وقال شيخ الإسلام في موضع آخر:
(... وأحمد إنّما اشتهر أنه إمام أهل السنَّة،
والصابر على المحنة،
لما ظهرت محن الجهمية الذين ينفون صفات الله تعالى،
ويقولون إن الله لا يُرى في الآخرة،
وأنَّ القرآن ليس هو كلام الله،
بل هو مخلوق من المخلوقات،
وأنَّه تعالى ليس فوق السموات،
وأنَّ محمداً لم يعرج إلى الله،
وأضلوا بعض ولاة الأمر،
فامتحنوا الناس بالرغبة والرهبة،
فمن الناس من أجابهم – رغبة –
ومن الناس من أجابهم – رهبة –
ومنهم من اختفى فلم يظهر لهم.
وصار من لم يُحبهم قطعوا رزقه وعزلوه عن ولايته،
وإن كان أسيراً لم يفكوه ولم يقبلوا شهادته،
وربما قتلوه أو حبسوه.
والمحنة مشهورة معروفة، كانت في:
إمارة المأمون، والمعتصم، والواثق.
ثم رفعها المتوكل،
فثبَّت الله الإمام أحمد
فلم يوافقهم على تعطيل صفات الله تعالى،
وناظرهم في العلم فقطعهم،
وعذَّبوه فصبر على عذابهم،
فجعله الله من الأئمة الذين يهدون بأمره.
كما قال تعالى:
"وَجَعَلْنَا مِنْهُم أَئِمَّةَ يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا
لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ".
فمن أُعطى الصبر واليقين:
جعله الله إماماً في الدين.
وما تكلم به من السنَّة فإنما أضيف له
لكونه أظهره وأبداه لا لكونه أنشأه وابتدأه.
وإلا فالسُّنَّة سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم ،
فأصدق الكلام كلام الله،
وخير الهدي هدي محمد بن عبدالله
صلى الله عليه وسلم ،
وما قاله الإمام أحمد هو قول الأئمة قبله،
كمالك والثوري، والأوزاعي، وحماد بن زيد، وحمَّاد بن سلمة،
وقول التابعين قبل هؤلاء،
وقول الصحابة
الذين أخذوه عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
وأحاديث السُّنَّة معروفة في الصحيحين وغيرهما
من كتب الإسلام.
والنقل عن أحمد وغيره من أئمة السنة متواتر
بإثبات صفات الله تعالى،
وهؤلاء متبعون في ذلك ما تواتر
عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فأما أنَّ المسلمين يثبتون عقيدتهم في أصول الدين بقوله
– أي: بقول الإمام أحمد –
أو بقول غيره من العلماء،
فهذا لا يقوله إلا جاهل ) .