بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد فهذه جملة من الأحكام تتعلق بقضاء رمضان وصيام الست من شوال،جمعتها حتى يكون الإنسان على بينة في عبادته لربه وقسمتها إلى مبحثين ذكرت في الأولأحكام القضاء، وأفردت الثاني بأحكام صيام ست من شوال فأقول وبالله التوفيق .
المبحث الأول: أحكام متعلقة بقضاء رمضان.
أولا: المفطر بغير عذر.
إذا أفطر المسلم يوماً من رمضان بغير عذر، وجب عليه أن يتوب إلى الله، ويستغفره؛ فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، ويجب عليه قضاء ذلك اليوم فقط؛ إن كان فطره بغير الجماع أي بأكل أو شرب أو استمناء أو تعمد قيئ ونحوها،أما إذا أفطر بجماع فَيُضَافُ للقضاء الكفارة وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا.
ثانيا : المفطر بعذر .
أما إذا أفطر بعذر كحيض أو نفاس أو مرضـ غير مُزْمِنٍ ـ أو سفر أو غير ذلك من الأعذار المبيحة للفطر فإنه يجب عليه القضاء فقط، ولا يشترط في القضاء التتابع، بل يصح متتابعاً ومتفرقاًقال تعالى:"فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر" .
ثالثا:من لا يستطيع القضاء:
إذا لم يستطع المسلم القضاء وذلك كأن يكون شيخا كبيرا، أو امرأة عجوزا، أو مريضا ـ مرضا مزمناـ ، فعليه الفدية عوض القضاء لقوله تعالى :" وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين"فقد كان ابن عباس يقرؤها:"وعلى الذين يُطَوَّقُونَهُ فدية طعام مسكين"ويقول:"هو الشيخ الكبير الذي كان يطيق الصوم وهو شاب فأدركه الكبر وهو لا يستطيع أن يصوم من ضعف ولا يقدر أن يترك الطعام فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا نصف صاع وعن سعيد بن المسيب مثله وكانت عائشة تقرأ [وعلى الذين يُطَوَّقُونَهُ]" اهـ أحكام القرآن للجصاص في تفسير هذه الآية، ومقدار نصف صاع هو 1كلغ من الدقيق.
رابعا: حكم الحبلى والمرضع
قد تضطر المرأة الحامل أو المرضع للإفطار في رمضان خشية الضرر على نفسيهما أو ولديهما واختلف الفقهاء في الواجب عليهما بعد ذلك ولعل أقرب الأقوال للصواب أنهما تقضيان إن أطاقتا ذلك ويكون حكمهما حكم المريض، فإن عجزتا عن القضاء فتخرجان الفدية حملا لهما على الشيخ الكبير والمرأة العجوز، ويتصور عجزها عن القضاء أن تحمل المرأة فتفطر ثم ترضع فقد تفطر رمضانين فيصبح عليها ثلاثة، ثم قد تحمل حملا آخر فيصبح عليها ثلاثة أخر، ولا شك أن قضاء ست رمضانات من العسر بمكان، والله أعلم بالصواب،"قال الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح والضحاك والنخعي والزهري وربيعة والأوزاعي وأصحاب الرأي: الحامل والمرضع يفطران ولا إطعام عليهما، بمنزلة المريض يفطر ويقضي"تفسير القرطبي الآية 184/البقرة .
وأخرج ابن جرير وابن الجارود والبيهقي من طريق سعيد بن جبيرعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:رُخصَ للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة في ذلك- وهما يطيقان الصوم- أن يُفْطِرَاإن شاءا، ويُطْعِمَا كل يوم مسكيناً، ولا قضاءَ عليهما، تم نُسخَ ذلك في هذه الآية:(وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) ؛ وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانالا يطيقان الصوم، والحبلى والمرضع إذا خافتا؛ أفطرتا، وأطعمتا كل يوم مسكيناً"صحيح أبي داود الأم:"2007"
قال ابن رشد :"وسبب اختلافهم: تردد شبههما بين الذي يجهده الصوم وبين المريض، فمن شبههما بالمريض قال: عليهما القضاء فقط، ومن شبههما بالذي يجهده الصوم قال: عليهما الإطعام فقط بدليل قراءة من قرأ :"{ وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } [البقرة: 184] الآية." بداية المجتهد كتاب الصيام اهـ ولعل ما ذكرته أولا هو جمع بين هذه الآثار والله أعلم بالصواب.
خامسا:متى يصام عن الميت
من مات وعليه صيام ولم يتمكن من قضائه ؛كأن يمرض ويموت قبل أن يبرأ فلا شيء عليه؛ إذ لم يستطع القضاء، أما إن أمكنه القضاء ولكنه فرط ففي هذه الحالة يصوم عنه وليه لقوله صلى الله عليه وسلم:" من مات وعليه صيام صام عنه وليه"، فإن كان ممن تجب عليهم الفدية أخرجت عنه.
تنبيه: من مات وسط رمضان فلا يقضى عليه باقي الشهر وكذلك إذا مات نهار رمضان فلا يقضى عليه بقية اليوم .
المبحث الثاني :أحكام صيام الست من شوال:
أولا: فضل صيام الست من شوال :
عن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال، كان كصيام الدهر) . رواه مسلم
)، وبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله «جعل الله الحسنة بعشر أمثالها الشهر بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بعد الشهر تمام السنة»ـ صحيح الجامع:"3094".
).
ثانيا :الحكم والفوائد من صيام الست من شوالـ مختصر من لطائف المعارف لابن رجب في وضائف شهر شوال.
منها: أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله.
ومنها: أن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص.
ومنها: أن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان فإن الله إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده..
ومنها: أن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكرا لهذه النعمة فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتورم قدماه فيقال له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ماتقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: "أفلا أكون عبدا شكورا".
فأما مقابلة نعمة التوفيق كصيام شهر رمضان بارتكاب المعاصي بعده فهو من فعل من بدل نعمة الله كفرا فإن كان قد عزم في صيامه على معاودة المعاصي بعد انقضاء الصيام فصيامه عليه مردود " قلت : وذلك لأن من شرط التوبة العزم على عدم العودة وهذا عازم على العودة.

ثالثا: هل يجوز صيام الست من شوال قبل قضاء رمضان ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين فمنهم المجيز ومنهم المانع واستدل كلا الفريقين بالحديث السابق، فقال المانع لا يمكن تحقق الفضل لمن لم يكمل صيام رمضان لأن الحديث صريح في قوله من صام رمضان وهذا لم يصمه، فعليه قضاء ما فات حتى يصدق عليه أنه صام رمضان ثم يتبعه بالست ويظهر بذلك الإتْبَاعفي قوله:"ثم أتبعه".
وقال المبيح إن قوله صلى الله عليه وسلم :"من صام رمضان" أي تقديرا لأن الذي سيقضي ما فاته يكون قد صام رمضان ولكن تقديرا، فيجوز له صوم الست، واستأنسوا بفعل عائشة رضي الله عنها التي كانت تقضي أيام رمضان في شعبان قالوا يبعد ألا تصوم عائشة رضي الله عنها الست.
ولا شك أن الأحوط أن يبادر الإنسان بقضاء ما عليه من رمضان ثم يصوم الست من شوال، ويكون بذلك قد وافق ظاهر الحديث.
تصحيح لفظ خاطئ:
شاع على ألسنة الكثير أنه بعد إتمام الست يقول غدا عيدي مشبها له بعيد الفطر ، والمتقرر في الشريعة أنهما عيدان، فينبغي التحفظ في مثل هذه الأمور حتى نسلم من الزيادة في الدين، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.