف ، وتتبين الحقائق ، وتعرف المعادن . فلا نفع في الركعات إن لم تكن بخشوع وحضور قلب ، ولا نفع بحركات إن لم تكن بنية وصواب .ا هـ
ما سبقكم بكثرة صلاة
أخي الداعية دَعَوتُك لتكثر العبادات لتكون من الزهاد ، فهل فهمت لماذا تكثر العبادات ؟ لكي يأتي في قلبك حب الخشوع ،وتصل إلى طريق العارفين فالعارفون هم الأصفياء .
ولأنهم أصفياء فكانوا يعرفون سوء سيئاتهم قال الفضيل بن عياض رحمه الله : إني لأعصي الله ، فأعرف ذلك في خلق دابتي ، و جاريتي .
انظر ماذا قال حبيبك لأصحابه عن الصديق : ما سبقكم بكثرة صلاة ولا صيام ولكن ( وإن كان كثير الصلاة والصيام ...) بشيء وقر في القلب وصدقه العمل .وإن كان كثير العمل كثير النوافل ولكنها لم تكن الأصل في السبق ، ولكنها أعمال القلوب تخرج من قلب صفي داخله كخارجه .
وأختم بقول الداراني رحمه الله تعالى: من صفى صفي له ، و من كدر كدر عليه ، و من أحسن في ليله كوفىء في نهاره .

وصل اللهم على محمد وآله وسلم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
عادل الغرياني