قرأت في احدى المنتديات بحث رائع وممتع فأحببت نقله الى هذا الموقع لتعم الفائدة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله وآله وصحبه ومن والاه . أما بعد :
فقد قرأت في بعض المواقع الطيبة بحثاً في توضيح المراد من قولهم : ((أصح شي في هذا الباب )) والذي خَلُصَ منه كاتبه إلى أن المراد بذلك : أرجح الحديثين الضعيفين في هذا الباب ، أو أرجح الأحاديث الضعيفة في هذا الباب . وقد كنتُ وقفتُ على بحثٍ مفيدٍ ممتعٍ لشيخنا الفاضل أبي عبود عبد الله بن عبود باحمران – حفظه الله ووفقه – وذلك في مناقشته فهم الدكتور الخليل لهذا القول تحت الحديث الخامس من رده على كتاب (( مستدرك التعليل )) – يسّر الله طباعته – فاستأذنت شيخنا أباعبود – حفظه الله وسدده – في نشر ما له علاقة بموضوعنا هذا فقط وأحببتُ أن يكون ذلك في موقعنا الطيب المبارك موقع كل السلفيين . وها أنا أنقله بحروفه كما هو في مسوّدة شيخنا أبي عبود حفظه الله ووفقه .
قال شيخنا الفاضل أبو عبود عبد الله بن عبود باحمران - حفظه الله ووفقه - في رده على مستدرك التعليل للدكتور الخليل – يسّر الله طباعته - : {{ الحديث الخامس :
ذكر الشيخ ناصر الدين في الإرواء (1/91، رقم52) : (( حديث عائشة : " كان صلى الله عليه و آله وسلم إذا خرج من الخلاء قال : غفرانك " . وقال : " صحيح . أخرجه .... وصححه الحاكم وكذا أبو حاتم الرازي ...)) أهـ .
ذكر الدكتور في (ص51، رقم 5) مستدركاً على الشيخ ناصر الدين أنَّ الإمام أبا حاتم ممن صحح الحديث ، فقال :
(( الاستدراك : ذكر الشيخ رحمه الله كما ذكر عدد كبير من المعاصرين أن الحافظ أبا حاتم الرازي ممن صحح الحديث ، وهذا خطأ ، سببه عدم فهم عبارة أبي حاتم رحمه الله . قال ابن أبي حاتم : " سمعت أبي يقول : أصح حديث في هذا الباب – يعني في باب الدعاء عند الخروج من الخلاء – حديث عائشة ؛ يعني حديث إسرائيل ، عن يوسف بن أبي بردة ، عن أبيه ، عن عائشة " . وعزاه في الحاشية إلى ( العلل 1/43) . )) . ثم قال : (( ومعلوم أن قول الحفاظ : أصح شيئ في الباب ، أو أحسن شيئ في الباب ، لا يعد تصحيحاً للحديث ، إنما يفيد فقط أن هذا الحديث أصح من غيره من الأحاديث التي رويت في هذا الباب )) أهـ .
أولاً : الدكتور الخليل خرج على منهجه في مستدركه فهو لم يذكر في استدراكه غير الذي ذكره فقط ؛ فأين مخالفة الشيخ ناصر الدين لحكم الأئمة المتقدمين ؟ .
ثانياً : قول الدكتور : ((ومعلوم أن قول الحفاظ : ... لا يعد تصحيحاً للحديث ، إنما يفيد فقط أن هذا الحديث أصح من غيره ... )) أهـ .
الدكتور ترك الأمر مفتوحاً على كل احتمال ، فهو لم يجزم بقول : (( أي : أحاديث الباب ضعيفة وهو أقل ضعفاً )) ، أو بقول : (( لا يقولون ذلك إلاّ في الحديث الضعيف )) ؛ وذلك لأن قول : ( هذا الحديث أصح من غيره ) لا ينافي أن يكون صحيحاً ، كما سيأتي بيانه – إن شاء الله – من صنيع البخاري والترمذي رحمهما الله تعالى .
ثم قول الدكتور : (( ومعلوم أن ... )) ؛ من أين استفاد المراد بقول ((أصح شيئ في الباب )) أَمِن المتقدمين أم من المتأخرين ؟ .
فإذا كان من المتأخرين ؛ فالحافظ ابن حجر قبل الشيخ ناصر الدين قال ذلك في باب قضاء الحاجة من ( بلوغ المرام ) : (( وعنها ؛ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا خرج من الغائط ... وصححه أبو حاتم .. )) أهـ .
وإذا كان استفاده من المتقدمين ؛ فَمَن من الأئمة المتقدمين بيّن المراد بقولهم : (( أصح ... )) ؟ .
قال الدكتور في (ص51-52) : (( ومما يدل على ذلك – مع كونه معلوماً – المثال الآتي : قال الأثرم :" سألت أحمد بن حنبل عن التسمية في الوضوء فقال : أحسن مافيها حديث كثير بن زيد ، ولا أعلم فيها حديثاً ثابتاً )) . فظهر أن قوله : (( أحسن مافيها )) لا يدل على تحسين ، أو تصحيح أي حديث في الباب بدليل قوله : (( ولا أعلم فيها حديثاً ثابتاً )) .. )) أهـ .
هنا بدأ الدكتور يكشف عن معنى مراده ، ولكن هذا المثال لا يسعفه لما يريده ، كيف ؟ قول الإمام أحمد هنا مُفَصَّل مُبَيّن واضح صريح لايحتاج إلى شيئ في فهمه ، والبحث هنا في قول : ((أصح حديث في الباب )) أو قول : (( أحسن شيئ في الباب )) ، أو قول : ((أصح شيئ في الباب وأحسن )) فقط دون قرنه ببيان حال أحاديث الباب الأخرى كما هو قول أبي حاتم .
وإلى الدكتور ما يضاد ما يريده ومن أحد الأئمة النقاد المتقدمين : أخرج الترمذي في جامعه (156) بسنده عن أنس بن مالك ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر حين زالت الشمس . وقال : (( هذا حديث صحيح ، وأحسن حديث في الباب . )) أهـ .
وإليك مثال آخر في التحسين ؛ فقد أخرج في جامعه (536) بسنده حديثَ جدِّ كثير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كبَّر في العيدين ... الحديث . وقال : (( حديثُ جدِّ كثير حديث حسنٌ ، وهو أحسن شيئ روي في الباب )) أهـ .
وإليك مثال في قول : (( أصح .. )) فما تقدَّمَ هو في قول : (( أحسن .. )) ، ففي باب ما يقول إذا دخل الخلاء من جامعه أخرج حديث أنس ، وقال : (( حديث أنس أصحُّ شيئ في في هذا الباب وأحسن )) ثم قال فيه : (( هذا حديث حسن صحيح )) .
وأخرج في جامعه (510) بسنده عن جابر بن عبدالله قال : بينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب يوم الجمعة ... الحديث ، وقال : وهذا حديث حسن صحيح أصحُّ شيئ في هذا الباب . )) أهـ .
ففي أقوال الإمام الترمذي هذه ظهر أنّ قول : (( أصح شيئ في الباب )) وقول : (( أحسن شيئ في الباب )) يدل على تصحيح أو تحسين الحديث أيضاً ، ولا يدل على ضعفه فقط .
قال الدكتور في (ص52) : (( وقد صرح ابن القيم رحمه الله أن هذه العبارة لا تدل على أنه يصحِّح الحديث ، بل تطلق عند المتقدمين على أرجح الحديثين الضعيفين . )) أهـ .
هنا صرّح الدكتور بما أراده .
لذلك أنقل من صنيع الإمامين البخاري والترمذي فقط مايبيِّن أن هذا القول يحتاج إلى مراجعة وتحقيق :

أولاً : البخاري :
1) في جامع الترمذي باب ما جاء في تخليل اللحية ( رقم30 ،31 ) قال الترمذي : (( وقال محمد بن إسماعيل :أصحُّ شيئ في هذا الباب حديث عامر بن شقيق ، عن أبي وائل ، عن عثمان . )) أهـ .
ماذا سيكون مراد البخاري بهذا القول عند الدكتور ؟ .
الجواب : أطلقه على أرجح الحديثين الضعيفين .
ولكن جواب البخاري وعمل الترمذي بخلاف جواب الدكتور ، كيف ، وأين ؟ .
في علل الترمذي الكبير بترتيب أبي طالب القاضي : باب في تخليل اللحية ، قال الترمذي : (( قال محمد : أصحُّ شيئ عندي في التخليل حديث عثمان . قلت : إنهم يتكلمون في هذا الحديث . فقال : هو حسن . )) أهـ .
فأصحُّ شيئ في قول البخاري هذا لم يطلقه على أرجح الحديثين الضعيفين عنده .
وأكّد خطأَ جواب الدكتور عملُ الترمذي في جامعه فقد أخرج حديث عامر بن شقيق هذا (31) ، وقال : (( هذا حديث حسن صحيح )) أهـ .
فالترمذي يعلم الكلام في هذا الحديث ، ولكنه اتّبع قول البخاري فيه ، والترمذي تخرّج من مدرسة البخاري في العلل ، ففهم قول شيخه البخاري : (( أصحّ شيئ في هذا الباب )) بخلاف فهم الدكتور .
فالدكتورُ خالف قولَ البخاري الصريح ، وفهمَ وعملَ الترمذي وهما من أعلام المتقدمين .
2) في باب الوضوء من مسّ الذكر من جامع الترمذي (82 ،83، 84) قال : (( قال محمد ٌ : أصحُّ شيئ في هذا الباب حديث بُسْرة . وقال أبو زرعة : حديثُ أمِّ حبيبة في هذا الباب صحيح وهو حديث العلاء بن الحارث عن مكحول ، عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة . وقال محمد : لم يسمع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان ، وروى مكحول عن رجل ، عن عنبسة غير هذا الحديث . وكأنه لم يَرَ هذا الحديث صحيحاً )) أهـ .
ففَهْم الترمذي لقول شيخه البخاري : (( أصح ... )) بخلاف قول الدكتور ، وأكّد هذا الفهم فقال في حديث بُسْرة : ((هذا حديثٌ حسن صحيح )) . واتّبع شيخه وخالف أبازرعة فيما نقله عنه .
هذا الفهم الذي خالفه الدكتور من أين أخذه الترمذي تلميذ وخرّيج البخاري ؟ .
الجواب : أخذه من قول شيخه البخاري نفسه ، أين ؟
في علل الترمذي الكبير باب الوضوء من مس الذكر ، قال الترمذي : (( وسألت محمداً عن أحاديث مس الذكر، فقال : أصح شيئ عندي في مس الذكر حديث بُسرة ابنة صفوان .... وقال محمد : وحديث عبد الله بن عمرو في مس الذكر هو عندي صحيح . )) أهـ .
(( أصح شيئ .. )) ثم حديث آخر غيره في الباب هو عنده : (( صحيح )) . فما رأي الدكتور الخليل ؟ .
3) في باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم من جامع الترمذي ( رقم 96) أخرج حديث صفوان بن عسّال ، وقال : (( قال محمد بن إسماعيل : أحسنُ شيئ في هذا الباب حديثُ صفوان بن عسّال . )) أهـ .
وحديث صفوان بن عسّال هذا قال فيه الترمذي (رقم 96 ، 3535 ، 3536) : (( هذا حديث حسن صحيح )) أهـ .
هل الترمذيُّ خالف شيخَه ، فصحّح ما ضعّفه حسب قول الدكتور ؟ .
الجواب : باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم من علل الترمذي الكبير ، قال الترمذي : (( وسألت محمداً فقلت : أي الحديث عندك أصح في التوقيت في المسح على الخفين ، قال : حديث صفوان بن عسال . وحديث أبي بكرة حسن .... )) أهـ .
فهذا (( حسن )) وذاك (( أصح )) ؛ فيكون : (( أصح )) صحيحاً ؛ لذلك صححه الترمذي .
4) في باب ما جاء في مواقيت الصلاة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جامع الترمذي ؛أخرج حديث ابن عباس ثم حديث جابر بن عبد الله ، وقال : (( حديث ابن عباس حديث حسن . وقال محمد : أصحُّ شيئ في المواقيت حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم )) أهـ .
هل خالف الترمذيُّ شيخَه ؛ فحسّن ما صعّفه حسب قول الدكتور ؟ الجواب : هذه المرة على فهم الدكتور ؛ فالبخاري يُخَرِّج في باب وقت المغرب من صحيحه أرجح حديث الباب ضعفاً، أيُعقل هذا ؟ على فهم الدكتور ؛ نعم ، كيف ؟ حديث جابر في المواقيت : أخرجه البخاري في صحيحه في موضعين في باب وقت المغرب (560) ، وفي باب وقت العشاء إذا اجتمع الناس أو تأخروا ( رقم 565) .
وأزيدُ الدكتورَ مما في باب ما جاء في مواقيت الصلاة من علل الترمذي الكبير ، قال الترمذي : (( قال محمد : أصح الأحاديث عندي في المواقيت حديث جابر بن عبد الله ، وحديث أبي موسى ... )) أهـ .
هنا زاد : (( وحديث أبي موسى )) ، على الدكتور أن يراجع باب فضل العشاء من صحيح البخاري الحديث رقم (567) هل هو حديث أبي موسى هذا ؟ .
5) في التكبير في العيدين من علل الترمذي الكبير قال الترمذي : (( سألت محمداً عن هذا الحديث ( يعني حديث عبد الله بن نافع ، عن كثير بن عبد الله ، عن أبيه ، عن جده ... فقال : ليس في الباب شيئ أصح من هذا ، وبه أقول . وحديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جَدِّه في هذا الباب هو صحيح أيضاً ...)) أهـ .
(( ليس في الباب شيئ أصح ...وبه أقول )) ؛ فقول : (( وبه أقول )) يجعل : (( أصح )) صحيحاً .
وصرّح بهذا فقال : (( وحديث عبد الله ... هو صحيح أيضاً )) ؛ فقول : (( هو صحيح أيضاً )) صريح على أنّ قوله قبلُ : (( أصح ... )) أي : صحيح .
وتبعه تلميذه وخريجه الترمذي في جامعه (536) فأخرج حديث جدِّ كثير هذا في باب في التكبير في العيدين ، وقال : (( حديث جدِّ كثير حديث حسن ، وهو أحسن شيئ روي في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . )) أهـ .
والبخاري وتلميذه الترمذي حسنا الرأي في كثير بن الله المزني : وتكاثرث سهام النقد على الترمذي دون شيخه البخاري .
6) في باب ما جاء في الحج عن الشيخ الكبير والميت من جامع الترمذي برقم (928) وقال : (( وسألتُ محمداً عن هذه الروايات ؟ فقال : أصحّ شيئ في هذا الباب ما روى ابن عباس ، عن الفضل بن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ... وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الباب غير حديث . )) أهـ .
وفوق قول : (( وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ... )) في بيان المراد بقوله : (( أصح شيئ ...)) وهو المراد بخلاف قول الدكتور ؛ فإن مارواه ابن عباس ، عن الفضل بن عباس قد أخرجه البخاري نفسه في صحيحه برقم ( 1853 ، 1855) .
وفهم تلميذه الترمذي في جامعه فهماً ضد فهم الدكتور ، فقال فيما قال فيه شيخه البخاريُّ : (( أصح ... )) : (( حديث الفضل بن عباس حديث حسن صحيح . )) أهـ .
7) في باب ما جاء في ابتياع النخل بعد التأبير ، والعبد وله مال من جامعه أخرج الترمذي (1244) من حديث الليث ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ... الحديث . وقال : (( وحديث ابن عمر حديث حسن صحيح ... قال محمد بن إسماعيل : حديث الزهري ، عن سلم ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أصح ما جاء في الباب )) أهـ .
وحديث الزهري ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... الحديث أخرجه البخاري في صحيحه برقم (2379) ؛ فما رأي الدكتور ؟ .
8) في باب صلاة الكسوف من علل الترمذي الكبير ، قال الترمذي : (( قال محمد : أصحُّ الروايات عندي في صلاة الكسوف : أربع ركعات في أربع سجدات . )) أهـ .
ما على الدكتور الخليل إلاّ أن يُمَتِّع عينيه بكتاب الكسوف من صحيح البخاري ؛ فيتيقَّن من خلل فهمه بعد أن يجد هذه الرواية فيه .
9) وأختم بما في باب كراهية الحجامة للصائم من علل الترمذي الكبير ، قال الترمذي : (( وسألت محمداً عن هذا الحديث . فقال : ليس في هذا الباب شيئ أصح من حديث شداد بن أوس ، وثوبان . فقلت له : كيف بما فيه من الاضطراب ؟ فقال : كلاهما عندي صحيح ... )) أهـ .
على الدكتور الخليل التدبّر : (( ليس في هذا الباب شيئ أصح )) اعتراض بما يدل على أن معنى أصح ؛ صحيح ، (( كيف بما فيه من الاضطراب ؟ )) نفى الاضطراب وأكّد أن معنى (( أصح )) هو صحيح فقال : (( كلاهما عندي صحيح )) .
وفي هذا الباب من جامع الترمذي ، قال: وذُكِر عن علي بن عبد الله أنه قال : أصحُّ شيئ في هذا الباب حديث ثوبان وشدّاد بن أوس ، لأن يحيى بن أبي كثير ... )) أهـ .
ماذا فّهِم الترمذي من قول علي بن المديني : (( أصح ... )) ؟ .
فَهِم كما قال البخاري : (( ... أصح ... عندي صحيح )) ؛ فبعد أن نقل جواب البخاري في العلل الكبير قال : (( وهكذا ذكروا عن علي بن المديني أنه قال : حديث شداد بن أوس ، وثوبان صحيحان )) اهـ .
ياترى هل سيقول الدكتور : (( هذا خطأ من الترمذي سببه عدم فهمه عبارة علي بن المديني )) ؛ لنعرف بعد ذلك أية طريقة للمتقدمين يُدَنْدِنُ بها .

ثانياً : الترمذي :
1) في باب ما جاء لا تُقبل صلاة بغير طهور ؛ أخرج في جامعه (رقم 1) حديث إسرائيل ، عن سِماك ، عن مصعب بن سعد ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( لا تقبل صلاة بغير طهور ... الحديث )) . وقال : (( هذا الحديث أصحُّ شيئ في هذا الباب وأحسن . وفي الباب عن أبي المليح عن أبيه ، وأبي هريرة ، وأنس . )) أهـ .
والترمذي أشار إلى أن معنى : (( أصح )) أي صحة من غيره عندما ذكره وحده في الباب ، ومسلم ذكره برقم (224) وحديث أبي هريرة برقم (225) ، والبخاري ذكر حديث أبي هريرة (135) فقط وبوّب بلفظ حديث ابن عمر : (( باب لا تقبل صلاة بغير طهور )) .
فعلى فهم الدكتور يكون حديث ابن عمر أرجح ضعفاً من حديث أبي هريرة عند الترمذي .
فإذا سألتُ الدكتورَ : أيُّ الحديثَيْن في الباب أصحّ أحديث ابن عمر أم حديث أبي هريرة ؟ .
فإذا قال الدكتور : (( حديث أبي هريرة أصح شيئ في الباب )) ؛ فهل لي أن أفهم أن حديث أبي هريرة أرجح ضعفاَ من حديث ابن عمر ؟ .
2) في باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور ؛ أخرج في جامعه (رقم 3) حديث علي ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (( مفتاح الصلاة الطهور ... الحديث )) . وقال : (( هذا الحديث أصحُّ شيئ في هذا الباب وأحسن ... وفي الباب عن جابر وأبي سعيد . )) أهـ .
وفي باب ما جاء في تحريم الصلاة وتحليلها ؛ أخرج حديث أبي سعيد ( رقم 238) وقال : (( هذا حديث حسن . وفي الباب عن علي ، وعائشة . وحديث علي بن أبي طالب أجود إسناداً وأصحّ من حديث أبي سعيد ، وقد ذكرناه في أول كتاب الوضوء ... )) أهـ .
فهل حديث عليٍّ أرجح ضعفاً من حديث أبي سعيد عند الترمذي ؛ وحديث أبي سعيد عنده حسن ؟ .
3) في باب ما يقول إذا دخل الخلاء ؛ أخرج في جامعه (5 ، 6) حديث أنس ، وقال : (( وفي الباب عن علي وزيد بن أرقم ، وجابر ، وابن مسعود . حديث أنس أصحّ شيئ في هذا الباب وأحسن . )) أهـ .
على فهم الدكتور : حديث أنس أرجح ضعفاً من أحاديث الباب الأخرى ، ننظر :
أ*) حديث أنس هذا أخرجه البخاري في صحيحه (142، 6322) ، والترمذي يعلم ذلك كما في نحو حديث أنس في جامعه (17) .
ب*) الترمذي نفسه في جامعه (6) قال في حديث أنس : (( هذا حديث حسن صحيح )) أهـ .
4) في باب ما جاء في مسح الرأس أنه يَبْدَأ بمُقَدّم الرأس إلى مُؤَخَّره ؛ أخرج في جامعه (32) حديث مالك بن أنس ، عن عمرو بن يحيى ، عن أبيه ، عن عبد الله بن زيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسح رأسه بيديه ، ... الحديث )) . وقال : (( وفي الباب عن معاوية ، والمقدام بن مَعْدِي كَرِب ، وعائشة . حديث عبد الله بن زيد أصحُّ شيئ في هذا الباب وأحسن . )) أهـ .
على فهم الدكتور : حديث عبد الله بن زيد أرجح ضعفاً من الأحاديث الأخرى ، ننظر :
أ*) حديث عبد الله بن زيد هذا ومن حديث مالك ، عن عمرو بن يحيى . أخرجه البخاري في باب مسح الرأس كله برقم (185) . وفي باب مسح الرأس مرة من حديث وُهَيب قال : حدثنا عمرو بن يحيى ؛ برقم (192) . و أخرجه في أبواب أخرى برقم (186 ، 191، 197، 199) .
ب*) في باب ما جاء أنه يُبْدَأُ بِمُؤخَّر الرأس ؛ أخرج في جامعه (33) حديث الرُبَيَّع بنت معَوِّذ بن عفراء . وقال : (( هذا حديث حسن . وحديث عبد الله بن زيد أصحّ من هذا وأجْوَدُ إسناداً . )) أهـ .
5) في باب ما جاء في الوضوء مرَّة مرَّة ؛ أخرج في جامعه (42) حديث سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يَسار ،عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم توضأ مرة مرة . وقال : (( وفي الباب عن عمر ، وجابر ، وبُريدة ، وأبي رافع ، وابن الفاكِه . وحديث ابن عباس أحسن شيئ في هذا الباب وأصحُّ )) أهـ .
على فهم الدكتور : حديث ابن عباس أرجح ضعفاً من أحاديث الباب الأخرى ، ننظر :
حديث ابن عباس هذا أخرجه البخاري في باب الوضوء مرَّة مرَّة (157) من حديث سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يَسار ، عن ابن عباس قال : توضأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرَّةً مرَّة .
6) في باب ما جاء في الوضوء ثلاثاً ثلاثاً ؛ أخرج في جامعه (44) حديث علي ؛ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً . وقال : (( وفي الباب عن عثمان ، وعائشة ، والربَيِّع ، وابن عمر ، وأبي أمامة ، وأبي رافع ، وعبد الله بن عمرو ، ومعاوية ، وأبي هريرة ، وجابر ، وعبد الله بن زيد ، وأُبي بن كعب . حديث علي أحسن شيئ في هذا الباب وأصح ، لأنه رُوي من غير وجه عن علي رضي الله عنه . )) أهـ .
على فهم الدكتور : حديث علي أرجح ضعفاً من أحاديث الباب الأخرى ، ننظر :
*أ) حديث عثمان ؛ أخرجه البخاري (159) في باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً ، وأخرجه في أبواب أخرى .
*ب) حديث عبد الله بن زيد ؛ تقدم إخراج البخاري له في أكثر من باب .
*ج) حديث علي هذا أخرجه الترمذي نفسه في باب ما جاء في وضوء النبي صلى الله عليه وآله وسلم كيف كان ؟ برقم (48 ، 49) وقال : (( وهذا حديث حسن صحيح )) وفيه بيان لقوله المتقدم : (( لأنه رُوي من غير وجه عن علي رضي الله عنه . )) أهـ .
*د) حديث عبد الله بن زيد ؛ أخرجه في باب ما جاء فيمن يتوضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثاً (47) وقال : (( وهذا حديث حسن صحيح )) أهـ .
7) في باب ما جاء في سُؤْر الهرَّة ، أخرج في جامعه (92) حديث أبي قتادة . وقال : (( وفي الباب عن عائشة ، وأبي هريرة . هذا حديث حسن صحيح ... وهذا أحسن شيئ في هذا الباب . )) أهـ .
كيف يكون حديث أبي قتادة أرجح ضعفاً من أحاديث الباب الأخرى عند الترمذي ، والترمذيُّ نفسه يصححه ؟ .
8) في باب الوضوء للجُنُب إذا أراد أن ينام ، أخرج في جامعه (120) حديث عمر ، وقال : (( وفي الباب عن عمّار ، وعائشة ، وجابر ، وأبي سعيد ، وأم سلمة . حديث عمر أحسن شيئ في هذا الباب وأصح . )) أهـ .
على فهم الدكتور : حديث عمر أرجح ضعفاً من أحاديث الباب الأخرى ، ننظر :
أ*) حديث عمر : أخرجه البخاريُّ في باب نوم الجُنُب (287) ، وباب الجنب يتوضَّأ ثم ينام (289، 290) .
ب*) حديث عائشة : أخرجه البخاري في باب كينونة الجنب في البيت إذا توضأ (286) ، وفي باب الجنب يتوضأ ثم ينام (288) .
9) في باب ما جاء في التعجيل بالظهر ، أخرج في جامعه (155) حديث عائشة وقال : (( وفي الباب عن جابر بن عبد الله ، وخبّاب ، وأبي بَرْزة ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، وأنس ، وجابر بن سَمُرة . حديث عائشة حديث حسن . )) أهـ .
ثم أخرج بعده حديث أنس (156) ، وقال : (( هذا حديث صحيح ، وهو أحسن حديث في الباب . )) أهـ .
كيف يكون حديث أنس أرجح ضعفاً من أحاديث الباب الأخرى عند الترمذي ، والترمذيُّ نفسه يصححه ؟ .
ومع هذا فحديث أنس عند البخاري (540) ، وكذا حديث أبي بَرْزة (541) ، وكذا حديث جابر (560 ، 565) .
10) في باب ما جاء في التشهد ؛ أخرج في جامعه (289) حديث ابن مسعود ، وقال : (( وفي الباب عن ابن عمر ، وجابر ، وأبي موسى ، وعائشة . حديث ابن مسعود قد رُوي عنه من غير وجه وهو أصحُّ حديث روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التشهد . )) أهـ .
فهل يادكتور الخليل حديث ابن مسعود أرجح ضعفاً من أحاديث التشهد الأخرى ؟ .
11) في باب ما جاء في التسليم في الصلاة أخرج في جامعه (295) حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه كان يُسلّم عن يمينه وعن يساره : السلام عليكم ورحمة الله . )) وقال : (( وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص ، وابن عمر ، وجابر بن سَمُرة ، والبراء ، وعمّار ، ووائل بن حُجر ، وعَدي بن عُميرة ، وجابر بن عبد الله . حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح . )) أهـ .
ثم أخرج بعده حديث عائشة (296) أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يسلِّم في الصلاة تسليمة واحدة ... الحديث )) . ثم قال : (( وأصحُّ الروايات عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تسليمتان )) أهـ .
فعلى الدكتور الخليل أن يفهم أن أحاديث التسليمتين أرجح ضعفاً من أحاديث التسليمة الواحدة .
12) في باب ما جاء في الركعتين إذا جاء الرجل والإمام يخطب ، أخرج في جامعه (510) حديث جابر بن عبد الله ، وقال : (( وهذا حديث حسن صحيح أصحُّ شيئ في هذا الباب )) أهـ .
وبعده أخرج حديث أبي سعيد (511) ، وقال : (( وفي الباب عن جابر ، وأبي هريرة ، وسهل بن سعد . حديث أبي سعيد حديث حسن صحيح . )) أهـ .
وهذا كله بخلاف فهم الدكتور الخليل .
13) في باب ما جاء في كفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، اخرج في جامعه (996) حديث عائشة ، وقال فيه : (( هذا حديث حسن صحيح )) . وبعده أخرج حديث جابر بن عبد الله (997) ، وقال : (( وفي الباب عن علي ، وابن عباس ، وعبد الله بن مُغَفَّل ، وابن عمر . حديث عائشة حديث حسن صحيح وقد رُوي في كفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رواياتٌ مختلفة ، وحديث عائشة أصحُّ الأحاديث التي رُويت في كفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . )) أهـ .
وهذا كله بخلاف فهم الدكتور .
14) في باب ما جاء لا طلاق قبلَ النكاح ، أخرج في جامعه (1181) حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، وقال : (( وفي الباب عن علي ، ومُعاذ بن جبل ، وجابر ، وابن عباس ، وعائشة . حديث عبد الله بن عمرو حديث حسن صحيح ، وهو أحسن شيئ رُوي في هذا الباب . )) أهـ .
وهذا كله بخلاف فهم الدكتور الخليل ، والترمذي في ذلك متّبع لشيخه البخاري كما في باب ما جاء لا طلاق قبل النكاح من العلل الكبير .
أكتفي بهذا من صنيع إمامَيْن من أئمة النقد المتقدمين : البخاري وتلميذه وخريجه الترمذي في أن المراد بقول : (( أصحُّ شيئ في الباب )) أو قول : (( أحسن شيئ في الباب )) أو قول : (( أصحُّ شيئ في الباب وأحسن )) هو :(( أن هذه العبارة لا تدل على أنه يصحح الحديث بل تُطلق عند المتقدمين على أرجح الحديثين الضعيفين )) ؛ يحتاج إلى مراجعة وتحرير وتحقيق . )) أهـ المراد نقله من رد شيخنا الفاضل أبي عبود عبد الله بن عبود باحمران -حفظه الله ووفقه - على الدكتور الخليل المتعلق بالموضوع وذلك من رده على كتاب (( مستدرك التعليل )) للدكتور الخليل - يسّر الله طباعته - .