تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 8 من 22 الأولىالأولى 123456789101112131415161718 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 141 إلى 160 من 433

الموضوع: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

  1. #141

    افتراضي

    ( 70 )

    من سورة الأنعام


    { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا
    ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ
    أَشْرَكُوا

    أَيْنَ
    شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ *


    ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا
    وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ *

    انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ

    وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ }
    { 22 _ 24 }


    يخبر تعالى عن مآل أهل الشرك يوم القيامة،

    وأنهم يسألون ويوبخون فيقال لهم


    { أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ }

    أي إن الله ليس له شريك،

    وإنما ذلك على وجه الزعم منهم والافتراء.



    { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ }

    أي: لم يكن جوابهم حين يفتنون ويختبرون بذلك السؤال،


    إلا إنكارهم لشركهم وحلفهم أنهم ما كانوا مشركين.


    { انْظُرْ } متعجبا منهم ومن أحوالهم

    { كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ }

    أي: كذبوا كذبا عاد بالخسار على أنفسهم

    وضرهم والله غاية الضرر



    { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ }

    من الشركاء الذين زعموهم مع الله،

    تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

    الحمد لله رب العالمين

  2. #142

    افتراضي

    ( 71 )

    من سورة الأنعام

    { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ
    أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

    بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ

    فَيَكْشِفُمَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ
    وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ
    }

    {40، 41}



    يقول تعالى لرسوله: { قُلْ } للمشركين بالله، العادلين به غيره:


    { أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ

    أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }

    أي: إذا حصلت هذه المشقات، وهذه الكروب،

    التي يضطر إلى دفعها،

    هل تدعون آلهتكم وأصنامكم،

    أم تدعونربكم الملك الحق المبين.



    { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ

    وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ }

    فإذا كانت هذه حالكم مع أندادكم عند الشدائد،
    تنسونهم،


    لعلمكم أنهم
    لا يملكون لكم ضرا ولا نفعا،


    ولا موتا، ولا حياة، ولا نشورا.

    وتخلصون لله الدعاء،
    لعلمكم أنه هو النافع الضار،

    المجيب لدعوة المضطر،


    فما بالكم في الرخاء تشركون به،

    وتجعلون له شركاء؟.


    هل دلكم على ذلك، عقل أو نقل،

    أم عندكم من سلطان بهذا؟

    بل تفترون على الله الكذب؟
    الحمد لله رب العالمين

  3. #143

    افتراضي

    ( 72 )

    من سورة الأنعام


    { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ
    وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ


    مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ
    انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ *

    قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً
    هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ }

    { 46 ، 47 }



    يخبر تعالى، أنه كما أنه هو المتفرد بخلق الأشياء وتدبيرها،


    فإنه المنفرد بالوحدانية والإلهية


    فقال: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ }


    فبقيتم بلا سمع ولا بصر ولا عقل



    { مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ }

    فإذا لم يكن غير الله يأتي بذلك،

    فلم عبدتم معه من لا قدرة له على شيء إلا إذا شاءه الله.


    وهذا من أدلة التوحيد وبطلان الشرك،



    ولهذا قال: { انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ } أي: ننوعها، ونأتي بها في كل فن،


    ولتنير الحق، وتتبين سبيل المجرمين.


    { ثُمَّ هُمْ } مع هذا البيان التام


    { يَصْدِفُونَ } عن آيات الله، ويعرضون عنها.


    { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ } أي: أخبروني


    { إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً }


    أي: مفاجأة أو قد تقدم أمامه مقدمات، تعلمون بها وقوعه.


    { هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ }


    الذين صاروا سببا لوقوع العذاب بهم، بظلمهم وعنادهم.


    فاحذروا أن تقيموا على الظلم،


    فإنه الهلاك الأبدي، والشقاء السرمدي.

    الحمد لله رب العالمين

  4. #144
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    المشاركات
    10,732

    افتراضي

    جزاك الله خيرا
    لا إله إلا الله
    اللهم اغفر لي وارحمني ووالديّ وأهلي والمؤمنين والمؤمنات وآتنا الفردوس الأعلى

  5. #145

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رضا الحملاوي مشاهدة المشاركة
    جزاك الله خيرا
    وإياكم يا أستاذ رضا
    الحمد لله رب العالمين

  6. #146

    افتراضي

    ( 73 )

    من سورة الأنعام


    { قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ
    وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ
    وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ
    إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ
    قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ
    أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ }
    { 50 }


    يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم؛ المقترحين عليه الآيات،

    أو القائلين له: إنما تدعونا لنتخذك إلها مع الله.

    { وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ } أي: مفاتيح رزقه ورحمته.



    { وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ }

    وإنما ذلك كله عند الله

    فهو الذي ما يفتح للناس من رحمة فلا ممسك لها

    وما يمسك فلا مرسل له من بعده،

    وهو وحده عالم الغيب والشهادة.

    فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول.


    { وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ } فأكون نافذ التصرف قويا،


    فلست أدعي فوق منزلتي، التي أنزلني الله بها.


    { إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ } أي: هذا غايتي ومنتهى أمري وأعلاه،

    إن أتبع إلا ما يوحى إلي،

    فأعمل به في نفسي، وأدعو الخلق كلهم إلى ذلك.


    فإذا عرفت منزلتي، فلأي شيء يبحث الباحث معي،


    أو يطلب مني أمرا لست أدعيه،

    وهل يلزم الإنسان، بغير ما هو بصدده؟.



    ولأي شيء إذا دعوتكم بما أوحي إلي

    أن تلزموني أني أدعي لنفسي غير مرتبتي.

