تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 10 من 22 الأولىالأولى 1234567891011121314151617181920 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 181 إلى 200 من 433

الموضوع: تفسير آيات التوحيد في القرآن المجيد

  1. #181

    افتراضي

    ( 104 )

    من سورة الأعراف


    { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ

    سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مّن رَّبّهِمْ

    وَذِلَّةٌ فِى ٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَكَذٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُفْتَرِينَ }


    [ 152]


    قال اللّه تعالى مبينا حال أهل العجل الذين عبدوه:

    {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ } أي: إلهاً

    {سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }

    كما أغضبوا ربهم واستهانوا بأمره.


    { وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ }

    فكل مفتر على اللّه، كاذب على شرعه، متقول عليه ما لم يقل،

    فإن له نصيبا من الغضب من اللّه، والذل في الحياة الدنيا،


    وقد نالهم غضب اللّه، حيث أمرهم أن يقتلوا أنفسهم،

    وأنه لا يرضى اللّه عنهم إلا بذلك،

    فقتل بعضهم بعضا، وانجلت المعركة عن كثير من القتلى

    ثم تاب اللّه عليهم بعد ذلك.


    الحمد لله رب العالمين

  2. #182

    افتراضي

    ( 105 )


    من سورة الأعراف


    { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ

    وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ

    أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ

    قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا

    أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ *

    أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ

    وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ

    أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ *

    وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }.

    {172 -174 }


    يقول تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ }

    أي: أخرج من أصلابهم ذريتهم،

    وجعلهم يتناسلون ويتوالدون قرنا بعد قرن.


    { و } حين أخرجهم من بطون أمهاتهم وأصلاب آبائهم

    { أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ }

    أي: قررهم بإثبات ربوبيته، بما أودعه في فطرهم من الإقرار،

    بأنه ربهم وخالقهم ومليكهم.


    قالوا: بلى قد أقررنا بذلك،

    فإن اللّه تعالى فطر عباده على الدين الحنيف القيم.

    فكل أحد فهو مفطور على ذلك،

    ولكن الفطرة قد تغير وتبدل بما يطرأ عليها من العقائد الفاسدة،


    ولهذا { قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ }

    أي: إنما امتحناكم حتى أقررتم بما تقرر عندكم،

    من أن اللّه تعالى ربكم، خشية أن تنكروا يوم القيامة،

    فلا تقروا بشيء من ذلك، وتزعمون أن حجة اللّه ما قامت عليكم،

    ولا عندكم بها علم، بل أنتم غافلون عنها لاهون.


    فاليوم قد انقطعت حجتكم،

    وثبتت الحجة البالغة للّه عليكم.


    أو تحتجون أيضا بحجة أخرى، فتقولون:

    { إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ }

    فحذونا حذوهم، وتبعناهم في باطلهم.


    { أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ }

    فقد أودع اللّه في فطركم، ما يدلكم على أن ما مع آبائكم باطل،

    وأن الحق ما جاءت به الرسل،

    وهذا يقاوم ما وجدتم عليه آباءكم، ويعلو عليه.



    نعم قد يعرض للعبد من أقوال آبائه الضالين،

    ومذاهبهم الفاسدة ما يظنه هو الحق،

    وما ذاك إلا لإعراضه، عن حجج اللّه وبيناته،

    وآياته الأفقية والنفسية،

    فإعراضه عن ذلك، وإقباله على ما قاله المبطلون،

    ربما صيره بحالة يفضل بها الباطل على الحق،

    هذا هو الصواب في تفسير هذه الآيات.



    وقد قيل: إن هذا يوم أخذ اللّه الميثاق على ذرية آدم،

    حين استخرجهم من ظهره وأشهدهم على أنفسهم،

    فشهدوا بذلك، فاحتج عليهم بما أقروا به في ذلك الوقت

    على ظلمهم في كفرهم، وعنادهم في الدنيا والآخرة،

    ولكن ليس في الآية ما يدل على هذا، ولا له مناسبة،

    ولا تقتضيه حكمة اللّه تعالى، والواقع شاهد بذلك.


    فإن هذا العهد والميثاق الذي ذكروا

    أنه حين أخرج اللّه ذرية آدم من ظهره، حين كانوا في عالم كالذر،

    لا يذكره أحد، ولا يخطر ببال آدمي،

    فكيف يحتج اللّه عليهم بأمر ليس عندهم به خبر،

    ولا له عين ولا أثر؟"


    ولهذا لما كان هذا أمرا واضحا جليا، قال تعالى:

    { وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ } أي: نبينها ونوضحها،

    { وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } إلى ما أودع اللّه في فطرهم،

    وإلى ما عاهدوا اللّه عليه، فيرتدعون عن القبائح.


    الحمد لله رب العالمين

  3. #183

    افتراضي

    ( 106 )


    من سورة الأعراف


    { وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا

    وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ

    سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }.

    {180 }


    هذا بيان لعظيم جلاله وسعة أوصافه،

    بأن له الأسماء الحسنى، أي: له كل اسم حسن،

    وضابطه: أنه كل اسم دال على صفة كمال عظيمة،

    وبذلك كانت حسنى،

    فإنها لو دلت على غير صفة، بل كانت علما محضا لم تكن حسنى،

    وكذلك لو دلت على صفة ليست بصفة كمال،

    بل إما صفة نقص أو صفة منقسمة إلى المدح والقدح،

    لم تكن حسنى،


    فكل اسم من أسمائه دال على جميع الصفة التي اشتق منها،

    مستغرق لجميع معناها.


    وذلك نحو (العليم ) الدال على أن له علما محيطا عاما لجميع الأشياء،

    فلا يخرج عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.

    و ( كالرحيم ) الدال على أن له رحمة عظيمة، واسعة لكل شيء.

    و ( كالقدير ) الدال على أن له قدرة عامة، لا يعجزها شيء، ونحو ذلك.


    ومن تمام كونها "حسنى" أنه لا يدعى إلا بها،

    ولذلك قال: { فَادْعُوهُ بِهَا }

    وهذا شامل لدعاء العبادة، ودعاء المسألة،

    فيدعى في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب،

    فيقول الداعي مثلا اللّهم اغفر لي وارحمني،

    إنك أنت الغفور الرحيم،

    وتب عَلَيَّ يا تواب،

    وارزقني يا رزاق،

    والطف بي يا لطيف ونحو ذلك.


    وقوله: { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ
    سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

    أي: عقوبة وعذابا على إلحادهم في أسمائه،

    وحقيقة الإلحاد الميل بها عما جعلت له،

    إما بأن يسمى بها من لا يستحقها،

    كتسمية المشركين بها لآلهتهم،


    وإما بنفي معانيها وتحريفها،

    وأن يجعل لها معنى ما أراده اللّه ولا رسوله،

    وإما أن يشبه بها غيرها،


    فالواجب أن يحذر الإلحاد فيها، ويحذر الملحدون فيها،

    وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم

    ( أن للّه تسعة وتسعين اسما،
    من أحصاها دخل الجنة
    )


    الحمد لله رب العالمين

  4. #184

    افتراضي

    ( 107 )

    من سورة الأعراف


    { قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ

    وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ
    لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ

    إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

    { 188 }


    { قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا }

    فإني فقير مدبر، لا يأتيني خير إلا من اللّه،

    ولا يدفع عني الشر إلا هو،

    وليس لي من العلم إلا ما علمني اللّه تعالى.



    { وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ


    لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ }


    أي: لفعلت الأسباب التي أعلم أنها تنتج لي المصالح والمنافع،

    ولحذرت من كل ما يفضي إلى سوء ومكروه،

    لعلمي بالأشياء قبل كونها، وعلمي بما تفضي إليه.



    ولكني - لعدم علمي - قد ينالني ما ينالني من السوء،

    وقد يفوتني ما يفوتني من مصالح الدنيا ومنافعها،

    فهذا أدل دليل على

    أني لا علم لي بالغيب.



    { إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ } أنذر العقوبات الدينية والدنيوية والأخروية،

    وأبين الأعمال المفضية إلى ذلك، وأحذر منها.



    { وَبَشِيرٌ } بالثواب العاجل والآجل،

    ببيان الأعمال الموصلة إليه والترغيب فيها،

    ولكن ليس كل أحد يقبل هذه البشارة والنذارة،

    وإنما ينتفع بذلك ويقبله المؤمنون،



    وهذه الآيات الكريمات،

    مبينة جهل من يقصد النبي صلى الله عليه وسلم

    ويدعوه لحصول نفع أو دفع ضر.


    فإنه ليس بيده شيء من الأمر،

    ولا ينفع من لم ينفعه اللّه،

    ولا يدفع الضر عمن لم يدفعه اللّه عنه،

    ولا له من العلم إلا ما علمه اللّه تعالى،



    وإنما ينفع من قَبِل ما أرسل به من البشارة والنذارة،

    وعمل بذلك،


    فهذا نفعه صلى الله عليه وسلم،

    الذي فاق نفع الآباء والأمهات،

    والأخلاء والإخوان بما حث العباد على كل خير،

    وحذرهم عن كل شر،

    وبينه لهم غاية البيان والإيضاح.
    الحمد لله رب العالمين

  5. #185

    افتراضي

    ( 108 )


    من سورة الأعراف


    { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ

    وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا

    فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ

    فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ *

    فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا

    فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ *

    أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ *

    وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ *

    وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَتَّبِعُوكُمْ

    سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُ مْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ }.



    { 189-193 }


    أي: { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ }

    أيها الرجال والنساء، المنتشرون في الأرض على كثرتكم وتفرقكم.

    { مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } وهو آدم أبو البشر صلى الله عليه وسلم.

    { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا }

    أي: خلق من آدم زوجته حواء لأجل أن يسكن إليها

    لأنها إذا كانت منه حصل بينهما من المناسبة والموافقة

    ما يقتضي سكون أحدهما إلى الآخر،

    فانقاد كل منهما إلى صاحبه بزمام الشهوة.


    { فَلَمَّا تَغَشَّاهَا } أي: تجللها مجامعا لها

    قدَّر الباري أن يوجد من تلك الشهوة وذلك الجماع النسل،

    [وحينئذ] حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا،

    وذلك في ابتداء الحمل، لا تحس به الأنثى، ولا يثقلها.


    { فَلَمَّا } استمرت به و { أَثْقَلَتْ } به حين كبر في بطنها،

    فحينئذ صار في قلوبهما الشفقة على الولد،

    وعلى خروجه حيا صحيحا، سالما لا آفة فيه [كذلك]


    فدعوا { اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا } ولدا

    { صَالِحًا } أي: صالح الخلقة تامها، لا نقص فيه

    { لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ }.


    { فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا } على وفق ما طلبا، وتمت عليهما النعمة فيه


    { جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا }

    أي: جعلا للّه شركاء في ذلك الولد الذي انفرد اللّه بإيجاده والنعمة به،

    وأقرَّ به أعين والديه،

    فَعَبَّدَاه لغير اللّه.

    إما أن يسمياه بعبد غير اللّه كـ "عبد الحارث" و "عبد الكعبة" ونحو ذلك،

    أو يشركا باللّه في العبادة،


    بعدما منَّ اللّه عليهما بما منَّ من النعم التي لا يحصيها أحد من العباد.


    وهذا انتقال من النوع إلى الجنس،

    فإن أول الكلام في آدم وحواء، ثم انتقل إلى الكلام في الجنس،

    ولا شك أن هذا موجود في الذرية كثيرا،

    فلذلك قررهم اللّه على بطلان الشرك،


    وأنهم في ذلك ظالمون أشد الظلم،

    سواء كان الشرك في الأقوال، أم في الأفعال،


    فإن الخالق لهم من نفس واحدة،

    الذي خلق منها زوجها وجعل لهم من أنفسهم أزواجا،

    ثم جعل بينهم من المودة والرحمة ما يسكن بعضهم إلى بعض،

    ويألفه ويلتذ به، ثم هداهم إلى ما به تحصل الشهوة واللذة والأولاد والنسل.


    ثم أوجد الذرية في بطون الأمهات، وقتا موقوتا،

    تتشوف إليه نفوسهم، ويدعون اللّه أن يخرجه سويا صحيحا،

    فأتم اللّه عليهم النعمة وأنالهم مطلوبهم.


    أفلا يستحق أن يعبدوه،

    ولا يشركوا به في عبادته أحدا،

    ويخلصوا له الدين.


    ولكن الأمر جاء على العكس،

    فأشركوا باللّه من لا

    { يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ }.

    { وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ } أي: لعابديها

    { نَصْرًا وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ }.


    فإذا كانت لا تخلق شيئا،

    ولا مثقال ذرة،

    بل هي مخلوقة،

    ولا تستطيع أن تدفع المكروه عن من يعبدها،

    بل ولا عن أنفسها،

    فكيف تتخذ مع اللّه آلهة؟

    إن هذا إلا أظلم الظلم، وأسفه السفه.


    وإن تدعوا أيها المشركون هذه الأصنام، التي عبدتم من دون اللّه

    { إِلَى الْهُدَى لا يَتَّبِعُوكُمْ

    سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُ مْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ }.


    فصار الإنسان أحسن حالة منها،


    لأنها لا تسمع،

    ولا تبصر،

    ولا تهدِي ولا تُهدى،


    وكل هذا إذا تصوره اللبيب العاقل تصورا مجردا،

    جزم ببطلان إلهيتها،
    وسفاهة من عبدها.


    الحمد لله رب العالمين

  6. #186

    افتراضي

    ( 109 )


    من سورة الأعراف

    { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ

    عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ

    فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *

    أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا

    أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا

    قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ *

    إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ

    الَّذِي نـزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ }.

    {194 - 196 }


    وهذا من نوع التحدي للمشركين العابدين للأوثان،

    يقول تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ }

    أي:

    لا فرق بينكم وبينهم،

    فكلكم عبيد للّه مملوكون،


    فإن كنتم كما تزعمون صادقين في أنها تستحق من العبادة شيئا



    { فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لَكُمْ }

    فإن استجابوا لكم وحصلوا مطلوبكم،

    وإلا تبين أنكم كاذبون في هذه الدعوى،

    مفترون على اللّه أعظم الفرية،

    وهذا لا يحتاج إلى التبيين فيه،

    فإنكم إذا نظرتم إليها

    وجدتم صورتها دالة على أنه ليس لديها من النفع شيء،

    فليس لها أرجل تمشي بها،

    ولا أيد تبطش بها،

    ولا أعين تبصر بها،

    ولا آذان تسمع بها،


    فهي عادمة لجميع الآلات والقوى الموجودة في الإنسان.


    فإذا كانت لا تجيبكم إذا دعوتموها،

    وهي عباد أمثالكم،

    بل أنتم أكمل منها وأقوى على كثير من الأشياء،

    فلأي شيء عبدتموها.


    { قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ }

    أي: اجتمعوا أنتم وشركاؤكم على إيقاع السوء والمكروه بي،

    من غير إمهال ولا إنظار

    فإنكم غير بالغين لشيء من المكروه بي.



    { إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ }

    الذي يتولاني فيجلب لي المنافع ويدفع عني المضار.



    { الَّذِي نـزلَ الْكِتَابَ } الذي فيه الهدى والشفاء والنور،

    وهو من توليته وتربيته لعباده الخاصة الدينية.



    { وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ }

    الذين صلحت نياتهم وأعمالهم وأقوالهم،



    كما قال تعالى:

    { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ }




    فالمؤمنون الصالحون - لما تولوا ربهم بالإيمان والتقوى،

    ولم يتولوا غيره ممن لا ينفع ولا يضر -

    تولاهم اللّه ولطف بهم وأعانهم

    على ما فيه الخير والمصلحة لهم، في دينهم ودنياهم،

    ودفع عنهم بإيمانهم كل مكروه،


    كما قال تعالى:

    {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا }.


    الحمد لله رب العالمين

  7. #187

    افتراضي

    ( 110 )

    من سورة الأعراف


    { وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ

    لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ

    وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ *

    وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا

    وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ }

    {198,197 }


    وهذا أيضا في بيان عدم استحقاق هذه الأصنام

    التي يعبدونها من دون اللّه لشيء من العبادة،

    لأنها ليس لها استطاعة ولا اقتدار في نصر أنفسهم،

    ولا في نصر عابديها، وليس لها قوة العقل والاستجابة.


    فلو دعوتها إلى الهدى لم تهتد،

    وهي صور لا حياة فيها،

    فتراهم ينظرون إليك،

    وهم لا يبصرون حقيقة،

    لأنهم صوروها على صور الحيوانات من الآدميين أو غيرهم،

    وجعلوا لها أبصارا وأعضاء،

    فإذا رأيتها قلت: هذه حية،

    فإذا تأملتها عرفت أنها جمادات لا حراك بها، ولا حياة،

    فبأي رأي اتخذها المشركون آلهة مع اللّه؟

    ولأي مصلحة أو نفع عكفوا عندها

    وتقربوا لها بأنواع العبادات؟


    فإذا عرف هذا، عرف أن المشركين وآلهتهم التي عبدوها،

    لو اجتمعوا، وأرادوا أن يكيدوا من تولاه فاطر الأرض والسماوات،

    متولي أحوال عباده الصالحين،

    لم يقدروا على كيده بمثقال ذرة من الشر،

    لكمال عجزهم وعجزها،

    وكمال قوة اللّه واقتداره،

    وقوة من احتمى بجلاله وتوكل عليه.


    وقيل: إن معنى قوله { وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ }

    أن الضمير يعود إلى المشركين

    المكذبين لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم،

    فتحسبهم ينظرون إليك يا رسول اللّه نظر اعتبار

    يتبين به الصادق من الكاذب،

    ولكنهم لا يبصرون حقيقتك وما يتوسمه المتوسمون فيك

    من الجمال والكمال والصدق.
    الحمد لله رب العالمين

  8. #188

    افتراضي


    ( 111 )

    من سورة الأعراف


    { وَاذْكُرْ رَبَّكَ

    فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً

    وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ

    وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ *

    إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ

    وَيُسَبِّحُونَه ُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ }.


    { 205 - 206 }



    الذكر للّه تعالى يكون بالقلب، ويكون باللسان،

    ويكون بهما، وهو أكمل أنواع الذكر وأحواله،

    فأمر اللّه عبده ورسوله محمدا أصلا وغيره تبعا،

    بذكر ربه في نفسه، أي: مخلصا خاليا.


    { تَضَرُّعًا } أي: متضرعا بلسانك، مكررا لأنواع الذكر،

    { وَخِيفَةً } في قلبك بأن تكون خائفا من اللّه، وَجِلَ القلب منه،

    خوفا أن يكون عملك غير مقبول،

    وعلامة الخوف أن يسعى ويجتهد في تكميل العمل وإصلاحه، والنصح به.


    { وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ } أي: كن متوسطا،

    لا تجهر بصلاتك، ولا تخافت بها، وابتغ بين ذلك سبيلا.


    { بِالْغُدُوِّ } أول النهار { وَالآصَالِ } آخره،

    وهذان الوقتان لذكر الله فيهما مزية وفضيلة على غيرهما.


    { وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ }

    الذين نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم،

    فإنهم حرموا خير الدنيا والآخرة،

    وأعرضوا عمن كل السعادة والفوز
    في ذكره وعبوديته،

    وأقبلوا على من كل الشقاوة والخيبة في الاشتغال به،



    وهذه من الآداب التي ينبغي للعبد أن يراعيها حق رعايتها،

    وهي الإكثار من ذكر اللّه آناء الليل والنهار،

    خصوصا طَرَفَيِ النهار، مخلصا خاشعا متضرعا، متذللا ساكنا،

    وتواطئا عليه قلبه ولسانه، بأدب ووقار، وإقبال على الدعاء والذكر،

    وإحضار له بقلبه وعدم غفلة،

    فإن اللّه لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه.


    ثم ذكر تعالى أن له عبادا مستديمين لعبادته،

    ملازمين لخدمته وهم الملائكة،

    فلتعلموا أن اللّه لا يريد أن يتكثر بعبادتكم من قلة،

    ولا ليتعزز بها من ذلة،

    وإنما يريد نفع أنفسكم،

    وأن تربحوا عليه أضعاف أضعاف ما عملتم،


    فقال: { إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ

    وَيُسَبِّحُونَه ُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ }


    { إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ } من الملائكة المقربين، وحملة العرش والكروبيين.


    { لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } بل يذعنون لها وينقادون لأوامر ربهم

    { وَيُسَبِّحُونَه ُ } الليل والنهار لا يفترون.


    { وَلَهُ } وحده لا شريك له

    { يَسْجُدُونَ }

    فليقتد العباد بهؤلاء الملائكة الكرام،

    وليداوموا [على] عبادة الملك العلام.
    الحمد لله رب العالمين

  9. #189

    افتراضي

    ( 112 )


    من سورة الأنفال

    { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ

    أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ *

    وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ

    وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ

    إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ *

    إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ

    وَيُنـزلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ

    وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ

    وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ *

    إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ

    أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا

    سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ

    فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ *

    ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ

    وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ *

    ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ }.

    { 9 - 14 }


    أي: اذكروا نعمة اللّه عليكم، لما قارب التقاؤكم بعدوكم،

    استغثتم بربكم، وطلبتم منه أن يعينكم وينصركم


    { فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } وأغاثكم بعدة أمور:.


    منها: أن اللّه أمدكم { بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ }

    أي: يردف بعضهم بعضا.


    { وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ } أي: إنـزال الملائكة

    { إِلا بُشْرَى } أي: لتستبشر بذلك نفوسكم،

    { وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ } وإلا فالنصر بيد اللّه، ليس بكثرة عَدَدٍ ولا عُدَدٍ..

    { إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ} لا يغالبه مغالب، بل هو القهار،

    الذي يخذل من بلغوا من الكثرة وقوة العدد والآلات ما بلغوا.

    { حَكِيمٌ } حيث قدر الأمور بأسبابها، ووضع الأشياء مواضعها.


    ومن نصره واستجابته لدعائكم أن أنـزل عليكم نعاسا

    { يُغَشِّيكُمُ } [أي] فيذهب ما في قلوبكم من الخوف والوجل،

    ويكون { أَمَنَةً } لكم وعلامة على النصر والطمأنينة.


    ومن ذلك: أنه أنـزل عليكم من السماء مطرا ليطهركم به من الحدث والخبث،

    وليطهركم به من وساوس الشيطان ورجزه.


    { وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ } أي: يثبتها فإن ثبات القلب، أصل ثبات البدن،

    { وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ } فإن الأرض كانت سهلة دهسة

    فلما نـزل عليها المطر تلبدت، وثبتت به الأقدام.


    ومن ذلك أن اللّه أوحى إلى الملائكة

    { أَنِّي مَعَكُمْ } بالعون والنصر والتأييد،

    { فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا } أي: ألقوا في قلوبهم، وألهموهم الجراءة على عدوهم،

    ورغبوهم في الجهاد وفضله.


    { سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ }

    الذي هو أعظم جند لكم عليهم،

    فإن اللّه إذا ثبت المؤمنين وألقى الرعب في قلوب الكافرين،

    لم يقدر الكافرون على الثبات لهم ومنحهم اللّه أكتافهم.


    { فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ } أي: على الرقاب

    { وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } أي: مفصل.


    وهذا خطاب، إما للملائكة الذين أوحى الله إليهم أن يثبتوا الذين آمنوا

    فيكون في ذلك دليل أنهم باشروا القتال يوم بدر،


    أو للمؤمنين يشجعهم اللّه، ويعلمهم كيف يقتلون المشركين،

    وأنهم لا يرحمونهم،وذلك لأنهم شاقوا الله ورسوله

    أي: حاربوهما وبارزوهما بالعداوة.


    { وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }

    ومن عقابه تسليط أوليائه على أعدائه وتقتيلهم.


    { ذَلِكُمْ } العذاب المذكور

    { فَذُوقُوهُ } أيها المشاققون للّه ورسوله عذابا معجلا.

    { وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ }



    وفي هذه القصة من آيات اللّه العظيمة

    ما يدل على أن ما جاء به

    محمد صلى الله عليه وسلم رسول اللّه حقا.


    منها: أن اللّه وعدهم وعدا، فأنجزهموه.


    ومنها: ما قال اللّه تعالى:

    { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ

    يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ }الآية.


    ومنها: إجابة دعوة اللّه للمؤمنين لما استغاثوه بما ذكره من الأسباب،


    وفيها الاعتناء العظيم بحال عباده المؤمنين،

    وتقييض الأسباب التي بها ثبت إيمانهم، وثبتت أقدامهم،

    وزال عنهم المكروه والوساوس الشيطانية.


    ومنها: أن من لطف اللّه بعبده أن يسهل عليه طاعته،

    وييسرها بأسباب داخلية وخارجية.
    الحمد لله رب العالمين

  10. #190

    افتراضي

    ( 113 )


    من سورة الأنفال

    { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ
    وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ

    وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى

    وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *
    ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ *
    إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
    وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ
    وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ }.


    { 17 - 19 }

    يقول تعالى - لما انهزم المشركون يوم بدر، وقتلهم المسلمون -

    { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ } بحولكم وقوتكم

    { وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ } حيث أعانكم على ذلك بما تقدم ذكره.


    { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى }

    وذلك أن النبي
    صلى الله عليه وسلم وقت القتال

    دخل العريش وجعل يدعو اللّه، ويناشده في نصرته،

    ثم خرج منه، فأخذ حفنة من تراب، فرماها في وجوه المشركين،

    فأوصلها اللّه إلى وجوههم،

    فما بقي منهم واحد إلا وقد أصاب وجهه وفمه وعينيه منها،

    فحينئذ انكسر حدهم، وفتر زندهم،

    وبان فيهم الفشل والضعف، فانهزموا.



    يقول تعالى لنبيه: لست بقوتك - حين رميت التراب - أوصلته إلى أعينهم،

    وإنما أوصلناه إليهم بقوتنا واقتدارنا.



    { وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا }

    أي: إن اللّه تعالى قادر على انتصار المؤمنين من الكافرين،

    من دون مباشرة قتال،ولكن اللّه أراد أن يمتحن المؤمنين،

    ويوصلهم بالجهاد إلى أعلى الدرجات، وأرفع المقامات،

    ويعطيهم أجرا حسنا وثوابا جزيلا.



    { إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

    يسمع تعالى ما أسر به العبد وما أعلن،

    ويعلم ما في قلبه من النيات الصالحة وضدها،

    فيقدر على العباد أقدارا موافقة لعلمه وحكمته ومصلحة عباده،

    ويجزي كلا بحسب نيته وعمله.



    { ذَلِكُمْ } النصر من اللّه لكم

    { وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ } أي: مضعف كل مكر وكيد

    يكيدون به الإسلام وأهله، وجاعل مكرهم محيقا بهم.




    { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا } أيها المشركون،

    أي: تطلبوا من اللّه أن يوقع بأسه وعذابه على المعتدين الظالمين.



    { فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ } حين أوقع اللّه بكم من عقابه،

    ما كان نكالا لكم وعبرة للمتقين


    { وَإِنْ تَنْتَهُوا } عن الاستفتاح

    { فَهُوَ خَيْرٌ } لأنه ربما أمهلتم، ولم يعجل لكم النقمة.

    { وإن تعودوا } إلى الاستفتاح وقتال حزب الله المؤمنين

    { نَعُدْ } في نصرهم عليكم.



    { وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ }

    أي: أعوانكم وأنصاركم، الذين تحاربون وتقاتلون، معتمدين عليهم،

    شَيئا وأن الله مع الْمؤمنين.


    ومن كان اللّه معه فهو المنصور
    وإن كان ضعيفا قليلا عدده،

    وهذه المعية التي أخبر اللّه أنه يؤيد بها المؤمنين،

    تكون بحسب ما قاموا به من أعمال الإيمان.

    فإذا أديل العدو على المؤمنين في بعض الأوقات،

    فليس ذلك إلا تفريطا من المؤمنين

    وعدم قيام بواجب الإيمان ومقتضاه،

    وإلا فلو قاموا بما أمر اللّه به من كل وجه،

    لما انهزم لهم راية [انهزاما مستقرا]

    ولا أديل عليهم عدوهم أبدا.

    الحمد لله رب العالمين

  11. #191

    افتراضي

    ( 114 )


    من سورة الأنفال



    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ

    إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ

    وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ

    وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }.

    { 24 }


    يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان منهم

    وهو الاستجابة للّه وللرسول،

    أي: الانقياد لما أمرا به والمبادرة إلى ذلك والدعوة إليه،

    والاجتناب لما نهيا عنه، والانكفاف عنه والنهي عنه.


    وقوله: { إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ }

    وصف ملازم لكل ما دعا اللّه ورسوله إليه، وبيان لفائدته وحكمته،


    فإن حياة القلب والروح بعبودية اللّه تعالى ولزوم طاعته

    وطاعة رسوله على الدوام.


    ثم حذر عن عدم الاستجابة للّه وللرسول فقال:

    { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ }

    فإياكم أن تردوا أمر اللّه أول ما يأتيكم،

    فيحال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك، وتختلف قلوبكم،

    فإن اللّه يحول بين المرء وقلبه،

    يقلب القلوب حيث شاء ويصرفها أنى شاء.


    فليكثر العبد من قول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك،

    يا مصرف القلوب، اصرف قلبي إلى طاعتك.



    { وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }

    أي: تجمعون ليوم لا ريب فيه،

    فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بعصيانه.

    الحمد لله رب العالمين

  12. #192

    افتراضي


    ( 115 )




    من سورة الأنفال



    { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ

    وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ *

    وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ

    وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ

    فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ *

    وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ

    نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }.

    { 38 - 40 }


    هذا من لطفه تعالى بعباده

    لا يمنعه كفر العباد ولا استمرارهم في العناد،

    من أن يدعوهم إلى طريق الرشاد والهدى،

    وينهاهم عما يهلكهم من أسباب الغي والردى،


    فقال: { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا }

    عن كفرهم وذلك بالإسلام للّه وحده لا شريك له.

    { يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } منهم من الجرائم

    { وَإِنْ يَعُودُوا } إلى كفرهم وعنادهم

    { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ } بإهلاك الأمم المكذبة،

    فلينتظروا ما حل بالمعاندين،

    فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون،فهذا خطابه للمكذبين ،


    وأما خطابه للمؤمنين عندما أمرهم بمعاملة الكافرين،

    فقال: { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ }

    أي: شرك وصد عن سبيل اللّه، ويذعنوا لأحكام الإسلام،


    { وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ }

    فهذا المقصود من القتال والجهاد لأعداء الدين،

    أن يدفع شرهم عن الدين،

    وأن يذب عن دين اللّه الذي خلق الخلق له،

    حتى يكون هو العالي على سائر الأديان.


    { فَإِنِ انْتَهَوْا } عن ما هم عليه من الظلم

    { فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } لا تخفى عليه منهم خافية.



    { وَإِنْ تَوَلَّوْا } عن الطاعة وأوضعوا في الإضاعة


    { فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى }

    الذي يتولى عباده المؤمنين، ويوصل إليهم مصالحهم،

    وييسر لهم منافعهم الدينية والدنيوية.

    { وَنِعْمَ النَّصِيرُ } الذي ينصرهم،

    فيدفع عنهم كيد الفجار، وتكالب الأشرار.



    ومن كان اللّه مولاه وناصره
    فلا خوف عليه،


    ومن كان اللّه عليه
    فلا عِزَّ له ولا قائمة له.


    الحمد لله رب العالمين

  13. #193

    افتراضي


    ( 116 )



    من سورة التوبة


    { وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ

    أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ

    فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ

    وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ

    وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ْ}



    { 3 ْ}


    هذا ما وعد اللّه به المؤمنين، من نصر دينه وإعلاء كلمته،

    وخذلان أعدائهم من المشركين الذين أخرجوا الرسول ومن معه من مكة،

    من بيت اللّه الحرام، وأجلوهم،

    مما لهم التسلط عليه من أرض الحجاز.


    نصر اللّه رسوله والمؤمنين حتى افتتح مكة، وأذل المشركين،

    وصار للمؤمنين الحكم والغلبة على تلك الديار.


    فأمر النبي مؤذنه أن يؤذن يوم الحج الأكبر، وهو يوم النحر،

    وقت اجتماع الناس مسلمهم وكافرهم، من جميع جزيرة العرب،

    أن يؤذن بأن اللّه بريء ورسوله من المشركين،

    فليس لهم عنده عهد وميثاق،

    فأينما وجدوا قتلوا،


    وقيل لهم: لا تقربوا المسجد الحرام بعد عامكم هذا،

    وكان ذلك سنة تسع من الهجرة.


    وحج بالناس أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه،

    وأذن ببراءة -يوم النحر- ابن عم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم

    علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه.



    ثم رغب تعالى المشركين بالتوبة،

    ورهبهم من الاستمرار على الشرك



    فقال: { فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ

    وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ْ}


    أي: فائتيه، بل أنتم في قبضته،

    قادر أن يسلط عليكم عباده المؤمنين.



    { وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ْ}

    أي: مؤلم مفظع في الدنيا بالقتل والأسر، والجلاء،

    وفي الآخرة، بالنار، وبئس القرار.


    الحمد لله رب العالمين

  14. #194

    افتراضي


    ( 117 )

    من سورة التوبة


    { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ

    شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ

    أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ *

    إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ

    وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ

    وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ

    فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ }


    { 17 - 18 ْ}



    يقول تعالى: { مَا كَانَ } أي: ما ينبغي ولا يليق

    { لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ }

    بالعبادة، والصلاة، وغيرها من أنواع الطاعات،

    والحال أنهم شاهدون ومقرون على أنفسهم بالكفر

    بشهادة حالهم وفطرهم،

    وعلم كثير منهم أنهم على الكفر والباطل.


    فإذا كانوا { شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ } وعدم الإيمان،

    الذي هو شرط لقبول الأعمال،

    فكيف يزعمون أنهم عُمَّارُ مساجد اللّه،

    والأصل منهم مفقود، والأعمال منهم باطلة؟".



    ولهذا قال: { أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } أي: بطلت وضلت

    { وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ }



    ثم ذكر من هم عمار مساجد اللّه فقال:

    { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ

    وَأَقَامَ الصَّلَاةَ } الواجبة والمستحبة،

    بالقيام بالظاهر منها والباطن.


    { وَآتَى الزَّكَاةَ } لأهلها


    { وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ } أي قصر خشيته على ربه،

    فكف عما حرم اللّه، ولم يقصر بحقوق اللّه الواجبة.


    فوصفهم بالإيمان النافع،

    وبالقيام بالأعمال الصالحة التي أُمُّها الصلاة والزكاة،

    وبخشية اللّه التي هي أصل كل خير،

    فهؤلاء عمار المساجد على الحقيقة وأهلها، الذين هم أهلها.


    { فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ }

    و { عسى } من اللّه واجبة.


    وأما من لم يؤمن باللّه ولا باليوم الآخر، ولا عنده خشية للّه،

    فهذا ليس من عمار مساجد اللّه،

    ولا من أهلها الذين هم أهلها،

    وإن زعم ذلك وادعاه.


    الحمد لله رب العالمين

  15. #195

    افتراضي


    ( 118 )


    من سورة التوبة

    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ

    إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ

    وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ *

    قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ

    وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوه َا

    وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا

    أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ

    فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ

    وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }


    { 23 - 24 }


    يقول تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } اعملوا بمقتضى الإيمان،

    بأن توالوا من قام به، وتعادوا من لم يقم به.


    و { لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ } الذين هم أقرب الناس إليكم،

    وغيرهم من باب أولى وأحرى،

    فلا تتخذوهم { أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا }

    أي: اختاروا على وجه الرضا والمحبة { الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ }



    { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }

    لأنهم تجرؤوا على معاصي اللّه، واتخذوا أعداء اللّه أولياء،


    وأصل الولاية: المحبة والنصرة، وذلك أن اتخاذهم أولياء،

    موجب لتقديم طاعتهم على طاعة اللّه،

    ومحبتهم على محبة اللّه ورسوله.



    ولهذا ذكر السبب الموجب لذلك،


    وهو أن محبة اللّه ورسوله،

    يتعين تقديمهما على محبة كل شيء،

    وجعل جميع الأشياء تابعة لهما



    فقال:

    { قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ } ومثلهم الأمهات

    { وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ } في النسب والعشرة

    { وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ } أي: قراباتكم عموما

    { وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوه َا } أي: اكتسبتموها وتعبتم في تحصيلها،

    خصها بالذكر، لأنها أرغب عند أهلها، وصاحبها أشد حرصا عليها

    ممن تأتيه الأموال من غير تعب ولا كَدّ.


    { وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا } أي: رخصها ونقصها،

    وهذا شامل لجميع أنواع التجارات والمكاسب من عروض التجارات،

    من الأثمان، والأواني، والأسلحة، والأمتعة، والحبوب،

    والحروث، والأنعام، وغير ذلك.


    { وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا } من حسنها وزخرفتها وموافقتها لأهوائكم،



    فإن كانت هذه الأشياء

    { أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ }

    فأنتم فسقة ظلمة.


    { فَتَرَبَّصُوا } أي: انتظروا ما يحل بكم من العقاب

    { حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ } الذي لا مرد له.


    { وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } أي: الخارجين عن طاعة اللّه،

    المقدمين على محبة اللّه شيئا من المذكورات.



    وهذه الآية الكريمة

    أعظم دليل على وجوب محبة اللّه ورسوله،

    وعلى تقديمها على محبة كل شيء،


    وعلى الوعيد الشديد والمقت الأكيد،

    على من كان شيء من هذه المذكورات

    أحب إليه من اللّه ورسوله، وجهاد في سبيله.


    وعلامة ذلك،

    أنه إذا عرض عليه أمران، أحدهما يحبه اللّه ورسوله،

    وليس لنفسه فيها هوى،


    والآخر تحبه نفسه وتشتهيه،

    ولكنه يُفَوِّتُ عليه محبوبًا للّه ورسوله، أو ينقصه،

    فإنه إن قدم ما تهواه نفسه، على ما يحبه اللّه،

    دل ذلك على أنه ظالم، تارك لما يجب عليه.


    الحمد لله رب العالمين

  16. #196

    افتراضي

    ( 119 )


    من سورة التوبة



    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ

    فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا

    وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ

    إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

    { 28 }



    يقول تعالى:

    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ } باللّه الذين عبدوا معه غيره

    { نَجَسٌ } أي: خبثاء في عقائدهم وأعمالهم،


    وأي نجاسة أبلغ ممن كان يعبد مع اللّه آلهة

    لا تنفع ولا تضر،

    ولا تغني عنه شيئا؟".


    وأعمالهم ما بين محاربة للّه،

    وصد عن سبيل اللّه ونصر للباطل، ورد للحق،

    وعمل بالفساد في الأرض لا في الصلاح،

    فعليكم أن تطهروا أشرف البيوت وأطهرها عنهم.



    { فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا }

    وهو سنة تسع من الهجرة، حين حج بالناس أبو بكر الصديق،

    وبعث النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمه عليا،

    أن يؤذن يوم الحج الأكبر بـ { براءة }

    فنادى أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.



    وليس المراد هنا، نجاسة البدن، فإن الكافر كغيره طاهر البدن،

    بدليل أن اللّه تعالى أباح وطء الكتابية ومباشرتها،

    ولم يأمر بغسل ما أصاب منها.


    والمسلمون ما زالوا يباشرون أبدان الكفار،

    ولم ينقل عنهم أنهم تقذروا منها، تَقَذُّرَهْم من النجاسات،

    وإنما المراد كما تقدم نجاستهم المعنوية بالشرك،

    فكما أن التوحيد والإيمان طهارة،

    فالشرك نجاسة.



    وقوله: { وَإِنْ خِفْتُمْ } أيها المسلمون

    { عَيْلَةً } أي: فقرا وحاجة، من منع المشركين من قربان المسجد الحرام،

    بأن تنقطع الأسباب التي بينكم وبينهم من الأمور الدنيوية،

    { فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ }

    فليس الرزق مقصورا على باب واحد، ومحل واحد،

    بل لا ينغلق باب إلا وفتح غيره أبواب كثيرة،

    فإن فضل اللّه واسع، وجوده عظيم،

    خصوصا لمن ترك شيئا لوجهه الكريم،

    فإن اللّه أكرم الأكرمين.


    وقد أنجز اللّه وعده، فإن اللّه قد أغنى المسلمين من فضله،

    وبسط لهم من الأرزاق ما كانوا به من أكبر الأغنياء والملوك.



    وقوله: { إِنْ شَاءَ } تعليق للإغناء بالمشيئة،

    لأن الغنى في الدنيا، ليس من لوازم الإيمان،

    ولا يدل على محبة اللّه، فلهذا علقه اللّه بالمشيئة.

    فإن اللّه يعطي الدنيا، من يحب، ومن لا يحب،

    ولا يعطي الإيمان والدين، إلا من يحب.


    { إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي: علمه واسع،

    يعلم من يليق به الغنى، ومن لا يليق،

    ويضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها.



    وتدل الآية الكريمة،

    وهي قوله { فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا }

    أن المشركين بعد ما كانوا، هم الملوك والرؤساء بالبيت،

    ثم صار بعد الفتح الحكم لرسول اللّه والمؤمنين،

    مع إقامتهم في البيت، ومكة المكرمة، ثم نزلت هذه الآية.


    ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يجلوا من الحجاز،

    فلا يبقى فيها دينان، وكل هذا لأجل بُعْدِ كل كافر عن المسجد الحرام،

    فيدخل في قوله { فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا }

    الحمد لله رب العالمين

  17. #197

    افتراضي

    ( 120 )


    من سورة التوبة


    { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ

    ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ

    قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ *

    اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ

    وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا

    لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ *

    يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ

    وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ

    وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ *

    هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ

    لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ

    وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }

    { 30 - 33 }




    { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ }

    وهذه المقالة وإن لم تكن مقالة لعامتهم فقد قالها فرقة منهم،

    فيدل ذلك على أن في اليهود من الخبث والشر

    ما أوصلهم إلى أن قالوا هذه المقالة التي تجرأوا فيها على اللّه،

    وتنقصوا عظمته وجلاله.


    وقد قيل: إن سبب ادعائهم في { عزير } أنه ابن اللّه،

    أنه لما سلط الله الملوك على بني إسرائيل،

    ومزقوهم كل ممزق، وقتلوا حَمَلَةَ التوراة،

    وجدوا عزيرا بعد ذلك حافظا لها أو لأكثرها،

    فأملاها عليهم من حفظه، واستنسخوها،

    فادعوا فيه هذه الدعوى الشنيعة.


    { وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ } عيسى ابن مريم { ابْنُ اللَّهِ }

    قال اللّه تعالى { ذَلِكَ } القول الذي قالوه

    { قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ } لم يقيموا عليه حجة ولا برهانا.

    ومن كان لا يبالي بما يقول، لا يستغرب عليه أي قول يقوله،

    فإنه لا دين ولا عقل يحجزه، عما يريد من الكلام.


    ولهذا قال: { يُضَاهِئُونَ } أي: يشابهون في قولهم هذا

    { قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ }

    أي: قول المشركين الذين يقولون: ( الملائكة بنات اللّه )

    تشابهت قلوبهم، فتشابهت أقوالهم في البطلان.


    { قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }

    أي: كيف يصرفون على الحق، الصرف الواضح المبين،

    إلى القول الباطل المبين.



    وهذا -وإن كان يستغرب على أمة كبيرة كثيرة، أن تتفق على قول-

    يدل على بطلانه أدنى تفكر وتسليط للعقل عليه،



    فإن لذلك سببا وهو أنهم: { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ } وهم علماؤهم

    { وَرُهْبَانَهُمْ } أي: العُبَّاد المتجردين للعبادة.



    { أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ }

    يُحِلُّون لهم ما حرم اللّه فيحلونه،

    ويحرمون لهم ما أحل اللّه فيحرمونه،

    ويشرعون لهم من الشرائع والأقوال المنافية لدين الرسل فيتبعونهم عليها.


    وكانوا أيضا يغلون في مشايخهم وعبادهم ويعظمونهم،

    ويتخذون قبورهم أوثانا تعبد من دون اللّه،

    وتقصد بالذبائح، والدعاء والاستغاثة.


    { وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ } اتخذوه إلها من دون اللّه،



    والحال أنهم خالفوا في ذلك أمر اللّه لهم على ألسنة رسله


    فما { أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ }

    فيخلصون له العبادة والطاعة،

    ويخصونه بالمحبة والدعاء،

    فنبذوا أمر اللّه

    وأشركوا به ما لم ينزل به سلطانا.


    { سُبْحَانَهُ } وتعالى { عَمَّا يُشْرِكُونَ }

    أي: تنزه وتقدس، وتعالت عظمته عن شركهم وافترائهم،

    فإنهم ينتقصونه في ذلك،

    ويصفونه بما لا يليق بجلاله،

    واللّه تعالى العالي في أوصافه وأفعاله عن كل ما نسب إليه،

    مما ينافي كماله المقدس.



    فلما تبين أنه لا حجة لهم على ما قالوه، ولا برهان لما أصَّلوه،

    وإنما هو مجرد قول قالوه وافتراء افتروه


    أخبر أنهم { يُرِيدُونَ } بهذا { أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ }

    ونور اللّه: دينه الذي أرسل به الرسل، وأنزل به الكتب،

    وسماه اللّه نورا، لأنه يستنار به في ظلمات الجهل والأديان الباطلة،


    فإنه علم بالحق، وعمل بالحق، وما عداه فإنه بضده،

    فهؤلاء اليهود والنصارى ومن ضاهوه من المشركين،

    يريدون أن يطفئوا نور اللّه بمجرد أقوالهم،

    التي ليس عليها دليل أصلا.


    { وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ } لأنه النور الباهر،

    الذي لا يمكن لجميع الخلق لو اجتمعوا على إطفائه أن يطفئوه،

    والذي أنزله جميع نواصي العباد بيده،

    وقد تكفل بحفظه من كل من يريده بسوء،


    ولهذا قال: { وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }

    وسعوا ما أمكنهم في رده وإبطاله،

    فإن سعيهم لا يضر الحق شيئا.



    ثم بين تعالى هذا النور الذي قد تكفل بإتمامه وحفظه فقال:

    { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى } الذي هو العلم النافع

    { وَدِينِ الْحَقِّ } الذي هو العمل الصالح

    فكان ما بعث اللّه به محمدا صلى الله عليه وسلم

    مشتملا على بيان الحق من الباطل

    في أسماء اللّه وأوصافه وأفعاله، وفي أحكامه وأخباره،

    والأمر بكل مصلحة نافعة للقلوب والأرواح والأبدان


    من إخلاص الدين للّه وحده،

    ومحبة اللّه وعبادته،

    والأمر بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم،

    والأعمال الصالحة والآداب النافعة،

    والنهي عن كل ما يضاد ذلك ويناقضه

    من الأخلاق والأعمال السيئة

    المضرة للقلوب والأبدان والدنيا والآخرة.



    فأرسله اللّه بالهدى ودين الحق

    { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }

    أي: ليعليه على سائر الأديان، بالحجة والبرهان، والسيف والسنان،

    وإن كره المشركون ذلك، وبغوا له الغوائل، ومكروا مكرهم،

    فإن المكر السيئ لا يضر إلا صاحبه،

    فوعد اللّه لا بد أن ينجزه،

    وما ضمنه لابد أن يقوم به.
    الحمد لله رب العالمين

  18. #198

    افتراضي

    ( 121 )



    من سورة التوبة


    { إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ

    يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَه ُ عَامًا

    لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ

    زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ

    وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }

    { 37 }


    النسيء: هو ما كان أهل الجاهلية يستعملونه في الأشهر الحرم،

    وكان من جملة بدعهم الباطلة،

    أنهم لما رأوا احتياجهم للقتال، في بعض أوقات الأشهر الحرم،

    رأوا -بآرائهم الفاسدة- أن يحافظوا على عدة الأشهر الحرم،

    التي حرم اللّه القتال فيها، وأن يؤخروا بعض الأشهر الحرم، أو يقدموه،

    ويجعلوا مكانه من أشهر الحل ما أرادوا،

    فإذا جعلوه مكانه أحلوا القتال فيه، وجعلوا الشهر الحلال حراما،


    فهذا -كما أخبر اللّه عنهم- أنه زيادة في كفرهم وضلالهم،

    لما فيه من المحاذير.


    منها: أنهم ابتدعوه من تلقاء أنفسهم، وجعلوه بمنزلة شرع اللّه ودينه،

    واللّه ورسوله بريئان منه.


    ومنها: أنهم قلبوا الدين، فجعلوا الحلال حراما، والحرام حلالا.


    ومنها: أنهم مَوَّهوا على اللّه بزعمهم وعلى عباده،

    ولبسوا عليهم دينهم، واستعملوا الخداع والحيلة في دين اللّه.


    ومنها: أن العوائد المخالفة للشرع مع الاستمرار عليها،

    يزول قبحها عن النفوس، وربما ظن أنها عوائد حسنة،

    فحصل من الغلط والضلال ما حصل،


    ولهذا قال: { يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَه ُ عَامًا

    لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ }

    أي: ليوافقوها في العدد، فيحلوا ما حرم اللّه.


    { زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ }

    أي: زينت لهم الشياطين الأعمال السيئة، فرأوها حسنة،

    بسبب العقيدة المزينة في قلوبهم.


    { وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }

    أي: الذين انصبغ الكفر والتكذيب في قلوبهم،

    فلو جاءتهم كل آية، لم يؤمنوا.
    الحمد لله رب العالمين

  19. #199

    افتراضي

    ( 122 )


    من سورة التوبة


    { إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ

    إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ

    إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا

    فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا

    وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى

    وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا

    وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

    { 40 }



    أي: إلا تنصروا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ،

    فاللّه غني عنكم، لا تضرونه شيئا،

    فقد نصره في أقل ما يكون وأذله

    { إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا } من مكة لما هموا بقتله، وسعوا في ذلك،

    وحرصوا أشد الحرص، فألجؤوه إلى أن يخرج.


    { ثَانِيَ اثْنَيْنِ } أي: هو وأبو بكر الصديق رضي اللّه عنه.

    { إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ } أي: لما هربا من مكة،

    لجآ إلى غار ثور في أسفل مكة،

    فمكثا فيه ليبرد عنهما الطلب.


    فهما في تلك الحالة الحرجة الشديدة المشقة،

    حين انتشر الأعداء من كل جانب يطلبونهما ليقتلوهما،

    فأنزل اللّه عليهما من نصره ما لا يخطر على البال.



    { إِذْ يَقُولُ } النبي صلى الله عليه وسلم

    { لِصَاحِبِهِ } أبي بكر لما حزن واشتد قلقه،

    { لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا } بعونه ونصره وتأييده.



    { فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } أي: الثبات والطمأنينة، والسكون المثبتة للفؤاد،

    ولهذا لما قلق صاحبه سكنه وقال { لا تحزن إن اللّه معنا }


    { وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا }

    وهي الملائكة الكرام، الذين جعلهم اللّه حرسا له،



    { وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى } أي: الساقطة المخذولة،

    فإن الذين كفروا قد كانوا على حرد قادرين،

    في ظنهم على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم وأخذه، حنقين عليه،

    فعملوا غاية مجهودهم في ذلك،

    فخذلهم اللّه ولم يتم لهم مقصودهم، بل ولا أدركوا شيئا منه.


    ونصر اللّه رسوله بدفعه عنه،

    وهذا هو النصر المذكور في هذا الموضع،



    فإن النصر على قسمين:

    نصر المسلمين إذا طمعوا في عدوهم بأن يتم اللّه لهم ما طلبوا، وقصدوا،

    ويستولوا على عدوهم ويظهروا عليهم.


    والثاني نصر المستضعف الذي طمع فيه عدوه القادر،

    فنصر اللّه إياه، أن يرد عنه عدوه، ويدافع عنه،

    ولعل هذا النصر أنفع النصرين،

    ونصر اللّه رسوله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين من هذا النوع.




    وقوله { وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا } أي كلماته القدرية وكلماته الدينية،

    هي العالية على كلمة غيره، التي من جملتها قوله:


    { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ }

    { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا

    وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }

    { وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ }


    فدين اللّه هو الظاهر العالي على سائر الأديان،

    بالحجج الواضحة، والآيات الباهرة والسلطان الناصر.


    { وَاللَّهُ عَزِيزٌ } لا يغالبه مغالب، ولا يفوته هارب،

    { حَكِيمٌ } يضع الأشياء مواضعها،

    وقد يؤخر نصر حزبه إلى وقت آخر، اقتضته الحكمة الإلهية.



    وفي هذه الآية الكريمة

    فضيلة أبي بكر الصديق

    بخصيصة لم تكن لغيره من هذه الأمة،

    وهي الفوز بهذه المنقبة الجليلة، والصحبة الجميلة،

    وقد أجمع المسلمون على أنه هو المراد بهذه الآية الكريمة،

    ولهذا عدوا من أنكر صحبة أبي بكر

    للنبي صلى الله عليه وسلم كافرا،

    لأنه منكر للقرآن الذي صرح بها.



    وفيها فضيلة السكينة، وأنها من تمام نعمة اللّه على العبد

    في أوقات الشدائد والمخاوف التي تطيش بها الأفئدة،

    وأنها تكون على حسب معرفة العبد بربه،

    وثقته بوعده الصادق، وبحسب إيمانه وشجاعته.


    وفيها: أن الحزن قد يعرض لخواص عباد الله الصديقين،

    مع أن الأولى -إذا نزل بالعبد- أن يسعى في ذهابه عنه،

    فإنه مضعف للقلب، موهن للعزيمة.

    الحمد لله رب العالمين

  20. #200

    افتراضي

    ( 123 )

    من سورة التوبة


    { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا
    هُوَ مَوْلَانَا
    وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }

    {51}



    { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا }

    أي: ما قدره وأجراه في اللوح المحفوظ.

    { هُوَ مَوْلَانَا } أي: متولي أمورنا الدينية والدنيوية،

    فعلينا الرضا بأقداره

    وليس في أيدينا من الأمر شيء.


    { وَعَلَى اللَّهِ } وحده

    { فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }

    أي: يعتمدوا عليه في جلب مصالحهم ودفع المضار عنهم،

    ويثقوا به في تحصيل مطلوبهم،

    فلا خاب من توكل عليه،

    وأما من توكل على غيره،

    فإنه مخذول غير مدرك لما أمل.[1]


    ~~~~~~~~~~~~~~~~~~
    1 / قال العلامة السعـدي - رحمه الله تعالى – في كتابه
    ( مجموع الفوائد واقـتـناص الأوابد ) ص 38-39 ما نصه:

    ( سأل سائل: كيف صورة التوكل وتوضيحه؛
    فإني لا أكاد أتصور معناه فضلاً عن كوني متصفاً به ؟


    فأجيب: معلوم أن الحاجة والضرورة هي التي تدعـو إلى التوكل،

    وأنت محتاج لإصلاح دينك في القيام بالواجبات وترك المنهيات،

    وإلى إصلاح دنياك في تحصيل الكفاية في المعاش،

    فإذا علمت أن الله بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير،

    وأنه المتفرد بالعـطاء والمنع وجلب المنافع ودفع المضار،

    وهو مع ذلك كامل الحكمة واسع الرحمة أرحم بك من نفسك ومن كل أحد،

    ومع ذلك أيضاً؛ فقد أمرك بالتوكل عليه، ووعدك بالكفاية؛

    فمتى تحققتَ ذلك تحققاً قلبياً يقينياً؛


    فقم بجد واجتهاد في امتثال الأمر واجتـناب النهي بحسب مقدورك،

    وأنت في ذلك معـتمداً غاية الاعتماد بقلبك على الله في حصول ما سعيت فيه وتكميله،

    وواثق به وطامع في فضله في تيسيره لك ما سعيت فيه،

    ومتبرئ من حولك وقوتك، عالم أنه لا حول ولا قوة إلا بالله،

    وأنك وجميع الخلق أضعـف وأعجز من أن تقوموا بأمر من الأمور بغير معـونة الله وتيسيره ؛


    فمتى دمت على هذا العمل والاعتماد والتفويض وحسن الظن؛ فقد حققتَ مقام التوكل،

    وكذلك فاصنع في أمور معاشك، اعمل كل ما يناسبك من الأسباب النافعة متوكلاً على الله،

    راجياً فضله، مطمئـناً لكـفايته، معتمداً عـليه غاية الاعـتماد،

    راضياً بما قدره ودبره لك من مُسرٍّ ومحزن ،

    والتوكل على هذا الوجه نصف الإيمان،

    والله تعالى قد ضمن الكفاية للمتوكلين،

    ومما يـقـوي الـتوكل الدعـاء بقلب حاضر ورجاء قـوي.

    والله أعـلم. )


    الحمد لله رب العالمين

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •