( 215 )
من سورة طه
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا *
فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا *
يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ
وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا *
يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ
إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا *
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا *
وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ
وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا *
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا }
{ 105 - 112 }
يخبر تعالى عن أهوال القيامة، وما فيها من الزلازل والقلاقل، فقال:
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ }
أي: ماذا يصنع بها يوم القيامة، وهل تبقى بحالها أم لا؟
{ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا }
أي: يزيلها ويقلعها من أماكنها فتكون كالعهن وكالرمل،
ثم يدكها فيجعلها هباء منبثا، فتضمحل وتتلاشى، ويسويها بالأرض،
ويجعل الأرض قاعا صفصفا، مستويا لا يرى فيه أيها الناظر عِوَجًا،
هذا من تمام استوائها
{ وَلَا أَمْتًا } أي: أودية وأماكن منخفضة، أو مرتفعة
فتبرز الأرض، وتتسع للخلائق، ويمدها الله مد الأديم،
فيكونون في موقف واحد، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر،
ولهذا قال:
{ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ }
وذلك حين يبعثون من قبورهم ويقومون منها،
يدعوهم الداعي إلى الحضور والاجتماع للموقف، فيتبعونه مهطعين إليه،
لا يلتفتون عنه، ولا يعرجون يمنة ولا يسرة،
وقوله: { لَا عِوَجَ لَهُ } أي: لا عوج لدعوة الداعي،
بل تكون دعوته حقا وصدقا، لجميع الخلق،
يسمعهم جميعهم، ويصيح بهم أجمعين،
فيحضرون لموقف القيامة، خاشعة أصواتهم للرحمن،
{ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا }
أي: إلا وطء الأقدام، أو المخافتة سرا بتحريك الشفتين فقط،
يملكهم الخشوع والسكون والإنصات،
انتظارا لحكم الرحمن فيهم،
وتعنو وجوههم، أي: تذل وتخضع،
فترى في ذلك الموقف العظيم، الأغنياء والفقراء، والرجال والنساء،
والأحرار والأرقاء، والملوك والسوقة،
ساكتين منصتين، خاشعة أبصارهم، خاضعة رقابهم،
جاثين على ركبهم، عانية وجوههم،
لا يدرون ماذا ينفصل كل منهم به، ولا ماذا يفعل به،
قد اشتغل كل بنفسه وشأنه، عن أبيه وأخيه، وصديقه وحبيبه
{ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ }
فحينئذ يحكم فيهم الحاكم العدل الديان،
ويجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بالحرمان.