تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 6 من 22 الأولىالأولى 12345678910111213141516 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 101 إلى 120 من 433

الموضوع: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

  1. #101

    افتراضي ( 37 ) من سورة النساء

    ثم أقسم تعالى بنفسه الكريمة
    أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله فيما شجر بينهم،


    أي: في كل شيء يحصل فيه اختلاف،

    بخلاف مسائل الإجماع،
    فإنها لا تكون إلا مستندة للكتاب والسنة،

    ثم لا يكفي هذا التحكيم حتى ينتفي الحرج من قلوبهم والضيق،

    وكونهم يحكمونه على وجه الإغماض،

    ثم لا يكفي ذلك حتى يسلموا لحكمه تسليمًا بانشراح صدر،

    وطمأنينة نفس، وانقياد بالظاهر والباطن.

    فالتحكيم في مقام الإسلام،

    وانتفاء الحرج في مقام الإيمان،

    والتسليم في مقام الإحسان.


    فمَن استكمل هذه المراتب وكملها،

    فقد استكمل مراتب الدين كلها.

    فمَن ترك هذا التحكيم المذكور
    غير ملتزم له
    فهو كافر،

    ومَن تركه،
    مع التزامه
    فله حكم أمثاله من العاصين.

    الحمد لله رب العالمين

  2. #102

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 38 )

    من سورة النساء

    { الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
    وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ
    الطَّاغُوتِ


    فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ
    إِنَّ كَيْدَ
    الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا }

    { 76 }

    هذا إخبار من الله بأن المؤمنين يقاتلون في سبيله
    { وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ } الذي هو الشيطان.

    في ضمن ذلك عدة فوائد:

    منها:
    أنه بحسب إيمان العبد يكون جهاده في سبيل الله، وإخلاصه ومتابعته.

    فالجهاد في سبيل الله من آثار الإيمان ومقتضياته ولوازمه،
    كما أن القتال في سبيل الطاغوت من شعب الكفر ومقتضياته.


    ومنها:
    أن الذي يقاتل في سبيل الله

    ينبغي له ويحسن منه من الصبر والجلد ما لا يقوم به غيره،
    فإذا كان أولياء الشيطان يصبرون ويقاتلون وهم على باطل،
    فأهل الحق أولى بذلك،


    كما قال تعالى في هذا المعنى:


    { إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ
    وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ } الآية.

    ومنها:
    أن الذي يقاتل في سبيل الله معتمد على ركن وثيق،

    وهو الحق والتوكل على الله.

    فصاحب القوة والركن الوثيق يُطلب منه من الصبر والثبات والنشاط
    ما لا يطلب ممن يقاتل عن الباطل،
    الذي لا حقيقة له ولا عاقبة حميدة.

    فلهذا قال تعالى:
    {
    فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ
    إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا
    }

    والكيد: سلوك الطرق الخفية في ضرر العدو،

    فالشيطان وإن بلغ مَكْرُهُ مهما بلغ
    فإنه في غاية الضعف،

    الذي لا يقوم لأدنى شيء من
    الحق
    ولا
    لكيد الله لعباده المؤمنين.

    الحمد لله رب العالمين

  3. #103

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 39 )

    من سورة النساء

    { وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
    وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ

    قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ

    فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا

    مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ
    فَمِنَ اللَّهِ
    وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ
    فَمِنْ نَفْسِكَ


    وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا

    مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ
    وَمَنْ تَوَلَّى
    فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا }


    { 78 - 80 }

    يخبر تعالى عن الذين لا يعلمون المعرضين عما جاءت به الرسل،
    المعارضين لهم أنهم إذا جاءتهم حسنة
    أي: خصب وكثرة أموال، وتوفر أولاد وصحة،


    قالوا: { هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ }
    وأنهم إن أصابتهم سيئة
    أي: جدب وفقر، ومرض وموت أولاد وأحباب
    قالوا: { هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ }
    أي: بسبب ما جئتنا به يا محمد،

    تطيروا برسول الله صلى الله عليه وسلم كما تطير أمثالهم برسل الله،

    كما أخبر الله عن قوم فرعون أنهم قالوا لموسى :

    { فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ
    وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ }

    وقال قوم صالح: { قالوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ }

    وقال قوم ياسين لرسلهم:
    { إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُ مْ } الآية.

    فلما تشابهت قلوبهم بالكفر
    تشابهت أقوالهم وأعمالهم.


    وهكذا كل من نسب حصول الشر أو زوال الخير
    لما جاءت به الرسل أو لبعضه
    فهو داخل في هذا الذم الوخيم.

    قال الله في جوابهم:
    { قُلْ كُلٌّ } أي: من الحسنة والسيئة والخير والشر.
    { مِنْ عِنْدِ اللَّهِ }
    أي: بقضائه وقدره وخلقه.

    { فَمَا لهَؤُلَاءِ الْقَوْم } أي: الصادر منهم تلك المقالة الباطلة.

    { لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا }
    أي: لا يفهمون حديثا بالكلية ولا يقربون من فهمه،
    أو لا يفهمون منه إلا فهمًا ضعيفًا،

    وعلى كل فهو ذم لهم وتوبيخ
    على عدم فهمهم وفقههم
    عن الله وعن رسوله،
    وذلك بسبب كفرهم وإعراضهم.


    الحمد لله رب العالمين

  4. #104

    افتراضي ( 39 ) من سورة النساء

    وفي ضمن ذلك مدْح من يفهم عن الله وعن رسوله،

    والحث على ذلك،
    وعلى الأسباب المعينة على ذلك،

    من الإقبال على كلامهما وتدبره،
    وسلوك الطرق الموصلة إليه.


    فلو فقهوا عن الله لعلموا
    أن الخير والشر والحسنات والسيئات
    كلها بقضاء الله وقدره،

    لا يخرج منها شيء عن ذلك.

    وأن الرسل عليهم الصلاة والسلام
    لا يكونون سببا لشر يحدث،
    هم ولا ما جاءوا به


    لأنهم بعثوا بصلاح الدنيا والآخرة والدين.

    ثم قال تعالى:
    { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ }
    أي: في الدين والدنيا

    { فَمِنَ اللَّهِ } هو الذي مَنَّ بها ويسرها بتيسير أسبابها.
    { وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ } في الدين والدنيا

    { فَمِنْ نَفْسِكَ } أي: بذنوبك وكسبك،
    وما يعفو الله عنه أكثر.


    فالله تعالى قد فتح لعباده أبواب إحسانه
    وأمرهم بالدخول لبره وفضله،
    وأخبرهم أن المعاصي مانعة من فضله،
    فإذا فعلها العبد فلا يلومن إلا نفسه
    فإنه المانع لنفسه عن وصول فضل الله وبره.


    ثم أخبر عن عموم رسالة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فقال:

    { وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا }
    على أنك رسول الله حقا بما أيدك بنصره
    والمعجزات الباهرة والبراهين الساطعة،
    فهي أكبر شهادة على الإطلاق،

    كما قال تعالى:

    { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً
    قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ }

    فإذا علم أن الله تعالى كامل العلم،
    تام القدرة عظيم الحكمة،

    وقد أيد الله رسوله بما أيده،
    ونصره نصرا عظيما،

    تيقن بذلك أنه رسول الله،
    وإلا فلو تقول عليه بعض الأقاويل
    لأخذ منه باليمين،

    ثم لقطع منه الوتين.
    الحمد لله رب العالمين

  5. #105

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 40 )

    من سورة النساء
    {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ
    وَمَنْ تَوَلَّى
    فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا *
    وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ
    فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ

    وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ
    فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ
    وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ
    وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا
    }
    { 80 - 81 }

    أي: كل مَنْ أطاع رسول الله في أوامره ونواهيه
    { فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ }
    تعالى
    لكونه لا يأمر ولا ينهى إلا بأمر الله وشرعه ووحيه وتنزيله،
    وفي هذا عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم
    لأن الله أمر بطاعته مطلقا،

    فلولا أنه معصوم في كل ما يُبَلِّغ عن الله
    لم يأمر بطاعته مطلقا،

    ويمدح على ذلك.
    وهذا من الحقوق المشتركة



    فإن الحقوق ثلاثة:

    حق لله تعالى
    لا يكون لأحد من الخلق،

    وهو عبادة الله والرغبة إليه، وتوابع ذلك.

    وقسم مختص بالرسول،
    وهو التعزير والتوقير والنصرة.

    وقسم مشترك،
    وهو الإيمان بالله ورسوله ومحبتهما وطاعتهما،

    كما جمع الله بين هذه الحقوق في قوله:


    { لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ
    وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا }


    فمَنْ أطاع الرسول فقد أطاع الله،
    وله من الثواب والخير ما رتب على طاعة الله


    { وَمَنْ تَوَلَّى }
    عن طاعة الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه،
    ولا يضر الله شيئًا


    { فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا }

    أي: تحفظ أعمالهم وأحوالهم،

    بل أرسلناك مبلغا ومبينا وناصحا،
    وقد أديت وظيفتك،

    ووجب أجرك على الله،
    سواء اهتدوا أم لم يهتدوا.


    كما قال تعالى:
    { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ } الآية.

    ولا بد أن تكون طاعة الله ورسوله ظاهرًا وباطنًا
    في الحضرة والمغيب.

    فأما مَنْ يظهر في الحضرة والطاعة والالتزام
    فإذا خلا بنفسه أو أبناء جنسه ترك الطاعة
    وأقبل على ضدها،

    فإن الطاعة التي أظهرها غير نافعة ولا مفيدة،


    وقد أشبه من قال الله فيهم:
    { وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ }
    أي: يظهرون الطاعة إذا كانوا عندك.

    { فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ }
    أي: خرجوا وخلوا في حالة لا يطلع فيها عليهم.

    { بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ }
    أي: بيتوا ودبروا غير طاعتك
    ولا ثَمَّ إلا المعصية.


    وفي قوله: { بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ }

    دليل على أن الأمر الذي استقروا عليه غير الطاعة؛

    لأن التبييت تدبير الأمر ليلا على وجه يستقر عليه الرأي،

    ثم توعدهم على ما فعلوا فقال:

    { وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ }
    أي: يحفظه عليهم
    وسيجازيهم عليه أتم الجزاء،
    ففيه وعيد لهم.


    ثم أمر رسوله بمقابلتهم بالإعراض وعدم التعنيف،
    فإنهم لا يضرونه شيئا
    إذا توكل على الله واستعان به
    في نصر دينه، وإقامة شرعه.

    ولهذا قال:
    { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ
    وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ
    وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا }


    الحمد لله رب العالمين

  6. #106

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 41 )

    من سورة النساء

    { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا
    فَجَزَاؤُهُ
    جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا
    وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ
    وَأَعَدَّ لَهُ
    عَذَابًا
    عَظِيمًا }
    { 93 }



    تقدم أن الله أخبر أنه لا يصدر قتل المؤمن من المؤمن،
    وأن القتل من الكفر العملي،
    وذكر هنا وعيد القاتل عمدا،
    وعيدا ترجف له القلوب وتنصدع له الأفئدة،
    وتنزعج منه أولو العقول.

    فلم يرد في أنواع الكبائر أعظم من هذا الوعيد،
    بل ولا مثله،

    ألا وهو الإخبار بأن جزاءه جهنم،
    أي: فهذا الذنب العظيم قد انتهض وحده
    أن يجازى صاحبه بجهنم،
    بما فيها من العذاب العظيم،
    والخزي المهين،
    وسخط الجبار،
    وفوات الفوز والفلاح،
    وحصول الخيبة والخسار.
    فعياذًا بالله
    من كل سبب يبعد عن رحمته.

