ثالثاً: العلم النافع والصدقة الجارية
والولد الصالح الذي يدعو لوالديه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
«إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة
إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به
أو ولد صالح يدعو له»([1]).
قال النووي -رحمه الله-:
قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة
إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له»
قال العلماء:
معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته،
وينقطع تجدد الثواب له،
إلا في هذه الأشياء الثلاثة، لكونه كان سببها،
فإن الولد من كسبه،
وكذلك العلم الذي خلفه من تعليم أو تصنيف،
وكذلك الصدقة الجارية، وهي الوقف.
وفيه فضيلة الزواج لرجاء ولد صالح،
وقد سبق بيان اختلاف أحوال الناس فيه،
وأوضحنا ذلك في كتاب النكاح.
وفيه دليل لصحة أصل الوقف، وعظيم ثوابه،
وبيان فضيلة العلم، والحث على الاستكثار منه.
والترغيب في توريثه بالتعليم والتصنيف والإيضاح،
وأنه ينبغي أن يختار من العلوم الأنفع فالنافع.
وفيه : أن الدعاء يصل ثوابه إلى الميت،
وكذلك الصدقة، وهما مجمع عليهما،
وكذلك قضاء الدين كما سبق ([2]).
قال ابن القيم -رحمه الله- في معرض حديثه عن فضل العلم :
(وقد ذكرنا مائتي دليل على فضل العلم وأهله في كتاب مفرد
فيا لها من مرتبة ما أعلاها،
ومنقبة ما أجلها وأسناها،
أن يكون المرء في حياته مشغولاً ببعض أشغاله،
أو في قبره وقد صار أشلاء متمزقة وأوصالاً متفرقة
وصحف حسناته متزايدة،
تملى فيها الحسنات كل وقت،
وأعمال الخير مهداة إليه من حيث لا يحتسب،
تلك والله المكارم والغنائم،
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون،
وعليه يحسد الحاسدون،
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم،
وحقيق بمرتبة هذا شأنها أن تنفق نفائس الأنفاس عليها
ويسبق السابقون إليها،
وتوفر إليها الأوقات، وتتوجه نحوها الطلبات،
فنسأل الله الذي بيده مفاتيح كل خير
أن يفتح علينا خزائن رحمته،
ويجعلنا من أهل هذه الصفة بمنِّه وكرمه،
وأصحاب هذه المرتبة يدعون عظماء في ملكوت السماء,
كما قال بعض السلف من عَلِمَ وعَمِلَ وعَلَّمَ
فذلك يدعى عظيما في ملكوت السماء)([3]).
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
([1]) رواه مسلم (1631).
([2]) شرح النووي على مسلم (11/85).
([3]) طريق الهجرتين (512).