بسم الله الرحمن الرحيم
عرّف ابن عابدين الرقصَ بأنه: التمايلُ ، والخفضُ ، والرفعُ بحركاتٍ مَوزونة.
قال تعالى: (ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال سوءاً كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها).
قال القرطبي: "استدل العلماء بهذه الآية على ذم الرقص وتعاطيه. قال الامام أبو الوفاء ابن عقيل: قد نص القرآن على النهى عن الرقص فقال: " ولا تمش في الارض مرحا " وذم المختال. والرقص أشد المرح والبطر. أو لسنا الذين قسنا النبيذ على الخمر لاتفاقها في الإطراب والسكر، فما بالنا لا نقيس القضيب وتلحين الشعر معه على الطنبور والمزمار والطبل لاجتماعهما. فما أقبح من ذى لحية، وكيف إذا كان شيبه، يرقص ويصفق على إيقاع الألحان والقضبان، وخصوصا إن كانت أصوات لنسوان ومردان، وهل يحسن لمن بين يديه الموت والسؤال والحشر والصراط، ثم هو إلى إحدى الدارين، يشمس بالرقص شمس البهائم، ويصفق تصفيق النسوان، و الله لقد رأيت مشايخ في عمرى ما بان لهم سن من التبسم فضلاً عن الضحك مع إدمان مخالطتي لهم.
وقال أبو الفرج ابن الجوزى رحمه الله: ولقد حدثنى بعض المشايخ عن الامام الغزالي رضى الله عنه أنه قال: الرقص حماقة بين الكتفين لا تزول إلا باللعب." أ.هـ
قال العز بن عبد السلام: "الرقص لا يتعاطاه إلا ناقص العقل ولا يصلح إلا للنساء ."
وقال أيضاً: "وأما الرقص والتصفيق فخفة ورعونة مشبهة لرعونة الإناث لا يفعلها إلا راعن أو متصنع كذاب وكيف يتأتى الرقص المتزن بأوزان الغناء ممن طاش لبه وذهب قلبه ، وقد قال عليه السلام : { خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم } ، ولم يكن أحد من هؤلاء الذين يقتدى بهم يفعل شيئا من ذلك ."
إلى أن قال:
"ومن هاب الإله وأدرك شيئا من تعظيمه لم يتصور منه رقص ولا تصفيق ، ولا يصدر التصفيق والرقص إلا من غبي جاهل ، ولا يصدران من عاقل فاضل ، ويدل على جهالة فاعلهما أن الشريعة لم ترد بهما في كتاب ولا سنة ، ولم يفعل ذلك أحد الأنبياء ولا معتبر من أتباع الأنبياء ، وإنما يفعل ذلك الجهلة السفهاء الذين التبست عليهم الحقائق بالأهواء.." [قواعد الأحكام في مصالح الأنام]
ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة والقفال من الشافعية إلى كراهة الرقص معللين ذلك بأن فعله دناءة وسفه ، وأنه من مسقطات المروءة ، وأنه من اللهو.
شهادة الرقاص:
اتفق الفقهاء على رد شهادة الرقاص لأنه ساقط المروءة ، وهي شرط من شروط صحة الشهادة . ونص الشافعية والحنابلة على أن المعتبر في إسقاط المروءة هو المداومة والإكثار من الرقص ، وهو مقيد عند الشافعية بمن يليق به الرقص ، أما من لا يليق به فتسقط مروءته ولو بمرة واحدة . والمرجع في المداومة والإكثار إلى العادة ، ويختلف الأمر باختلاف عادات النواحي والبلاد ، وقد يستقبح من شخص قدر لا يستقبح من غيره . وظاهر كلام الحنفية يفيد اعتبار المداومة والإكثار كذلك ، حيث عبروا بصيغة المبالغة . قال في البناية : ولا تقبل شهادة الطفيلي والمشعوذ والرقاص والسخرة بلا خلاف . [الموسوعة الفقهية الكويتية]
قال ابن عثيمين -رحمه الله-:
"وأما الرقص من النساء فهو قبيح لا نفتي بجوازه لما بلغنا من الأحداث التي بين النساء بسببه ، وأما إن كان من الرجال فهو أقبح ، وهو من تشبه الرجال بالنساء ولا يخفى ما فيه "
وسئل:
فضيلة الشيخ: إننا نحبك في الله.. عندنا في مناطقنا هناك في الجنوب في الأعراس يحصل رقص للرجال على الطبول بأسلحتهم، فهل هذا جائز؟
الجواب: أولا: بارك الله فيك، اعلم أن الأصل في المعازف أنها حرام ومنها الطبول، ولا يحل منها إلا ما ورد الشرع به، والذي ورد به الشرع هو الدف، وكان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لا يرتاده إلا النساء، يضربن بالدف؛ والدف هو عبارة عن شيء مدور كالصحن، ويكون أحد جانبيه مستورا بالجلد الذي يكون له الصوت، أي: أنه مفتوح من جانب ومختوم بالجلد من جانب، هذا هو الذي وردت به السنة.
أما الرقص للرجال فإنه لا يجوز؛ لأن الرقص من عادات النساء وليس من عادات الرجال، وأما اللعب بالسلاح بالبنادق والسيوف وما أشبه ذلك إذا لم يكن فيه طبول فهذا لا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مكن الحبشة أن يلعبوا في وسط مسجده صلى الله عليه وسلم برماحهم، لكن بدون رقص. [لقاء الباب المفتوح]
قال بعضهم:
والرقص نقص عندهم في عقولهم ... ثم القضيب بغير ما إخفاء
هذا شعار الصالحين ومن مضى ... من سادة الزهاد والعلماء
فإذا رأيت مخالفا لفعالهم ... فاحكم عليه بعظم الإغواء
وأنشد آخر:
حرمة المرء تستقيم إذا ما ... كان في دينه على تحقيق
لا يرى الرقص والقضيب ... ولا الدف طريقا إلى صواب الطريق
وكذا الشيز والتهافت فيه ... بانكشاف الرؤوس والتصفيق
هذه سيرة الزنوج ذوي النق ... ص إذا ما هبوا لفعل الفسوق
ورد بعضهم على من احتج على جواز الرقص بقصة الحبشة:
كلا ومن نظر الأشياء مقتدرا ... إلا الصيام وحج البيت ذي الحرم
ثم الصلاة وإتياء الزكاة معا ... ثم القيام لرب العرش في الظلم
ثم الجهاد وتعليم الفروض وما ... يحتاجه الناس من فعل ومن كلم
جعلتم قصة الحبشان حجتكم ... ولم تعوجوا على الأحكام والحكم
هلا اعتبرتم بما سمعته أمكم ... أن كنتم من بنيها يا أولي التهم