    وهذا الوعيد له حكم أمثاله من نصوص الوعيد،
    على بعض الكبائر والمعاصي بالخلود في النار،
    أو حرمان الجنة.

    وقد اختلف الأئمة رحمهم الله في تأويلها
    مع اتفاقهم على بطلان قول الخوارج والمعتزلة
    الذين يخلدونهم في النار
    ولو كانوا موحدين.


    الحمد لله رب العالمين

  7. #107

    افتراضي ( 41 ) من سورة النساء

    والصواب في تأويلها
    ما قاله الإمام المحقق:
    شمس الدين بن القيم رحمه الله
    في "المدارج"


    ف
    إنه قال - بعدما ذكر تأويلات الأئمة في ذلك وانتقدها فقال:

    وقالت فِرقَة:
    هذه النصوص وأمثالها مما ذكر فيه المقتضي للعقوبة،
    ولا يلزم من وجود مقتضي الحكم وجوده،
    فإن الحكم إنما يتم بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه.

    وغاية هذه النصوص الإعلام بأن كذا سبب للعقوبة ومقتض لها،
    وقد قام الدليل على ذكر الموانع فبعضها بالإجماع،
    وبعضها بالنص.


    فالتوبة مانع بالإجماع،
    والتوحيد مانع بالنصوص المتواترة التي لا مدفع لها،
    والحسنات العظيمة الماحية مانعة،
    والمصائب الكبار المكفرة مانعة،
    وإقامة الحدود في الدنيا مانع بالنص،
    ولا سبيل إلى تعطيل هذه النصوص
    فلا بد من إعمال النصوص من الجانبين.


    ومن هنا قامت الموازنة بين الحسنات والسيئات،
    اعتبارًا بمقتضي العقاب ومانعه،
    وإعمالا لأرجحها.


    قالوا: وعلى هذا بناء مصالح الدارين ومفاسدهما.
    وعلى هذا بناء الأحكام الشرعية والأحكام القدرية،
    وهو مقتضى الحكمة السارية في الوجود،
    وبه ارتباط الأسباب ومسبباتها خلقا وأمرا،
    وقد جعل الله سبحانه لكل ضد ضدا يدافعه ويقاومه،
    ويكون الحكم للأغلب منهما.


    فالقوة مقتضية للصحة والعافية،
    وفساد الأخلاط وبغيها مانع من عمل الطبيعة،
    وفعل القوة والحكم للغالب منهما،
    وكذلك قوى الأدوية والأمراض.
    والعبد يكون فيه مقتض للصحة ومقتض للعطب،
    وأحدهما يمنع كمال تأثير الآخر ويقاومه،
    فإذا ترجح عليه وقهره كان التأثير له.

    ومِنْ هنا يعلم انقسام الخلق
    إلى مَنْ يدخل الجنة ولا يدخل النار،
    وعكسه،
    ومَنْ يدخل النار ثم يخرج منها
    ويكون مكثه فيها بحسب ما فيه من مقتضى المكث
    في سرعة الخروج وبطئه.

    ومن له بصيرة منورة
    يرى بها كل ما أخبر الله به في كتابه
    من أمر المعاد وتفاصيله،
    حتى كأنه يشاهده رأي عين.


    ويعلم أن هذا هو مقتضي إلهيته سبحانه،
    وربوبيته وعزته وحكمته
    وأنه يستحيل عليه خلاف ذلك،
    ونسبة ذلك إليه نسبة ما لا يليق به إليه،
    فيكون نسبة ذلك إلى بصيرته
    كنسبة الشمس والنجوم إلى بصره.


    وهذا يقين الإيمان،
    وهو الذي يحرق السيئات،
    كما تحرق النار الحطب،

    وصاحب هذا المقام من الإيمان
    يستحيل إصراره على السيئات،

    وإن وقعت منه وكثرت،
    فإن ما معه من نور الإيمان يأمره
    بتجديد التوبة كل وقت
    بالرجوع إلى الله في عدد أنفاسه،
    وهذا من أحب الخلق إلى الله.


    انتهى كلامه قدس الله روحه،
    وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرا.


    الحمد لله رب العالمين

  8. #108

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 42 )

    من سورة النساء
    { وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ
    إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ
    فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ
    كَمَا تَأْلَمُونَ
    وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ
    وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }

    { 104 }


    أي: لا تضعفوا ولا تكسلوا في ابتغاء عدوكم من الكفار،

    أي: في جهادهم والمرابطة على ذلك،

    فإن وَهَن القلب مستدع لوَهَن البدن،

    وذلك يضعف عن مقاومة الأعداء.

    بل كونوا أقوياء نشيطين في قتالهم.


    ثم ذكر ما يقوي قلوب المؤمنين،
    فذكر شيئين:


    الأول:
    أن ما يصيبكم من الألم والتعب والجراح ونحو ذلك
    فإنه يصيب أعداءكم،


    فليس من المروءة الإنسانية والشهامة الإسلامية
    أن تكونوا أضعف منهم،

    وأنتم وإياهم قد تساويتم فيما يوجب ذلك،

    لأن العادة الجارية لا يضعف إلا من توالت عليه الآلام
    وانتصر عليه الأعداء على الدوام،
    لا من يدال مرة، ويدال عليه أخرى.


    الأمر الثاني:

    أنكم ترجون من الله ما لا يرجون،
    فترجون الفوز بثوابه والنجاة من عقابه،

    بل خواص المؤمنين لهم مقاصد عالية وآمال رفيعة
    من نصر دين الله،
    وإقامة شرعه،
    واتساع دائرة الإسلام،
    وهداية الضالين،
    وقمع أعداء الدين،

    فهذه الأمور توجب للمؤمن المصدق زيادة القوة،
    وتضاعف النشاط والشجاعة التامة؛


    لأن من يقاتل ويصبر على نيل عزه الدنيوي إن ناله،

    ليس كمن يقاتل لنيل السعادة الدنيوية والأخروية،
    والفوز برضوان الله وجنته،


    فسبحان من فاوت بين العباد
    وفرق بينهم بعلمه وحكمته،

    ولهذا قال:

    { وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }
    كامل العلم كامل الحكمة

    الحمد لله رب العالمين

  9. #109

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 43 )

    من سورة النساء
    { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ
    وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ
    وَهُوَ مَعَهُمْ
    إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ
    وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا }

    { 108 }


    وهذا من ضعف الإيمان، ونقصان اليقين،
    أن تكون
    مخافة الخلق عندهم أعظم من مخافة الله،
    فيحرصون بالطرق المباحة والمحرمة
    على عدم
    الفضيحة عند الناس،
    وهم مع ذلك قد بارزوا الله
    بالعظائم،
    ولم يبالوا بنظره واطلاعه عليهم.

    وهو معهم بالعلم في جميع أحوالهم،
    خصوصًا في حال تبييتهم ما لا يرضيه من القول،
    من تبرئة الجاني، ورمي البريء بالجناية،
    والسعي في ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم
    ليفعل ما بيتوه.


    فقد جمعوا بين عدة جنايات،
    ولم يراقبوا رب الأرض والسماوات،
    المطلع على سرائرهم وضمائرهم،
    ولهذا توعدهم تعالى بقوله:


    { وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا }

    أي: قد أحاط بذلك علما،
    ومع هذا لم يعاجلهم بالعقوبة بل استأنى بهم،
    وعرض عليهم التوبة
    وحذرهم من الإصرار على ذنبهم
    الموجب للعقوبة البليغة.


    الحمد لله رب العالمين

  10. #110

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 44 )

    من سورة النساء

    { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى
    وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ
    نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا }

    { 115}


    أي: ومن يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم ويعانده فيما جاء به


    { مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى }
    بالدلائل القرآنية والبراهين النبوية.

    { وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ }
    وسبيلهم هو طريقهم في عقائدهم وأعمالهم

    { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى }
    أي: نتركه وما اختاره لنفسه، ونخذله فلا نوفقه للخير،


    لكونه رأى الحق وعلمه وتركه،


    فجزاؤه من الله عدلاً أن يبقيه في ضلاله حائرا ويزداد ضلالا إلى ضلاله.

    كما قال تعالى:
    { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ْ}

    وقال تعالى:
    { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ْ}


    ويدل مفهومها
    على أن من لم يشاقق الرسول،
    ويتبع سبيل المؤمنين،

    بأن كان قصده وجه الله واتباع رسوله
    ولزوم جماعة المسلمين،


    ثم صدر منه من الذنوب أو الهّم بها
    ما هو من مقتضيات النفوس، وغلبات الطباع،
    فإن الله لا يوليه نفسه وشيطانه بل يتداركه بلطفه،
    ويمن عليه بحفظه ويعصمه من السوء،


    كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام:

    { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ
    إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ }


    أي: بسبب إخلاصه صرفنا عنه السوء،
    وكذلك كل مخلص،
    كما يدل عليه عموم التعليل.


    وقوله: { وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ } أي: نعذبه فيها عذابا عظيما.


    { وَسَاءَتْ مَصِيرًا } أي: مرجعا له ومآلا.


    وهذا الوعيد المرتب على الشقاق ومخالفة المؤمنين
    مراتب لا يحصيها إلا الله بحسب حالة الذنب صغرا وكبرا،
    فمنه ما يخلد في النار ويوجب جميع الخذلان.
    ومنه ما هو دون ذلك،

    فلعل الآية الثانية كالتفصيل لهذا المطلق.

    يتبع ...

    الحمد لله رب العالمين

  11. #111

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 45 )

    من سورة النساء
    { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ
    وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ
    وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ
    فَقَدْ ضَلَّ
    ضَلَالًا بَعِيدًا }


    { 116}

    وهو: أن الشرك لا يغفره الله تعالى
    لتضمنه القدح في رب العالمين وفي وحدانيته

    وتسوية المخلوق الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا
    بمن هو مالك النفع والضر،
    الذي ما من نعمة إلا منه،
    ولا يدفع النقم
    إلا هو،
    الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه،
    والغنى التام بجميع وجوه الاعتبارات.


    فمن أعظم الظلم وأبعد الضلال
    عدم
    إخلاص العبادة لمن هذا شأنه وعظمته،
    وصرف شيء منها
    للمخلوق
    الذي ليس له من صفات الكمال
    شيء،
    ولا له من صفات الغنى
    شيء
    بل ليس له إلا
    العدم.
    عدم الوجود
    وعدم الكمال
    وعدم الغنى،
    والفقر من جميع الوجوه.

    وأما ما دون الشرك من الذنوب والمعاصي فهو تحت المشيئة،
    إن شاء الله غفره برحمته وحكمته،
    وإن شاء عذب عليه وعاقب بعدله وحكمته،


    وقد استدل بهذه الآية الكريمة
    على أن إجماع هذه الأمة حجة
    وأنها معصومة من الخطأ.


    ووجه ذلك:
    أن الله توعد من خالف سبيل المؤمنين بالخذلان والنار،

    و { سبيل المؤمنين } مفرد مضاف
    يشمل سائر ما المؤمنون عليه من العقائد والأعمال.

    فإذا اتفقوا على إيجاب شيء أو استحبابه،
    أو تحريمه أو كراهته، أو إباحته - فهذا سبيلهم،
    فمن خالفهم في شيء من ذلك بعد انعقاد إجماعهم عليه،
    فقد اتبع غير سبيلهم.

    الحمد لله رب العالمين

  12. #112

    افتراضي ( 45 ) من سورة النساء

    ويدل على ذلك قوله تعالى:
    { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
    تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ }

    ووجه الدلالة منها:
    أن الله تعالى أخبر أن المؤمنين من هذه الأمة
    لا يأمرون إلا بالمعروف،
    فإذا اتفقوا على إيجاب شيء أو استحبابه
    فهو مما أمروا به،
    فيتعين بنص الآية أن يكون معروفا
    ولا شيء بعد المعروف غير المنكر،
    وكذلك إذا اتفقوا على النهي عن شيء
    فهو مما نهوا عنه فلا يكون إلا منكرا،


    ومثل ذلك قوله تعالى:
    { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا
    لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاس
    }


    فأخبر تعالى أن هذه الأمة جعلها الله وسطا
    أي: عدلا خيارا
    ليكونوا شهداء على الناس
    أي: في كل شيء،
    فإذا شهدوا على حكم بأن الله أمر به أو نهى عنه أو أباحه،
    فإن شهادتهم معصومة
    لكونهم عالمين بما شهدوا به
    عادلين في شهادتهم،
    فلو كان الأمر بخلاف ذلك
    لم يكونوا عادلين في شهادتهم
    ولا عالمين بها.


    ومثل ذلك قوله تعالى:
    { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ
    فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ
    }


    يفهم منها
    أن ما لم يتنازعوا فيه
    بل اتفقوا عليه أنهم غير مأمورين برده إلى الكتاب والسنة،
    وذلك لا يكون إلا موافقا للكتاب والسنة
    فلا يكون مخالفا.

    فهذه الأدلة ونحوها
    تفيد القطع أن إجماع هذه الأمة حجة قاطعة.

    الحمد لله رب العالمين

  13. #113

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 46 )

    من سورة النساء

    { إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا
    وَإِنْ
    يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا *
    لَعَنَهُ اللَّهُ
    وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا *
    وَلَأُضِلَّنَّه ُمْ وَلَأُمَنِّيَنّ َهُمْ
    وَلَآمُرَنَّهُم ْ فَلَيُبَتِّكُنّ َ آذَانَ الْأَنْعَامِ
    وَلَآمُرَنَّهُم ْ فَلَيُغَيِّرُنّ َ خَلْقَ اللَّهِ
    وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ
    فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا *

    يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ
    وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا *
    أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ
    وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا }


    { 117 - 121 ْ}

    أي: ما يدعو هؤلاء المشركون من دون الله إلا إناثا،
    أي:
    أوثانا وأصناما مسميات بأسماء الإناث كـ "العزى" و "مناة" ونحوهما،
    ومن المعلوم أن الاسم دال على المسمى.
    فإذا كانت أسماؤها أسماء مؤنثة ناقصة،
    دل ذلك على نقص المسميات بتلك الأسماء،
    وفقدها لصفات الكمال،


    كما أخبر الله تعالى
    في غير موضع من كتابه،

    أنها لا تخلق
    ولا ترزق

    ولا تدفع عن عابديها
    بل
    ولا عن نفسها؛ نفعا ولا ضرا

    ولا تنصر أنفسها
    ممن يريدها بسوء،

    وليس لها أسماع
    ولا أبصار
    ولا أفئدة،

    فكيف يُعبد
    من هذا وصفه

    ويترك الإخلاص
    لمن له الأسماء الحسنى
    والصفات العليا
    والحمد
    والكمال،
    والمجد
    والجلال،
    والعز
    والجمال،

    والرحمة
    والبِر
    والإحسان،
    والانفراد بالخلق والتدبير،
    والحكمة العظيمة
    في الأمر والتقدير؟



    " هل هذا إلا من
    أقبح القبيح

    الدال على نقص صاحبه،



    وبلوغه من
    الخسة والدناءة
    أدنى ما يتصوره متصور،
    أو يصفه واصف ؟"


    الحمد لله رب العالمين

  14. #114

    افتراضي ( 46 ) من سورة النساء

    ومع ذلك فعبادتهم
    إنما صورتها فقط لهذه
    الأوثان الناقصة.

    وبالحقيقة ما عبدوا غير
    الشيطان
    الذي هو عدوهم الذي يريد إهلاكهم
    ويسعى في ذلك بكل ما يقدر عليه،
    الذي هو في غاية البعد من
    الله،
    لعنه الله وأبعده عن رحمته،

    فكما أبعده الله من رحمته
    يسعى في إبعاد العباد عن رحمة الله.


    { إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ }
    ولهذا أخبر الله عن سعيه في إغواء العباد،
    وتزيين الشر لهم والفساد وأنه قال لربه مقسما:


    { لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا } أي: مقدرا.

    علم اللعين أنه لا يقدر على إغواء جميع عباد الله،

    وأن عباد الله المخلصين
    ليس له عليهم سلطان،


    وإنما سلطانه على من تولاه،
    وآثر طاعته على طاعة مولاه.


    وأقسم في موضع آخر ليغوينهم
    { لَأُغْوِيَنَّهُ مْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }

    فهذا الذي ظنه الخبيث وجزم به،


    أخبر الله تعالى بوقوعه بقوله:
    {
    وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ
    فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
    }


    وهذا النصيب المفروض
    الذي أقسم لله إنه يتخذهم
    ذكر ما يريد بهم وما يقصده لهم بقوله:


    { وَلَأُضِلَّنَّه ُمْ }
    أي: عن الصراط المستقيم ضلالا في العلم،
    وضلالا في العمل.

    { وَلَأُمَنِّيَنّ َهُمْ }
    أي: مع الإضلال،
    لأمنينهم أن ينالوا ما ناله المهتدون.

    وهذا هو الغرور بعينه،
    فلم يقتصر على مجرد إضلالهم
    حتى زين لهم ما هم فيه من الضلال.


    وهذا زيادة شر إلى شرهم
    حيث عملوا أعمال أهل النار الموجبة للعقوبة

    وحسبوا أنها موجبة للجنة،
    واعتبر ذلك باليهود والنصارى ونحوهم فإنهم كما حكى الله عنهم،

    { وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى
    تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ }
    { كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ }


    { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِين َ أَعْمَالًا
    الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
    وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا
    } الآية.

    وقال تعالى عن المنافقين
    إنهم يقولون يوم القيامة للمؤمنين:

    {
    أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ
    قَالُوا بَلَى
    وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ
    وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ

    وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ
    حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ
    وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ }


    وقوله:
    { وَلَآمُرَنَّهُم ْ فَلَيُبَتِّكُنّ َ آذَانَ الْأَنْعَامِ }

    أي: بتقطيع آذانها،

    وذلك كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام
    فنبه ببعض ذلك على جميعه،


    وهذا نوع من الإضلال
    يقتضي تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله،


    ويلتحق بذلك من الاعتقادات الفاسدة والأحكام الجائرة
    ما هو من أكبر الإضلال.

    الحمد لله رب العالمين

  15. #115

    افتراضي ( 46 ) من سورة النساء

    { وَلَآمُرَنَّهُم ْ فَلَيُغَيِّرُنّ َ خَلْقَ اللَّهِ }

    وهذا يتناول تغيير الخلقة الظاهرة بالوشم،
    والوشر والنمص والتفلج للحسن،
    ونحو ذلك
    مما أغواهم به الشيطان فغيروا خلقة الرحمن.

    وذلك يتضمن التسخط من خلقته والقدح في حكمته،
    واعتقاد أن ما يصنعون بأيديهم أحسن من خلقة الرحمن،
    وعدم الرضا بتقديره وتدبيره،

    ويتناول أيضا تغيير الخلقة الباطنة،
    فإن الله تعالى خلق عباده حنفاء
    مفطورين على قبول الحق وإيثاره،

    فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن هذا الخلق الجميل،

    وزينت لهم الشر والشرك
    والكفر والفسوق والعصيان.


    فإن كل مولود يولد على الفطرة
    ولكن أبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه،

    ونحو ذلك مما يغيرون به ما فطر الله عليه العباد
    من توحيده
    وحبه ومعرفته
    .

    فافترستهم الشياطين في هذا الموضع
    افتراس السبع والذئاب للغنم المنفردة.


    لولا لطف الله وكرمه
    بعباده المخلصين

    لجرى عليهم ما جرى على هؤلاء
    المفتونين،

    وهذا الذي جرى عليهم من توليهم عن ربهم وفاطرهم
    وتوليهم لعدوهم المريد لهم الشر من كل وجه،
    فخسروا الدنيا والآخرة،
    ورجعوا بالخيبة والصفقة الخاسرة،

    ولهذا قال:

    { وَمَنْ يَتَّخِذِ
    الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ
    فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا }


    وأي خسار أبين وأعظم ممن خسر دينه ودنياه
    وأوبقته معاصيه وخطاياه
    ؟!!


    فحصل له الشقاء الأبدي،
    وفاته النعيم السرمدي.



    كما أن من تولى مولاه وآثر رضاه،
    ربح كل الربح،
    وأفلح كل الفلاح،

    وفاز بسعادة الدارين،
    وأصبح قرير العين،

    فلا مانع لما أعطيت،
    ولا معطي لما منعت،

    اللهم تولنا فيمن توليت،
    وعافنا فيمن عافيت.

    ثم قال: { يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ }
    أي: يعد الشيطان من يسعى في إضلالهم،
    والوعد يشمل حتى الوعيد

    كما قال تعالى:


    { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ }
    فإنه يعدهم إذا أنفقوا في سبيل الله افتقروا،
    ويخوفهم إذا جاهدوا بالقتل وغيره،

    كما قال تعالى:
    { إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ } الآية.

    ويخوفهم عند إيثار مرضاة الله
    بكل ما يمكن وما لا يمكن مما يدخله في عقولهم
    حتى يكسلوا عن فعل الخير،

    وكذلك يمنيهم الأماني الباطلة
    التي هي عند التحقيق كالسراب الذي لا حقيقة له،


    ولهذا قال:

    { وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ }
    أي: من انقاد للشيطان وأعرض عن ربه،
    وصار من أتباع إبليس وحزبه، مستقرهم النار.


    { وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا }

    أي: مخلصا ولا ملجأ بل هم خالدون فيها أبد الآباد.
    الحمد لله رب العالمين

  16. #116

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 47 )

    من سورة النساء

    { وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا
    مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ
    وَهُوَ مُحْسِنٌ
    وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا
    وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا
    }

    { 125 }

    أي: لا أحد أحسن من دين
    من جمع بين
    الإخلاص للمعبود،
    وهو إسلام الوجه لله
    الدال على استسلام القلب
    وتوجهه وإنابته وإخلاصه،
    وتوجه الوجه وسائر الأعضاء لله.


    { وَهُوَ }
    مع هذا
    الإخلاص والاستسلام
    { مُحْسِنٌ }
    أي:
    مُتَّبع لشريعة الله التي أرسل بها رسله،
    وأنزل كتبه،
    وجعلها طريقا لخواص خلقه وأتباعهم.


    { وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ } أي: دينه وشرعه

    { حَنِيفًا }

    أي:
    مائلا عن الشرك إلى التوحيد،
    وعن
    التوجه للخلق
    إلى
    الإقبال على الخالق،

    { وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا }
    والخُلة أعلى أنواع المحبة،
    وهذه المرتبة حصلت للخليلين محمد وإبراهيم
    عليهما الصلاة والسلام،
    وأما المحبة من الله فهي لعموم المؤمنين،
    وإنما اتخذ الله
    إبراهيم خليلا
    لأنه وفَّى بما أُمر به
    وقام بما ابْتُلي به،
    فجعله الله إماما للناس،
    واتخذه خليلا،
    ونوه بذكره في العالمين.

    الحمد لله رب العالمين

  17. #117

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 48 )

    من سورة النساء

    { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
    وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ
    أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ
    وَإِنْ تَكْفُرُوا
    فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
    وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا *
    وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
    وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا }

    { 131 ، 132}


    يخبر تعالى عن عموم ملكه العظيم الواسع المستلزم تدبيره بجميع أنواع التدبير،
    وتصرفه بأنواع التصريف قدرا وشرعا،
    فتصرفه الشرعي أن وصى الأولين والآخرين
    أهل الكتب السابقة واللاحقة بالتقوى المتضمنة للأمر والنهي،
    وتشريع الأحكام، والمجازاة لمن قام بهذه الوصية بالثواب،
    والمعاقبة لمن أهملها وضيعها بأليم العذاب،

    ولهذا قال: { وَإِنْ تَكْفُرُوا } بأن تتركوا تقوى الله،

    وتشركوا بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا،

    فإنكم لا تضرون بذلك إلا أنفسكم،
    ولا تضرون الله شيئا ولا تنقصون ملكه،
    وله عبيد خير منكم وأعظم وأكثر،
    مطيعون له خاضعون لأمره.


    ولهذا رتب على ذلك قوله:
    { وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
    وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا }
    له الجود الكامل
    والإحسان الشامل

    الصادر من خزائن رحمته

    التي لا ينقصها الإنفاق ولا يغيضها نفقة،
    سحاء الليل والنهار،
    لو اجتمع أهل السماوات وأهل الأرض أولهم وآخرهم،

    فسأل كل [واحد] منهم
    ما بلغت أمانيه ما نقص من ملكه شيئا،


    ذلك بأنه جواد واجد ماجد،

    عطاؤه كلام وعذابه كلام،
    إنما أمره لشيء إذا أراد
    أن يقول له كن فيكون.

    ومن تمام غناه
    أنه كامل الأوصاف،

    إذ لو كان فيه نقص بوجه من الوجوه،
    لكان فيه نوع افتقار إلى ذلك الكمال،
    بل له كل صفة كمال، ومن تلك الصفة كمالها،


    ومن تمام غناه
    أنه لم يتخذ صاحبة ولا ولدا،

    ولا شريكا في ملكه ولا ظهيرا،
    ولا معاونا له على شيء من تدابير ملكه.

    ومن كمال غناه
    افتقار العالم العلوي والسفلي

    في جميع أحوالهم وشئونهم إليه
    وسؤالهم إياه جميع حوائجهم الدقيقة والجليلة،
    فقام تعالى بتلك المطالب والأسئلة وأغناهم وأقناهم،
    ومَنَّ عليهم بلطفه وهداهم.



    وأما الحميد
    فهو من أسماء الله تعالى الجليلة
    الدال على أنه [هو] المستحق
    لكل حمد ومحبة وثناء وإكرام،

    وذلك لما اتصف به من صفات الحمد،
    التي هي صفة الجمال والجلال،
    ولما أنعم به على خلقه من النِّعم الجزال،
    فهو المحمود على كل حال.
    وما أحسن اقتران هذين الاسمين الكريمين
    { الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }!!

    فإنه غني محمود،



    فله كمال من غناه ،
    وكمال من حمده ،

    وكمال من اقتران أحدهما بالآخر.



    ثم كرر إحاطة ملكه لما في السماوات وما في الأرض،
    وأنه على كل شيء وكيل،
    أي: عالم قائم بتدبير الأشياء على وجه الحكمة،
    فإن ذلك من تمام الوكالة،
    فإن الوكالة تستلزم العلم بما هو وكيل عليه،
    والقوة والقدرة على تنفيذه وتدبيره،
    وكون ذلك التدبير على وجه الحكمة والمصلحة،
    فما نقص من ذلك فهو لنقص بالوكيل،

    والله تعالى مُنزَّه عن كل نقص.

    الحمد لله رب العالمين

  18. #118

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 49 )

    من سورة النساء

    { بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا *
    الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ
    أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ
    فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا
    }

    { 138 ، 139}

    البشارة تستعمل في الخير،
    وتستعمل في الشر بقيد
    كما في هذه الآية.


    يقول تعالى:
    { بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ }

    أي: الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر،
    بأقبح بشارة وأسوئها،
    وهو العذاب الأليم
    ،

    وذلك بسبب محبتهم الكفار وموالاتهم ونصرتهم،
    وتركهم لموالاة المؤمنين،
    فأي شيء حملهم على ذلك
    ؟
    أيبتغون عندهم العزة
    ؟

    وهذا هو الواقع من
    أحوال
    المنافقين،

    ساء ظنهم بالله
    وضعف يقينهم بنصر الله
    لعباده المؤمنين،

    ولحظوا بعض الأسباب التي عند الكافرين،
    وقصر نظرهم عمّا وراء ذلك،

    فاتخذوا الكافرين أولياء
    يتعززون بهم ويستنصرون.



    والحال أن
    العزة لله جميعا،



    فإن نواصي العباد بيده،
    ومشيئته نافذة فيهم.


    وقد تكفل بنصر دينه
    وعباده المؤمنين
    ،


    ولو تخلل ذلك بعض الامتحان لعباده المؤمنين،
    وإدالة العدو عليهم إدالة غير مستمرة،
    فإن العاقبة والاستقرار للمؤمنين،


    وفي هذه الآية الترهيب العظيم
    من موالاة الكافرين؛


    وترك موالاة المؤمنين،
    وأن ذلك من صفات المنافقين،
    وأن الإيمان يقتضي محبة المؤمنين وموالاتهم،
    وبغض الكافرين وعداوتهم.

    الحمد لله رب العالمين

  19. #119

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 50 )

    من سورة النساء

    { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ
    أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ
    يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا

    فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ
    حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ
    إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ
    إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ
    فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا }

    { 140 }

    أي: وقد بيَّن الله لكم فيما أنزل عليكم حكمه الشرعي
    عند حضور مجالس الكفر والمعاصي


    { أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا }
    أي: يستهان بها.


    وذلك أن الواجب على كل مكلف في آيات الله
    الإيمان بها وتعظيمها وإجلالها وتفخيمها،

    وهذا المقصود بإنزالها،
    وهو الذي خَلَق الله الخَلْق لأجله،

    فضد الإيمان الكفر بها،
    وضد تعظيمها الاستهزاء بها واحتقارها،
    ويدخل في ذلك مجادلة الكفار والمنافقين
    لإبطال آيات الله ونصر كفرهم.


    وكذلك المبتدعون على اختلاف أنواعهم،
    فإن احتجاجهم على باطلهم
    يتضمن الاستهانة بآيات الله

    لأنها لا تدل إلا على حق،
    ولا تستلزم إلا صدقا،


    بل وكذلك يدخل فيه حضور مجالس المعاصي والفسوق
    التي يستهان فيها بأوامر الله ونواهيه،

    وتقتحم حدوده التي حدها لعباده


    ومنتهى هذا النهي عن القعود معهم

    { حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ }
    أي: غير الكفر بآيات الله والاستهزاء بها.


    { إِنَّكُمْ إِذًا }
    أي: إن قعدتم معهم في الحال المذكورة


    { مِثْلُهُمْ }
    لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم،
    والراضي بالمعصية كالفاعل لها،


    والحاصل
    أن من حضر مجلسا يُعصى الله به،

    فإنه يتعين عليه الإنكار عليهم مع القدرة،
    أو القيام مع عدمها.

    { إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ
    فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا }


    كما اجتمعوا على الكفر والموالاة
    ولا ينفع الكافرين مجرد كونهم في الظاهر مع المؤمنين


    كما قال تعالى:

    { يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَا تُ لِلَّذِينَ آمَنُوا
    انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ
    }
    إلى آخر الآيات.


    الحمد لله رب العالمين

  20. #120

    افتراضي رد: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

    ( 51 )

    من سورة النساء


    { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
    لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ

    وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ
    إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ
    وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ
    فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ
    وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ
    انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ


    إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ
    سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ
    لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
    وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا
    }

    { 171 }



    ينهى تعالى أهل الكتاب عن الغلو في الدين
    وهو مجاوزة الحد والقدر المشروع
    إلى ما ليس بمشروع.

    وذلك كقول النصارى في غلوهم بعيسى عليه السلام،

    ورفعه عن مقام النبوة والرسالة إلى مقام الربوبية
    الذي لا يليق بغير الله،


    فكما أن التقصير والتفريط من المنهيات،
    فالغلو كذلك،


    ولهذا قال:
    { وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ }


    وهذا الكلام يتضمن ثلاثة أشياء:
    أمرين منهي عنهما،
    وهما قول الكذب على الله،
    والقول بلا علم
    في أسمائه وصفاته وأفعاله وشرعه ورسله،


    والثالث:
    مأمور به وهو
    قول الحق في هذه الأمور.


    ولما كانت هذه قاعدة عامة كلية،
    وكان السياق في شأن عيسى عليه السلام
    نصَّ على قول الحق فيه،

    المخالف لطريقة اليهودية والنصرانية فقال:


    { إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ }


    أي: غاية المسيح عليه السلام
    ومنتهى ما يصل إليه من مراتب الكمال


    أعلى حالة تكون للمخلوقين،

    وهي درجة الرسالة
    التي هي أعلى الدرجات وأجلّ المثوبات.

    وأنه { كَلِمَتُهُ } التي { أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ }


    أي: كلمة تكلم الله بها فكان بها عيسى،

    ولم يكن تلك الكلمة،
    وإنما كان بها،


    وهذا من باب إضافة التشريف والتكريم.

    وكذلك قوله:
    { وَرُوحٌ مّنْهُ }


    أي: من الأرواح التي خلقها
    وكمَّلها بالصفات الفاضلة والأخلاق الكاملة،


    أرسل الله روحه جبريل عليه السلام
    فنفخ في فرج مريم عليها السلام،


    فحملت بإذن الله بعيسى عليه السلام.

    فلما بيّن حقيقة عيسى عليه السلام،


    أمر أهل الكتاب بالإيمان به وبرسله،

    ونهاهم أن يجعلوا الله ثالث ثلاثة
    أحدهم عيسى، والثاني مريم،


    فهذه مقالة النصارى
    قبحهم الله.


    فأمرهم أن ينتهوا،
    وأخبر أن ذلك خير لهم،


    لأنه الذي يتعين أنه سبيل النجاة،
    وما سواه فهو
    طريق الهلاك،


    ثم نزَّه نفسه عن الشريك والولد فقال:
    { إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ }

    أي: هو المنفرد بالألوهية ،
    الذي لا تنبغي العبادة إلا له.


    { سُبْحَانَهُ }
    أي: تنزه وتقدس


    { أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ }
    لأن { لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ }

    فالكل مملوكون له مفتقرون إليه،

    فمُحال أن يكون له شريك منهم أو ولد.

    ولما أخبر أنه المالك للعالم العلوي والسفلي

    أخبر أنه قائم بمصالحهم الدنيوية والأخروية وحافظها،

    ومجازيهم عليها تعالى.

    الحمد لله رب العالمين

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •