بسم الله الرحمن الرحيم
لا شك أن الخلافة الإسلامية أمر يرغب كل مسلم في تحقيقه ، وهو متحقق لا محالة بخبر الصادق الذي لا ينطق عن الهوى ، لكن قيام تلك الخلافة لها شروطها الموضوعية ، ووسائلها المشروعة ، وغاياتها النبيلة التي لا تقتصر منفعتها وثمراتها على المسلمين فقط وإنما تعم بخيرها جميع الإنسانية ، بعد أن يكثر في الأرض الظلم والجور والقتل ، فيبعث الله للناس خليفة يبدل كل ذلك بالأمن والأمان والعدل والإنصاف ، ويعم الخير وتحل البركات ، ويفرح آنذاك من كان مسلما قبل حصول هذا التغيير الإيجابي ، بأنه بإسلامه كان من المساهمين فيه .
ولا أظن أن قيام الخلافة الإسلامية من طرف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ، يمكن أن يكون تحقيقا للوعد النبوي . فهذا القيام المفاجئ أمر لا يسلم من كثير من التساؤلات ، فإعلان التنظيم بعد شهور من ظهوره على الساحة ، يثير مجموعة من الشكوك ، ويجعل الريبة تتناسل في نفوس كثير من المسلمين ، حول الخليفة المعلن ، ووجوب بيعته ، وحرمة عدم الخروج عليه ، وكل ما يستتبعه بعد ذلك من مباحث السياسة الشرعية في أدبيات أهل السنة والجماعة .
ولعل الملفت للنظر تلك الهالة الإعلامية التي صاحبت الإعلان ، والظهور الأول للخليفة وهو يؤدي صلاة الجمعة ، ويصعد المنبر وفي إحدى قدميه عرج لا تخطئه النظرة ، مما فسره البعض على أنه فأل سيء بعوج في التطبيق وغبش في التنظير ، وعمى في إدراك الواقع المعيش ، وتغييب لفقه التوقع أو المآلات .
على أن المسلم العامي سيفرح حتما حينما يتم الإعلان عن قيام خليفة للمسلمين ، سيحارب أمريكا وإسرائيل بدعوى الجهاد في سبيل الله ضد أعداء الله . لكنه بعد أيام قلائل سيجد التصرفات التي تنسب للدولة المزعومة ، تختلف اختلافا جذريا عن التصورات التي يحتفظ بها كل مسلم عن دولة المسلمين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي زمن صحابته ومن بعدهم عبر العصور الإسلامية .
لم تكن دولة الإسلام أبدا دولة القتل على الملأ ، ولا دولة الدم المسفوح ، أو التباهي بحمل الرؤوس المقطوعة ، وأخذ الصور قرب الأشلاء الممزقة ، ولا التمثيل المتعمد بالجثث ، أو الإفتخار بالإجهاز على الجريح ، ولا يتم التفريق في ذلك بين النساء أو الأطفال أو الشيوخ أو حتى المرضى والمعاقين .
والطامة الكبرى ، حينما لا يتم الاعتراض على الأقل إعلاميا على هذه التصرفات التي تنسب لهذه الدولة ، وهذا أمر يشوه سمعة الإسلام والمسلمين ، والواجب على من يمثل الإسلام وينوب عن المسلمين ، أن يحارب على الأقل إعلاميا كل من يقوم بعمليات تشويه متعمدة هدفها تثبيت تلك الصورة النمطية عن الإسلام بأنه دين الإرهاب والقتل والعنف والإقصاء ، وبأن المسلمين أناس قساة غلاظ جفاة متعطشون للدماء باحثون في حروبهم عن النساء والسبي والمتع الجنسية فقط .
ويبقى هذا الخليفة الذي ليس قرشيا ولا من سلالة النبي صلى الله عليه وسلم ، ساكتا عن بيع نساء العراق سبايا في سوق النخاسة ، وعن تعريض بعض المغرر بهم ، لقصف الطائرات الأمريكية ، وحشد كل أعداء أهل السنة والجماعة في العراق وغيره ضدهم ، فكيف سيبرر كل نقطة دم تسفك بأمره ، أو على الأقل بعمله أو تحت مسؤوليته ، وهو الذي يقرأ عن عمر بن الخطاب يوم قال : والله لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن يسألني الله عنها لمَ لمْ تعبد لها الطريق يا عمر .
ويطالع قول ابن عمر حينما نظر إلى الكعبة المشرفة وقال قولته الشهيرة : إنك لعظيمة عند الله ، لكن دم المرء المسلم أعظم حرمة عند الله منك . ويبقى في الأخير أن نتوجه إلى الله سبحانه ، فهو القادر أن يزيل هذه الغمة عن الأمة .