    وهل هذا إلا ظلم منكم، وعناد، وتمرد؟


    قل لهم في بيان الفرق، بين من قبل دعوتي، وانقاد لما أوحي إلي،


    وبين من لم يكن كذلك


    { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ }

    فتنزلون الأشياء منازلها، وتختارون ما هو أولى بالاختيار والإيثار؟

    الحمد لله رب العالمين

  7. #147

    افتراضي

    ( 74 )

    من سورة الأنعام

    { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
    قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ
    قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ *

    قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ
    مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ

    إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ
    وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ *

    قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ
    لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ
    وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ }
    { 56 _ 58 }


    يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:

    { قُلْ } لهؤلاء المشركين الذين يدعون مع الله آلهة أخرى:


    { إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ }

    من الأنداد والأوثان،
    التي لا تملك نفعا ولا ضرا،
    ولا موتا ولا حياة ولا نشورا،

    فإن هذا باطل، وليس لكم فيه حجة بل ولا شبهة،

    إلا اتباع الهوى الذي اتباعه أعظم الضلال،

    ولهذا قال { قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا } أي: إن اتبعت أهواءكم

    { وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ } بوجه من الوجوه.

    وأما ما أنا عليه، من توحيد الله وإخلاص العمل له،

    فإنه هو الحق الذي تقوم عليه البراهين والأدلة القاطعة.


    وأنا { عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي }

    أي: على يقين مبين، بصحته، وبطلان ما عداه،

    وهذه شهادة من الرسول جازمة، لا تقبل التردد،

    وهو أعدل الشهود على الإطلاق.

    فصدق بها المؤمنون، وتبين لهم من صحتها وصدقها،

    بحسب ما مَنَّ الله به عليهم.


    { وَ } لكنكم أيها المشركون { كذبتم به } وهو لا يستحق هذا منكم،

    ولا يليق به إلا التصديق، وإذا استمررتم على تكذيبكم،

    فاعلموا أن العذاب واقع بكم لا محالة،

    وهو عند الله، هو الذي ينزله عليكم، إذا شاء، وكيف شاء،

    وإن استعجلتم به، فليس بيدي من الأمر شيء


    { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ }

    فكما أنه هو الذي حكم بالحكم الشرعي، فأمر ونهى،

    فإنه سيحكم بالحكم الجزائي، فيثيب ويعاقب،

    بحسب ما تقتضيه حكمته.

    فالاعتراض على حكمه مطلقا مدفوع،

    وقد أوضح السبيل، وقص على عباده الحق قصا،

    قطع به معاذيرهم، وانقطعت له حجتهم،

    ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة



    { وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ } بين عباده، في الدنيا والآخرة،

    فيفصل بينهم فصلا، يحمده عليه،

    حتى من قضى عليه، ووجه الحق نحوه.


    { قُل } للمستعجلين بالعذاب، جهلا وعنادا وظلما،

    { لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ }

    فأوقعته بكم ولا خير لكم في ذلك،


    ولكن الأمر، عند الحليم الصبور،

    الذي يعصيه العاصون، ويتجرأ عليه المتجرئون،

    وهو يعافيهم، ويرزقهم،

    ويسدي عليهم نعمه، الظاهرة والباطنة.


    { وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ }

    لا يخفى عليه من أحوالهم شيء،


    فيمهلهم ولا يهملهم.

    الحمد لله رب العالمين

  8. #148

    افتراضي

    ( 75 )

    من سورة الأنعام


    { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ
    وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
    وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا
    وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ
    وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ
    إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ }
    { 59 }



    هذه الآية العظيمة، من أعظم الآيات تفصيلا لعلمه المحيط،

    وأنه شامل للغيوب كلها، التي يطلع منها ما شاء من خلقه.

    وكثير منها طوى علمه عن الملائكة المقربين، والأنبياء المرسلين،

    فضلا عن غيرهم من العالمين،

    وأنه يعلم ما في البراري والقفار، من الحيوانات، والأشجار،

    والرمال والحصى، والتراب،

    وما في البحار من حيواناتها، ومعادنها، وصيدها،

    وغير ذلك مما تحتويه أرجاؤها، ويشتمل عليه ماؤها.



    { وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ } من أشجار البر والبحر، والبلدان والقفر،

    والدنيا والآخرة، إلا يعلمها.



    { وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ } من حبوب الثمار والزروع،

    وحبوب البذور التي يبذرها الخلق؛

    وبذور النوابت البرية التي ينشئ منها أصناف النباتات.



    { وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ } هذا عموم بعد خصوص

    { إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } وهو اللوح المحفوظ، قد حواها، واشتمل عليها،


    وبعض هذا المذكور،
    يبهر عقول العقلاء،
    ويذهل أفئدة النبلاء،

    فدل هذا على عظمة الرب العظيم وسعته، في أوصافه كلها.


    وأن الخلق من أولهم إلى آخرهم لو اجتمعوا على أن يحيطوا ببعض صفاته،
    لم يكن لهم قدرة ولا وسع في ذلك،

    فتبارك الرب العظيم، الواسع العليم،
    الحميد المجيد، الشهيد، المحيط.


    وجل مِنْ إله، لا يحصي أحد ثناء عليه،
    بل كما أثنى على نفسه،
    وفوق ما يثني عليه عباده،


    فهذه الآية، دلت على علمه المحيط بجميع الأشياء،
    وكتابه المحيط بجميع الحوادث.
    الحمد لله رب العالمين

  9. #149

    افتراضي

    ( 76 )

    من سورة الأنعام


    { وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ
    ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى
    ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ *

    وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ
    وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً
    حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ
    تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ *


    ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ
    أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ }
    { 60 _ 62 }


    هذا كله، تقرير لألوهيته، واحتجاج على المشركين به،

    وبيان أنه تعالى المستحق للحب والتعظيم، والإجلال والإكرام،

    فأخبر أنه وحده، المتفرد بتدبير عباده، في يقظتهم ومنامهم،

    وأنه يتوفاهم بالليل، وفاة النوم، فتهدأ حركاتهم، وتستريح أبدانهم،

    ويبعثهم في اليقظة من نومهم، ليتصرفوا في مصالحهم الدينية والدنيوية

    وهو تعالى يعلم ما جرحوا وما كسبوا من تلك الأعمال.


    ثم لا يزال تعالى هكذا، يتصرف فيهم، حتى يستوفوا آجالهم.

    فيقضى بهذا التدبير، أجل مسمى، وهو: أجل الحياة،

    وأجل آخر فيما بعد ذلك، وهو البعث بعد الموت،


    ولهذا قال: { ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ } لا إلى غيره

    { ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } من خير وشر.


    { وَهُوَ } تعالى { الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ }

    ينفذ فيهم إرادته الشاملة، ومشيئته العامة،

    فليسوا يملكون من الأمر شيئا،

    ولا يتحركون ولا يسكنون إلا بإذنه،

    ومع ذلك، فقد وكل بالعباد حفظةً من الملائكة،

    يحفظون العبد ويحفظون عليه ما عمل،


    كما قال تعالى:

    { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ }

    { عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }
    فهذا حفظه لهم في حال الحياة.


    { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا }

    أي الملائكة الموكلون بقبض الأرواح.


    { وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ } في ذلك،

    فلا يزيدون ساعة مما قدره الله وقضاه ولا ينقصون،

    ولا ينفذون من ذلك، إلا بحسب المراسيم الإلهية والتقادير الربانية.


    { ثُمَّ } بعد الموت والحياة البرزخية، وما فيها من الخير والشر


    { رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ }

    أي: الذي تولاهم بحكمه القدري، فنفذ فيهم ما شاء من أنواع التدبير،

    ثم تولاهم بأمره ونهيه، وأرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب،

    ثم ردوا إليه ليتولى الحكم فيهم بالجزاء،

    ويثيبهم على ما عملوا من الخيرات،

    ويعاقبهم على الشرور والسيئات،


    وَلهذا قال: { أَلَا لَهُ الْحُكْمُ } وحده لا شريك له

    { وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ } لكمال علمه وحفظه لأعمالهم،

    بما أثبته في اللوح المحفوظ،

    ثم أثبته ملائكته في الكتاب، الذي بأيديهم،


    فإذا كان تعالى هو المنفرد بالخلق والتدبير،
    وهو القاهر فوق عباده،
    وقد اعتنى بهم كل الاعتناء، في جميع أحوالهم،


    وهو الذي له الحكم القدري، والحكم الشرعي، والحكم الجزائي،

    فأين للمشركين العدولُ عن من هذا وصفه ونعته،

    إلى عبادة من ليس له من الأمر شيء،

    ولا عنده مثقال ذرة من النفع،

    ولا له قدرة وإرادة؟!.


    أما والله لو علموا حلم الله عليهم،
    وعفوه ورحمته بهم،
    وهم يبارزونه
    بالشرك والكفران،
    ويتجرءون على عظمته بالإفك والبهتان،
    وهو يعافيهم ويرزقهم
    لانجذبت دواعيهم إلى معرفته،
    وذهلت عقولهم في حبه.


    ولمقتوا أنفسهم أشد المقت،
    حيث انقادوا لداعي الشيطان،
    الموجب للخزي والخسران،
    ولكنهم قوم لا يعقلون.

    الحمد لله رب العالمين

  10. #150

    افتراضي

    ( 77 )

    من سورة الأنعام


    { قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
    تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً
    لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ *
    قُلِ اللَّهُ
    يُنَجِّيكُمْ
    مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ
    ثُمَّ أَنْتُمْ
    تُشْرِكُونَ}
    { 63 ، 64 }



    أي { قُلْ } للمشركين بالله، الداعين معه آلهة أخرى،

    ملزما لهم بما أثبتوه من توحيد الربوبية،

    على ما أنكروا من توحيد الإلهية


    { مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } أي: شدائدهما ومشقاتهما،

    وحين يتعذر أو يتعسر عليكم وجه الحيلة،

    فتدْعون ربكم تضرعا بقلب خاضع،

    ولسان لا يزال يلهج بحاجته في الدعاء،

    وتقولون وأنتم في تلك الحال:


    { لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ } الشدة التي وقعنا فيها


    { لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } لله، أي المعترفين بنعمته،

    الواضعين لها في طاعة ربهم،

    الذين حفظوها عن أن يبذلوها في معصيته.


    { قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ }

    أي: من هذه الشدة الخاصة،

    ومن جميع الكروب العامة.


    { ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ }

    لا تفون لله بما قلتم، وتنسون نعمه عليكم،

    فأي برهان أوضح من هذا على بطلان الشرك،

    وصحة التوحيد؟"

    الحمد لله رب العالمين

  11. #151

    افتراضي

    ( 78 )

    من سورة الأنعام


    { وَإِذَارَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا
    فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ
    وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ
    فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ *
    وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ
    وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }


    { 68 ، 69 }


    المراد بالخوض في آيات الله: التكلم بما يخالف الحق،

    من تحسين المقالات الباطلة، والدعوة إليها، ومدح أهلها،

    والإعراض عن الحق، والقدح فيه وفي أهله،

    فأمر الله رسوله أصلا، وأمته تبعا،

    إذا رأوا من يخوض بآيات الله بشيء مما ذكر، بالإعراض عنهم،

    وعدم حضور مجالس الخائضين بالباطل،

    والاستمرار على ذلك، حتى يكون البحث والخوض في كلام غيره،

    فإذا كان في كلام غيره، زال النهي المذكور.


    فإن كان مصلحة كان مأمورا به،

    وإن كان غير ذلك، كان غير مفيد ولا مأمور به،

    وفي ذم الخوض بالباطل، حث على البحث، والنظر، والمناظرة بالحق.


    ثم قال:


    { وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ }

    أي: بأن جلست معهم، على وجه النسيان والغفلة.


    { فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }

    يشمل الخائضين بالباطل،
    وكل متكلم بمحرم، أو فاعل لمحرم،

    فإنه يحرم الجلوس والحضور عند حضور المنكر،
    الذي لا يقدر على إزالته.


    هذا النهي والتحريم، لمن جلس معهم، ولم يستعمل تقوى الله،

    بأن كان يشاركهم في القول والعمل المحرم،

    أو يسكت عنهم، وعن الإنكار،

    فإن استعمل تقوى الله تعالى، بأن كان يأمرهم بالخير،

    وينهاهم عن الشر والكلام الذي يصدر منهم،

    فيترتب على ذلك زوال الشر أو تخفيفه،

    فهذا ليس عليه حرج ولا إثم،



    ولهذا قال:

    { وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ
    وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
    }


    أي: ولكن ليذكرهم، ويعظهم، لعلهم يتقون الله تعالى.


    وفي هذا دليل على أنه ينبغي أن يستعمل المذكِّرُ من الكلام،

    ما يكون أقرب إلى حصول مقصود التقوى.


    وفيه دليل على أنه إذا كان التذكير والوعظ،

    مما يزيد الموعوظ شرا إلى شره،

    كان تركه هو الواجب

    لأنه إذا ناقض المقصود، كان تركه مقصودا

    الحمد لله رب العالمين

  12. #152

    افتراضي

    ( 79 )

    من سورة الأنعام


    { وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا
    وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا


    وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ

    لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ


    وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا
    أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا
    لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ
    بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ }

    { 70 }

    المقصود من العباد، أن يخلصوا لله الدين،
    بأن يعبدوه وحده لا شريك له،
    ويبذلوا مقدورهم في مرضاته ومحابه.

    وذلك متضمن لإقبال القلب على الله وتوجهه إليه،
    وكون سعي العبد نافعا، وجدًّا، لا هزلا،

    وإخلاصا لوجه الله، لا رياء وسمعة،
    هذا هو الدين الحقيقي، الذي يقال له دين،



    فأما من زعم أنه على الحق، وأنه صاحب دين وتقوى،

    وقد اتخذ دينَه لعبا ولهوا. بأن لَهَا قلبُه عن محبة الله ومعرفته،

    وأقبل على كل ما يضره، ولَهَا في باطله، ولعب فيه ببدنه،

    لأن العمل والسعي إذا كان لغير الله، فهو لعب،

    فهذا أَمَر الله تعالى أن يترك ويحذر، ولا يغتر به،

    وتنظر حاله، ويحذر من أفعاله،

    ولا يغتر بتعويقه عما يقرب إلى الله.




    { وَذَكِّرْ بِهِ } أي: ذكر بالقرآن، ما ينفع العباد، أمرا، وتفصيلا، وتحسينا له،

    بذكر ما فيه من أوصاف الحسن، وما يضر العباد نهيا عنه،

    وتفصيلا لأنواعه، وبيان ما فيه من الأوصاف القبيحة الشنيعة الداعية لتركه،



    وكل هذا لئلا تبسل نفس بما كسبت،

    أي: قبل اقتحام العبد للذنوب وتجرئه على علام الغيوب،

    واستمرارها على ذلك المرهوب،

    فذكرها، وعظها، لترتدع وتنزجر، وتكف عن فعلها.



    وقوله { لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ }

    أي: قبل [أن] تحيط بها ذنوبها، ثم لا ينفعها أحد من الخلق،

    لا قريب ولا صديق، ولا يتولاها من دون الله أحد،

    ولا يشفع لها شافع



    { وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ } أي: تفتدي بكل فداء، ولو بملء الأرض ذهبا

    { لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا } أي: لا يقبل ولا يفيد.



    { أُولَئِكَ } الموصوفون بما ذكر

    { الَّذِينَ أُبْسِلُوا } أي: أهلكوا وأيسوا من الخير،

    وذلك { بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ } أي: ماء حار قد انتهى حره،

    يشوي وجوههم، ويقطع أمعاءهم

    { وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ }

    الحمد لله رب العالمين

  13. #153

    افتراضي

    ( 80 )

    من سورة الأنعام

    { قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا
    وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ

    كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ
    لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا

    قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى
    وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ *


    وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ

    وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ *
    وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ
    وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ


    قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ
    عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ

    وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ }

    { 71 _ 73 }


    { قُلْ } يا أيها الرسول للمشركين بالله، الداعين معه غيره،

    الذين يدعونكم إلى دينهم، مبينا وشارحا لوصف آلهتهم،

    التي يكتفي العاقل بذكر وصفها، عن النهي عنها،

    فإن كل عاقل إذا تصور مذهب المشركين جزم ببطلانه،

    قبل أن تقام البراهين على ذلك،

    فقال: { أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا }

    وهذا وصف، يدخل فيه كل مَن عُبِد مِنْ دون الله،

    فإنه لا ينفع ولا يضر، وليس له من الأمر شيء،

    إن الأمر إلا لله.

    { وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ }

    أي: وننقلب بعد هداية الله لنا إلى الضلال، ومن الرشد إلى الغي،

    ومن الصراط الموصل إلى جنات النعيم،

    إلى الطرق التي تفضي بسالكها إلى العذاب الأليم.



    فهذه حال لا يرتضيها ذو رشد،

    وصاحبها { كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ }

    أي: أضلته وتيهته عن طريقه ومنهجه له الموصل إلى مقصده.



    فبقي { حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى }

    والشياطين يدعونه إلى الردى، فبقي بين الداعيين حائرا

    وهذه حال الناس كلهم، إلا من عصمه الله تعالى،

    فإنهم يجدون فيهم جواذب ودواعي متعارضة،

    دواعي الرسالة والعقل الصحيح، والفطرة المستقيمة

    { يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى }

    والصعود إلى أعلى عليين.


    ودواعي الشيطان، ومن سلك مسلكه، والنفس الأمارة بالسوء،

    يدعونه إلى الضلال، والنزول إلى أسفل سافلين،

    فمن الناس من يكون مع داعي الهدى، في أموره كلها أو أغلبها،

    ومنهم من بالعكس من ذلك.

    ومنهم من يتساوى لديه الداعيان، ويتعارض عنده الجاذبان،

    وفي هذا الموضع، تعرف أهل السعادة من أهل الشقاوة.


    وقوله: { قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى }


    أي: ليس الهدى إلا الطريق التي شرعها الله على لسان رسوله،

    وما عداه فهو ضلال وردى وهلاك.

    { وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }

    بأن ننقاد لتوحيده، ونستسلم لأوامره ونواهيه،

    وندخل تحت عبوديته،

    فإن هذا أفضل نعمة أنعم الله بها على العباد،

    وأكمل تربية أوصلها إليهم.


    { وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ }

    أي: وأمرنا أن نقيم الصلاة بأركانها وشروطها وسننها ومكملاتها.


    { وَاتَّقُوهُ } بفعل ما أمر به، واجتناب ما عنه نهى.


    { وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } أي: تُجْمَعون ليوم القيامة،

    فيجازيكم بأعمالكم، خيرها وشرها.


    { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ }


    ليأمر العباد وينهاهم، ويثيبهم ويعاقبهم،

    { وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ }

    الذي لا مرية فيه ولا مثنوية، ولا يقول شيئا عبثا


    { وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ }

    أي: يوم القيامة، خصه بالذكر –مع أنه مالك كل شيء ـ

    لأنه تنقطع فيه الأملاك، فلا يبقى ملك إلا الله الواحد القهار.


    { عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ }

    الذي له الحكمة التامة، والنعمة السابغة، والإحسان العظيم،

    والعلم المحيط بالسرائر والبواطن والخفايا،

    لا إله إلا هو، ولا رب سواه.
    الحمد لله رب العالمين

  14. #154

    افتراضي

    ( 81 )

    من سورة الأنعام


    { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً

    إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ *

    وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
    وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ .... } إلى آخر القصة.
    { 74 _ 83 }


    يقول تعالى: واذكر قصة إبراهيم، عليه الصلاة والسلام،

    مثنيا عليه ومعظما في حال دعوته إلى التوحيد، ونهيه عن الشرك،


    وإذ قال لأبيه { آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً }

    أي: لا تنفع ولا تضر وليس لها من الأمر شيء،



    { إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }

    حيث عبدتم من لا يستحق من العبادة شيئا،

    وتركتم عبادة خالقكم، ورازقكم، ومدبركم.


    { وَكَذَلِكَ } حين وفقناه للتوحيد والدعوة إليه

    { نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }

    أي: ليرى ببصيرته، ما اشتملت عليه من الأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة


    { وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ }

    فإنه بحسب قيام الأدلة، يحصل له الإيقان والعلم التام بجميع المطالب.


    { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ } أي: أظلم

    { رَأَى كَوْكَبًا } لعله من الكواكب المضيئة،

    لأن تخصيصه بالذكر، يدل على زيادته عن غيره،

    ولهذا والله أعلم قال من قال: إنه الزهرة.


    { قَالَ هَذَا رَبِّي } أي: على وجه التنزل مع الخصم

    أي: هذا ربي، فهلم ننظر، هل يستحق الربوبية؟

    وهل يقوم لنا دليل على ذلك؟

    فإنه لا ينبغي لعاقل أن يتخذ إلهه هواه، بغير حجة ولا برهان.


    { فَلَمَّا أَفَلَ } أي: غاب ذلك الكوكب

    { قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ } أي: الذي يغيب ويختفي عمن عبده،

    فإن المعبود لا بد أن يكون قائما بمصالح من عبده،

    ومدبرا له في جميع شئونه،

    فأما الذي يمضي وقت كثير وهو غائب،

    فمن أين يستحق العبادة؟!

    وهل اتخاذه إلها إلا من أسفه السفه،

    وأبطل الباطل؟!


    { فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا } أي: طالعا،

    رأى زيادته على نور الكواكب ومخالفته لها { قَالَ هَذَا رَبِّي } تنزلا.


    { فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ }

    فافتقر غاية الافتقار إلى هداية ربه،

    وعلم أنه إن لم يهده الله فلا هادي له،

    وإن لم يعنه على طاعته، فلا معين له.


    { فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ }

    من الكوكب ومن القمر.


    { فَلَمَّا أَفَلَتْ } تقرر حينئذ الهدى، واضمحل الردى


    فـ { قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ }

    حيث قام البرهان الصادق الواضح، على بطلانه.


    { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا }

    أي: لله وحده، مقبلا عليه، معرضا عن من سواه.


    { وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }

    فتبرأ من الشرك، وأذعن بالتوحيد،

    وأقام على ذلك البرهان


    [وهذا الذي ذكرنا في تفسير هذه الآيات، هو الصواب،

    وهو أن المقام مقام مناظرة، من إبراهيم لقومه،

    وبيان بطلان إلهية هذه الأجرام العلوية وغيرها.

    وأما من قال: إنه مقام نظر في حال طفوليته،

    فليس عليه دليل]


    { وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ }

    أيُّ فائدة لمحاجة من لم يتبين له الهدى؟

    فأما من هداه الله، ووصل إلى أعلى درجات اليقين،

    فإنه –هو بنفسه يدعو الناس إلى ما هو عليه.


    { وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ }

    فإنها لن تضرني،
    ولن تمنع عني من النفع شيئا.


    { إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ }

    فتعلمون أنه وحده المعبود المستحق للعبودية.


    { وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ }

    وحالها حال العجز، وعدم النفع،


    { وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ

    مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا }

    أي: إلا بمجرد اتباع الهوى.

    { فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

    الحمد لله رب العالمين

  15. #155

    افتراضي

    قال الله تعالى فاصلا بين الفريقين

    { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا } أي: يخلطوا

    { إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ }

    الأمن من المخاوفِ والعذاب والشقاء،

    والهدايةُ إلى الصراط المستقيم،

    فإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم مطلقا،

    لا بشرك، ولا بمعاص،

    حصل لهم الأمن التام، والهداية التامة.


    وإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بالشرك وحده،

    ولكنهم يعملون السيئات،

    حصل لهم أصل الهداية، وأصل الأمن،

    وإن لم يحصل لهم كمالها.


    ومفهوم الآية الكريمة، أن الذين لم يحصل لهم الأمران،

    لم يحصل لهم هداية ولا أمن،

    بل حظهم الضلال والشقاء.


    ولما حكم لإبراهيم عليه السلام، بما بين به من البراهين القاطعة

    قال: { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ }

    أي: علا بها عليهم، وفلجهم بها.



    { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ }

    كما رفعنا درجات إبراهيم عليه السلام في الدنيا والآخرة،

    فإن العلم يرفع الله به صاحبه فوق العباد درجات.


    خصوصا العالم العامل المعلم،

    فإنه يجعله الله إماما للناس،

    بحسب حاله ترمق أفعاله، وتقتفى آثاره،

    ويستضاء بنوره، ويمشى بعلمه في ظلمة ديجوره.


    قال تعالى

    { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } ،


    { إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ }

    فلا يضع العلم والحكمة، إلا في المحل اللائق بها،

    وهو أعلم بذلك المحل، وبما ينبغي له.


    الحمد لله رب العالمين

  16. #156

    افتراضي

    ( 82 )

    من سورة الأنعام


    { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ

    وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ
    وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ
    وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ *

    وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ
    كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ *
    وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا
    وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ *

    وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِ مْ وَإِخْوَانِهِمْ
    وَاجْتَبَيْنَاه ُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *

    ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ


    وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *


    أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ
    فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ
    فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ *



    أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ

    قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا

    إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ }


    { 84 _ 90 }


    لما ذكر الله تعالى عبده وخليله، إبراهيم عليه السلام،

    وذكر ما مَنَّ الله عليه به، من العلم والدعوة، والصبر،

    ذكر ما أكرمه الله به من الذرية الصالحة، والنسل الطيب.


    وأن الله جعل صفوة الخلق من نسله، وأعظم بهذه المنقبة والكرامة الجسيمة،

    التي لا يدرك لها نظير فقال:

    { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } ابنه، الذي هو إسرائيل،

    أبو الشعب الذي فضله الله على العالمين.

    { كُلًّا } منهما { هَدَيْنَا } الصراط المستقيم، في علمه وعمله.

    { وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ } وهدايته من أنواع الهدايات الخاصة

    التي لم تحصل إلا لأفراد من العالم؛

    وهم أولو العزم من الرسل، الذي هو أحدهم.

    { وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ } يحتمل أن الضمير عائد إلى نوح، لأنه أقرب مذكور،

    ولأن الله ذكر مع من ذكر لوطا، وهو من ذرية نوح،

    لا من ذرية إبراهيم لأنه ابن أخيه.

    ويحتمل أن الضمير يعود إلى إبراهيم لأن السياق في مدحه والثناء عليه،

    ولوط -وإن لم يكن من ذريته- فإنه ممن آمن على يده،

    فكان منقبة الخليل وفضيلته بذلك، أبلغ من كونه مجرد ابن له.

    { دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ } بن داود

    { وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ } بن يعقوب.

    { وَمُوسَى وَهَارُونَ } ابني عمران،



    { وَكَذَلِكَ } كما أصلحنا ذرية إبراهيم الخليل،

    لأنه أحسن في عبادة ربه، وأحسن في نفع الخلق


    { كذلك نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }

    بأن نجعل لهم من الثناء الصدق، والذرية الصالحة، بحسب إحسانهم.


    { وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى } ابنه { وَعِيسَى } ابن مريم. { وَإِلْيَاسَ كُلٌّ } هؤلاء

    { مِنَ الصَّالِحِينَ } في أخلاقهم وأعمالهم وعلومهم،

    بل هم سادة الصالحين وقادتهم وأئمتهم.



    { وَإِسْمَاعِيلَ } بن إبراهيم أبو الشعب الذي هو أفضل الشعوب،

    وهو الشعب العربي، ووالد سيد ولد آدم، محمد صلى الله عليه وسلم.


    { وَيُونُسَ } بن متى { وَلُوطًا } بن هاران، أخي إبراهيم.

    { وَكُلَا } من هؤلاء الأنبياء والمرسلين

    { فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ } لأن درجات الفضائل أربع –


    وهي التي ذكرها الله بقوله:



    { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ
    فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
    مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِين َ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ }




    فهؤلاء من الدرجة العليا، بل هم أفضل الرسل على الإطلاق،

    فالرسل الذين قصهم الله في كتابه،

    أفضل ممن لم يقص علينا نبأهم بلا شك.

    { وَمِنْ آبَائِهِمْ } أي: آباء هؤلاء المذكورين

    { وَذُرِّيَّاتِهِ مْ وَإِخْوَانِهِمْ } أي: وهدينا من آباء هؤلاء وذرياتهم وإخوانهم.



    { وَاجْتَبَيْنَاه ُمْ } أي: اخترناهم { وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }

    { ذَلِكَ } الهدى المذكور { هُدَى اللَّهِ } الذي لا هدى إلا هداه.

    { يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ }

    فاطلبوا منه الهدى فإنه إن لم يهدكم فلا هادي لكم غيره،

    وممن شاء هدايته هؤلاء المذكورون.



    الحمد لله رب العالمين

  17. #157

    افتراضي


    { وَلَوْ أَشْرَكُوا } على الفرض والتقدير

    { لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

    فإن الشرك محبط للعمل،
    موجب للخلود في النار.



    فإذا كان هؤلاء الصفوة الأخيار، لو أشركوا -وحاشاهم-

    لحبطت أعمالهم فغيرهم أولى.



    { أُولَئِكَ } المذكورون { الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ }

    أي: امش -أيها الرسول الكريم- خلف هؤلاء الأنبياء الأخيار، واتبع ملتهم

    وقد امتثل صلى الله عليه وسلم، فاهتدى بهدي الرسل قبله، وجمع كل كمال فيهم.


    فاجتمعت لديه فضائل وخصائص، فاق بها جميع العالمين،

    وكان سيد المرسلين، وإمام المتقين،

    صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين،

    وبهذا الملحظ استدل بهذه من استدل من الصحابة،

    أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفضل الرسل كلهم.



    { قُلْ } للذين أعرضوا عن دعوتك:

    { لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا }

    أي: لا أطلب منكم مغرما ومالا، جزاء عن إبلاغي إياكم، ودعوتي لكم

    فيكون من أسباب امتناعكم، إن أجري إلا على الله.

    { إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ }

    يتذكرون به ما ينفعهم فيفعلونه، وما يضرهم فيذرونه،

    ويتذكرون به معرفة ربهم بأسمائه وأوصافه.



    ويتذكرون به الأخلاق الحميدة، والطرق الموصلة إليها،

    والأخلاق الرذيلة، والطرق المفضية إليها،


    فإذا كان ذكرى للعالمين،

    كان أعظم نعمة أنعم الله بها عليهم،

    فعليهم قبولها والشكر عليها.

    الحمد لله رب العالمين

  18. #158

    افتراضي

    ( 83 )

    من سورة الأنعام


    { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ

    وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ

    وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ

    الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ

    لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ }

    { 93 _ 94 }



    { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ }

    أي: أعطيناكم، وأنعمنا به عليكم

    { وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } لا يغنون عنكم شيئا



    { وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ
    الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ
    شُرَكَاءُ }


    فإن المشركين يشركون بالله، ويعبدون معه الملائكة،

    والأنبياء، والصالحين، وغيرهم،

    وهم كلهم لله،

    ولكنهم يجعلون لهذه المخلوقات نصيبا من أنفسهم،

    وشركة في عبادتهم،



    وهذا زعم منهم وظلم،

    فإن الجميع عبيد لله، والله مالكهم، والمستحق لعبادتهم.

    فشركهم في العبادة، وصرفها لبعض العبيد،

    تنـزيل لهم منـزلة الخالق المالك،

    فيوبخون يوم القيامة ويقال لهم هذه المقالة.



    { وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ

    الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ }

    أي: تقطعت الوصل والأسباب بينكم وبين شركائكم،

    من الشفاعة وغيرها فلم تنفع ولم تُجْد شيئا.



    { وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ }

    من الربح، والأمن والسعادة، والنجاة،

    التي زينها لكم الشيطان، وحسنها في قلوبكم،

    فنطقت بها ألسنتكم.



    واغتررتم بهذا الزعم الباطل، الذي لا حقيقة له،

    حين تبين لكم نقيض ما كنتم تزعمون،

    وظهر أنكم الخاسرون لأنفسكم وأهليكم وأموالكم.
    الحمد لله رب العالمين

  19. #159

    افتراضي

    ( 84 )


    من سورة الأنعام



    { إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى

    يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ

    وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ

    ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ *


    فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا

    وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا

    ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ *


    وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ

    لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ

    قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ *


    وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ

    فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ

    قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ }


    { 95 _ 98 }



    يخبر تعالى عن كماله، وعظمة سلطانه، وقوة اقتداره،

    وسعة رحمته، وعموم كرمه، وشدة عنايته بخلقه،


    فقال: { إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ } شامل لسائر الحبوب،

    التى يباشر الناس زرعها، والتي لا يباشرونها،

    كالحبوب التي يبثها الله في البراري والقفار،

    فيفلق الحبوب عن الزروع والنوابت،

    على اختلاف أنواعها، وأشكالها، ومنافعها،

    ويفلق النوى عن الأشجار، من النخيل والفواكه، وغير ذلك.

    فينتفع الخلق، من الآدميين والأنعام، والدواب.


    ويرتعون فيما فلق الله من الحب والنوى، ويقتاتون،

    وينتفعون بجميع أنواع المنافع التي جعلها الله في ذلك.


    ويريهم الله من بره وإحسانه ما يبهر العقول، ويذهل الفحول،

    ويريهم من بدائع صنعته، وكمال حكمته،

    ما به يعرفونه ويوحدونه،

    ويعلمون أنه هو الحق، وأن عبادة ما سواه باطلة.


    { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ } كما يخرج من المني حيوانا،

    ومن البيضة فرخا، ومن الحب والنوى زرعا وشجرا.


    { وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ } وهو الذي لا نمو فيه، أو لا روح

    { مِنَ الْحَيِّ } كما يخرج من الأشجار والزروع النوى والحب،

    ويخرج من الطائر بيضا ونحو ذلك.


    { ذَلِكُمْ } الذي فعل ما فعل، وانفرد بخلق هذه الأشياء وتدبيرها

    { اللَّهُ } رَبُّكُمْ أي:

    الذي له الألوهية والعبادة على خلقه أجمعين،

    وهو الذي ربى جميع العالمين بنعمه، وغذاهم بكرمه.



    { فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } أي: فأنى تصرفون،

    وتصدون عن عبادة من هذا شأنه،


    إلى عبادة من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا،

    ولا موتا، ولا حياة، ولا نشورا ؟ "



    ولما ذكر تعالى مادة خلق الأقوات، ذكر منته بتهيئة المساكن،

    وخلقه كل ما يحتاج إليه العباد، من الضياء والظلمة،

    وما يترتب على ذلك من أنواع المنافع والمصالح فقال:


    { فَالِقُ الْإِصْبَاحِ } أي: كما أنه فالق الحب والنوى،

    كذلك هو فالق ظلمة الليل الداجي، الشامل لما على وجه الأرض،

    بضياء الصبح الذي يفلقه شيئا فشيئا،

    حتى تذهب ظلمة الليل كلها، ويخلفها الضياء والنور العام،

    الذي يتصرف به الخلق في مصالحهم، ومعايشهم،

    ومنافع دينهم ودنياهم.


    ولما كان الخلق محتاجين إلى السكون والاستقرار والراحة،

    التي لا تتم بوجود النهار والنور { جَعَلَ } الله

    { اللَّيْلَ سَكَنًا } يسكن فيه الآدميون إلى دورهم ومنامهم،

    والأنعام إلى مأواها، والطيور إلى أوكارها، فتأخذ نصيبها من الراحة،

    ثم يزيل الله ذلك بالضياء، وهكذا أبدا إلى يوم القيامة



    { و } جعل تعالى { الشمس وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا } بهما تعرف الأزمنة والأوقات،

    فتنضبط بذلك أوقات العبادات، وآجال المعاملات،

    ويعرف بها مدة ما مضى من الأوقات التي لولا وجود الشمس والقمر،

    وتناوبهما واختلافهما - لما عرف ذلك عامة الناس،

    واشتركوا في علمه، بل كان لا يعرفه إلا أفراد من الناس،

    بعد الاجتهاد، وبذلك يفوت من المصالح الضرورية ما يفوت.


    { ذَلِكَ } التقدير المذكور


    { تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }

    الذي من عزته انقادت له هذه المخلوقات العظيمة،
    فجرت مذللة مسخرة بأمره،
    بحيث لا تتعدى ما حده الله لها،
    ولا تتقدم عنه ولا تتأخر


    { الْعَلِيمُ } الذي أحاط علمه، بالظواهر والبواطن،
    والأوائل والأواخر.


    ومن الأدلة العقلية على إحاطة علمه،
    تسخير هذه المخلوقات العظيمة،
    على تقدير، ونظام بديع،
    تحيُّرُ العقول في حسنه وكماله،
    وموافقته للمصالح والحكم.



    { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ }

    حين تشتبه عليكم المسالك، ويتحير في سيره السالك،

    فجعل الله النجوم هداية للخلق إلى السبل،

    التي يحتاجون إلى سلوكها لمصالحهم، وتجاراتهم، وأسفارهم.


    منها: نجوم لا تزال ترى، ولا تسير عن محلها،

    ومنها: ما هو مستمر السير، يعرف سيرَه أهل المعرفة بذلك،

    ويعرفون به الجهات والأوقات.



    ودلت هذه الآية ونحوها

    على مشروعية تعلم سير الكواكب ومحالّها

    الذي يسمى علم التسيير، فإنه لا تتم الهداية ولا تمكن إلا بذلك.



    الحمد لله رب العالمين

  20. #160

    افتراضي

    { قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ } أي بيناها، ووضحناها،

    وميزنا كل جنس ونوع منها عن الآخر، بحيث صارت آيات الله بادية ظاهرة

    { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي: لأهل العلم والمعرفة،

    فإنهم الذين يوجه إليهم الخطاب، ويطلب منهم الجواب،

    بخلاف أهل الجهل والجفاء،

    المعرضين عن آيات الله، وعن العلم الذي جاءت به الرسل،

    فإن البيان لا يفيدهم شيئا، والتفصيل لا يزيل عنهم ملتبسا،

    والإيضاح لا يكشف لهم مشكلا.



    { وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } وهو آدم عليه السلام.

    أنشأ الله منه هذا العنصر الآدمي؛

    الذي قد ملأ الأرض ولم يزل في زيادة ونمو،

    الذي قد تفاوت في أخلاقه وخلقه، وأوصافه تفاوتا لا يمكن ضبطه،

    ولا يدرك وصفه،


    وجعل الله لهم مستقرا، أي منتهى ينتهون إليه، وغاية يساقون إليها،

    وهي دار القرار، التي لا مستقر وراءها، ولا نهاية فوقها،

    فهذه الدار، هي التي خلق الخلق لسكناها،

    وأوجدوا في الدنيا ليسعوا في أسبابها، التي تنشأ عليها وتعمر بها،

    وأودعهم الله في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم، ثم في دار الدنيا،

    ثم في البرزخ، كل ذلك، على وجه الوديعة،

    التي لا تستقر ولا تثبت،

    بل ينتقل منها حتى يوصل إلى الدار التي هي المستقر،

    وأما هذه الدار، فإنها مستودع وممر


    { قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } عن الله آياته،

    ويفهمون عنه حججه، وبيناته.


    الحمد لله رب العالمين

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •