تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 20 من 20

الموضوع: هل كان صيام يوم عاشوراء واجب؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المشاركات
    1,435

    افتراضي هل كان صيام يوم عاشوراء واجب؟

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    جاء في البحر الرائق (2/ 310)
    [قوله: ولو بلغ صبي أو أسلم كافر أمسك يومه ولم يقض شيئا) فالإمساك قضاء لحق الوقت بالتشبه وعدم القضاء لعدم وجوب الصوم عليهما فيه وأطلق الإمساك ولم يبين صفته للاختلاف فيه والأصح الوجوب لموافقته للدليل وهو ما ثبت من أمره - عليه الصلاة والسلام - بالإمساك لمن أكل في يوم عاشوراء حين كان واجبا]

    الحنفية هنا يستدلون بالحديث على مذهبهم وهو: وجوب الامساك بقية اليوم لمن زال عذره نهار رمضان.
    والحديث متفق عليه وهو عن صيام يوم عاشوراء، ويوم عاشوراء ليس بواجب كرمضان..
    هم قالوا (حين كان واجبا)، فهل كان صيام عاشوراء واجبا؟


    ومع أن الدليل الذي ذكروه في الصحيحين الا أنه لم يُذكر في نصه فيهما أن يوم عاشوراء كان واجبا!
    أقيموا دولة الاسلام في قلوبكم .. تقم لكم على أرضكم ..

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2014
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    513

    افتراضي رد: هل كان صيام يوم عاشوراء واجب؟

    لم يكن واجبا و هذا تكلف من الشارح
    قال بن عمــر
    "مجلس فقـــه خيـــر من عبـــادة ستيــن سنـــة"

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المشاركات
    1,435

    افتراضي رد: هل كان صيام يوم عاشوراء واجب؟

    أحسن الله اليكم .. ونفع بكم
    أقيموا دولة الاسلام في قلوبكم .. تقم لكم على أرضكم ..

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي رد: هل كان صيام يوم عاشوراء واجب؟

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
    مراحل النسخ في الصيام :
    مر الصيام بأربع مراحل :
    1 ـ صيام عاشوراء من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة مع أهل الجاهلية ، كما سيأتي .

    2 ـ وجوبه : ذهب صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فوجد اليهود يصومون ذلك اليوم ، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ . رواه الشيخان ( والأمر يقتضي الوجوب إلا إذا صرفه صارف )
    فأصبح بذلك فرضا ، ودليل ذلك أيضا : عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت : أرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة من كان أصبح صائما فليتم صومه ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه فكنا بعد ذلك نصومه ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن ، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار . رواه الشيخان

    3 ـ التخيير : ودليله حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ،
    وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ فِي الْجَاهِلِيةِ ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ . رواه البخاري .

    4 ـ استحبابه : لحديث أبي قتادة المشهور ـ عند مسلم ـ وفيه : وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله .
    ونسخ صيامه على وجه الفريضة بصيام رمضان ، وانتقل إلى الاستحباب ، وهو ما عليه الناس اليوم . والله أعلم .

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المشاركات
    1,435

    افتراضي رد: هل كان صيام يوم عاشوراء واجب؟

    الله يجزاكم خير .. ويبارك فيكم .. ويزيدكم علما
    على هذه الفوائد والدرر التي تقدمونها لنا دائما

    سؤال أيضا/ هل يدل نسخ وجوب صيام عاشوراء على نسخ حكم وجوب الامساك بقية اليوم أيضا أم لا؟
    أقيموا دولة الاسلام في قلوبكم .. تقم لكم على أرضكم ..

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المشاركات
    1,435

    افتراضي رد: هل كان صيام يوم عاشوراء واجب؟

    أيضا سؤال/ ما مصدركم فيما نقلتم؟

    حتى أوثق ما أكتبه
    أقيموا دولة الاسلام في قلوبكم .. تقم لكم على أرضكم ..

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المشاركات
    1,435

    افتراضي رد: هل كان صيام يوم عاشوراء واجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لجين الندى مشاهدة المشاركة
    أيضا سؤال/ ما مصدركم فيما نقلتم؟

    حتى أوثق ما أكتبه
    بورك فيكم وجدته في:
    لطائف المعارف لابن رجب (ص: 49)
    نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان للعفاني(1/ 498)

    أيضا جاء في نيل الأوطار (4/ 235)
    تعليقا على حديث (الربيع بنت معوذ):
    «أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: من كان أصبح صائما فليتم صومه، ....»
    (الحديث استدل به على أن عاشوراء كان فرضا قبل أن يفرض رمضان).
    أقيموا دولة الاسلام في قلوبكم .. تقم لكم على أرضكم ..

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المشاركات
    1,435

    افتراضي رد: هل كان صيام يوم عاشوراء واجب؟

    طيب لدي سؤالين:
    1- بما أن صيام عاشوراء كان واجبا وقد أمروا بالامساك بقية اليوم، لنص الحديث «من كان لم يصم، فليصم ومن كان أكل، فليتم صيامه إلى الليل»
    هو نص في يوم عاشوراء لكنه صريح بوجوب الامساك بقية اليوم لمن زال عنه العذر نهار اليوم الواجب الصيام فيه.

    لكن لماذا يقول ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/ 409)
    [وإذا طَهُرَت الحائض أثناء النهار (وكانت مُفطِرة)، فلا يَلزَمُهُا الإمساك عن الطعام بقية النهار، لأنه ليس هناك دليل يأمرها بذلك، وعليها قضاء هذا اليوم]

    وأيضا ابن حزم في المحلى (4/ 383)، قال:
    [وأما من رأى القضاء في ذلك [اليوم] على من أسلم؟ فقول
    لا دليل على صحته]

    2- ابن عثيمين في الشرح الممتع أحيانا يرجح عدم لزوم الامساك، وأحيانا يرجح لزوم الامساك:

    الشرح الممتع (6/ 334، 335)
    [(تتمة) أفادنا المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ أن من قام به سبب الوجوب أثناء نهار رمضان مثل أن يسلم الكافر أو يبلغ الصغير أو يفيق المجنون فإنه يلزمهم الإمساك والقضاء، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد وهو قول أبي حنيفة وسبق دليله وتعليله.
    القول الثاني: لا يلزمهم إمساك ولا قضاء وهو الرواية الثانية عن أحمد.
    والقول الثالث: يلزمهم الإمساك دون القضاء وذكر رواية عن أحمد واختيار الشيخ تقي الدين (شيخ الإسلام ابن تيمية) وهو مذهب مالك وهو الراجح؛ لأنهم لا يلزمهم الإمساك في أول النهار لعدم شرط التكليف وقد أتوا بما أمروا به حين أمسكوا عند وجود شرط التكليف، ومن أتى بما أمر به لم يكلف الإعادة].

    ثم قال في (6/ 335، 336)
    [وأما الإمساك فكلام المؤلف ـ رحمه الله ـ يدل على وجوبه وهو المذهب؛ لأنهم إنما أفطروا لمانع وقد زال والحكم يزول بزوال علته، وعن أحمد رواية أخرى لا يلزمهم الإمساك؛ لأنهم يجوز لهم الفطر في أول النهار ظاهراً وباطناً، فقد حل لهم في أول النهار الأكل والشرب وسائر ما يمكن من المفطرات، ولا يستفيدون من هذا الإمساك شيئاً، وحرمة الزمن قد زالت بفطرهم المباح لهم أول النهار، وقد روي عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: «من أكل أول النهار فليأكل آخره» يعني أن من حل له الأكل في أول النهار حلَّ له الأكل في آخره، وهذا القول هو الراجح وعلى هذا لو قدم المسافر إلى بلده مفطراً ووجد زوجته قد طهرت أثناء ذلك اليوم من الحيض وتطهرت جاز له جماعها.
    وإذا أفطر لإنقاذ غريق فأنقذه لم يلزمه الإمساك آخر النهار.
    وإذا أفطرت مرضع خوفاً على ولدها ثم مات في أثناء اليوم لم يلزمها إمساك بقيته.
    والقاعدة على هذا القول الراجح أن من أفطر في رمضان لعذر يبيح الفطر، ثم زال ذلك العذر أثناء النهار لم يلزمه الإمساك بقية اليوم].

    وفي (6/ 409)
    [والقول الثاني: أنه لا يلزمهم الإمساك؛ لأن هذا اليوم في حقهم غير محترم، إذ إنهم في أوله مفطرون بإذن من الشرع، وليس عندنا صوم يجب في أثناء النهار، إلا إذا قامت البينة، فهذا شيء آخر وعلى هذا لا تلزمهم الكفارة إذا حصل الجماع.
    وهذا هو القول الراجح]

    السؤال/ ما هو الراجح عند ابن عثيمين؟
    أقيموا دولة الاسلام في قلوبكم .. تقم لكم على أرضكم ..

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Feb 2014
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    513

    افتراضي رد: هل كان صيام يوم عاشوراء واجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو مالك المديني مشاهدة المشاركة
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
    مراحل النسخ في الصيام :
    مر الصيام بأربع مراحل :
    1 ـ صيام عاشوراء من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة مع أهل الجاهلية ، كما سيأتي .

    2 ـ وجوبه : ذهب صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فوجد اليهود يصومون ذلك اليوم ، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ . رواه الشيخان ( والأمر يقتضي الوجوب إلا إذا صرفه صارف )
    فأصبح بذلك فرضا ، ودليل ذلك أيضا : عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت : أرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة من كان أصبح صائما فليتم صومه ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه فكنا بعد ذلك نصومه ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن ، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار . رواه الشيخان

    3 ـ التخيير : ودليله حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ،
    وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ فِي الْجَاهِلِيةِ ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ . رواه البخاري .

    4 ـ استحبابه : لحديث أبي قتادة المشهور ـ عند مسلم ـ وفيه : وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله .
    ونسخ صيامه على وجه الفريضة بصيام رمضان ، وانتقل إلى الاستحباب ، وهو ما عليه الناس اليوم . والله أعلم .
    أخي أبا مالك أستسمحك أن نتناقش من باب الحوار العلمي تفيدني و أفيدك و كم أسعد بهذه المناقشلت فإنها تفتح كثيرا من الإشكالات
    في الحديث "و أمر بصيامه" يدل على الأمر إلا بصارف
    أليس الصارف قول النبي" من كان أصبح مفطرا " فالناس لم يعرفوا أنه واجب فلم يصوموا و لا تقل لي القرى فالأمر الواجب - و خصوصا ركن من أركان الإسلام- لابد من معرفة الناس به و ينبغي أن لا يخفى على الكثير من الناس نعم قد يخفى على أفراد قلة و كون النبي يرسل دلالة على أن النبي يعلم أن الناس لا يعرفون الوجوب
    ثم لما أمرهم بالصيام و صار واجبا فما الذي نسخ هذا لا تقل لي رمضان يمكن صيام رمضان مع عاشوراء و النبي لم يترك صيام عاشوراء بل ظل يصومه حتى قال لئن عشت للعام القادم لأصومن التاسع و ما النص المتأخر الناسخ لا تقل لي رمضان أو أنه ترك أريد نصا كما هو مقرر في الأصول
    و لذا و الله أعلم لم يفرض صيام عاشوراء و أمر النبي بالصيام من باب الاستحباب لا الوجوب
    و في الآية كتب عليكم الصيام نزلت لصيام رمضان فدل على أن الصيام لم يفرض قبل
    ثانيا قول الشارح" أمره بالإمساك لمن أكل يوم عاشوراء حين كان واجبا" فكيف يكون واجبا ثم النبي يأمر بالامساك أي يعيد الأمر بالوجوب
    ثالثا في الحديث أنا أحق بموسى منكم فالنبي صامه من باب الأحقية لا من باب التشريع
    رابعا في الحديث أنا أحق بموسى منكم فصامه فالفاء تفيد أن النبي لم يصمه من قبل في الجاهلية و هذا معارض لحديث عائشة وقول النبي أنا أحق بموسى يدل على أن النبي لم يصمه من قبل و إلا كان استمر على صيامه
    ثم أخي أبا مالك تعرف أن كثيرا من الشراح إذا شرحوا متنا يشرحونه وفق مذهبهم لا وفق مذهب صاحب المتن و لذا قلت أنه تكلف ترجيحا لقول الجمهور لا ردا على ذات الشارح
    قال بن عمــر
    "مجلس فقـــه خيـــر من عبـــادة ستيــن سنـــة"

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي رد: هل كان صيام يوم عاشوراء واجب؟

    نفع الله بكم جميعا .عذرا على تأخير الرد بسبب أنني لم أستطع الدخول بسبب أعطال فنية في المجلس ، لعل إخواننا يعالجونها ، وفقهم الله تعالى للخير دائما .لعلي أنقل لكم يفيد أكثر ، ويزيل الإشاكلات الواردة بإذن الله .قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 25 / 311 : وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ : هَلْ كَانَ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاجِبًا ؟ أَوْ مُسْتَحَبًّا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا .وقال العلامة ابن القيم في زاد المعاد [ صِيَامُ عَاشُورَاءَ ]وَأَمّا صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَإِنّهُ كَانَ يَتَحَرّى صَوْمَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَيّامِ وَلَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ تَصُومُهُ وَتُعَظّمُهُ فَقَالَ نَحْنُ أَحَقّ بِمُوسَى مِنْكُمْ " . فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ وَذَلِكَ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ فَلَمّا فُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ " مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَقَدْ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ النّاسِ هَذَا وَقَالَ إنّمَا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ فَكَيْفَ يَقُولُ ابْنُ عَبّاسٍ : إنّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ ؟ [ ص 64 ] وَفِيهِ إشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتْ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَكَانَ يَصُومُهُ فَلَمّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَالَ " مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَإِشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " أَنّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَتَغَدّى فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمّدٍ اُدْنُ إلَى الْغِدَاءِ . فَقَالَ أَوَلَيْسَ الْيَوْمُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ ؟ فَقَالَ وَهَلْ تَدْرِي مَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ ؟ قَالَ وَمَا هُوَ ؟ قَالَ إنّمَا هُوَ يَوْمٌ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَصُومُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ فَلَمّا نَزَلَ رَمَضَانُ تَرَكَهُ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ يَوْمٌ تُعَظّمُهُ الْيَهُودُ وَالنّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " إذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إنْ شَاءَ اللّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التّاسِعَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتّى تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَهَذَا فِيهِ أَنّ صَوْمَهُ وَالْأَمْرَ بِصِيَامِهِ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامِ وَحَدِيثُهُ الْمُتَقَدّمُ فِيهِ أَنّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةِ ثُمّ إنّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَخْبَرَ أَنّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ تُرِكَ بِرَمَضَانَ وَهَذَا يُخَالِفُهُ حَدِيثُ ابْنُ عَبّاسٍ الْمَذْكُورُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ تُرِكَ فَرْضُهُ لِأَنّهُ لَمْ يُفْرَضْ لِمَا ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ " هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يَكْتُبْ اللّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ " [ ص 65 ] وَإِشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنّ مُسْلِمًا رَوَى فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ لَمّا قِيلَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ هَذَا الْيَوْمَ تُعَظّمُهُ الْيَهُودُ وَالنّصَارَى قَالَ " إنْ بَقِيتُ إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنّ التّاسِعَ " فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْقَابِلُ حَتّى تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ الْحَكَمِ بْنِ الْأَعْرَجِ قَالَ انْتَهَيْتُ إلَى ابْنِ عَبّاسٍ وَهُوَ مُتَوَسّدٌ رِدَاءَهُ فِي زَمْزَمَ فَقُلْتُ لَهُ أَخْبِرْنِي عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ . فَقَالَ إذَا رَأَيْتَ هِلَالَ الْمُحَرّم فَاعْدُدْ وَأَصْبَحَ يَوْمَ التّاسِعِ صَائِمًا قُلْتُ هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَصُومُهُ ؟ قَالَ نَعَمْ وَإِشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنّ صَوْمَهُ إنْ كَانَ وَاجِبًا مَفْرُوضًا فِي أَوّلِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِقَضَائِهِ وَقَدْ فَاتَ تَبْيِيتُ النّيّةِ لَهُ مِنْ اللّيْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرْضًا فَكَيْفَ أَمَرَ بِإِتْمَامِ الْإِمْسَاكِ مَنْ كَانَ أَكَلَ ؟ كَمَا فِي " الْمُسْنَدِ " وَالسّنَنِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدّدَةٍ أَنّهُ عَلَيْهِ - 66ُ - السّلَامُ أَمَرَ مَنْ كَانَ طَعِمَ فِيهِ أَنْ يَصُومَ بَقِيّةَ يَوْمِهِ وَهَذَا إنّمَا يَكُونُ فِي الْوَاجِبِ وَكَيْفَ يَصِحّ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ : فَلَمّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ عَاشُورَاءُ وَاسْتِحْبَابُه ُ لَمْ يُتْرَكْ ؟ وَإِشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنّ ابْنَ عَبّاسٍ جَعَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ التّاسِعِ وَأَخْبَرَ أَنّ هَكَذَا كَانَ يَصُومُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ الّذِي رَوَى عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا الْيَهُودَ صُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ ذَكَرَهُ أَحْمَدُ . وَهُوَ الّذِي رَوَى : أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ يَوْمَ الْعَاشِرِ ذَكَرَهُ التّرْمِذِيّ . فَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْإِشْكَالَاتِ بِعَوْنِ اللّهِ وَتَأْيِيدِهِ وَتَوْفِيقِهِ أَمّا الْإِشْكَالُ الْأَوّلُ وَهُوَ أَنّهُ لَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَلَيْسَ فِيهِ أَنّ يَوْمَ قُدُومِهِ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَهُ فَإِنّهُ إنّمَا قَدِمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ ثَانِيَ عَشْرَةَ وَلَكِنّ أَوّلَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ بِوُقُوعِ الْقِصّةِ فِي الْعَامِ الثّانِي الّذِي كَانَ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمُدِينَةَ وَلَمْ يَكُنْ وَهُوَ بِمَكّةَ هَذَا إنْ كَانَ حِسَابُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي صَوْمِهِ بِالْأَشْهُرِ الْهِلَالِيّةِ وَإِنْ كَانَ بِالشّمْسِيّةِ زَالَ الْإِشْكَالُ بِالْكُلّيّةِ وَيَكُونُ الْيَوْمُ الّذِي نَجّى اللّهُ فِيهِ مُوسَى هُوَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنْ أَوّلِ الْمُحَرّمِ فَضَبَطَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ بِالشّهُورِ الشّمْسِيّةِ فَوَافَقَ ذَلِكَ مَقْدَمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَصَوْمُ أَهْلِ الْكِتَابِ إنّمَا هُوَ بِحِسَابِ سَيْرِ الشّمْسِ وَصَوْمُ الْمُسْلِمِينَ إنّمَا هُوَ بِالشّهْرِ الْهِلَالِيّ وَكَذَلِكَ [ ص 67 ] فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " نَحْنُ أَحَقّ بِمُوسَى مِنْكُمْ " فَظَهَرَ حُكْمُ هَذِهِ الْأَوْلَوِيّةِ فِي تَعْظِيمِ هَذَا الْيَوْمِ وَفِي تَعْيِينِهِ وَهُمْ أَخْطَئُوا تَعْيِينَهُ لِدَوَرَانِهِ فِي السّنَةِ الشّمْسِيّةِ كَمَا أَخْطَأَ النّصَارَى فِي تَعْيِينِ صَوْمِهِمْ بِأَنْ جَعَلُوهُ فِي فَصْلٍ مِنْ السّنَةِ تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَشْهُرُ . وَأَمّا الْإِشْكَالُ الثّانِي وَهُوَ أَنّ قُرَيْشًا كَانْت تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَصُومُهُ فَلَا رَيْبَ أَنّ قُرَيْشًا كَانْت تُعَظّمُ هَذَا الْيَوْمَ وَكَانُوا يَكْسُونَ الْكَعْبَةَ فِيهِ وَصَوْمُهُ مِنْ تَمَامِ تَعْظِيمِهِ وَلَكِنْ إنّمَا كَانُوا يَعُدّونَ بِالْأَهِلّةِ فَكَانَ عِنْدَهُمْ عَاشِرُ الْمُحَرّمِ فَلَمّا قَدِمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يُعَظّمُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَيَصُومُونَهُ فَسَأَلَهُمْ عَنْهُ فَقَالُوا : هُوَ الْيَوْمُ الّذِي نَجّى اللّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ مِنْ فِرْعَوْنَ فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحْنُ أَحَقّ مِنْكُمْ بِمُوسَى فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ تَقْرِيرًا لِتَعْظِيمِهِ وَتَأْكِيدًا وَأَخْبَرَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ وَأُمّتَهُ أَحَقّ بِمُوسَى مِنْ الْيَهُودِ فَإِذَا صَامَهُ مُوسَى شُكْرًا لِلّهِ كُنّا أَحَقّ أَنْ نَقْتَدِيَ بِهِ مِنْ الْيَهُودِ لَا سِيّمَا إذَا قُلْنَا : شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يُخَالِفْهُ شَرْعُنَا . فَإِنْ قِيلَ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنّ مُوسَى صَامَهُ ؟ قُلْنَا : ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا سَأَلَهُمْ عَنْهُ فَقَالُوا يَوْمٌ عَظِيمٌ نَجّى اللّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَأَغْرَقَ فِيهِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا لِلّهِ فَنَحْنُ نَصُومُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " فَنَحْنُ أَحَقّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ " . فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمّا أَقَرّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُكَذّبْهُمْ عَلِمَ أَنّ مُوسَى صَامَهُ شُكْرًا لِلّهِ فَانْضَمّ هَذَا الْقَدْرُ إلَى التّعْظِيمِ الّذِي كَانَ لَهُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَازْدَادَ تَأْكِيدًا حَتّى بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي الْأَمْصَارِ بِصَوْمِهِ وَإِمْسَاكِ مَنْ كَانَ أَكَلَ وَالظّاهِرُ أَنّهُ حَتّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَأَوْجَبَهُ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ . وَأَمّا الْإِشْكَالُ الثّالِثُ وَهُوَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ - 68ُ - أَنْ يَنْزِلَ فَرْضُ رَمَضَانَ فَلَمّا نَزَلَ فَرْضُ رَمَضَانَ تَرَكَهُ فَهَذَا لَا يُمْكِنُ التّخَلّصُ مِنْهُ إلّا بِأَنّ صِيَامَهُ كَانَ فَرْضًا قَبْلَ رَمَضَانَ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْمَتْرُوكُ وُجُوبَ صَوْمِهِ لَا اسْتِحْبَابَهُ وَيَتَعَيّنُ هَذَا وَلَا بُدّ لِأَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ قَالَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامِ وَقَدْ قِيلَ لَهُ إنّ الْيَهُودَ يَصُومُونَهُ لَئِنْ عِشْتُ إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنّ التّاسِعَ أَيْ مَعَهُ وَقَالَ خَالِفُوا الْيَهُودَ وَصُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ أَيْ مَعَهُ وَلَا رَيْبَ أَنّ هَذَا كَانَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ وَأَمّا فِي أَوّلِ الْأَمْرِ فَكَانَ يُحِبّ مُوَافِقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءِ فَعُلِمَ أَنّ اسْتِحْبَابَهُ لَمْ يُتْرَكْ . وَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ إنّ صَوْمَهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا أَحَدُ لْأَمْرَيْنِ إمّا أَنْ يَقُولَ بِتَرْكِ اسْتِحْبَابِهِ فَلَمْ يَبْقَ مُسْتَحَبّا أَوْ يَقُولُ هَذَا قَالَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِرَأْيِهِ وَخَفِيَ عَلَيْهِ اسْتِحْبَابُ صَوْمِهِ وَهَذَا بَعِيدٌ فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَثّهُمْ عَلَى صِيَامِهِ وَأَخْبَرَ أَنّ صَوْمَهُ يُكَفّرُ السّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَاسْتَمَرّ الصّحَابَةُ عَلَى صِيَامِهِ إلَى حِينِ وَفَاتِهِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ حَرْفٌ وَاحِدٌ بِالنّهْيِ عَنْهُ وَكَرَاهَةُ صَوْمِهِ فَعُلِمَ أَنّ الّذِي تُرِكَ وُجُوبُهُ لَا اسْتِحْبَابُهُ . فَإِنْ قِيلَ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ الْمُتّفَقُ عَلَى صِحّتِهِ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ فَرْضِيّتِهِ وَإِنّهُ لَمْ يُفْرَضْ قَطّ . فَالْجَوَابُ أَنّ حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ صَرِيحٌ فِي نَفْيِ اسْتِمْرَارِ وُجُوبِهِ وَأَنّهُ الْآنَ غَيْرُ وَاجِبٍ وَلَا يَنْفِي وُجُوبًا مُتَقَدّمًا مَنْسُوخًا فَإِنّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ لَمّا كَانَ وَاجِبًا وَنُسِخَ وُجُوبُهُ إنّ اللّهَ لَمْ يَكْتُبْهُ عَلَيْنَا . وَجَوَابٌ ثَانٍ أَنّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ النّفْيُ عَامّا فِي الزّمَانِ الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ فَيُخَصّ بِأَدِلّةِ الْوُجُوبِ فِي الْمَاضِي وَتَرْكُ النّفْيِ فِي اسْتِمْرَارِ الْوُجُوبِ . وَجَوَابٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا نَفَى أَنْ يَكُونَ فَرْضُهُ وَوُجُوبُهُ مُسْتَفَادًا مِنْ [ ص 69 ] أَخْبَرَهُمْ بِأَنّهُ كَتَبَهُ عَلَيْهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ } [ الْبَقَرَةُ 183 ] فَأَخْبَرَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي هَذَا الْمَكْتُوبِ الّذِي كَتَبَهُ اللّهُ عَلَيْنَا دَفْعًا لِتَوَهّمِ مَنْ يَتَوَهّمُ أَنّهُ دَاخِلٌ فِيمَا كَتَبَهُ اللّهُ عَلَيْنَا فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْأَمْرِ السّابِقِ بِصِيَامِهِ الّذِي صَارَ مَنْسُوخًا بِهَذَا الصّيَامِ الْمَكْتُوبِ . يُوَضّحُ هَذَا أَنّ مُعَاوِيَةَ إنّمَا سُمِعَ هَذَا مِنْهُ بَعْدَ فَتْحِ مَكّةَ وَاسْتِقْرَارِ فَرْضِ رَمَضَانَ وَنَسْخِ وُجُوبِ عَاشُورَاءَ بِهِ . وَاَلّذِينَ شَهِدُوا أَمْرَهُ بِصِيَامِهِ وَالنّدَاءِ بِذَلِكَ وَبِالْإِمْسَاك ِ لِمَنْ أَكَلَ شَهِدُوا ذَلِكَ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ عِنْدَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ وَفَرْضُ رَمَضَانَ كَانَ فِي السّنَةِ الثّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ فَتُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ صَامَ تِسْعَ رَمَضَانَاتٍ فَمَنْ شَهِدَ الْأَمْرَ بِصِيَامِهِ شَهِدَهُ قَبْلَ نُزُولِ فَرْضِ رَمَضَانَ وَمَنْ شَهِدَ الْإِخْبَارَ عَنْ عَدَمِ فَرْضِهِ شَهِدَهُ فِي آخِرِ الْأَمْرِ بَعْدَ فَرْضِ رَمَضَانَ وَإِنْ لَمْ يَسْلُكْ هَذَا الْمَسْلَكَ تَنَاقَضَتْ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَاضْطَرَبَتْ . فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ يَكُونُ فَرْضًا وَلَمْ يَحْصُلْ تَبْيِيتُ النّيّةِ مِنْ اللّيْلِ وَقَدْ قَالَ " لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيّتْ الصّيَامَ مِنْ اللّيْلِ ؟ " فَالْجَوَابُ أَنّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ [ ص 70 ] كَلَامِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوْ مِنْ قَوْلِ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ ؟ فَأَمّا حَدِيثُ حَفْصَةَ فَأَوْقَفَهُ عَلَيْهَا مَعْمَرٌ وَالزّهْرِيّ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الْأَيْلِيّ عَنْ الزّهْرِيّ وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ الْمَوْقُوفُ أَصَحّ قَالَ التّرْمِذِيّ : وَقَدْ رَوَاهُ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَوْلَهُ وَهُوَ أَصَحّ وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَحّحُ رَفْعَهُ لِثِقَةِ رَافِعِهِ وَعَدَالَتِهِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَيْضًا : رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا وَاخْتُلِفَ فِي تَصْحِيحِ رَفْعِهِ . فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ رَفْعُهُ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ ثَبَتَ رَفْعُهُ فَمَعْلُومٌ أَنّ هَذَا إنّمَا قَالَهُ بَعْدَ فَرْضِ رَمَضَانَ وَذَلِكَ مُتَأَخّرٌ عَنْ الْأَمْرِ بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَذَلِكَ تَجْدِيدُ حُكْمٍ وَاجِبٍ وَهُوَ التّبْيِيتُ وَلَيْسَ نَسْخًا لِحُكْمِ ثَابِتٍ بِخِطَابِ فَإِجْزَاءُ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِنِيّةِ مِنْ النّهَارِ كَانَ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ وَقَبْلَ فَرْضِ التّبْيِيتِ مِنْ اللّيْلِ ثُمّ نُسِخَ وُجُوبُ صَوْمِهِ بِرَمَضَانَ وَتَجَدّدَ وُجُوبُ التّبْيِيتِ فَهَذِهِ طَرِيقَةٌ . وَطَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ هِيَ طَرِيقَةُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنّ وُجُوبَ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ تَضَمّنَ أَمْرَيْنِ وُجُوبَ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِجْزَاءَ صَوْمِهِ بِنْيَةٍ مِنْ النّهَارِ ثُمّ نُسِخَ تَعْيِينُ الْوَاجِبِ بِوَاجِبِ آخَرَ فَبَقِيَ حُكْمُ الْإِجْزَاءِ بِنِيّةِ مِنْ النّهَارِ غَيْرَ مَنْسُوخٍ . وَطَرِيقَةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ أَنّ الْوَاجِبَ تَابِعٌ لِلْعِلْمِ وَوُجُوبُ عَاشُورَاءَ إنّمَا عُلِمَ مِنْ النّهَارِ وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَكُنْ التّبْيِيتُ مُمْكِنًا فَالنّيّةُ وَجَبَتْ وَقْتَ تَجَدّدِ الْوُجُوبِ وَالْعِلْمِ بِهِ وَإِلّا كَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ . قَالُوا : وَعَلَى هَذَا إذَا قَامَتْ الْبَيّنَةُ بِالرّؤْيَةِ فِي أَثْنَاءِ النّهَارِ أَجْزَأَ صَوْمُهُ بِنِيّةِ مُقَارِنَةٍ لِلْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ وَأَصْلُهُ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ شَيْخِنَا وَهِيَ كَمَا تَرَاهَا أَصَحّ الطّرُقِ وَأَقْرَبُهَا إلَى مُوَافَقَةِ أُصُولِ الشّرْعِ وَقَوَاعِدِهِ وَعَلَيْهَا تَدُلّ [ ص 71 ] الطّرِيقَةِ لَا بُدّ فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الشّرْعِ أَوْ مُخَالَفَةُ بَعْضِ الْآثَارِ . وَإِذَا كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَأْمُرْ أَهْلَ قُبَاءَ بِإِعَادَةِ الصّلَاةِ الّتِي صَلّوْا بَعْضَهَا إلَى الْقِبْلَةِ الْمَنْسُوخَةِ إذْ لَمْ يَبْلُغْهُمْ وُجُوبُ التّحَوّلِ فَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ وُجُوبُ فَرْضِ الصّوْمِ أَوْ لَمْ يَتَمَكّنْ مِنْ الْعِلْمِ بِسَبَبِ وُجُوبِهِ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْقَضَاءِ وَلَا يُقَالُ إنّهُ تَرَكَ التّبْيِيتَ الْوَاجِبَ إذْ وُجُوبُ التّبْيِيتِ تَابِعٌ لِلْعِلْمِ بِوُجُوبِ الْمُبَيّتِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الظّهُورِ . وَلَا رَيْبَ أَنّ هَذِهِ الطّرِيقَةَ أَصَحّ مِنْ طَرِيقَةِ مَنْ يَقُولُ كَانَ عَاشُورَاءُ فَرْضًا وَكَانَ يُجْزِئُ صِيَامُهُ بِنْيَةٍ مِنْ النّهَارِ ثُمّ نُسِخَ الْحُكْمُ بِوُجُوبِهِ فَنُسِخَتْ مُتَعَلّقَاتُهُ وَمِنْ مُتَعَلّقَاتِهِ إجْزَاءُ صِيَامِهِ بِنِيّةِ مِنْ النّهَارِ لِأَنّ مُتَعَلّقَاتِهِ تَابِعَةٌ لَهُ وَإِذَا زَالَ الْمَتْبُوعُ زَالَتْ تَوَابِعُهُ وَتَعَلّقَاتُهُ فَإِنّ إجْزَاءِ الصّوْمِ الْوَاجِبِ بِنْيَةٍ مِنْ النّهَارِ لَمْ يَكُنْ مِنْ مُتَعَلّقَاتِ خُصُوصِ هَذَا الْيَوْمِ بَلْ مِنْ مُتَعَلّقَاتِ الصّوْمِ الْوَاجِبِ وَالصّوْمُ الْوَاجِبُ لَمْ يَزُلْ وَإِنّمَا زَالَ تَعْيِينُهُ فَنُقِلَ مِنْ مَحَلّ إلَى مَحَلّ وَالْإِجْزَاءُ بِنْيَةٍ مِنْ النّهَارِ وَعَدَمِهِ مِنْ تَوَابِعِ أَصْلِ الصّوْمِ لَا تَعْيِينِهِ . وَأَصَحّ مِنْ طَرِيقَةِ مَنْ يَقُولُ إنّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا قَطّ لِأَنّهُ قَدْ ثَبَتَ الْأَمْرُ بِهِ وَتَأْكِيدُ الْأَمْرِ بِالنّدَاءِ الْعَامّ وَزِيَادَةُ تَأْكِيدِهِ بِالْأَمْرِ لِمَنْ كَانَ أَكَلَ بِالْإِمْسَاكِ وَكُلّ هَذَا ظَاهِرٌ قَوِيّ فِي الْوُجُوبِ وَيَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ : إنّهُ لَمّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ عَاشُورَاءُ وَمَعْلُومٌ أَنّ اسْتِحْبَابَهُ لَمْ يُتْرَكْ بِالْأَدِلّةِ الّتِي تَقَدّمَتْ وَغَيْرُهَا فَيَتَعَيّنُ أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ وُجُوبَهُ فَهَذِهِ خَمْسُ طُرُقٍ لِلنّاسِ فِي ذَلِكَ . وَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَأَمّا الْإِشْكَالُ الرّابِعُ وَهُوَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَئِنْ بَقِيتُ إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنّ التّاسِعَ وَأَنّهُ تُوُفّيَ قَبْلَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَقَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ : إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَصُومُ التّاسِعَ فَابْنُ عَبّاسٍ رَوَى هَذَا وَهَذَا وَصَحّ عَنْهُ هَذَا وَهَذَا وَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا إذْ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يَصُومَ التّاسِعَ وَيُخْبِرَ أَنّهُ إنْ بَقِيَ إلَى الْعَامِ الْقَابِلِ صَامَهُ أَوْ يَكُونُ ابْنُ عَبّاسٍ أَخْبَرَ عَنْ فِعْلِهِ مُسْتَنِدًا إلَى مَا عَزَمَ عَلَيْهِ [ ص 72 ] كَانَ يَفْعَلُ لَوْ بَقِيَ وَمُطْلَقًا إذَا عُلِمَ الْحَالُ وَعَلَى كُلّ وَاحِدٍ مِنْ الِاحْتِمَالَيْ نِ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ . وَأَمّا الْإِشْكَالُ الْخَامِسُ فَقَدْ تَقَدّمَ جَوَابُهُ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ ... إلخ كلامه رحمه الله .

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي رد: هل كان صيام يوم عاشوراء واجب؟

    نفع الله بكم .
    أعيد نقل كلام ابن القيم للعطل الفني الذي حدث :
    قال ابن القيم في زاد المعاد 2 / 63 :
    [ صِيَامُ عَاشُورَاءَ ]

    وَأَمّا صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَإِنّهُ كَانَ يَتَحَرّى صَوْمَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَيّامِ وَلَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ تَصُومُهُ وَتُعَظّمُهُ فَقَالَ نَحْنُ أَحَقّ بِمُوسَى مِنْكُمْ " . فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ وَذَلِكَ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ فَلَمّا فُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ " مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَقَدْ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ النّاسِ هَذَا وَقَالَ إنّمَا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ فَكَيْفَ يَقُولُ ابْنُ عَبّاسٍ : إنّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ ؟ [ ص 64 ] وَفِيهِ إشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتْ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَكَانَ يَصُومُهُ فَلَمّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَالَ " مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَإِشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " أَنّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَتَغَدّى فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمّدٍ اُدْنُ إلَى الْغِدَاءِ . فَقَالَ أَوَلَيْسَ الْيَوْمُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ ؟ فَقَالَ وَهَلْ تَدْرِي مَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ ؟ قَالَ وَمَا هُوَ ؟ قَالَ إنّمَا هُوَ يَوْمٌ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَصُومُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ فَلَمّا نَزَلَ رَمَضَانُ تَرَكَهُ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ يَوْمٌ تُعَظّمُهُ الْيَهُودُ وَالنّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " إذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إنْ شَاءَ اللّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التّاسِعَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتّى تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَهَذَا فِيهِ أَنّ صَوْمَهُ وَالْأَمْرَ بِصِيَامِهِ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامِ وَحَدِيثُهُ الْمُتَقَدّمُ فِيهِ أَنّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةِ ثُمّ إنّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَخْبَرَ أَنّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ تُرِكَ بِرَمَضَانَ وَهَذَا يُخَالِفُهُ حَدِيثُ ابْنُ عَبّاسٍ الْمَذْكُورُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ تُرِكَ فَرْضُهُ لِأَنّهُ لَمْ يُفْرَضْ لِمَا ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ " هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يَكْتُبْ اللّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ " [ ص 65 ] وَإِشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنّ مُسْلِمًا رَوَى فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ لَمّا قِيلَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ هَذَا الْيَوْمَ تُعَظّمُهُ الْيَهُودُ وَالنّصَارَى قَالَ " إنْ بَقِيتُ إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنّ التّاسِعَ " فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْقَابِلُ حَتّى تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ الْحَكَمِ بْنِ الْأَعْرَجِ قَالَ انْتَهَيْتُ إلَى ابْنِ عَبّاسٍ وَهُوَ مُتَوَسّدٌ رِدَاءَهُ فِي زَمْزَمَ فَقُلْتُ لَهُ أَخْبِرْنِي عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ . فَقَالَ إذَا رَأَيْتَ هِلَالَ الْمُحَرّم فَاعْدُدْ وَأَصْبَحَ يَوْمَ التّاسِعِ صَائِمًا قُلْتُ هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَصُومُهُ ؟ قَالَ نَعَمْ وَإِشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنّ صَوْمَهُ إنْ كَانَ وَاجِبًا مَفْرُوضًا فِي أَوّلِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِقَضَائِهِ وَقَدْ فَاتَ تَبْيِيتُ النّيّةِ لَهُ مِنْ اللّيْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرْضًا فَكَيْفَ أَمَرَ بِإِتْمَامِ الْإِمْسَاكِ مَنْ كَانَ أَكَلَ ؟ كَمَا فِي " الْمُسْنَدِ " وَالسّنَنِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدّدَةٍ أَنّهُ عَلَيْهِ - 66ُ - السّلَامُ أَمَرَ مَنْ كَانَ طَعِمَ فِيهِ أَنْ يَصُومَ بَقِيّةَ يَوْمِهِ وَهَذَا إنّمَا يَكُونُ فِي الْوَاجِبِ وَكَيْفَ يَصِحّ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ : فَلَمّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ عَاشُورَاءُ وَاسْتِحْبَابُه ُ لَمْ يُتْرَكْ ؟ وَإِشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنّ ابْنَ عَبّاسٍ جَعَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ التّاسِعِ وَأَخْبَرَ أَنّ هَكَذَا كَانَ يَصُومُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ الّذِي رَوَى عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا الْيَهُودَ صُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ ذَكَرَهُ أَحْمَدُ . وَهُوَ الّذِي رَوَى : أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ يَوْمَ الْعَاشِرِ ذَكَرَهُ التّرْمِذِيّ . فَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْإِشْكَالَاتِ بِعَوْنِ اللّهِ وَتَأْيِيدِهِ وَتَوْفِيقِهِ أَمّا الْإِشْكَالُ الْأَوّلُ : وَهُوَ أَنّهُ لَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَلَيْسَ فِيهِ أَنّ يَوْمَ قُدُومِهِ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَهُ فَإِنّهُ إنّمَا قَدِمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ ثَانِيَ عَشْرَةَ وَلَكِنّ أَوّلَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ بِوُقُوعِ الْقِصّةِ فِي الْعَامِ الثّانِي الّذِي كَانَ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمُدِينَةَ وَلَمْ يَكُنْ وَهُوَ بِمَكّةَ هَذَا إنْ كَانَ حِسَابُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي صَوْمِهِ بِالْأَشْهُرِ الْهِلَالِيّةِ وَإِنْ كَانَ بِالشّمْسِيّةِ زَالَ الْإِشْكَالُ بِالْكُلّيّةِ وَيَكُونُ الْيَوْمُ الّذِي نَجّى اللّهُ فِيهِ مُوسَى هُوَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنْ أَوّلِ الْمُحَرّمِ فَضَبَطَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ بِالشّهُورِ الشّمْسِيّةِ فَوَافَقَ ذَلِكَ مَقْدَمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَصَوْمُ أَهْلِ الْكِتَابِ إنّمَا هُوَ بِحِسَابِ سَيْرِ الشّمْسِ وَصَوْمُ الْمُسْلِمِينَ إنّمَا هُوَ بِالشّهْرِ الْهِلَالِيّ وَكَذَلِكَ [ ص 67 ] فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " نَحْنُ أَحَقّ بِمُوسَى مِنْكُمْ " فَظَهَرَ حُكْمُ هَذِهِ الْأَوْلَوِيّةِ فِي تَعْظِيمِ هَذَا الْيَوْمِ وَفِي تَعْيِينِهِ وَهُمْ أَخْطَئُوا تَعْيِينَهُ لِدَوَرَانِهِ فِي السّنَةِ الشّمْسِيّةِ كَمَا أَخْطَأَ النّصَارَى فِي تَعْيِينِ صَوْمِهِمْ بِأَنْ جَعَلُوهُ فِي فَصْلٍ مِنْ السّنَةِ تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَشْهُرُ . وَأَمّا الْإِشْكَالُ الثّانِي وَهُوَ أَنّ قُرَيْشًا كَانْت تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَصُومُهُ فَلَا رَيْبَ أَنّ قُرَيْشًا كَانْت تُعَظّمُ هَذَا الْيَوْمَ وَكَانُوا يَكْسُونَ الْكَعْبَةَ فِيهِ وَصَوْمُهُ مِنْ تَمَامِ تَعْظِيمِهِ وَلَكِنْ إنّمَا كَانُوا يَعُدّونَ بِالْأَهِلّةِ فَكَانَ عِنْدَهُمْ عَاشِرُ الْمُحَرّمِ فَلَمّا قَدِمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يُعَظّمُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَيَصُومُونَهُ فَسَأَلَهُمْ عَنْهُ فَقَالُوا : هُوَ الْيَوْمُ الّذِي نَجّى اللّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ مِنْ فِرْعَوْنَ فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحْنُ أَحَقّ مِنْكُمْ بِمُوسَى فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ تَقْرِيرًا لِتَعْظِيمِهِ وَتَأْكِيدًا وَأَخْبَرَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ وَأُمّتَهُ أَحَقّ بِمُوسَى مِنْ الْيَهُودِ فَإِذَا صَامَهُ مُوسَى شُكْرًا لِلّهِ كُنّا أَحَقّ أَنْ نَقْتَدِيَ بِهِ مِنْ الْيَهُودِ لَا سِيّمَا إذَا قُلْنَا : شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يُخَالِفْهُ شَرْعُنَا . فَإِنْ قِيلَ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنّ مُوسَى صَامَهُ ؟ قُلْنَا : ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا سَأَلَهُمْ عَنْهُ فَقَالُوا يَوْمٌ عَظِيمٌ نَجّى اللّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَأَغْرَقَ فِيهِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا لِلّهِ فَنَحْنُ نَصُومُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " فَنَحْنُ أَحَقّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ " . فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمّا أَقَرّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُكَذّبْهُمْ عَلِمَ أَنّ مُوسَى صَامَهُ شُكْرًا لِلّهِ فَانْضَمّ هَذَا الْقَدْرُ إلَى التّعْظِيمِ الّذِي كَانَ لَهُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَازْدَادَ تَأْكِيدًا حَتّى بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي الْأَمْصَارِ بِصَوْمِهِ وَإِمْسَاكِ مَنْ كَانَ أَكَلَ وَالظّاهِرُ أَنّهُ حَتّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَأَوْجَبَهُ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ . وَأَمّا الْإِشْكَالُ الثّالِثُ وَهُوَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ - 68ُ - أَنْ يَنْزِلَ فَرْضُ رَمَضَانَ فَلَمّا نَزَلَ فَرْضُ رَمَضَانَ تَرَكَهُ فَهَذَا لَا يُمْكِنُ التّخَلّصُ مِنْهُ إلّا بِأَنّ صِيَامَهُ كَانَ فَرْضًا قَبْلَ رَمَضَانَ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْمَتْرُوكُ وُجُوبَ صَوْمِهِ لَا اسْتِحْبَابَهُ وَيَتَعَيّنُ هَذَا وَلَا بُدّ لِأَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ قَالَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامِ وَقَدْ قِيلَ لَهُ إنّ الْيَهُودَ يَصُومُونَهُ لَئِنْ عِشْتُ إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنّ التّاسِعَ أَيْ مَعَهُ وَقَالَ خَالِفُوا الْيَهُودَ وَصُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ أَيْ مَعَهُ وَلَا رَيْبَ أَنّ هَذَا كَانَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ وَأَمّا فِي أَوّلِ الْأَمْرِ فَكَانَ يُحِبّ مُوَافِقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءِ فَعُلِمَ أَنّ اسْتِحْبَابَهُ لَمْ يُتْرَكْ . وَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ : إنّ صَوْمَهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا أَحَدُ لْأَمْرَيْنِ إمّا أَنْ يَقُولَ بِتَرْكِ اسْتِحْبَابِهِ فَلَمْ يَبْقَ مُسْتَحَبّا أَوْ يَقُولُ هَذَا قَالَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِرَأْيِهِ وَخَفِيَ عَلَيْهِ اسْتِحْبَابُ صَوْمِهِ وَهَذَا بَعِيدٌ فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَثّهُمْ عَلَى صِيَامِهِ وَأَخْبَرَ أَنّ صَوْمَهُ يُكَفّرُ السّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَاسْتَمَرّ الصّحَابَةُ عَلَى صِيَامِهِ إلَى حِينِ وَفَاتِهِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ حَرْفٌ وَاحِدٌ بِالنّهْيِ عَنْهُ وَكَرَاهَةُ صَوْمِهِ فَعُلِمَ أَنّ الّذِي تُرِكَ وُجُوبُهُ لَا اسْتِحْبَابُهُ . فَإِنْ قِيلَ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ الْمُتّفَقُ عَلَى صِحّتِهِ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ فَرْضِيّتِهِ وَإِنّهُ لَمْ يُفْرَضْ قَطّ . فَالْجَوَابُ أَنّ حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ صَرِيحٌ فِي نَفْيِ اسْتِمْرَارِ وُجُوبه وَأَنّهُ الْآنَ غَيْرُ وَاجِبٍ وَلَا يَنْفِي وُجُوبًا مُتَقَدّمًا مَنْسُوخًا فَإِنّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ لَمّا كَانَ وَاجِبًا وَنُسِخَ وُجُوبُهُ إنّ اللّهَ لَمْ يَكْتُبْهُ عَلَيْنَا . وَجَوَابٌ ثَانٍ أَنّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ النّفْيُ عَامّا فِي الزّمَانِ الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ فَيُخَصّ بِأَدِلّةِ الْوُجُوبِ فِي الْمَاضِي وَتَرْكُ النّفْيِ فِي اسْتِمْرَارِ الْوُجُوبِ . وَجَوَابٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا نَفَى أَنْ يَكُونَ فَرْضُهُ وَوُجُوبُهُ مُسْتَفَادًا مِنْ [ ص 69 ] أَخْبَرَهُمْ بِأَنّهُ كَتَبَهُ عَلَيْهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ } [ الْبَقَرَةُ 183 ] فَأَخْبَرَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي هَذَا الْمَكْتُوبِ الّذِي كَتَبَهُ اللّهُ عَلَيْنَا دَفْعًا لِتَوَهّمِ مَنْ يَتَوَهّمُ أَنّهُ دَاخِلٌ فِيمَا كَتَبَهُ اللّهُ عَلَيْنَا فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْأَمْرِ السّابِقِ بِصِيَامِهِ الّذِي صَارَ مَنْسُوخًا بِهَذَا الصّيَامِ الْمَكْتُوبِ . يُوَضّحُ هَذَا أَنّ مُعَاوِيَةَ إنّمَا سُمِعَ هَذَا مِنْهُ بَعْدَ فَتْحِ مَكّةَ وَاسْتِقْرَارِ فَرْضِ رَمَضَانَ وَنَسْخِ وُجُوبِ عَاشُورَاءَ بِهِ . وَاَلّذِينَ شَهِدُوا أَمْرَهُ بِصِيَامِهِ وَالنّدَاءِ بِذَلِكَ وَبِالْإِمْسَاك ِ لِمَنْ أَكَلَ شَهِدُوا ذَلِكَ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ عِنْدَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ وَفَرْضُ رَمَضَانَ كَانَ فِي السّنَةِ الثّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ فَتُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ صَامَ تِسْعَ رَمَضَانَاتٍ فَمَنْ شَهِدَ الْأَمْرَ بِصِيَامِهِ شَهِدَهُ قَبْلَ نُزُولِ فَرْضِ رَمَضَانَ وَمَنْ شَهِدَ الْإِخْبَارَ عَنْ عَدَمِ فَرْضِهِ شَهِدَهُ فِي آخِرِ الْأَمْرِ بَعْدَ فَرْضِ رَمَضَانَ وَإِنْ لَمْ يَسْلُكْ هَذَا الْمَسْلَكَ تَنَاقَضَتْ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَاضْطَرَبَتْ . فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ يَكُونُ فَرْضًا وَلَمْ يَحْصُلْ تَبْيِيتُ النّيّةِ مِنْ اللّيْلِ وَقَدْ قَالَ " لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيّتْ الصّيَامَ مِنْ اللّيْلِ ؟ " فَالْجَوَابُ أَنّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ [ ص 70 ] كَلَامِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوْ مِنْ قَوْلِ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ ؟ فَأَمّا حَدِيثُ حَفْصَةَ فَأَوْقَفَهُ عَلَيْهَا مَعْمَرٌ وَالزّهْرِيّ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الْأَيْلِيّ عَنْ الزّهْرِيّ وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ الْمَوْقُوفُ أَصَحّ قَالَ التّرْمِذِيّ : وَقَدْ رَوَاهُ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَوْلَهُ وَهُوَ أَصَحّ وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَحّحُ رَفْعَهُ لِثِقَةِ رَافِعِهِ وَعَدَالَتِهِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَيْضًا : رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا وَاخْتُلِفَ فِي تَصْحِيحِ رَفْعِهِ . فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ رَفْعُهُ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ ثَبَتَ رَفْعُهُ فَمَعْلُومٌ أَنّ هَذَا إنّمَا قَالَهُ بَعْدَ فَرْضِ رَمَضَانَ وَذَلِكَ مُتَأَخّرٌ عَنْ الْأَمْرِ بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَذَلِكَ تَجْدِيدُ حُكْمٍ وَاجِبٍ وَهُوَ التّبْيِيتُ وَلَيْسَ نَسْخًا لِحُكْمِ ثَابِتٍ بِخِطَابِ فَإِجْزَاءُ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِنِيّةِ مِنْ النّهَارِ كَانَ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ وَقَبْلَ فَرْضِ التّبْيِيتِ مِنْ اللّيْلِ ثُمّ نُسِخَ وُجُوبُ صَوْمِهِ بِرَمَضَانَ وَتَجَدّدَ وُجُوبُ التّبْيِيتِ فَهَذِهِ طَرِيقَةٌ . وَطَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ هِيَ طَرِيقَةُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنّ وُجُوبَ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ تَضَمّنَ أَمْرَيْنِ وُجُوبَ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِجْزَاءَ صَوْمِهِ بِنْيَةٍ مِنْ النّهَارِ ثُمّ نُسِخَ تَعْيِينُ الْوَاجِبِ بِوَاجِبِ آخَرَ فَبَقِيَ حُكْمُ الْإِجْزَاءِ بِنِيّةِ مِنْ النّهَارِ غَيْرَ مَنْسُوخٍ . وَطَرِيقَةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ أَنّ الْوَاجِبَ تَابِعٌ لِلْعِلْمِ وَوُجُوبُ عَاشُورَاءَ إنّمَا عُلِمَ مِنْ النّهَارِ وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَكُنْ التّبْيِيتُ مُمْكِنًا فَالنّيّةُ وَجَبَتْ وَقْتَ تَجَدّدِ الْوُجُوبِ وَالْعِلْمِ بِهِ وَإِلّا كَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ . قَالُوا : وَعَلَى هَذَا إذَا قَامَتْ الْبَيّنَةُ بِالرّؤْيَةِ فِي أَثْنَاءِ النّهَارِ أَجْزَأَ صَوْمُهُ بِنِيّةِ مُقَارِنَةٍ لِلْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ وَأَصْلُهُ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ شَيْخِنَا وَهِيَ كَمَا تَرَاهَا أَصَحّ الطّرُقِ وَأَقْرَبُهَا إلَى مُوَافَقَةِ أُصُولِ الشّرْعِ وَقَوَاعِدِهِ وَعَلَيْهَا تَدُلّ [ ص 71 ] الطّرِيقَةِ لَا بُدّ فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الشّرْعِ أَوْ مُخَالَفَةُ بَعْضِ الْآثَارِ . وَإِذَا كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَأْمُرْ أَهْلَ قُبَاءَ بِإِعَادَةِ الصّلَاةِ الّتِي صَلّوْا بَعْضَهَا إلَى الْقِبْلَةِ الْمَنْسُوخَةِ إذْ لَمْ يَبْلُغْهُمْ وُجُوبُ التّحَوّلِ فَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ وُجُوبُ فَرْضِ الصّوْمِ أَوْ لَمْ يَتَمَكّنْ مِنْ الْعِلْمِ بِسَبَبِ وُجُوبِهِ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْقَضَاءِ وَلَا يُقَالُ إنّهُ تَرَكَ التّبْيِيتَ الْوَاجِبَ إذْ وُجُوبُ التّبْيِيتِ تَابِعٌ لِلْعِلْمِ بِوُجُوبِ الْمُبَيّتِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الظّهُورِ . وَلَا رَيْبَ أَنّ هَذِهِ الطّرِيقَةَ أَصَحّ مِنْ طَرِيقَةِ مَنْ يَقُولُ كَانَ عَاشُورَاءُ فَرْضًا وَكَانَ يُجْزِئُ صِيَامُهُ بِنْيَةٍ مِنْ النّهَارِ ثُمّ نُسِخَ الْحُكْمُ بِوُجُوبِهِ فَنُسِخَتْ مُتَعَلّقَاتُهُ وَمِنْ مُتَعَلّقَاتِهِ إجْزَاءُ صِيَامِهِ بِنِيّةِ مِنْ النّهَارِ لِأَنّ مُتَعَلّقَاتِهِ تَابِعَةٌ لَهُ وَإِذَا زَالَ الْمَتْبُوعُ زَالَتْ تَوَابِعُهُ وَتَعَلّقَاتُهُ فَإِنّ إجْزَاءِ الصّوْمِ الْوَاجِبِ بِنْيَةٍ مِنْ النّهَارِ لَمْ يَكُنْ مِنْ مُتَعَلّقَاتِ خُصُوصِ هَذَا الْيَوْمِ بَلْ مِنْ مُتَعَلّقَاتِ الصّوْمِ الْوَاجِبِ وَالصّوْمُ الْوَاجِبُ لَمْ يَزُلْ وَإِنّمَا زَالَ تَعْيِينُهُ فَنُقِلَ مِنْ مَحَلّ إلَى مَحَلّ وَالْإِجْزَاءُ بِنْيَةٍ مِنْ النّهَارِ وَعَدَمِهِ مِنْ تَوَابِعِ أَصْلِ الصّوْمِ لَا تَعْيِينِهِ . وَأَصَحّ مِنْ طَرِيقَةِ مَنْ يَقُولُ إنّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا قَطّ لِأَنّهُ قَدْ ثَبَتَ الْأَمْرُ بِهِ وَتَأْكِيدُ الْأَمْرِ بِالنّدَاءِ الْعَامّ وَزِيَادَةُ تَأْكِيدِهِ بِالْأَمْرِ لِمَنْ كَانَ أَكَلَ بِالْإِمْسَاكِ وَكُلّ هَذَا ظَاهِرٌ قَوِيّ فِي الْوُجُوبِ وَيَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ : إنّهُ لَمّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ عَاشُورَاءُ وَمَعْلُومٌ أَنّ اسْتِحْبَابَهُ لَمْ يُتْرَكْ بِالْأَدِلّةِ الّتِي تَقَدّمَتْ وَغَيْرُهَا فَيَتَعَيّنُ أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ وُجُوبَهُ فَهَذِهِ خَمْسُ طُرُقٍ لِلنّاسِ فِي ذَلِكَ . وَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَأَمّا الْإِشْكَالُ الرّابِعُ وَهُوَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَئِنْ بَقِيتُ إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنّ التّاسِعَ وَأَنّهُ تُوُفّيَ قَبْلَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ ...

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المشاركات
    1,435

    افتراضي رد: هل كان صيام يوم عاشوراء واجب؟

    بارك الله فيكم ..وجزاكم كل خير

    لكن ما زال الاشكال عندي قائما هنا ؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لجين الندى مشاهدة المشاركة
    طيب لدي سؤالين:
    1- بما أن صيام عاشوراء كان واجبا وقد أمروا بالامساك بقية اليوم، لنص الحديث «من كان لم يصم، فليصم ومن كان أكل، فليتم صيامه إلى الليل»
    هو نص في يوم عاشوراء لكنه صريح بوجوب الامساك بقية اليوم لمن زال عنه العذر نهار اليوم الواجب الصيام فيه.

    لكن لماذا يقول ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/ 409)
    [وإذا طَهُرَت الحائض أثناء النهار (وكانت مُفطِرة)، فلا يَلزَمُهُا الإمساك عن الطعام بقية النهار، لأنه ليس هناك دليل يأمرها بذلك، وعليها قضاء هذا اليوم]

    وأيضا ابن حزم في المحلى (4/ 383)، قال:
    [وأما من رأى القضاء في ذلك [اليوم] على من أسلم؟ فقول
    لا دليل على صحته]

    2- ابن عثيمين في الشرح الممتع أحيانا يرجح عدم لزوم الامساك، وأحيانا يرجح لزوم الامساك:

    الشرح الممتع (6/ 334، 335)
    [(تتمة) أفادنا المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ أن من قام به سبب الوجوب أثناء نهار رمضان مثل أن يسلم الكافر أو يبلغ الصغير أو يفيق المجنون فإنه يلزمهم الإمساك والقضاء، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد وهو قول أبي حنيفة وسبق دليله وتعليله.
    القول الثاني: لا يلزمهم إمساك ولا قضاء وهو الرواية الثانية عن أحمد.
    والقول الثالث: يلزمهم الإمساك دون القضاء وذكر رواية عن أحمد واختيار الشيخ تقي الدين (شيخ الإسلام ابن تيمية) وهو مذهب مالك وهو الراجح؛ لأنهم لا يلزمهم الإمساك في أول النهار لعدم شرط التكليف وقد أتوا بما أمروا به حين أمسكوا عند وجود شرط التكليف، ومن أتى بما أمر به لم يكلف الإعادة].

    ثم قال في (6/ 335، 336)
    [وأما الإمساك فكلام المؤلف ـ رحمه الله ـ يدل على وجوبه وهو المذهب؛ لأنهم إنما أفطروا لمانع وقد زال والحكم يزول بزوال علته، وعن أحمد رواية أخرى لا يلزمهم الإمساك؛ لأنهم يجوز لهم الفطر في أول النهار ظاهراً وباطناً، فقد حل لهم في أول النهار الأكل والشرب وسائر ما يمكن من المفطرات، ولا يستفيدون من هذا الإمساك شيئاً، وحرمة الزمن قد زالت بفطرهم المباح لهم أول النهار، وقد روي عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: «من أكل أول النهار فليأكل آخره» يعني أن من حل له الأكل في أول النهار حلَّ له الأكل في آخره، وهذا القول هو الراجح وعلى هذا لو قدم المسافر إلى بلده مفطراً ووجد زوجته قد طهرت أثناء ذلك اليوم من الحيض وتطهرت جاز له جماعها.
    وإذا أفطر لإنقاذ غريق فأنقذه لم يلزمه الإمساك آخر النهار.
    وإذا أفطرت مرضع خوفاً على ولدها ثم مات في أثناء اليوم لم يلزمها إمساك بقيته.
    والقاعدة على هذا القول الراجح أن من أفطر في رمضان لعذر يبيح الفطر، ثم زال ذلك العذر أثناء النهار لم يلزمه الإمساك بقية اليوم].

    وفي (6/ 409)
    [والقول الثاني: أنه لا يلزمهم الإمساك؛ لأن هذا اليوم في حقهم غير محترم، إذ إنهم في أوله مفطرون بإذن من الشرع، وليس عندنا صوم يجب في أثناء النهار، إلا إذا قامت البينة، فهذا شيء آخر وعلى هذا لا تلزمهم الكفارة إذا حصل الجماع.
    وهذا هو القول الراجح]

    السؤال/ ما هو الراجح عند ابن عثيمين؟
    أقيموا دولة الاسلام في قلوبكم .. تقم لكم على أرضكم ..

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Feb 2014
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    513

    افتراضي رد: هل كان صيام يوم عاشوراء واجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو مالك المديني مشاهدة المشاركة
    نفع الله بكم .
    أعيد نقل كلام ابن القيم للعطل الفني الذي حدث :
    قال ابن القيم في زاد المعاد 2 / 63 :
    [ صِيَامُ عَاشُورَاءَ ]

    وَأَمّا صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَإِنّهُ كَانَ يَتَحَرّى صَوْمَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَيّامِ وَلَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ تَصُومُهُ وَتُعَظّمُهُ فَقَالَ نَحْنُ أَحَقّ بِمُوسَى مِنْكُمْ " . فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ وَذَلِكَ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ فَلَمّا فُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ " مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَقَدْ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ النّاسِ هَذَا وَقَالَ إنّمَا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ فَكَيْفَ يَقُولُ ابْنُ عَبّاسٍ : إنّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ ؟ [ ص 64 ] وَفِيهِ إشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتْ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَكَانَ يَصُومُهُ فَلَمّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَالَ " مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَإِشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " أَنّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَتَغَدّى فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمّدٍ اُدْنُ إلَى الْغِدَاءِ . فَقَالَ أَوَلَيْسَ الْيَوْمُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ ؟ فَقَالَ وَهَلْ تَدْرِي مَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ ؟ قَالَ وَمَا هُوَ ؟ قَالَ إنّمَا هُوَ يَوْمٌ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَصُومُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ فَلَمّا نَزَلَ رَمَضَانُ تَرَكَهُ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ يَوْمٌ تُعَظّمُهُ الْيَهُودُ وَالنّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " إذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إنْ شَاءَ اللّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التّاسِعَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتّى تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَهَذَا فِيهِ أَنّ صَوْمَهُ وَالْأَمْرَ بِصِيَامِهِ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامِ وَحَدِيثُهُ الْمُتَقَدّمُ فِيهِ أَنّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةِ ثُمّ إنّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَخْبَرَ أَنّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ تُرِكَ بِرَمَضَانَ وَهَذَا يُخَالِفُهُ حَدِيثُ ابْنُ عَبّاسٍ الْمَذْكُورُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ تُرِكَ فَرْضُهُ لِأَنّهُ لَمْ يُفْرَضْ لِمَا ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ " هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يَكْتُبْ اللّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ " [ ص 65 ] وَإِشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنّ مُسْلِمًا رَوَى فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ لَمّا قِيلَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ هَذَا الْيَوْمَ تُعَظّمُهُ الْيَهُودُ وَالنّصَارَى قَالَ " إنْ بَقِيتُ إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنّ التّاسِعَ " فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْقَابِلُ حَتّى تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ الْحَكَمِ بْنِ الْأَعْرَجِ قَالَ انْتَهَيْتُ إلَى ابْنِ عَبّاسٍ وَهُوَ مُتَوَسّدٌ رِدَاءَهُ فِي زَمْزَمَ فَقُلْتُ لَهُ أَخْبِرْنِي عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ . فَقَالَ إذَا رَأَيْتَ هِلَالَ الْمُحَرّم فَاعْدُدْ وَأَصْبَحَ يَوْمَ التّاسِعِ صَائِمًا قُلْتُ هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَصُومُهُ ؟ قَالَ نَعَمْ وَإِشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنّ صَوْمَهُ إنْ كَانَ وَاجِبًا مَفْرُوضًا فِي أَوّلِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِقَضَائِهِ وَقَدْ فَاتَ تَبْيِيتُ النّيّةِ لَهُ مِنْ اللّيْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرْضًا فَكَيْفَ أَمَرَ بِإِتْمَامِ الْإِمْسَاكِ مَنْ كَانَ أَكَلَ ؟ كَمَا فِي " الْمُسْنَدِ " وَالسّنَنِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدّدَةٍ أَنّهُ عَلَيْهِ - 66ُ - السّلَامُ أَمَرَ مَنْ كَانَ طَعِمَ فِيهِ أَنْ يَصُومَ بَقِيّةَ يَوْمِهِ وَهَذَا إنّمَا يَكُونُ فِي الْوَاجِبِ وَكَيْفَ يَصِحّ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ : فَلَمّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ عَاشُورَاءُ وَاسْتِحْبَابُه ُ لَمْ يُتْرَكْ ؟ وَإِشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنّ ابْنَ عَبّاسٍ جَعَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ التّاسِعِ وَأَخْبَرَ أَنّ هَكَذَا كَانَ يَصُومُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ الّذِي رَوَى عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا الْيَهُودَ صُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ ذَكَرَهُ أَحْمَدُ . وَهُوَ الّذِي رَوَى : أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ يَوْمَ الْعَاشِرِ ذَكَرَهُ التّرْمِذِيّ . فَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْإِشْكَالَاتِ بِعَوْنِ اللّهِ وَتَأْيِيدِهِ وَتَوْفِيقِهِ أَمّا الْإِشْكَالُ الْأَوّلُ : وَهُوَ أَنّهُ لَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَلَيْسَ فِيهِ أَنّ يَوْمَ قُدُومِهِ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَهُ فَإِنّهُ إنّمَا قَدِمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ ثَانِيَ عَشْرَةَ وَلَكِنّ أَوّلَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ بِوُقُوعِ الْقِصّةِ فِي الْعَامِ الثّانِي الّذِي كَانَ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمُدِينَةَ وَلَمْ يَكُنْ وَهُوَ بِمَكّةَ هَذَا إنْ كَانَ حِسَابُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي صَوْمِهِ بِالْأَشْهُرِ الْهِلَالِيّةِ وَإِنْ كَانَ بِالشّمْسِيّةِ زَالَ الْإِشْكَالُ بِالْكُلّيّةِ وَيَكُونُ الْيَوْمُ الّذِي نَجّى اللّهُ فِيهِ مُوسَى هُوَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنْ أَوّلِ الْمُحَرّمِ فَضَبَطَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ بِالشّهُورِ الشّمْسِيّةِ فَوَافَقَ ذَلِكَ مَقْدَمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَصَوْمُ أَهْلِ الْكِتَابِ إنّمَا هُوَ بِحِسَابِ سَيْرِ الشّمْسِ وَصَوْمُ الْمُسْلِمِينَ إنّمَا هُوَ بِالشّهْرِ الْهِلَالِيّ وَكَذَلِكَ [ ص 67 ] فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " نَحْنُ أَحَقّ بِمُوسَى مِنْكُمْ " فَظَهَرَ حُكْمُ هَذِهِ الْأَوْلَوِيّةِ فِي تَعْظِيمِ هَذَا الْيَوْمِ وَفِي تَعْيِينِهِ وَهُمْ أَخْطَئُوا تَعْيِينَهُ لِدَوَرَانِهِ فِي السّنَةِ الشّمْسِيّةِ كَمَا أَخْطَأَ النّصَارَى فِي تَعْيِينِ صَوْمِهِمْ بِأَنْ جَعَلُوهُ فِي فَصْلٍ مِنْ السّنَةِ تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَشْهُرُ . وَأَمّا الْإِشْكَالُ الثّانِي وَهُوَ أَنّ قُرَيْشًا كَانْت تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَصُومُهُ فَلَا رَيْبَ أَنّ قُرَيْشًا كَانْت تُعَظّمُ هَذَا الْيَوْمَ وَكَانُوا يَكْسُونَ الْكَعْبَةَ فِيهِ وَصَوْمُهُ مِنْ تَمَامِ تَعْظِيمِهِ وَلَكِنْ إنّمَا كَانُوا يَعُدّونَ بِالْأَهِلّةِ فَكَانَ عِنْدَهُمْ عَاشِرُ الْمُحَرّمِ فَلَمّا قَدِمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يُعَظّمُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَيَصُومُونَهُ فَسَأَلَهُمْ عَنْهُ فَقَالُوا : هُوَ الْيَوْمُ الّذِي نَجّى اللّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ مِنْ فِرْعَوْنَ فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحْنُ أَحَقّ مِنْكُمْ بِمُوسَى فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ تَقْرِيرًا لِتَعْظِيمِهِ وَتَأْكِيدًا وَأَخْبَرَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ وَأُمّتَهُ أَحَقّ بِمُوسَى مِنْ الْيَهُودِ فَإِذَا صَامَهُ مُوسَى شُكْرًا لِلّهِ كُنّا أَحَقّ أَنْ نَقْتَدِيَ بِهِ مِنْ الْيَهُودِ لَا سِيّمَا إذَا قُلْنَا : شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يُخَالِفْهُ شَرْعُنَا . فَإِنْ قِيلَ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنّ مُوسَى صَامَهُ ؟ قُلْنَا : ثَبَتَ فِي " الصّحِيحَيْنِ " أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا سَأَلَهُمْ عَنْهُ فَقَالُوا يَوْمٌ عَظِيمٌ نَجّى اللّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَأَغْرَقَ فِيهِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا لِلّهِ فَنَحْنُ نَصُومُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " فَنَحْنُ أَحَقّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ " . فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمّا أَقَرّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُكَذّبْهُمْ عَلِمَ أَنّ مُوسَى صَامَهُ شُكْرًا لِلّهِ فَانْضَمّ هَذَا الْقَدْرُ إلَى التّعْظِيمِ الّذِي كَانَ لَهُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَازْدَادَ تَأْكِيدًا حَتّى بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي الْأَمْصَارِ بِصَوْمِهِ وَإِمْسَاكِ مَنْ كَانَ أَكَلَ وَالظّاهِرُ أَنّهُ حَتّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَأَوْجَبَهُ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ . وَأَمّا الْإِشْكَالُ الثّالِثُ وَهُوَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ - 68ُ - أَنْ يَنْزِلَ فَرْضُ رَمَضَانَ فَلَمّا نَزَلَ فَرْضُ رَمَضَانَ تَرَكَهُ فَهَذَا لَا يُمْكِنُ التّخَلّصُ مِنْهُ إلّا بِأَنّ صِيَامَهُ كَانَ فَرْضًا قَبْلَ رَمَضَانَ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْمَتْرُوكُ وُجُوبَ صَوْمِهِ لَا اسْتِحْبَابَهُ وَيَتَعَيّنُ هَذَا وَلَا بُدّ لِأَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ قَالَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامِ وَقَدْ قِيلَ لَهُ إنّ الْيَهُودَ يَصُومُونَهُ لَئِنْ عِشْتُ إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنّ التّاسِعَ أَيْ مَعَهُ وَقَالَ خَالِفُوا الْيَهُودَ وَصُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ أَيْ مَعَهُ وَلَا رَيْبَ أَنّ هَذَا كَانَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ وَأَمّا فِي أَوّلِ الْأَمْرِ فَكَانَ يُحِبّ مُوَافِقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءِ فَعُلِمَ أَنّ اسْتِحْبَابَهُ لَمْ يُتْرَكْ . وَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ : إنّ صَوْمَهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا أَحَدُ لْأَمْرَيْنِ إمّا أَنْ يَقُولَ بِتَرْكِ اسْتِحْبَابِهِ فَلَمْ يَبْقَ مُسْتَحَبّا أَوْ يَقُولُ هَذَا قَالَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِرَأْيِهِ وَخَفِيَ عَلَيْهِ اسْتِحْبَابُ صَوْمِهِ وَهَذَا بَعِيدٌ فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَثّهُمْ عَلَى صِيَامِهِ وَأَخْبَرَ أَنّ صَوْمَهُ يُكَفّرُ السّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَاسْتَمَرّ الصّحَابَةُ عَلَى صِيَامِهِ إلَى حِينِ وَفَاتِهِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ حَرْفٌ وَاحِدٌ بِالنّهْيِ عَنْهُ وَكَرَاهَةُ صَوْمِهِ فَعُلِمَ أَنّ الّذِي تُرِكَ وُجُوبُهُ لَا اسْتِحْبَابُهُ . فَإِنْ قِيلَ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ الْمُتّفَقُ عَلَى صِحّتِهِ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ فَرْضِيّتِهِ وَإِنّهُ لَمْ يُفْرَضْ قَطّ . فَالْجَوَابُ أَنّ حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ صَرِيحٌ فِي نَفْيِ اسْتِمْرَارِ وُجُوبه وَأَنّهُ الْآنَ غَيْرُ وَاجِبٍ وَلَا يَنْفِي وُجُوبًا مُتَقَدّمًا مَنْسُوخًا فَإِنّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ لَمّا كَانَ وَاجِبًا وَنُسِخَ وُجُوبُهُ إنّ اللّهَ لَمْ يَكْتُبْهُ عَلَيْنَا . وَجَوَابٌ ثَانٍ أَنّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ النّفْيُ عَامّا فِي الزّمَانِ الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ فَيُخَصّ بِأَدِلّةِ الْوُجُوبِ فِي الْمَاضِي وَتَرْكُ النّفْيِ فِي اسْتِمْرَارِ الْوُجُوبِ . وَجَوَابٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا نَفَى أَنْ يَكُونَ فَرْضُهُ وَوُجُوبُهُ مُسْتَفَادًا مِنْ [ ص 69 ] أَخْبَرَهُمْ بِأَنّهُ كَتَبَهُ عَلَيْهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ } [ الْبَقَرَةُ 183 ] فَأَخْبَرَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي هَذَا الْمَكْتُوبِ الّذِي كَتَبَهُ اللّهُ عَلَيْنَا دَفْعًا لِتَوَهّمِ مَنْ يَتَوَهّمُ أَنّهُ دَاخِلٌ فِيمَا كَتَبَهُ اللّهُ عَلَيْنَا فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْأَمْرِ السّابِقِ بِصِيَامِهِ الّذِي صَارَ مَنْسُوخًا بِهَذَا الصّيَامِ الْمَكْتُوبِ . يُوَضّحُ هَذَا أَنّ مُعَاوِيَةَ إنّمَا سُمِعَ هَذَا مِنْهُ بَعْدَ فَتْحِ مَكّةَ وَاسْتِقْرَارِ فَرْضِ رَمَضَانَ وَنَسْخِ وُجُوبِ عَاشُورَاءَ بِهِ . وَاَلّذِينَ شَهِدُوا أَمْرَهُ بِصِيَامِهِ وَالنّدَاءِ بِذَلِكَ وَبِالْإِمْسَاك ِ لِمَنْ أَكَلَ شَهِدُوا ذَلِكَ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ عِنْدَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ وَفَرْضُ رَمَضَانَ كَانَ فِي السّنَةِ الثّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ فَتُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ صَامَ تِسْعَ رَمَضَانَاتٍ فَمَنْ شَهِدَ الْأَمْرَ بِصِيَامِهِ شَهِدَهُ قَبْلَ نُزُولِ فَرْضِ رَمَضَانَ وَمَنْ شَهِدَ الْإِخْبَارَ عَنْ عَدَمِ فَرْضِهِ شَهِدَهُ فِي آخِرِ الْأَمْرِ بَعْدَ فَرْضِ رَمَضَانَ وَإِنْ لَمْ يَسْلُكْ هَذَا الْمَسْلَكَ تَنَاقَضَتْ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَاضْطَرَبَتْ . فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ يَكُونُ فَرْضًا وَلَمْ يَحْصُلْ تَبْيِيتُ النّيّةِ مِنْ اللّيْلِ وَقَدْ قَالَ " لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيّتْ الصّيَامَ مِنْ اللّيْلِ ؟ " فَالْجَوَابُ أَنّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ [ ص 70 ] كَلَامِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوْ مِنْ قَوْلِ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ ؟ فَأَمّا حَدِيثُ حَفْصَةَ فَأَوْقَفَهُ عَلَيْهَا مَعْمَرٌ وَالزّهْرِيّ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الْأَيْلِيّ عَنْ الزّهْرِيّ وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ الْمَوْقُوفُ أَصَحّ قَالَ التّرْمِذِيّ : وَقَدْ رَوَاهُ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَوْلَهُ وَهُوَ أَصَحّ وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَحّحُ رَفْعَهُ لِثِقَةِ رَافِعِهِ وَعَدَالَتِهِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَيْضًا : رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا وَاخْتُلِفَ فِي تَصْحِيحِ رَفْعِهِ . فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ رَفْعُهُ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ ثَبَتَ رَفْعُهُ فَمَعْلُومٌ أَنّ هَذَا إنّمَا قَالَهُ بَعْدَ فَرْضِ رَمَضَانَ وَذَلِكَ مُتَأَخّرٌ عَنْ الْأَمْرِ بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَذَلِكَ تَجْدِيدُ حُكْمٍ وَاجِبٍ وَهُوَ التّبْيِيتُ وَلَيْسَ نَسْخًا لِحُكْمِ ثَابِتٍ بِخِطَابِ فَإِجْزَاءُ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِنِيّةِ مِنْ النّهَارِ كَانَ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ وَقَبْلَ فَرْضِ التّبْيِيتِ مِنْ اللّيْلِ ثُمّ نُسِخَ وُجُوبُ صَوْمِهِ بِرَمَضَانَ وَتَجَدّدَ وُجُوبُ التّبْيِيتِ فَهَذِهِ طَرِيقَةٌ . وَطَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ هِيَ طَرِيقَةُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنّ وُجُوبَ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ تَضَمّنَ أَمْرَيْنِ وُجُوبَ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِجْزَاءَ صَوْمِهِ بِنْيَةٍ مِنْ النّهَارِ ثُمّ نُسِخَ تَعْيِينُ الْوَاجِبِ بِوَاجِبِ آخَرَ فَبَقِيَ حُكْمُ الْإِجْزَاءِ بِنِيّةِ مِنْ النّهَارِ غَيْرَ مَنْسُوخٍ . وَطَرِيقَةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ أَنّ الْوَاجِبَ تَابِعٌ لِلْعِلْمِ وَوُجُوبُ عَاشُورَاءَ إنّمَا عُلِمَ مِنْ النّهَارِ وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَكُنْ التّبْيِيتُ مُمْكِنًا فَالنّيّةُ وَجَبَتْ وَقْتَ تَجَدّدِ الْوُجُوبِ وَالْعِلْمِ بِهِ وَإِلّا كَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ . قَالُوا : وَعَلَى هَذَا إذَا قَامَتْ الْبَيّنَةُ بِالرّؤْيَةِ فِي أَثْنَاءِ النّهَارِ أَجْزَأَ صَوْمُهُ بِنِيّةِ مُقَارِنَةٍ لِلْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ وَأَصْلُهُ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ شَيْخِنَا وَهِيَ كَمَا تَرَاهَا أَصَحّ الطّرُقِ وَأَقْرَبُهَا إلَى مُوَافَقَةِ أُصُولِ الشّرْعِ وَقَوَاعِدِهِ وَعَلَيْهَا تَدُلّ [ ص 71 ] الطّرِيقَةِ لَا بُدّ فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الشّرْعِ أَوْ مُخَالَفَةُ بَعْضِ الْآثَارِ . وَإِذَا كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَأْمُرْ أَهْلَ قُبَاءَ بِإِعَادَةِ الصّلَاةِ الّتِي صَلّوْا بَعْضَهَا إلَى الْقِبْلَةِ الْمَنْسُوخَةِ إذْ لَمْ يَبْلُغْهُمْ وُجُوبُ التّحَوّلِ فَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ وُجُوبُ فَرْضِ الصّوْمِ أَوْ لَمْ يَتَمَكّنْ مِنْ الْعِلْمِ بِسَبَبِ وُجُوبِهِ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْقَضَاءِ وَلَا يُقَالُ إنّهُ تَرَكَ التّبْيِيتَ الْوَاجِبَ إذْ وُجُوبُ التّبْيِيتِ تَابِعٌ لِلْعِلْمِ بِوُجُوبِ الْمُبَيّتِ وَهَذَا فِي غَايَةِ الظّهُورِ . وَلَا رَيْبَ أَنّ هَذِهِ الطّرِيقَةَ أَصَحّ مِنْ طَرِيقَةِ مَنْ يَقُولُ كَانَ عَاشُورَاءُ فَرْضًا وَكَانَ يُجْزِئُ صِيَامُهُ بِنْيَةٍ مِنْ النّهَارِ ثُمّ نُسِخَ الْحُكْمُ بِوُجُوبِهِ فَنُسِخَتْ مُتَعَلّقَاتُهُ وَمِنْ مُتَعَلّقَاتِهِ إجْزَاءُ صِيَامِهِ بِنِيّةِ مِنْ النّهَارِ لِأَنّ مُتَعَلّقَاتِهِ تَابِعَةٌ لَهُ وَإِذَا زَالَ الْمَتْبُوعُ زَالَتْ تَوَابِعُهُ وَتَعَلّقَاتُهُ فَإِنّ إجْزَاءِ الصّوْمِ الْوَاجِبِ بِنْيَةٍ مِنْ النّهَارِ لَمْ يَكُنْ مِنْ مُتَعَلّقَاتِ خُصُوصِ هَذَا الْيَوْمِ بَلْ مِنْ مُتَعَلّقَاتِ الصّوْمِ الْوَاجِبِ وَالصّوْمُ الْوَاجِبُ لَمْ يَزُلْ وَإِنّمَا زَالَ تَعْيِينُهُ فَنُقِلَ مِنْ مَحَلّ إلَى مَحَلّ وَالْإِجْزَاءُ بِنْيَةٍ مِنْ النّهَارِ وَعَدَمِهِ مِنْ تَوَابِعِ أَصْلِ الصّوْمِ لَا تَعْيِينِهِ . وَأَصَحّ مِنْ طَرِيقَةِ مَنْ يَقُولُ إنّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا قَطّ لِأَنّهُ قَدْ ثَبَتَ الْأَمْرُ بِهِ وَتَأْكِيدُ الْأَمْرِ بِالنّدَاءِ الْعَامّ وَزِيَادَةُ تَأْكِيدِهِ بِالْأَمْرِ لِمَنْ كَانَ أَكَلَ بِالْإِمْسَاكِ وَكُلّ هَذَا ظَاهِرٌ قَوِيّ فِي الْوُجُوبِ وَيَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ : إنّهُ لَمّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ عَاشُورَاءُ وَمَعْلُومٌ أَنّ اسْتِحْبَابَهُ لَمْ يُتْرَكْ بِالْأَدِلّةِ الّتِي تَقَدّمَتْ وَغَيْرُهَا فَيَتَعَيّنُ أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ وُجُوبَهُ فَهَذِهِ خَمْسُ طُرُقٍ لِلنّاسِ فِي ذَلِكَ . وَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَأَمّا الْإِشْكَالُ الرّابِعُ وَهُوَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَئِنْ بَقِيتُ إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنّ التّاسِعَ وَأَنّهُ تُوُفّيَ قَبْلَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ ...
    أحسن الله إليك أبا مالك
    أنا لا أفهم قول بن مسعود"
    لَمّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ عَاشُورَاءُ
    " كيف تركه و هو عليه الصلاة و السلام واظب عليه ثم إن الانتقال من الوجوب إلى الاستحباب مقبول لكن من الوجوب إلى تركه أي التخيير ثم الاستحباب فهذا خلط
    و يمكن فهم قول بن مسعود أن الناس كانوا يصومون عاشوراء و يعظمونه فما فرض رمضان بقول الله كتب عليكم صار رمضان هو المعظم و الملتفت إليه و الله أعلم
    و أما قول معاوية فهو أصرح و أبين و ما أجاب به بن القيم لا يخلو من تكلف و لا تستغرب فقد علق الألباني رحمه الله في زاد المعاد في مسألة لا أريد ذكرها بقوله لقد تعسف بن القيم انتهى يعني في هذه المسألة
    و ما وسع صدري علما أكثر مما حرره و سطره بن القيم عليه رحمات الله
    و قول بن القيم" أخبر أن صوم عاشوراء غير داخل في المكتوب "يرد عليه ذكر شهر رمضان في الآية بعد قول الله كتب عليكم فلا يحتاج إلى تبيين ذلك من النبي بل هو في غاية البيان من القرآن
    و قد يكون بن القيم مال إلى طريقة الأحناف في عدم نسخ إجزاء النية من النهار فجعله يتمسك بقول الأحناف بوجوب صيام يوم عاشوراء و الله أعلم و ينبني عليها كما صرح رؤية الهلال في النهار يجزيء الإمساك و هذا من القرائن التي يرجح بها العلماء
    قال بن عمــر
    "مجلس فقـــه خيـــر من عبـــادة ستيــن سنـــة"

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي رد: هل كان صيام يوم عاشوراء واجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لجين الندى مشاهدة المشاركة
    طيب لدي سؤالين:
    1- بما أن صيام عاشوراء كان واجبا وقد أمروا بالامساك بقية اليوم، لنص الحديث «من كان لم يصم، فليصم ومن كان أكل، فليتم صيامه إلى الليل»
    هو نص في يوم عاشوراء لكنه صريح بوجوب الامساك بقية اليوم لمن زال عنه العذر نهار اليوم الواجب الصيام فيه.

    لكن لماذا يقول ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/ 409)
    [وإذا طَهُرَت الحائض أثناء النهار (وكانت مُفطِرة)، فلا يَلزَمُهُا الإمساك عن الطعام بقية النهار، لأنه ليس هناك دليل يأمرها بذلك، وعليها قضاء هذا اليوم]

    وأيضا ابن حزم في المحلى (4/ 383)، قال:
    [وأما من رأى القضاء في ذلك [اليوم] على من أسلم؟ فقول
    لا دليل على صحته]

    2- ابن عثيمين في الشرح الممتع أحيانا يرجح عدم لزوم الامساك، وأحيانا يرجح لزوم الامساك:

    الشرح الممتع (6/ 334، 335)
    [(تتمة) أفادنا المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ أن من قام به سبب الوجوب أثناء نهار رمضان مثل أن يسلم الكافر أو يبلغ الصغير أو يفيق المجنون فإنه يلزمهم الإمساك والقضاء، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد وهو قول أبي حنيفة وسبق دليله وتعليله.
    القول الثاني: لا يلزمهم إمساك ولا قضاء وهو الرواية الثانية عن أحمد.
    والقول الثالث: يلزمهم الإمساك دون القضاء وذكر رواية عن أحمد واختيار الشيخ تقي الدين (شيخ الإسلام ابن تيمية) وهو مذهب مالك وهو الراجح؛ لأنهم لا يلزمهم الإمساك في أول النهار لعدم شرط التكليف وقد أتوا بما أمروا به حين أمسكوا عند وجود شرط التكليف، ومن أتى بما أمر به لم يكلف الإعادة].

    ثم قال في (6/ 335، 336)
    [وأما الإمساك فكلام المؤلف ـ رحمه الله ـ يدل على وجوبه وهو المذهب؛ لأنهم إنما أفطروا لمانع وقد زال والحكم يزول بزوال علته، وعن أحمد رواية أخرى لا يلزمهم الإمساك؛ لأنهم يجوز لهم الفطر في أول النهار ظاهراً وباطناً، فقد حل لهم في أول النهار الأكل والشرب وسائر ما يمكن من المفطرات، ولا يستفيدون من هذا الإمساك شيئاً، وحرمة الزمن قد زالت بفطرهم المباح لهم أول النهار، وقد روي عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: «من أكل أول النهار فليأكل آخره» يعني أن من حل له الأكل في أول النهار حلَّ له الأكل في آخره، وهذا القول هو الراجح وعلى هذا لو قدم المسافر إلى بلده مفطراً ووجد زوجته قد طهرت أثناء ذلك اليوم من الحيض وتطهرت جاز له جماعها.
    وإذا أفطر لإنقاذ غريق فأنقذه لم يلزمه الإمساك آخر النهار.
    وإذا أفطرت مرضع خوفاً على ولدها ثم مات في أثناء اليوم لم يلزمها إمساك بقيته.
    والقاعدة على هذا القول الراجح أن من أفطر في رمضان لعذر يبيح الفطر، ثم زال ذلك العذر أثناء النهار لم يلزمه الإمساك بقية اليوم].

    وفي (6/ 409)
    [والقول الثاني: أنه لا يلزمهم الإمساك؛ لأن هذا اليوم في حقهم غير محترم، إذ إنهم في أوله مفطرون بإذن من الشرع، وليس عندنا صوم يجب في أثناء النهار، إلا إذا قامت البينة، فهذا شيء آخر وعلى هذا لا تلزمهم الكفارة إذا حصل الجماع.
    وهذا هو القول الراجح]

    السؤال/ ما هو الراجح عند ابن عثيمين؟
    أولا : بالنسبة للإمساك بقية اليوم في صيام عاشوراء الوارد في الحديث ، لو تأملنا كلام ابن القيم رحمه الله في قوله : وَطَرِيقَةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ أَنّ الْوَاجِبَ تَابِعٌ لِلْعِلْمِ وَوُجُوبُ عَاشُورَاءَ إنّمَا عُلِمَ مِنْ النّهَارِ وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَكُنْ التّبْيِيتُ مُمْكِنًا فَالنّيّةُ وَجَبَتْ وَقْتَ تَجَدّدِ الْوُجُوبِ وَالْعِلْمِ بِهِ وَإِلّا كَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ . قَالُوا : وَعَلَى هَذَا إذَا قَامَتْ الْبَيّنَةُ بِالرّؤْيَةِ فِي أَثْنَاءِ النّهَارِ أَجْزَأَ صَوْمُهُ بِنِيّةِ مُقَارِنَةٍ لِلْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ وَأَصْلُهُ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ شَيْخِنَا وَهِيَ كَمَا تَرَاهَا أَصَحّ الطّرُقِ وَأَقْرَبُهَا إلَى مُوَافَقَةِ أُصُولِ الشّرْعِ وَقَوَاعِدِهِ ...
    فهو يبين أن الأمر بالإمساك لأنه وقت العلم بالصوم ، فقد علم وجوبه بالنهار ، فيلزم المكلف إذا علم بشيء فإن فرضه عند علمه بالأمر ، فيلزمه الإمساك بقية يومه ، فهذا فرضه ، ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) فالمكلف لا يسعه إلا هذا ، فلو أن إنسانا علم أن رمضان قد دخل في نهار أول يوم منه فيلزمه الإمساك ، وصومه صحيح ـ وهذه المسألة محل خلاف كبير ـ وهي طريق شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله ، كما حكى عنه ابن القيم . وهذا يلتقي مع قول ابن حزم الذي تفضلت ـ وفقك الله ـ بنقله آنفا ؛ إذ الكافر الذي أسلم في يوم الصوم ، لا دليل على القضاء ، لأنه وقت علمه بالفرض ، فلا يلزمه إلا الإمساك بقية اليوم ، وصومه في هذا اليوم صحيح ، ولا قضاء .
    ثانيا :


  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي رد: هل كان صيام يوم عاشوراء واجب؟

    وأما كلام شيخنا ابن عثيمين رحمه الله فلا تناقض في كلامه ، فهو يرجح الإمساك بقية اليوم لمن أسلم أو عقل بعد جنونه ، أو بلغ بعد صغره ، فهؤلاء يلزمهم الإمساك دون القضاء ، وهو مذهب ابن تيمية ، كما مر معنا ، لعلمه بالوجوب وقت إسلامه ، ولأن الصغير فرض عليه وقت بلوغه أثناء اليوم ، وكذا المجنون لم يكن مكلفا حينها ، فلما أفاق أو عقل صار مكلفا ، وهو وقت تكليفه ، وهو مناطه ، لكن الحاشض لا يلزمها الإمساك للمفارقة بينها وبين غيرها . ممن ذكر، وكلامه واضح ولله الحمد ، لكن نرجو منكم التأمل ، نفع الله بكم .

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي رد: هل كان صيام يوم عاشوراء واجب؟

    عذرا ، حاولت تعديل المشاركة ، لكن يبدو أن الأعطال الفنية تلازمني في هذه الفترة ، لا أدري ، لعل القائمين ـ وفقهم الله ـ ينظرون في الأمر .
    تتمة ما سبق:
    لكن الحاشض لا يلزمها الإمساك للمفارقة بينها وبين غيرها ممن ذكر ؛ إذ هي مكلفة أصلا ، لكن حال بينها وبين إتيانها بالصوم مانع ، وهو الحيض ، ولا دليل يمنعها عن الأكل والشراب وغيرهما ، فوجب الوقوف عند ذلك . وكلامه واضح ولله الحمد ، لكن نرجو منكم التأمل في قوله رحمه الله : لأنهم لا يلزمهم الإمساك في أول النهار لعدم شرط التكليف وقد أتوا بما أمروا به حين أمسكوا عند وجود شرط التكليف، ومن أتى بما أمر به لم يكلف الإعادة].

    نفع الله بكم .

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المشاركات
    1,435

    افتراضي رد: هل كان صيام يوم عاشوراء واجب؟

    أحسن الله اليكم.. ونفع بكم .. وزادكم علما

    اذن بناء على ذلك:
    اذا أسلم الكافر، أو بلغ الصبي، أو عقل المجنون في نهار رمضان: يلزمهم الامساك ولا قضاء عليهم.
    أما اذا طهرت الحائض، أو قدم المسافر، أو شُفي المريض: لا يلزمهم الامساك وعليهم القضاء.

    وللفائدة أيضا، وجدت كلاما للشيخ/ ابن عثيمين رحمه الله ردا على من احتج بحديث عاشوراء على وجوب الامساك بقية اليوم، وهي:

    مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (19/ 101، 102)
    وأما الاحتجاج بما صح به الحديث، حيث أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصيام عاشوراء في أثناء اليوم، فأمسك الناس بقية يومهم،
    نقول:
    لا مستند لهم في هذا الحديث؛ لأن صوم يوم عاشوراء ليس فيه زوال مانع، وإنما فيه تجدد وجوب، وفرق بين زوال المانع
    وتجدد الوجوب، لأن
    تجدد الوجوب معناه أن الحكم لم يثبت قبل وجوب سببه، وأما زوال المانع فمعناه أن الحكم ثابت مع المانع
    لولا هذا المانع ومادام هذا المانع موجوداً مع وجود أسباب الحكم،
    فمعناه أن هذا المانع لا يمكن أن يصح معه الفعل لوجوده،
    ونظير هذه المسألة التي أوردها السائل نظيرها ما
    لو أسلم إنسان في أثناء اليوم، فإن هذا الذي أسلم تجدد له الوجوب، ونظيرها
    أيضاً ما لو
    بلغ الصبي في أثناء اليوم وهو مفطر، فإن هذا تجدد له الوجوب فنقول لمن أسلم في أثناء النهار: يجب عليك الإمساك،
    ولكن لا يجب عليك القضاء، ونقول للصبي إذا بلغ في أثناء النهار: يجب عليك الإمساك، ولا يجب عليك القضاء،
    بخلاف
    الحائض إذا طهرت
    ، فإنه بإجماع أهل العلم يجب عليها القضاء، الحائض إذا طهرت أثناء النهار أجمع العلماء على أنها إن أمسكت
    بقية اليوم لا ينفعها هذا الإمساك ولا يكون صوماً، وأن عليها القضاء، وبهذا
    عرف الفرق بين تجدد الوجوب وبين زوال المانع،
    فمسألة الحائض إذا طهرت
    من باب زوال المانع، ومسألة الصبي إذا بلغ أو ما ذكره السائل من إيجاب صوم يوم عاشوراء قبل أن
    يفرض رمضان، هذا
    من باب تجدد الوجوب، والله الموفق.
    أقيموا دولة الاسلام في قلوبكم .. تقم لكم على أرضكم ..

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي رد: هل كان صيام يوم عاشوراء واجب؟

    نفع الله بكم ، أحسنتم النقل ، وما توصلتم إليه هو المراد .

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    للفائدة لقرب عاشوراء .

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    1,412

    افتراضي

    ذكر ابن قدامى في كتابه المغني ( 4 /441):
    رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ ، قَالَ : { أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ الْعَاشِرِ مِنْ الْمُحَرَّمِ }
    رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
    وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ : التَّاسِعُ
    وَرَوَى عَنْهُ عَطَاءٌ ، أَنَّهُ قَالَ : { صُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ ، } إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ التَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ لِذَلِكَ .
    نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ .
    قَالَ أَحْمَدُ : فَإِنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَوَّلُ الشَّهْرِ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِيَتَيَقَّنَ صَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ .
    فيصوم يوما قبله ويوما بعده .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •